-
دخول

عرض كامل الموضوع : سماحة مفتي الديار.. يا سلام عليك


noooneh
04/08/2007, 09:17
عند الحديث عن الحراك الديني في الدول العربية، لن تكون لدينا سوى (مصر) كنموذج واضح لسيطرة ووضوح تأثير الدين أيديولوجياً، ففي العراق لا وجود لحراك ديني بقدر ما هو حراك سياسي بين السنة-الشيعة، الأمر نفسه ينطبق على لبنان حيث يبدو التقسيم أوضح وأشدّ تزمّتاً لكنّه يخدم السياسة لا أكثر أو أقلَ: كم عدد النوّاب الموارنة في البرلمان؟ وما إذا كان رئيس مجلس النوّاب من الكاثوليك... إلخ...


أخيراً فإن سوريا أيضاً لا تملك شيئاً من الحراك الديني إلا ما ندر (كحلب المدينة المتزمتة المنغلقة، والقبيسيات في دمشق كتجمعات صغيرة) وهذه الأمثلة لا تسعى للدفاع عن أيديولوجية الدين بالدرجة الأولى بل عن تصوّر خاص فقط. لا ننسى أن سوريا تعيش في زخم حراك سياسي واضح على أطرافها كافة (إسرائيل، لبنان، العراق، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي) مما يغطي على أهمية الحراك الديني بل وربّما يلهي السلطات عن ملاحقته جزئياً.


وتبقى مصر (أم العجايب) حيث لا يوجد حراك سياسي لا مع إسرائيل ولا مع الولايات ولا مع الدول العربية، وحيث يجتمع أكبر وجود للمسيحيين الأقباط الذين يصرخون دائماً كي لا ينسى أحد وجودهم المتميز، في مقابل أكبر وجود ناشط للإخوان المسلمين


وفي مصر غالباً ترى التزاحم بين هذين، وخصوصاً على الشبكة حيث الأقباط يهاجمون المسلمين، وبين فترة وأخرى تعلن بعض المواقع فضيحة تنصير مسلمة هنا أو هناك، وتشيد بها على اعتبارها نصراً على الإسلام... ثم ما يلبث المسلمون أن يدافعوا بطريقة فاشلة غالباً بالمقابل، مع التذكير بإسلام فلان وفلان، ثم يظهر كذب البعض (خصوصاً عند تناقل إسلام مايكل جاكسون أو بيل غيتس أو نيل أرمسترونغ) فيزدادون في الانغلاق والالتهاء بالبرامج والاجتماعات الدينية وبفتاوى الأزهر من هنا وهناك، والتي قد ينقلب بعضها عليهم فيستغلّه الطرف الآخر للتشهير.


في هذا الجوَ المشحون دينياً والذي يبدو أشبه بحربٍ تدور بين طرفين مختبئين، قرّر أحد المواطنين المصريين المسلمين (أحمد حجازي) في الثاني من أغسطس 2007 أن يعلن عن رغبته في أن يكون مسيحياً، فهو منذ كان عمره 16 عاماً اختار أن يكون مسيحياً، وعاش حياته على هذا الأساس، ثمّ تزوّج مسلمةً كانت قد انقلبت إلى المسيحية بدورها، وهكذا دارت الأيّام حتى حملت الزوجة، وقرّر أن يرفع الزوج قضيّةً أمام المحكمة الإدارية يطالب فيها بتوثيقه رسمياً على أنّه مسيحي هو وزوجته، وبالتالي يحصل الولد على الحقّ في توثيقه مسيحياً.


هذه القضيّة هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر، وفي ظل ظروف مصر تحديداً يعتبر هذا الكلام نوعاً من التجديف، ولا يستغرب كثيرون أن نجد قريباً ثلاثة جثث مرمية في مكانٍ ما على الطريق. خصوصاً أن الأمر أصبح رسمياً ووجد طريقه إلى المحاكم. وصار لزاماً أن يتدخّل المفتي لإبداء رأي الإسلام في المسألة.


وهنا حقاً كانت الوقفة، فسماحة مفتي الجمهورية (علي جمعة) الذي لا يثير إلا الاحترام في نفوس الأغلبية الساحقة من المثقفين، أجاب - بكل ثقة- أن هذا الأمر حرّية شخصية، وعلاقة بين الإنسان و"ربّه" وإذا كان أحد يريد أن يكون مسيحياً فليس من أي اعتراض أو حق في منعه، وأنّ حكم الردّة لم يعد قابلاً للتطبيق الآن ولا يعطي الحقّ في سلب حرّيّة اختيار الدين، فهذا الحقّ مشروع لكل إنسان.


هذا الجواب المذهل (من مرجعية دينية كسماحة المفتي) يفتح أبواباً لا حصر لها. وفي حال لقيت هذه المحاكمة الطريق إلى إعلان حق صاحبها في اختيار ديانته، فسوف تكون رسمياً اعترافاً من جميع المرجعيات السياسية والدينية في مصر بأن هذا التصرّف خرج من دائرة الممنوع أو الحرام. وأنّ الأمر لن يزيد عن معاملة رسمية في دوائر الدّولة لاحقاً. وكانت المحكمة الادارية العليا في مصر نفسها قد وافقت في الثاني من تموز/يوليو الجاري على بحث طعن مقدم من مجموعة تضم 12 قبطيا يطالبون بحق العودة الى دينهم الاصلي بعد ان اشهروا إسلامهم.وقررت المحكمة بدء نظر الطعن والاستماع الى الطرفين في الاول من ايلول/سبتمبر المقبل بعد انتهاء الاجازة الصيفية للقضاة


مصر (أم العجايب) تتحفنا بالبرد في عزّ الحرّ، وبنموذج من قمّة التسامح الديني والمرونة العلمانية، في الوقت الذي لا نتوقع فيه من المجتمع (فيما لو انتشرت هذه الحكاية) أن يتقبّلها بهذه السهولة، فستظهر حملات التكفير والتطهير والمعارضة والمناوءة.... الأمر الذي ربّما يشهر القضيّة أكثر، ويفسح المجال لتعميمها على نطاق أوسع من مصر ذاتها