ما بعرف
07/08/2007, 01:12
لم يكن هناك أجمل من الترحيب الحار الذي لقيته خلال زيارتي إلى دمشق التي دامت أسبوع والتي استكشفت خلالها مدينة دمشق القديمة و سوق خان الحرير في حلب ومدينة تدمر الأثرية. وفي كل مكان وطأته قدمي في هذه المدينة القديمة , التي تتمتع بتاريخ بعيد يعود إلى العصر البرونزي والحافل بالثقافات الكلاسيكية من إنجيلية وإسلامية وغيرها , كانت تعابير الترحيب تبدو على وجه كل من التقيت.
بالرغم من قلق معظم الغربيين من البقاء في بلد حكومته متهمة بتهم خطيرة , كما هو الوضع الآن, والتي هي : توجيه حزب الله والسماح بمرور مقاتلين غرباء إلى العراق المجاور واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري , إلا أن تمضية أسبوع بين المواطنين السوريين العاديين والاطلاع على الغنى الحضاري للبلد هي بحد ذاتها تجربة منظورة.
كل ما كنت أعرفه عن دمشق عندما وطأت قدماي متن الطائرة هو أن هذه المدينة هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان على وجه البسيطة كما أن بعض الكتاب المشهورين مثل مارك توين وكوستاف فلوبيرت واغاثا كريستي حلقوا بكتاباتهم عن هذا البلد المليء بعبق الماضي والطبيعة الخلابة.
حذرني العديد من الناس بشكل غير واضح من زيارة هذا البلد, بالرغم من أنهم لم يزوروا سوريا أبدا. في حين أكد لي بعض من معارفي ممن تحدوا البلد رغم ما يسمع عنه , أنني سأكون بخير.ونصحوني بالتوجه مباشرة إلى الجامع الأموي في دمشق وان أتذوق لحم الغنم المشوي ذي النكهة الممتاز و البابا غنوج وعصير الرمان .وان اترك كل تصوراتي المسبقة خلف ظهري.
إن البلد الذي قمت باستكشافه اظهر مؤشرات للانفتاح على الغرب بعد عقود من الانغلاق إضافة إلى كونه بلد ودود وعلى الأغلب بريء من الجرائم الموجهة له والمشاحنات المرتبطة بذلك. لقد أسست سوريا على يد رئيسها بشار الأسد , 41 سنة, الذي أتم دراسته في لندن، العديد من البنوك الخاصة , كما تمت إزالة عدد من حواجز الاستيراد التي استمرت لفترة طويلة من الزمن وتعدلت القوانين للسماح بتملك الأجانب. وتم افتتاح فندق الفور سيزين في دمشق في 2005 .
مارك توين الذي زار دمشق في الستينات كتب عنها "اسبر التاريخ قدر ما تشاء , لقد كانت دمشق دوما ً موجودة عبر الماضي السحيق. إن السنين بالنسبة لدمشق تتوالى ساخرة من الوقت فدمشق لا تقيس الزمن بالأيام والأشهر والسنين وإنما بالإمبراطوريات التي شهدت نهوضها ودمارها . إنها نموذج للخلود."
وفي الطريق إلى دمشق توقف النبي محمد رافضاً دخولها قائلاً :"إن المرء لا يدخل الجنة مرتين." إن كلا من العثمانيين وفرنسا تناوبوا كمحتلين لسوريا قبل أن تنال استقلالها عام 1946.
اليوم يبدو الطريق المؤدي الى الحرم الداخلي للجامع الأموي، الذي يعتبر روح وقلب المدينة القديمة، وكأنه مقتطع من خريطة فلك قديمة. في البداية ستعبر من تحت قوس روماني إلى الجنوب قبر المحارب الإسلامي الأسطوري صلاح الدين الذي قاتل ريتشارد قلب الأسد خلال الحروب الصليبية.ثم ستعبر البوابات الواسعة للجامع الذي تعلو بقية امتداده الحجري الكنيسة البيزنطية السابقة , التي تغطي معظم معبد جوبيتير الروماني المتلاشي. وفي النهاية تخطو خطوات سريعة عبر ساحة الجامع وتمر بضريح النبي يحيى وبعدها قبر الحسين، وهو حفيد الرسول محمد.
وبعد الظهيرة ذهبت لزيارة الغرفة الحجرية التي ينعكس فيه صدى طقطقة سبحات المصلين اللذين يتمتمون بآيات قرآنية وأدعية دينية. الرجال يسجدون وجبهاتهم تلامس حجراً. والنساء من أعمار مختلفة يلتفون بعباءات سوداء من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن.
الأماكن المقدسة المفعمة بالعقيدة القوية تملأ كل زاوية من زوايا مدينة دمشق.
ففي أحد الشوارع الهادئة الممتدة من ساحة المسيحيين في المدينة القديمة زلفت نحو كنيسة حنانيا، الرجل الذي شفة القديس بولس من العمى وقام بتعميده إلى المسيحية. وبالرغم من خلاء الكنيسة من المصلين ألا أنها تضم الكثير من الكتابات والمخطوطات وقطع الحلي الصغيرة التي كتبها وتركها الزوار بين حجارة الكنيسة.
