-
دخول

عرض كامل الموضوع : قصص قصيرة لغيورغي فاسيلييف


elinde
23/07/2007, 03:17
اول قصة قصيرة نشرها غيورغي فاسيلييف
في موقع "كيكا" من لندن



الرحمة التي لاترحم
قصة قصيرة
غيورغي فاسيلييف

ماهر قنوات شاب من سوريا سافر للدراسة الى احدى البلدان الأوربية. تخصص في مجال برمجة الكمبيوتر. انهى تعليمه في ذلك البلد، وبقي هناك يعمل في احدى الشركات الخاصة التي يملكها تاجر عربي كبير من بلد (ن)...
ماهر متزوج، وعنده بنتان. زوجته اسمها ريحانة قنوات وهي ابنة عم وابنة خالة ماهر. هي انهت كلية الآداب، قسم اللغة الانكليزية، وتعمل مترجمة وسكرتيرة في ممثلية احدى الشركات الحكومية لدولة ناطقة بالعربية (هـ)...
البنت الكبرى اسمها سارة وعمرها سبع سنوات، والبنت الصغرى اسمها اسمهان وعمرها اربع سنوات. سارة كانت تقريبا دائما مريضة حتى احتار الأطباء من نوع مرضها، وكل محاولات التشخيص باءت بالفشل، وكذلك كل الأدوية ايضا لم تعط ثمارها، لا بل اثرت سلبا على تلك الثمرة الزهرة، وبدأت تضمحل من يوم ليوم، وهذا بدوره أدى الى اضمحلال الشجرة الأم – الوالدين، الى ذلك الحد، ان الشجرة تحولت الى مجرد غصنين تجمعهما ساق واحدة وعرق واحد – سارة.
قام الوالدان بإرسال اسمهان الى الأهل في سورية، ليتسنى لهما الإعتناء بسارة، وبمصاحبتها الى عيادات الأطباء والمستشفيات.
استوقفت التحاليل أحد الأطباء، وجعلته لايصدق عينيه، وبدأ بفحصها من جديد، وفي النهاية تبين أن سارة المسكينة الوردة الشامية التي عمرها فقط سبع سنوات مصابة بمرض السرطان وفي بيت الرحم.
وتطلب الأمر تدخلا جراحيا عاجلا، وتطلب ايضا اموالا سريعة. ذهب ماهر الى صاحب الشركة الخاصة التي يعمل فيها - خصوصا وان صاحب الشركة كان يصلي ويصوم، حتى انه كان في العام الماضي في الحج، وكان يتكلم عن الرحمة، والحب، والالفة، واغاثة الملهوف، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، ذهب الى عنده وشرح له الوضع جملة وتفصيلا، وطلب منه اقراضه كمية معينة ما من المال، فكان جواب التاجر انه الآن في ضائقة مالية، وانه يستطيع اعطاءه بضع مئات من مصروفه الشخصي وحتى نهاية الشهر. قال ماهر لصاحب الشركة ان العملية تحتاج لعشرات الألاف من الدولارات، وصاحب الشركة يعرض عليه بضع مئات!
لم يصدق ماهر ولا زوجته ايضا لم تصدق أن "الدين المعاملة" العبارة المفضلة لهذا التاجر وامثاله الكثيرين هي مثل الثياب تُلبَس وتُشْلَح، كما طقم السموكين. وقص ماهر من قهره وغضبه على زوجته ان هذا التاجر يجوب النوادي الليلية من المساء وحتى الصباح بحثا عن فتيات لا تزيد اعمارهن عن اربع عشرة سنة، وتلك الأعمر من ذلك برأيه هي عانس، وعن أن هذا التاجر يدفع في الليلة الواحدة لا أقل من عدة الاف من الدولارات، وأن هذا التاجر يذهب بقلب خاشع لله الى الجامع يوميا للصلاة، ويحضر ايضا صلاة يوم الجمعة هناك. ماهر نفسه لم يكن يعرف كل هذا بل قصته عليه زميلة له، من تلك الدولة الأوربية، اسمها آسترد، وتعمل في نفس الشركة. وحدث ان رأته خارجا من عند صاحب الشركة "بَلا وِش"، وسألته وألحت في السؤال، فحكى لها القصة كلها. بكت زميلته وقالت لو عرفت لما سمحت لك بمقابلة عدو الله هذا، المنافق الدجال الذي يحج ويصوم ويصلي ويضاجع حتى الذبابة إن لم تكن البعوضة موجودة، وحكت له عن ملاحقة فحل الماعز هذا لها، وعن هداياه التي رفضتها كلها. وقالت كل هذا ليس مهما، المهم الآن هو اجراء عملية لابنته، وقامت وتلفنت لإمها الطبية، وطلبت منها مساعدة سارة. وطلبت من ماهر ان يذهب الى عند امها مع سارة هذا اليوم في الساعة الرابعة بعد الظهر.
