-
دخول

عرض كامل الموضوع : بكل ألوان الطيف ...ناصر الماغوط


Tarek007
17/06/2005, 02:08
بكل ألوان الطيف
ناصر الماغوط : ( كلنا شركاء) 16/6/2005
(حوار حقيقي جرى بين شخص حاقد وموتور ويميني ومقولب عولميا ويشك بولائه ويشتبه بأنه خائن وعميل ولا يستبعد أن يكون من الإرهابيين، وشخص آخر يساري ماركسي متدين قومي وطني وأممي، وآدمي ابن أوادم)
قال: الآن انتهى المؤتمر، وها هو رفيقك أبو ثائر قد صار خارج القيادة.
قلت: شيء مؤسف أن يتم الاستغناء عن الرفيق أبو ثائر بعد كل هذه العقود من النضال والإخلاص والتفاني للحزب والثورة، هذا غير الخبرة الكبيرة التي اكتسبها والتي تجعله بحكم السنين التي قضاها واحدا من أهم وأقدم القادة في العالم الذين لا يزالون على قيد الحياة، وقد كان حريا بهم أن لا يستغنوا عنه ليستفيدوا من خبرته حتى آخر لحظة في عمره.
قال: أية خبرة؟ هل تقصد الخبرة في النهب والسلب والرشاوى والفساد وجمع الثروات الطائلة التي لا تأكلها النيران.
قلت: الرفيق أبو ثائر من الرفاق المناضلين المؤمنين بالاشتراكية قولا وعملا ولا أظن أن الإنسان الاشتراكي النقي يسعى لأن يكون برجوازيا عفنا ورأسماليا احتكاريا وإمبرياليا قذرا.
قال: إذن من أين حصل على كل هذه الثروة هو أبناؤه؟
قلت: أية ثروة؟ لقد قضى الرفيق أبو ثائر كل عمره على الطرقات وفي الطائرات يسافر في مهمات خارج القطر لتمثيل بلاده والتعاقد باسمها والعمل لأجلها، وأنت تعلم أن كل هذه السفرات الخارجية يقبض عليها مهمات بالعملة الصعبة حلال زلال كما هو منصوص عنه في القانون. فاحسب كم مرة سافر وكم دولار عن كل سفرة قبض واضربهما ببعضهما تجد أنه قد صار عنده بركة من عند الله. ولذلك فهو وأمثاله غير محتاجين أصلا كي يسرقوا. سافروا أكثر مما قضوا هنا في البلد، وكله شغل: مؤتمرات واجتماعات ولقاءات وتبادل زيارات. وهذا من طبيعة عمله وعمل أمثاله من الرفاق، لذلك ليس مستغربا إذا كان عنده بضعة ملايين هي مجموعة وفورات حققها من مهماته الخارجية يا أيها الحسود.
قال: بضعة ملايين؟ خليها تدفي جيبتك. قل بضعة مليارات. ولعلمك، مهما سافر رفيقك أبو ثائر ومهما أخذ مهمات وداوم ساعات إضافية وأخذ تعويضا عائليا، لا يمكن أن يجمع ثروة بحجم تلك التي لا يحلم بها ولا كبار رجال المافيا، اللهم إلا إذا كان الرفيق ابو ثائر يعتبر أن أبناء الوطن العربي هم جميعهم أبناؤه وكان يتقاضى عن كل واحد منهم تعويضا عائليا كل شهر.
قلت : لا تبالغ يا أخي ولا تنس أنه لا يجوز شرعا أن تتهم أحدا ما لم يكن لديك دليل ضده. كل ما يشاع عن الرفيق أبو ثائر هو قيل عن قال، وهو في أغلبه كلام حاقدين وموتورين، ولا يرقى إلى مستوى الدليل.
قال: هل أنت أجدب أم تتظاهر بأنك أجدب؟ طيب من أين إذن جاء هو وأولاده وأقرباؤه بكل هذه الوكالات والشركات ؟
قلت: كثير من الناس لديهم وكالات وعندهم شركات مع أنهم لم يستلموا منصبا حكوميا في حياتهم. فوجود شركة أو وكالة لا يشكل بحد ذاته دليلا على أن مصدر هذه الوكالات والشركات أموال غير مشروعة، كن موضوعيا يا أخي.
