ما بعرف
07/08/2007, 01:01
مضت ساعات النهار الانتخابي الطويل، أمس، الأحد في الخامس من آب ,2007 مشرقة بصور «أجمل من أن تكون حقيقية» للممارسة الديموقراطية في لبنان، وبالذات في «قلب لبنان» بالمعنى الكياني الذي لم يقصده الكاتب المميّز أمين الريحاني، وإن كان بين المسلّمات في نظر أبناء جبل لبنان، وربما في نظر «حاسديهم» من أهل الأطراف.
تابع «العالم» كله، المتورّطة دوله الكبرى في الصراع السياسي الداخلي، وكذلك «العرب» الذين يحبون لبنان كثيراً، ويبالغون أحياناً في «حبه» فيتجاوزون أبناءه أنفسهم، هذه اللعبة الجميلة التي اسمها «الانتخابات» بافتراض أنها التجسيد الحي للديموقراطية... وكانت تلك المتابعة الكثيفة بين مصادر القلق لدى اللبنانيين الذين علّمتهم تجاربهم المريرة أن اهتمام «الدول» ليس من بشائر الخير، وأنه متى زاد عن حده بات عليهم أن يتخوّفوا من حرب أهلية جديدة.. فنظامهم السياسي القائم على التوازنات الدقيقة المسماة «التوافق» لا يتحمّل ضغوط دول عظمى وصراعاتها على هذا «الإقليم» الذي تكاد تُنكر عليه هويته ليعطى تسمية جغرافية تعني المتصارعين ولا تعنيه، وتخدم إسرائيل وعنصريتها، وتخدم مشاريع الاحتلال الأميركي بالعسكر (كما العراق) أو بالهيمنة السياسية، كما الحال في معظم الدول العربية. ومن تجاربهم الغنية تعلّم اللبنانيون أن اهتمام «الدول» سرعان ما يتجاوز «دولتهم» التي كانت ولا تزال ويبدو أنها ستبقى «تحت التأسيس»، لينزل إلى مكوّنات المجتمع، أي إلى الطوائف والمذاهب، فتحدث ارتجاجات عنيفة يعجز النظام التوافقي عن استيعابها، خصوصاً متى استشعرت أية طائفية أن هذه الارتجاجات قد تؤثر على موقعها في النظام، فينقلب الصراع السياسي إلى فتنة طائفية (بين المسلمين والمسيحيين) كما في الماضي غير البعيد، أو يسعى الساعون الدوليون مع «أصدقائهم» في لبنان إلى تفجيرها فتنة بين المسلمين (سنة وشيعة)، كما في الشهور القليلة الماضية، أو بين الجميع كما يتخوّف الجميع..
على أن النهار الديموقراطي الجميل في المتن الشمالي لم يقدّر له أن يكون ختامه من الطبيعة الديموقراطية المشرقة ذاتها، إذ حفل ليله بمشاهد كاشفة لما تخفيه المظاهر الأجمل من أن تكون حقيقة.
لن نتوقف أمام النتائج الرسمية ودلالاتها، طويلاً، لأنها ستكون موضع الدراسة والتقييم والاستنتاجات المختلفة داخل لبنان وخارجه. ولسوف تختلف القراءات باختلاف الولاءات وباختلاف الارتباطات والتأثيرات المباشرة لـ«الدول»، خاصة عظماها على «حلفائها» من القوى السياسية في لبنان... إذ ستحاول الإدارة الأميركية أن تقدم التعزية ضمن قالب «لقد أنزلتم منافسكم الخطير من عليائه... جعلتموه واحداً منكم، ولن يستطيع الادعاء بعد اليوم أنه بشخصه المسيحيون جميعاً». بينما سيرد هذا الذي اجتمع عليه حشد الزعامات التقليدية ومن يساندها بأنه «أثبت أنه يوازيها جميعاً، بل ويغلبها.. وقد فعل». سنتوقف أمام ما أفسد، ليلاً، المشهد الديموقراطي الجميل نهاراً: لقد أُطلقت شعارات عنصرية كريهة، وفحّ بعض محترفي السياسة وقادة الميليشيات فحيحاً لا ينقض مبادئ الديموقراطية أو مبادئ العيش المشترك فحسب، بل إنه يكشف عن عقد نفسية وأمراض معدية خطيرة، بينها ما يذكّر بالنازية والصهيونية وادعاءات نقاء العرق أو شعب الله المختار.