ماهر لم يذهب في ذلك اليوم الى عند الطبيبة ام زميلته، بل تلفن لزوجته التي عادت الى البيت، وقص عليها ما صار معه. وفي المساء اتصلت به زميلته، وعاتبته على عدم ذهابه الى امها التي انتظرته ساعة بكاملها، وانها لم تكن وحيدة بانتظاره، بل كان معها ايضا احدى صديقاتها. وطلبت آسترد زميلة ماهر منه ان يذهب غدا في الساعة الثانية عشرة الى مكتب امها برفقة سارة.
وفي اليوم التالي ذهب ماهر مع سارة الى عند ام آسترد الطبيبة، وما ان دخلا حتى رحبت الطبية وصديقتها بهما وعاتبتاه على عدم مجيئه امس. اعتذر ماهر وقال انه مَدْوُوش ولا يعرف كيف يتصرف. وطلبتا منه السكوت وعدم الكلام لانهما تفهمان الوضع جيدا. وبدأتا يتحدثان مع سارة الجميلة، والتي زادها المرض رقة وحكمة وعمقا، اضافة الى انها تملك روح طفل صافية. عاينتها الطبية قليلا، وبعد ذلك تلفنت الطبيبة وبعدها صديقتها لشخص ما، وسرعان ما جاءت امرأة اخرى وثالثة معها رجل في متوسط العمر. وتبين فيما بعد ان صديقة الطبيبة اخبرتهم بكل شيء البارحة في المساء. وهؤلاء كانوا من جمعية خيرية، وتم الاتفاق على ادخال سارة الى المشفى مباشرة ليتم اجراء التحاليل اللازمة واجراء العملية بأسرع ما يكون. لم يستطع ماهر السيطرة على نفسه، والتحكم بعواطفه، وتدحرجت بضع دمعات على خده، وهنا وكأنهم عائلة واحدة بكى الجميع، وحدها سارة لم تبك، لأن الألم اشتد عليها، فهم ابوها ان سارة تتألم، وطلب جرعة ماء لاعطاء الدواء لسارة، وذهب الجميع الى المشفى. ومن المشفى تلفن ماهر لزوجته، وطلب منها المجيء فورا، وجاءت الأم الى المشفى بعد مماحكة صغيرة مع رئيس عملها.
وفعلا اجريت التحاليل بسرعة حتى ان بعض الأطباء لم يذهبوا الى بيوتهم، وفي اليوم التالي اجريت لسارة عملية جراحية ناجحة، وتم تحديد جلسات علاجية خاصة لها. وصادف ان كان مشفى الأطفال هذا موجودا بالقرب من كنيسة صغيرة، وجامع كبير حيث يصلي التاجر صاحب الشركة التي عمل فيها ماهر. العرب الحكام يبنون بيوتا للعبادة في اوربا وامريكا ضخمة جدا، لايسكنها احد، وفي نفس الوقت، هناك الآف وحتى عشرات الآلاف من سكان تلك الدول التي يحكم فيها هؤلاء البناة الحكام لا يجدون ما يأكلون، عدا عن ذلك، لايجدون الا العراء بيوتا لهم!