قال: أنا مستعد أن أضع كل الكتب السماوية أمامي وأقسم عليها أغلظ الأيمان المعظمة بأن كل أمواله وأموال أولاده هي أموال حرام منهوبة من الخزينة العامة.
قلت: إن تظن ذلك فأنت حر، وهذا الأمر بينك وبين ربك. أما أنا فلا أجرؤ على ذلك لعدم توفر الدليل، ثم هل بربك كل هذه الأجهزة الأمنية التي لدينا، وكل هذه القوانين الصارمة، وكل هذه الإدارات والأقسام الخاصة بالرقابة، وكل هذه المحاكم والنيابة العامة جميعهم لم يسمعوا أن بأية تجازات للرفيق أبو ثائر، وأنت وحدك من علم بها؟
قال: ولك آخ.. هل تظن أن كل هذه الأجهزة التي ذكرتها وجدت لتحاسب رفيقك أبو ثائر؟ هي وجدت لحماية الرفيق أبو ثائر الذي بنى امبراطورية مالية له ولأولاده من خلال المناصب التي تقلدها على مدى تاريخه النضالي.
قلت: مالك ومال أولاده يا أخي؟ وهل أبناء أبو ثائر هم الوحيدون الذين عملوا في التجارة والشركات في بلدنا؟ كثير من المواطنين العاديين كانوا فقراء عندنا وعملوا وتعبوا وصاروا رجال أعمال وبالتالي أصبحوا أغنياء. لماذا لم تضق عينك إلا من الرفيق أبو ثائر وأولاده، أنا مؤمن بأن الحياة هي قسمة ونصيب وهذه هي سنة الحياة ودورتها.
قال: أنا لا أنكر أن الحياة قسمة ونصيب، ولا أنكر أيضا أن هناك أناسا عاديين صاروا أغنياء لكن دون المرور في منصب أو موقع ما، هؤلاء يختلفون عمن كان آباؤهم في مواقع حساسة، ومن خلالهم ضربوا ضربتهم ولا يزالون. آي نعم يمكن للناس العاديين أن يصيروا أغنياء على أثر ورثة من غامض علمه تعالى، أو إذا ما وفقوا بعقد عمل استثنائي خارج القطر، مع أن ذلك نادرا ما يشكل ثروة كبيرة كتلك التي شكلها الرفيق أبو ثائر الذي كان مكتبه هو وسيلة الإنتاج الوحيدة التي مكنته من جني كل ما لديه من أموال لا تأكلها النيران. لمعلوماتك يا أخ، لقد استفاد أولاد الرفيق أبو ثائر من السلطات والصلاحيات والامتيازات والاستثناءات والاحتكارات التي تمتع بها والدهم طوال العقود التي قضاها في الخدمة، حتى أن أنواعا من الأعمال قد تم الترخيص بها خصيصا لهم دون غيرهم ولم يسمح لأحد أصلا بمنافستهم، وهذا المناخ الاستثماري الاحتكاري مكنهم من فرض الأسعار التي يشاؤونها وبذلك فقد جنوا ثروات فلكية لا يمكن لأحد أن يتخيلها. أكثر من ذلك، قام أبناء الرفيق أبو ثائر بخرق قوانين المقاطعة وقد غض الطرف عنهم فقط لأنهم أبناء أبو ثائر لمتد. ولو تجرأ غيرهم على فعل ما فعلوه لضاعوا في غياهب السجون.