ففي خطب وتصريحات وكلمات متلفزة عبّر بعض قادة الخاسرين عن عنصرية بغيضة لم تصب الأرمن وحدهم، بل هي أصابت اللبنانيين جميعاً، بمن في ذلك «الموارنة الطبيعيون» الذين يرون أنفسهم كما سائر إخوتهم من اللبنانيين أبناء شعب واحد، وإن اختلفت الانتماءات الدينية والمذهبية، وحتى «القومية» كما بالنسبة لأصول الأرمن خاصة وبعض الأقليات التي اكتسبت الجنسية اللبنانية في ظروف مختلفة قد تتصل بظروفهم حيث كانوا، أو تتصل بتلك المباراة التي لا تنتهي عن أعداد المنتمين إلى هذه الطائفة أو تلك، برغم أن الأعداد ليست ـ في لبنان تحديداً ـ العنصر المحدد لحقوق الطوائف، بل هي الحرص على هذا النظام الهش الذي يتسع للجميع. وإذا كان المواطن قد أثبت، مرة أخرى، أنه أرقى من «زعاماته»، لا سيما تلك التي تتوسل الطائفية سلّماً للصعود، فإن المفارقة المفجعة أن هذه «الزعامات» تحاول دائماً أن تشد هذا المواطن إلى تحت ليبقى «رعية» لطائفة أو مذهب، وبالتالي لمرجعياته الطائفية والمذهبية، ولا يصير مواطناً في دولة بنظام ديموقراطي. لقد تمّ ضبط بعض الزعامات الطائفية، أمس، بالجرم المشهود وهي تحاول اغتيال الديموقراطية مرة جديدة. لقد حاولوا تبرير هزيمتهم الانتخابية من خارج السياسة... ولما كانت «الطائفية» وحدها لا تنصرهم في هذه المعركة ضد من يتهمونهم «بالخيانة» من القوى السياسية الناخبة، فقد لجأوا إلى العنصرية، وكان «الأرمن» ضحية نموذجية. لم تشفع للأرمن مسيحيتهم، ولا شفعت لهم تحالفاتهم السياسية التاريخية وشبه الدائمة مع الأحزاب التي لم تُعرف بعشقها للديموقراطية... لمجرد أن اختلفوا، ولأسباب انتخابية، أُخرجوا من لبنانيتهم ومن مسيحيتهم وكاد البعض يطالب بإعادتهم إلى أرمينيا! و«الدول»، لا سيما كبراها، وعلى الأخص، عظماها، لا تريد أن ترى «الديموقراطية» إلا عبر أمثال هذه الزعامات الطائفية، وهي هي التي يشهد لها تاريخها بأنها لم تصنع زعاماتها إلا بالإثارة الطائفية والشحن الطائفي وادعاء التميّز وإبراز «طابو» الملكية الحصرية «للبنانية»، في اللحظات الفاصلة في الصراع السياسي حول «النظام» لتحويله إلى حرب أهلية ذات طابع ديني أو طائفي أو مذهبي.
ولنأمل ألا تكون هزيمتها الجديدة سبباً إضافياً للحرب الأهلية الجديدة التي باتت لازمة على الألسنة الحاذقة لهذه «الزعامات» اللاغية للبنان ـ الوطن.
السفير
تابع «العالم» كله، المتورّطة دوله الكبرى في الصراع السياسي الداخلي، وكذلك «العرب» الذين يحبون لبنان كثيراً، ويبالغون أحياناً في «حبه» فيتجاوزون أبناءه أنفسهم، هذه اللعبة الجميلة التي اسمها «الانتخابات» بافتراض أنها التجسيد الحي للديموقراطية... وكانت تلك المتابعة الكثيفة بين مصادر القلق لدى اللبنانيين الذين علّمتهم تجاربهم المريرة أن اهتمام «الدول» ليس من بشائر الخير، وأنه متى زاد عن حده بات عليهم أن يتخوّفوا من حرب أهلية جديدة.. فنظامهم السياسي القائم على التوازنات الدقيقة المسماة «التوافق» لا يتحمّل ضغوط دول عظمى وصراعاتها على هذا «الإقليم» الذي تكاد تُنكر عليه هويته ليعطى تسمية جغرافية تعني المتصارعين ولا تعنيه، وتخدم إسرائيل وعنصريتها، وتخدم مشاريع الاحتلال الأميركي بالعسكر (كما العراق) أو بالهيمنة السياسية، كما الحال في معظم الدول العربية. ومن تجاربهم الغنية تعلّم اللبنانيون أن اهتمام «الدول» سرعان ما يتجاوز «دولتهم» التي كانت ولا تزال ويبدو أنها ستبقى «تحت التأسيس»، لينزل إلى مكوّنات المجتمع، أي إلى الطوائف والمذاهب، فتحدث ارتجاجات عنيفة يعجز النظام التوافقي عن استيعابها، خصوصاً متى استشعرت أية طائفية أن هذه الارتجاجات قد تؤثر على موقعها في النظام، فينقلب الصراع السياسي إلى فتنة طائفية (بين المسلمين والمسيحيين) كما في الماضي غير البعيد، أو يسعى الساعون الدوليون مع «أصدقائهم» في لبنان إلى تفجيرها فتنة بين المسلمين (سنة وشيعة)، كما في الشهور القليلة الماضية، أو بين الجميع كما يتخوّف الجميع..