وخلال تلك الفترة التي قضتها سارة في المشفى كانت الراهبات من الكنيسة المجاورة يزرن الأطفال، ويقدمن لهم الهدايا واللعب، والقصص، والورق واقلام التلوين، ويتحدثن معهم. وهذه الأشياء كان يأتي بها اما المصلون العاديون القادمون مشيا على الأقدام الى الكنيسة، واما الراهبات اللواتي كن يشترينها من اموالهن الخاصة. ولكن لم يقم احد من الجامع ولامرة واحدة بزيارة للمشفى، عدا عن ذلك، كان الآذان يوقظ الأطفال ويخيفهم، كصفارة الانذار، معلنة بدأ غارة جوية، او ارضية ما. وكان القادمون للصلاة الى الجامع يأتون في سيارات
من أحدث الموديلات الموجودة في العالم. حتى بدا لأحداصدقاء ماهر ان شيخ الجامع الذي تكرش وتورم حتى اضحى بلا رقبة، وبدا بجثة جسده اكبر من تلك الكنيسة الصغيرة.
وتلك الجمعية الخيرية التي انقذت سارة، الطفلة المسلمة السورية، كانت جمعية خيرية يهودية. هذه الجمعية تعمل بصمت، وبدون حاجة الى مكبرات الصوت، وهي تجسد الرحمة الحقيقية التي ترحم. طبعا ماهر ترك العمل في تلك الشركة، وبدأ يعتني بسارة وحتى كان يبقى معها احيانا في المستشفى، لأن الجميع تعاطفوا معه، ومع سارة، ونادرا ما يقوم الرجال حتى في الغرب بمثل هذه الأعمال. وأما زوجته فبقيت تعمل في تلك الممثلية، لأن الأسرة تحتاج الى شيء تقتات به. والشيء المذهل ان رئيس تلك الممثلية كان على علم بكل ما يجري مع ابنة الموظفة التي تعمل عنده - ريحانه، ولأن هذه الموظفة كانت يوميا بالاتفاق مع زملائها وزميلاتها الذين تعاطفوا معها ايضا، كانت تغادر عملها قبل انتهاء الدوام بنصف ساعة، هذا الرئيس خصم من راتبها كل تلك الأنصاف من الساعة التي كانت تذهب فيها الى المشفى، الى عند سارة. ورئيسها ايضا يتحدث عن "الدين المعاملة"، وعن "الدين الرحمة" وعن تلك "الرحمة التي لاترحم" حسب تعبير ماهر.

2005

elinde
23/07/2007, 03:32
وبعد ذلك نشر موقع رابطة اديبات الامارات قصة
كانت مثل الشرارة واثر ذلك جرى على قناة "الشارقة"
برنامج مخصص لنقد أعمال الكاتب والشاعر غيورغي فاسيلييف

المَلِكُ
قصة قصيرة
بقلم غيورغي فاسيلييف

اجتمعت اعضاء الجسم، وكانت المسألة الأساسية المدرجة على جدول الأعمال - تحديد من هو "أهم عضو في الجسم" ، باختصار من هو الملك.
قال المخ: "أنا أهم عضو. أنا أفكر، واحلل، وادقق، واعطي الأوامر. من أنتم جميعا بدوني؟"
قال القلب: "ماذا تقول؟ أنا أهم عضو. فأنا أضخ الدم لكَ ولكل اعضاء الجسم، ولولاي لَمُتُّم جميعا".
اندفع الأير وقال: "ماذا تقولان؟ هل جننتما؟ لولاي ماكنتما، وما كان كل من هنا"!
وتقدمت الطيز وقالت: "أنا أهم الجميع! أنا الملك"!
وقال جميع الحاضرين في وقت واحد وبصوت واحد: "ماذا؟ الطِّيز ملك؟ اسكتي أنت طيز وستبقين هكذا، اقعدي في مكانك!"
غضبت الطيز وقالت: "سوف نرى من الطيز، يا أطياز"!
أغلقت الطيز أبوابها، مرافئها ومطاراتها. وأعلنت حالة الطوارئ. مضى يوم،... يومان، ... أسبوع. وبدأ المخ يخربط في عمله، والقلب تغيرت ضرباته ... بكلمة واحدة، ما بقي أي شيء على ما كان عليه من قبل. وبدأ الجميع يطلب من الطيز ان تفتح الأبواب، وان تقوم بوظيفتها الوحيدة ...