وفي المتحف الوطني تطالعك ثانية أشياء مختلفة تماماً وساحرة بنفس الوقت وهي الكنيس اليهودي الذي أعيد بناؤه داخل المتحف الوطني الذي تصدح بداخله استغاثات رفات مدن العصر البرونزي المنسية، ومراكز الرومان المتوارية، وغيرها من الأوابد التي جلت عن التراب السوري.
كنت أقصد المدينة القديمة ليلاً واقضي وقتي في الاستمتاع بتدخين النرجيلة"كما يسمونها هناك" في قهوة النوفرة التي تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للجامع الأموي، واشتم عبق سنسن الأبهة التي مرت على دمشق، إنه المكان المناسب للتأمل في هذه المدينة.
وكي أرى أكثر مدينة سورية أثرية قصدت تدمر. حيث انطلقت عند بزوغ الفجر وأخذت الحافلة تتهادى في الصحراء القاحلة التي لا ترى فيها سوى الجمال المتبخترة، والرعاة وهم يرتدون الشماخات المدقدقة بالأحمر والأبيض وجماعات البدو الرحل وخيامهم. و أخيرا وبعد ثلاث ساعات برزت أمامي تلك الآثار المهيبة.
هنا في أكبر واحة في سوريا ازدهر مركز طريق الحرير التجاري منذ ألفي عام تقريباً. وفور معاينتك للماكن يمكنك أن ترى ذلك السوق الزاخر بالازدهار وتسمع الأحاديث باللغة الآرامية وتشهد وصول قوافل الجمال المحملة بالبضائع مثل التوابل والطعام المجفف والعاج والحرير من مكان بعيد جداً مثل الهند والصين.
ولدى عودتي إلى مدينة دمشق القديمة كان الليل قد هبط على ساحاتها وأخذت السيارات الفاخرة من أودي وفور اكس فور تطوف بهدوء في شوارعها، وهي تقل أثرياء وأغنياء المدينة إلى البارات والمطاعم الحديثة التي أصبحت اليوم تلف كل زوايا وحارات تلك المنطقة.
وكما هي دمشق متجددة ومليئة بالحداثة دوماً وكما يقول أمجد المالكي "يمكنك أن تشهد الحداثة فيها في كل مكان" وأمجد هو صاحب متجر فيلا موضة للأزياء الذي كان في القرن السابع عشر قشاً وحبوباً ولكنه اليوم يبيع حقائب من ماركة برادا العالمية وأحذية جيمي شو، وبكيني دولشي ان غابانا.
بقلم : سيث شيروود - مجلة سكوتسمان
ترجمة هدى شبطا
بالرغم من قلق معظم الغربيين من البقاء في بلد حكومته متهمة بتهم خطيرة , كما هو الوضع الآن, والتي هي : توجيه حزب الله والسماح بمرور مقاتلين غرباء إلى العراق المجاور واغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري , إلا أن تمضية أسبوع بين المواطنين السوريين العاديين والاطلاع على الغنى الحضاري للبلد هي بحد ذاتها تجربة منظورة.
كل ما كنت أعرفه عن دمشق عندما وطأت قدماي متن الطائرة هو أن هذه المدينة هي أقدم مدينة مأهولة بالسكان على وجه البسيطة كما أن بعض الكتاب المشهورين مثل مارك توين وكوستاف فلوبيرت واغاثا كريستي حلقوا بكتاباتهم عن هذا البلد المليء بعبق الماضي والطبيعة الخلابة.
حذرني العديد من الناس بشكل غير واضح من زيارة هذا البلد, بالرغم من أنهم لم يزوروا سوريا أبدا. في حين أكد لي بعض من معارفي ممن تحدوا البلد رغم ما يسمع عنه , أنني سأكون بخير.ونصحوني بالتوجه مباشرة إلى الجامع الأموي في دمشق وان أتذوق لحم الغنم المشوي ذي النكهة الممتاز و البابا غنوج وعصير الرمان .وان اترك كل تصوراتي المسبقة خلف ظهري.
إن البلد الذي قمت باستكشافه اظهر مؤشرات للانفتاح على الغرب بعد عقود من الانغلاق إضافة إلى كونه بلد ودود وعلى الأغلب بريء من الجرائم الموجهة له والمشاحنات المرتبطة بذلك. لقد أسست سوريا على يد رئيسها بشار الأسد , 41 سنة, الذي أتم دراسته في لندن، العديد من البنوك الخاصة , كما تمت إزالة عدد من حواجز الاستيراد التي استمرت لفترة طويلة من الزمن وتعدلت القوانين للسماح بتملك الأجانب. وتم افتتاح فندق الفور سيزين في دمشق في 2005 .