على أن النهار الديموقراطي الجميل في المتن الشمالي لم يقدّر له أن يكون ختامه من الطبيعة الديموقراطية المشرقة ذاتها، إذ حفل ليله بمشاهد كاشفة لما تخفيه المظاهر الأجمل من أن تكون حقيقة.
لن نتوقف أمام النتائج الرسمية ودلالاتها، طويلاً، لأنها ستكون موضع الدراسة والتقييم والاستنتاجات المختلفة داخل لبنان وخارجه. ولسوف تختلف القراءات باختلاف الولاءات وباختلاف الارتباطات والتأثيرات المباشرة لـ«الدول»، خاصة عظماها على «حلفائها» من القوى السياسية في لبنان... إذ ستحاول الإدارة الأميركية أن تقدم التعزية ضمن قالب «لقد أنزلتم منافسكم الخطير من عليائه... جعلتموه واحداً منكم، ولن يستطيع الادعاء بعد اليوم أنه بشخصه المسيحيون جميعاً». بينما سيرد هذا الذي اجتمع عليه حشد الزعامات التقليدية ومن يساندها بأنه «أثبت أنه يوازيها جميعاً، بل ويغلبها.. وقد فعل». سنتوقف أمام ما أفسد، ليلاً، المشهد الديموقراطي الجميل نهاراً: لقد أُطلقت شعارات عنصرية كريهة، وفحّ بعض محترفي السياسة وقادة الميليشيات فحيحاً لا ينقض مبادئ الديموقراطية أو مبادئ العيش المشترك فحسب، بل إنه يكشف عن عقد نفسية وأمراض معدية خطيرة، بينها ما يذكّر بالنازية والصهيونية وادعاءات نقاء العرق أو شعب الله المختار.
ففي خطب وتصريحات وكلمات متلفزة عبّر بعض قادة الخاسرين عن عنصرية بغيضة لم تصب الأرمن وحدهم، بل هي أصابت اللبنانيين جميعاً، بمن في ذلك «الموارنة الطبيعيون» الذين يرون أنفسهم كما سائر إخوتهم من اللبنانيين أبناء شعب واحد، وإن اختلفت الانتماءات الدينية والمذهبية، وحتى «القومية» كما بالنسبة لأصول الأرمن خاصة وبعض الأقليات التي اكتسبت الجنسية اللبنانية في ظروف مختلفة قد تتصل بظروفهم حيث كانوا، أو تتصل بتلك المباراة التي لا تنتهي عن أعداد المنتمين إلى هذه الطائفة أو تلك، برغم أن الأعداد ليست ـ في لبنان تحديداً ـ العنصر المحدد لحقوق الطوائف، بل هي الحرص على هذا النظام الهش الذي يتسع للجميع. وإذا كان المواطن قد أثبت، مرة أخرى، أنه أرقى من «زعاماته»، لا سيما تلك التي تتوسل الطائفية سلّماً للصعود، فإن المفارقة المفجعة أن هذه «الزعامات» تحاول دائماً أن تشد هذا المواطن إلى تحت ليبقى «رعية» لطائفة أو مذهب، وبالتالي لمرجعياته الطائفية والمذهبية، ولا يصير مواطناً في دولة بنظام ديموقراطي. لقد تمّ ضبط بعض الزعامات الطائفية، أمس، بالجرم المشهود وهي تحاول اغتيال الديموقراطية مرة جديدة. لقد حاولوا تبرير هزيمتهم الانتخابية من خارج السياسة... ولما كانت «الطائفية» وحدها لا تنصرهم في هذه المعركة ضد من يتهمونهم «بالخيانة» من القوى السياسية الناخبة، فقد لجأوا إلى العنصرية، وكان «الأرمن» ضحية نموذجية. لم تشفع للأرمن مسيحيتهم، ولا شفعت لهم تحالفاتهم السياسية التاريخية وشبه الدائمة مع الأحزاب التي لم تُعرف بعشقها للديموقراطية... لمجرد أن اختلفوا، ولأسباب انتخابية، أُخرجوا من لبنانيتهم ومن مسيحيتهم وكاد البعض يطالب بإعادتهم إلى أرمينيا! و«الدول»، لا سيما كبراها، وعلى الأخص، عظماها، لا تريد أن ترى «الديموقراطية» إلا عبر أمثال هذه الزعامات الطائفية، وهي هي التي يشهد لها تاريخها بأنها لم تصنع زعاماتها إلا بالإثارة الطائفية والشحن الطائفي وادعاء التميّز وإبراز «طابو» الملكية الحصرية «للبنانية»، في اللحظات الفاصلة في الصراع السياسي حول «النظام» لتحويله إلى حرب أهلية ذات طابع ديني أو طائفي أو مذهبي.
ولنأمل ألا تكون هزيمتها الجديدة سبباً إضافياً للحرب الأهلية الجديدة التي باتت لازمة على الألسنة الحاذقة لهذه «الزعامات» اللاغية للبنان ـ الوطن.
السفير