استمرت الطيز حصارها، وشدَّدته من يوم الى آخر. وفي النهاية بدأت الأعضاء ترجوها بأن تفتح منافذها الكريمة .
قالت بلهجة آمرة: "طيب! أنا موافقة، فقط عندما تعترفون كلكم وبصوت واحد أنني الملك".
واعترف الجميع: "يا طيز! انت الملك والملاك".
ومنذ ذلك الوقت والطيز ملك يحكم. ومتى يجتمع الأعضاء مرة اخرى، الله أعلم!

2004

elinde
23/07/2007, 03:39
وعلى اثرها نشر في "سوريا-نيوز قصة
بقيت يومين وتم حذفها بعد طوفان كامل
من النقد والانتقاد وكاد الموقع يحجب اثر ذلك

حكاية غير مختَلَقة

قصة بقلم
غيورغي فاسيلييف

عزمتني بنت سورية، تعرفت عليها بالصدفة، حينما تهت في احد شوارع الشام، وكنت عندها ابحث عن المركز الثقافي الفرنسي. وصدف ان سألت شابا، وكما تبين لي فيما بعد انه دلني خطأ قصدا وعمدا. وصلت الى المكان الذي دلني عليه الشاب، ولكني لم اجد المركز الثقافي، بل وجدت نفسي في حي من احياء دمشق القديمة المعتمة الضيقة، وكأنها ترعة عميقة جدا لساقية ماء جف مجراها. بيوت مرصوفة على حافتي ترعة، على خط و نسق واحدين، لاتزورها الشمس.
سابقا كنت اظنها شوارع جميلة، اما الآن ... ربما لست محقة، وفيما بعد فهمت اني محقة، وغير محقة في نفس الوقت.
وتهت هناك ايضا، وبدأ بعض الشباب بالتحرش بي، ولكنني طلبت من امرأة عجوز، وجهها بدا لي كقشرة شجرة صنوبر هرمة في ضواحي باريس، عرفت كل الأوقات، والأزمان والفصول، وكل الأنواء والأجواء. وكل هذا ترك على وجهها بصماته تعبيرا ان هذا أوذاك كان هنا، كما يفعل كل المحبين، اذ يتركون ذكرى يحفرونها على جذع شجرة. طلبت منها وبلغة عربية مقبولة مساعدتي في الخروج من ذلك الحي، وان كانت تعرف عنوان المركز الثقافي، واعطيتها ورقة مكتوب عليها عنوان المركز، لكنها اجابتني بأنها لا تقرأ ولا تكتب، وطلبت مني ان اقرأ لها العنوان، فقرأته لها، وقالت ان العنوان المطلوب في حي آخر وفي الجهة المقابله، وقالت انها ستساعدني بكل سرور ودعتني للذهاب معها، وما ان مشينا بضع خطوات حتى رأيت ذلك الشاب الذي دلني خطأ، ونظر الي بعنين جائعتين واستقرت عيناه على صدري، وفيما بعد على ساقي والمنطقة الواقعة عند انفراج الساقين؛ على فكرة، انا فتاة فرنسية شقراء، عيوني زرقاء، وممتلئة قليلا، لست نحيفة ولست سمينة، أقرب الى النحافة منها الى السمنة، حتى في فرنسا كل زملائي واولاد حارتنا كانوا يتوددون الي، وكانوا ويطلبون صحبتي وحبي و... وبالنسبة للناطقين بالعربية هنا في فرنسا فقد كنت مثل كنيسة لايجوز المرور من امامها الا وترسم علامة الصليب، والفرق هنا انهم كانوا بنهم يصلوبني انا على صليب رغباتهم المكبوتة!
وهنا في الشام احس عيون الناس تلاحقني مثل ظلي، حتى بدا لي ان لعيون الناس ايدي، ولهذه الأيدي اظافر تنغرز بإحكام في تلك المناطق المقدسة المحرمة من جسدي، ولااعرف لماذا لايستطيع احد من الرجال ان يتكلم معي بهدوء. وحين استفسر عن شيء يبلع الرجال ريقهم وكأنهم على شفا الاختناق وتبدأ تفاحة آدم بالصعود والهبوط كما طيارات الورق التي كنت العب بها في طفولتي.