قلت: في كل دول العالم هنالك قوانين لحماية الاقتصاد الوطني، وأنا لا أعتقد بأن القوانين في بلادنا هي لحماية أبناء الرفيق أبو ثائر أو غيره من الرفاق، بل هي قوانين موجودة في كل الدول. حتى الولايات المتحدة الأمريكية، أكثر دولة في العالم تسوق للعولمة، تراها تصدر أكثر القوانين شراسة لحماية صناعتها وزراعتها وتجارتها. أنت لا ترى في هذا البلد سوى أبناء المسؤولين لأنهم تحت المجهر. كثير من الناس العاديين تجارا وموظفين، ارتكبوا جرائم وأخطاء، وهل تعتقد أن الآباء مسؤولون عن أعمال أبنائهم؟ لا تنس أن وجود ولد سيئ لا يعني أن الأب هو سيئ أيضا. كثير من الناس العاديين هم طيبون لكن ذريتهم غير صالحة، والعكس بالعكس. النبي نوح عليه السلام كان ابنه غير صالح. هذه مسألة عادية، وليس من العدل أن تدين الأباء لجرائم ارتكبها الأبناء أو العكس.
قال: والله أنت تحيرني. هل أنا أسمع هذا الكلام من شخص انتهازي انبطاحي زئبقي أم من وزير إعلام أو من محلل سياسي معروف؟ إي قسما بالله العظيم لو كان في بلادنا ذرة عدل وملمتر مربع حرية لما تمكن أبو ثائر وأولاده وأمثالهم من البقاء في مناصبهم كل هذه الفترة الزمنية الطويلة منفلتين من أي قانون أو نظام أو رادع أخلاقي؟ لهذا ترى الرفيق أبو ثائر وأمثاله يرتعبون لمجرد ذلك الحرية والديموقراطية ورفع قانون الطوارئ لأن ذلك سوف يفتح بحقهم مساءلات وينبش لهم سجلات بحجم جبال من المخالفات والتجاوزات والجرائم.
قلت. يا رجل اتق الله. الرفيق أبو ثائر رجل مؤمن، ومهما حدثتني عنه فلن يزيدني ذلك إلا احتراما له. لقد كان الرفيق أبو ثائر منفذا أمينا لقرارات وتوصيات من هم فوقه ولم يناقشهم يوما ولم يفكر في عصيانهم، لذلك اكتسب ثقتهم وعطفهم واحترامهم وصار يبدو كما لو أنه من الشخصيات الكبيرة في البلد، بينما هو في الحقيقة غير مسؤول عن شيء على الإطلاق
قال: هو شخص نصف متعلم، نصف سياسي، نصف متنفذ بلا مبادئ. قضى رفيقك كل هذه السنوات في السلطة ولم يتعلم لغة أجنبية طوال فترة خدمته.
قلت: عدم تعلمه لغة أجنبية دليل على تمسكه بهويته القومية، وهو ما يزيدني احتراما له. لماذا يجب علينا أن نتعلم لغة الآخرين وليس على هؤلاء الآخرين أن يتعلموا لغتنا؟ نحن مركز الكون. أهم منطقة استراتيجية في العالم. يجب عليهم أن يتعلموا لغتنا إذا كانوا يريدون أن يتحاوروا معنا. نحن كنا في أعلى درجات سلم الحضارة عندما كانوا يغطون في سبات عميق. لكن أنتم دعاة العولمة والاستقواء في الخارج الذين تتباهون بإجادة اللغات الأجنبية وتجهدون أنفسكم للنطق بها وكأنكم تريدون أن تسلخوا جلدكم العربي وترتدوا جلدا أمريكيا كما سلخ مايكل جاكسون جلده الأسود واستعاض عنه بآخر أبيض. على كل واضح أنك أنت إنسان مقولب عولميا.
قال: أنت تذكرني برواية "رحلات جاليفر" يخاطب فيها ملك بلاد العمالقة جاليفر قائلا: "إنك تنتمي لأحقر طبقة من الهوام تدب على ظهر هذا الكوكب" وأنا أقول بأن الإنسان هو أسوأ من ذلك فقط لأنه كذاب.
قلت له: هذا رأيك، وأنا أحترم رأيك لأنني تعلمت من محطة تلفزيون الجزيرة الفضائية أن أحترم الرأي والرأي الآخر وأن أكون أيضا بكل ألوان الطيف.