مارك توين الذي زار دمشق في الستينات كتب عنها "اسبر التاريخ قدر ما تشاء , لقد كانت دمشق دوما ً موجودة عبر الماضي السحيق. إن السنين بالنسبة لدمشق تتوالى ساخرة من الوقت فدمشق لا تقيس الزمن بالأيام والأشهر والسنين وإنما بالإمبراطوريات التي شهدت نهوضها ودمارها . إنها نموذج للخلود."
وفي الطريق إلى دمشق توقف النبي محمد رافضاً دخولها قائلاً :"إن المرء لا يدخل الجنة مرتين." إن كلا من العثمانيين وفرنسا تناوبوا كمحتلين لسوريا قبل أن تنال استقلالها عام 1946.
اليوم يبدو الطريق المؤدي الى الحرم الداخلي للجامع الأموي، الذي يعتبر روح وقلب المدينة القديمة، وكأنه مقتطع من خريطة فلك قديمة. في البداية ستعبر من تحت قوس روماني إلى الجنوب قبر المحارب الإسلامي الأسطوري صلاح الدين الذي قاتل ريتشارد قلب الأسد خلال الحروب الصليبية.ثم ستعبر البوابات الواسعة للجامع الذي تعلو بقية امتداده الحجري الكنيسة البيزنطية السابقة , التي تغطي معظم معبد جوبيتير الروماني المتلاشي. وفي النهاية تخطو خطوات سريعة عبر ساحة الجامع وتمر بضريح النبي يحيى وبعدها قبر الحسين، وهو حفيد الرسول محمد.
وبعد الظهيرة ذهبت لزيارة الغرفة الحجرية التي ينعكس فيه صدى طقطقة سبحات المصلين اللذين يتمتمون بآيات قرآنية وأدعية دينية. الرجال يسجدون وجبهاتهم تلامس حجراً. والنساء من أعمار مختلفة يلتفون بعباءات سوداء من رؤوسهن حتى أخمص أقدامهن.
الأماكن المقدسة المفعمة بالعقيدة القوية تملأ كل زاوية من زوايا مدينة دمشق.
ففي أحد الشوارع الهادئة الممتدة من ساحة المسيحيين في المدينة القديمة زلفت نحو كنيسة حنانيا، الرجل الذي شفة القديس بولس من العمى وقام بتعميده إلى المسيحية. وبالرغم من خلاء الكنيسة من المصلين ألا أنها تضم الكثير من الكتابات والمخطوطات وقطع الحلي الصغيرة التي كتبها وتركها الزوار بين حجارة الكنيسة.
وفي المتحف الوطني تطالعك ثانية أشياء مختلفة تماماً وساحرة بنفس الوقت وهي الكنيس اليهودي الذي أعيد بناؤه داخل المتحف الوطني الذي تصدح بداخله استغاثات رفات مدن العصر البرونزي المنسية، ومراكز الرومان المتوارية، وغيرها من الأوابد التي جلت عن التراب السوري.
كنت أقصد المدينة القديمة ليلاً واقضي وقتي في الاستمتاع بتدخين النرجيلة"كما يسمونها هناك" في قهوة النوفرة التي تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية للجامع الأموي، واشتم عبق سنسن الأبهة التي مرت على دمشق، إنه المكان المناسب للتأمل في هذه المدينة.
وكي أرى أكثر مدينة سورية أثرية قصدت تدمر. حيث انطلقت عند بزوغ الفجر وأخذت الحافلة تتهادى في الصحراء القاحلة التي لا ترى فيها سوى الجمال المتبخترة، والرعاة وهم يرتدون الشماخات المدقدقة بالأحمر والأبيض وجماعات البدو الرحل وخيامهم. و أخيرا وبعد ثلاث ساعات برزت أمامي تلك الآثار المهيبة.
هنا في أكبر واحة في سوريا ازدهر مركز طريق الحرير التجاري منذ ألفي عام تقريباً. وفور معاينتك للماكن يمكنك أن ترى ذلك السوق الزاخر بالازدهار وتسمع الأحاديث باللغة الآرامية وتشهد وصول قوافل الجمال المحملة بالبضائع مثل التوابل والطعام المجفف والعاج والحرير من مكان بعيد جداً مثل الهند والصين.
ولدى عودتي إلى مدينة دمشق القديمة كان الليل قد هبط على ساحاتها وأخذت السيارات الفاخرة من أودي وفور اكس فور تطوف بهدوء في شوارعها، وهي تقل أثرياء وأغنياء المدينة إلى البارات والمطاعم الحديثة التي أصبحت اليوم تلف كل زوايا وحارات تلك المنطقة.
وكما هي دمشق متجددة ومليئة بالحداثة دوماً وكما يقول أمجد المالكي "يمكنك أن تشهد الحداثة فيها في كل مكان" وأمجد هو صاحب متجر فيلا موضة للأزياء الذي كان في القرن السابع عشر قشاً وحبوباً ولكنه اليوم يبيع حقائب من ماركة برادا العالمية وأحذية جيمي شو، وبكيني دولشي ان غابانا.
بقلم : سيث شيروود - مجلة سكوتسمان
ترجمة هدى شبطا