وهنا قلت للعجوز ان ذلك الشاب هو الذي دلني على هذا الحي، عندما رجوته ان يدلني على المركز الثقافي. نظرت العجوز اليه وقالت: "أللا (الله) يلعن اولاد الحرام!، يلا يا بنتي مشي ولا تتطلعي فيه، من وين انت، بيخطرلي انك غريبي (غريبة)، مو هيك؟" فقلت لها أني فرنسية، واني ادرس اللغة العربية في المعهد، وانني جئت الى الشام فقط منذ اسبوع، وان اسمي ماري. فقالت: " اهلين و سهلين يا بنتي ببلدنا، تأدس (تقدس) اسمك يابنتي، وسامحيني يا بنتي، وسامحي هالشباب الضايعين، اللا (الله) يهديون"!
ومشينا بضع دقائق، ولاحظت انها تمشي بصعوبة، وطلبت منها ان تدلني كيف اذهب الى هناك، واني استطيع الذهاب ولا داعي لتغليبها معي. قالت :" يا بنتي انا رح وصّْلِكْ ل راس الشارع، وبعدين من هنيكي بْدِلِّك"! وما ان وصلنا الى رأس الشارع حتى اوقفت العجوز فتاة لا تعرفها – كانت محجبة، وجهها مفتوح، وجميلة ولها ابتسامة جذابة تجعل المرء يعتقد انه يعرف هذا الفتاة منذ قرون وقرون. انتقتها من عدة فتيات كن ماشيات هناك وقالت لها:"مرحبا يا بنتي، اللا يرضى عليك و يخليك ل أهلك، هالبنت غريبي، وَصْلِيَّا للمركز الافرنسي، إي يا بنتي؟ اللا يخليك!" وأجابت الفتاة بعد ان نظرت الي وبعد ذلك الى العجوز : "ولو ياستي من عيني وراسي، شو اسمك – توجهت الي بالسؤال، فقلت ماري-، اهلا ماري! اسمي ياسمين، انت فرنسية؟ – فقلت نعم، وتبادلنا نظرات قصيرة، لكن معبرة، وفهمت اننا تفاهمنا، ولأول مرة، فكرت، هنا في سورية اجد تطابقا بين اسم ودلالته، وفعلا كانت كانت تشبه الياسمين!". قالت العجوز: "روحي يابنتي، اللا يخليكِ لَأَهلك، ويبعتلك ابن الحلال!"
شكرت العجوز على كل شيء، واردت الذهاب برفقة ياسمين، لكن المرأة استوقفتني وقالت لي :"يابنتي انت غريبي، واولاد الحرام كتار، والبنت متل الوردة، بْتِطَلَّعي فِيَّا حلوي، بْتِلْمسيَّا بتدْبُل وبتموت، ديري بالك على حالك، بجاه النبي يحيا ويعقوب ومحمد! اللا يحميك، ويرجعك لأهلك سالمي (سالمه)"! مرة اخرى شكرتها وذهبت مع ياسمين، التي ودعت رفيقاتها واتفقن على اللقاء غدا في الجامعة.
مشت ماري وياسمين عدة خطوات صامتتين، وقطعت ماري هذا الصمت وسألت: "في اي كلية انت تدرسين"؟
"في كلية الآداب، قسم اللغة العربية، اجابت ياسمين، في السنة الثالثة، وانت"؟ سألت ياسمين.
"انا في السنة الرابعة في السوربون، قسم اللغة العربية"، قالت ماري.
ياسمين: "لغتك العربية جيدة جدا، وماذا تفعلين هنا في دمشق؟"
ماري: "ارسلتني الجامعة في دورة تدريبية وتعليمية لمدة سنة".
ياسمين: "جامعاتكم مدهشة والتعليم عندكم مدهش، يرسلون الطلاب في دورات لغوية، الى بلدان اللغات التي يدرسوها، هذا شيء لايصدق، كالحلم، وهل ابوك او اخوك او اقرباؤك ساعدوك في الحصول على امكانية السفر الى هنا؟"
ماري: "انا لاافهم، وما دخل اقاربي بسفري؟"
ياسمين: "انا عنيت ان المرء عندنا لكي يحصل حتى على جواز سفر، فكيف بالسفر اذن؟ يحتاج الى معارف وفيتامين (و)، وحتى فيتامين (م، أو، ف)!
ماري: "انا ايضا لا افهم، ما علاقة الفيتامينات بالسفر وبجواز السفر؟"
ياسمين: "فيتامين (و) يعني الواسطه أو الوساطة، يعني يجب ان يكون هناك شخص نافذ في الحكومة لكي يساعدك في الحصول على ماتريدين، وفيتامين (م او ف)، يعني ان يكون معك او ان تدبري مصاري او فلوس، وبها يمكنك حتى ان تفعلي كل كل شيء".
ماري: "حقا، عش قرنا ، ادرسْ قرنا"، هذه اول مرة اسمع فيها بحياتي عن مثل هذه الفيتامينات، والبروتينات، ... وليس عندي اطلاقا معارف او نافذون في الحكومة، لقد كتبت طلبا، درسته الجامعة في فترة شهر، وقررت ارسالي لمدة سنة الى جامعة دمشق، الى معهد تدريس اللغة العربية للأجانب، وهذا كل شيء".
ياسمين: "انتم متخلفون جدا في اوربا، كل شيء عندكم يجري ببساطة، أما عندنا فالأمور امتع، وابهى، ولكي تحقق شيئا، يجب ان تدفع الغالي والرخيص من أجله، واحيانا تموت ولا تحقق أي شيء، فمثلا، ينهي الطالب عندنا الدراسة، فلكي يجد عملا، يجب ان يكون لديه مال، ليدفع رشاوى لهذا او ذاك، ولكي يكون عنده مال، يجب ان يكون لديه عمل، ويجب ان يكون لديه دخل. والعمل عندنا لايعطي دخلا، ولايسمح للناس حتى بحفظ ماء الوجه! عندنا يدرس المرء 12 سنة في المدرسة، واربع او خمس سنوات في الجامعة، ليجد نفسه عاطلا عن العمل. وحتى من هو موظف هو ايضا عاطل، لكن براتب! في العمل عندنا يشتغلون ببعضهم البعض، يغتابون هذا او تلك، يشربون الشاي ، ويأكلون الفول بالزيت، او المْسَبَّحا (المسبحة) بالزيت؛ حتى ان سورية اصبحت تعطل يومين في الأسبوع، بدلا من يوم واحد، هل تعلمين كم وفرت الدولة من النقود؟ ملايين، فقط من توفير الطاقة الكهربائية التي كانت تصرف لغلي الشاي والقهوه والمته!! لو كنت مكان الدولة لدفعت للموظفين رواتبهم، وليغلوا ويطبخوا وينفخوا في بيوتهم، لوفرت الدولة المليارات"!
ماري فهمت الكثير مما قيل ولكن كان هناك كثرة الاستعمال كلمة "شيء" وكلمات اخرى لم تفهمها. اما ياسمين فهي طيبة جدا ومثلها مثل كل السوريين يفتحون قلوبهم لكل اوربي او امريكي شاكين تعاسة الحياة ومن كل شيء! سيما وان السوريون يخافون من الحيطان، لانه يمكن ان يكون لها آذان تسمع وتنقل ما يقال ومايسمع الى من يعنيه الأمر، الى المخابرات التي اصبحت ثاني اثنين، تدخل كشريك بين القشرة والبصلة، وبين الفراش واللحاف، وبين الجورب ولحم الساق. حتى ان عزرائيل استقال من عمله بعد ان اخذت المخابرات السورية دوره على عاتقها.
وسرعان ما وصلتا الى المركز الثقافي، حتى انهما وقفتا بعض الشيء امامه لاكمال ذلك الحديث، وطلبت ياسمين من ماري زيارتها في المدينة الجامعية في منطقة المزة، بعد ان اعطتها العنوان وبعد ان وعدتها بمساعدتها في فهم وامتلاك ناصية اللغة العربية، وشكرت كل منهما الأخرى وافترقتا على امل اللقاء بعد يومين في المدينة الجامعية عند ياسمين في الوحدة (n)، الطابق (b)، الغرفة رقم (d)، أي يوم الأربعاء.

elinde
23/07/2007, 03:41
ياسمين فتاة حمصية تدرس في دمشق، وتعيش في المدينة الجامعية التي بقي منها الاسم فقط، لان عدد الطلاب الذين يسكنون هناك يقل من عام الى عام، ولأنها تحولت الى سكن لأقرباء واولياء القائمين على امرها، او لأن اولاد كبار المسؤولين وأصدقاءهم استولوا على اكثر من نصف ابنية المدينة، ولأنها تحولت الى احدى المعالم التاريخية، والسياحية، والجنسية الجغرافية لمدينة دمشق بكاملها. ومن يزور دمشق ولايزور المدينة الجامعية كأنه لم يزرها، حتى يمكن القول انه لكل مواطن سوري وطنان، بيته والمدينة الجامعية!
وبعد يومين ذهبت ماري الى المدينة الجامعية وما ان اقتربت منها حتى ظنت انها اخطأت العنوان وانها امام وحدة عسكرية لان المدينة محمية بعناصر المخابرات المسلحين ببنادق روسية الصنع، وبعيون اخطر من تلك البنادق التي يحملونها، وسألت طالبة عن كيف يمكنها الذهاب لزيارة شابة في الوحدة (n)، وقالت تلك الطالبة انها ذاهبة الى هناك ودَعَتْها لمرافقتها، وعلى مكتب الدخول، بعد اسئلة واجوبة مع الحراس سمحوا لها بالدخول واخبروها انها تستطيع البقاء حتى الساعة الثامنة، والساعة كانت وقتها حوالي الرابعة بعد الظهر.
سارت ماري برفقة الفتاة التي بقيت صامتة، ولم تتكلم، وكانت حزينة ومهمومة وتفكر في شيء ما. ماري ما ارادت ان تكون البادئة في الكلام. وحين اقتربتا من الوحدة المطلوبة، قالت الفتاة لماري كيف يمكنها الوصول الى المكان اللازم لها، وودعتها وذهبت باتجاه آخر. دخلت ماري الى الوحدة، وهناك طلبت منها المسؤولة في الطابق الاول جواز سفرها، وكذلك اسم ورقم غرفة من تزور، وبعد مداولات قصيرة سمحوا لها بالصعودعلى الدرج الى الطابق (b) لأن المصاعد لاتعمل. وصلت الى الغرفة المطلوبة ودقت الباب. وبسرعة فتح الباب وانعقد لسان ماري من الدهشة لأن ياسيمين كانت بتسريحة اوربية وبثياب اوربية وبدون حجاب، حتى ان ياسمين قرأت في عيني ماري الدهشة التي اعجبتها، ورحبت بماري بفرح وحبور، واستقبلتها بحفاوة وكأنها يعرفان بعضها البعض منذ الف عام، او اكثر!
ياسمين حضرت طاولةما لها اخت بالنسبة لطلاب الجامعة الذين يعيشون على الأكلات السريعة والفلافل والحمص والمخللات، كان عليها الكثير من الأطعمة المعدة في البيت والتي يجلبها لها اخوها مرة كل اسبوع الى دمشق. ماري تذوقت هذه الأطعمة، بعضها اعجبها كثيرا وبعضها لم يعجبها، وبعد قليل جاءت زميلة ياسمين التي تسكن معها، واسمها رنا، وهي طالبة من اللاذقية تدرس الحقوق، وهي من اسرة عريقة في معارضة النظام، ابوها كان في السجن واخوها كذلك لأنهما كانا شيوعيين. وكالعادة عندما تبدأ الأحاديث في سوريا، بدأن الحديث عن السياسة واهل الكياسة، ودار الحديث حاميا هذه المرة بين ياسمين ورنا حتى يبدو انهما نسيتا ماري ووجودها، وكل منهما توجه الحديث المقنع لماري الحكم، وماري جلست تستمع الى كل هذه الأحايث، وتذكرت كل ما قيل عن احداث ربيع اوربا، ومظاهرات الطلبة والبير كامو وجان بول سارتر، وخيل اليها انها تعيش الآن لحظات شبيهة بلحظات تلك الأحداث.
ياسمين في حمص، في المدرسة تعرفت على طالبة اسمها أنيسة، درست في المدرسة، قيل ان اباها كان شيوعيا. وتحادثتا كثيرا وقرأتا كثيرا، وتعرفت ياسمين على الأدب العربي الحديث، والأدب الروسي، والآداب الأجنبية الأخرى. وفي السنة الأخيرة من المدرسة حدث ان جاءت سيارة من فرع المخابرات اخذت انيسة، التي عادت فقط في نهاية العام الدراسي، وكأنها شخص آخر جاء من مجرات اخرى، وسرعان ما وضعت يدها على نفسها، انتحرت، وعرفت ياسمين من ام انيسة ان الأخيرة تعرضت للتعذيب والاغتصاب، ولم تتحمل نفس وروح تلك الطفلة التي ارادت تنظيم هذا العالم، انطلاقا من مخيلتها كطفلة، لم تتحمل اذى، وشقاء، وقسوة هذا العالم، قسوة اجهزة المخابرات السورية، قسوة اجهزة الغستابو الجديد للنازيين الجدد الذين يحكمون البلاد بالحديد والنار، ويتحكمون بمصائر الناس والعباد.
ياسمين، على فكرة، تكتب مذكراتها، واحلامها، وتكتب الشعر، والقصة، ولكنها لاتنشر اعمالها، فقط اهلها وصديقاتها واصدقاؤها المقربون يعرفون ذلك. كانت تنظر الى العالم من منظار آخر، ترى شقاء الانسان فيه، وآلامه، ومعاناته واوجاعه، ولا تفهم لماذا تحول الانسان الى آلة طاحون بدون روح يطحن كل شيء! واما رنا فكانت ككل المثقفين اليساريين يكرورون عبارات لايفهمون معناها، ومبناها، كان يعجبهم وقع بعض الكلمات، حتى انهم كانوا حين ينطقون بها، ينطقونها ببطء وتلذذ، ويستمعون الى صداها، يتحدثون عن الصراع الطبقي والمطرقة والمنجل وثورة البروليتاريا (الكلمة الساحرة) و الصراع الـ أيدلوجي ... الخ. وكثيرا ما كانت ياسمين ترد على رنا بأن الشيوعيين مثلهم مثل الإسلاميين يكرورون اقوالا لايعرفون معناها ومأخوذة من عصر لايناسب عصرنا وواقعنا، كلمات محفوظة عن ظهر غيب كما يحفظ الاسلاميون بضع آيات من قرآنهم، وتجيء ظهورهم من المتعة عندما يردودون كلماتهم وعبارتهم تلك. وكانت ياسمين تقول لرنا عن أي صراع طبقي وبروليتاريا تتحدثين ونحن في كل سوريا ليس عندنا مصنع واحد، حتى الفلاحون عندنا لايزرعون ولا يحصدون! بلادنا صحراء ونحن بدو! نحن جراد! حتى جيشنا الذي هجم على لبنان كما يهجم الجراد على حقل اخضر التهم كل اخضر ويابس واكل كل مايأكل وترك وراءه الخراب، والدمار. نصف عساكرنا اصبحوا اغنياء من سرقاتهم من لبنان، حتى النوافذ والأبواب قبَّعوها واخذوها، ما تركوا حجرا على حجر هناك. ما فعله جيشنا في لبنان لم تفعله اسرائيل في الضفة الغربية، ولاتسمح لنفسها بفعله! ولم تفعله امريكا في العراق، ولاتسمح لنفسها بفعله! ونحن كل ما عندنا هذه الشعارات الجوفاء المتعفنة، وهذه الـ بسم، وهذه ال صدق، وهذه الـ عن فلان ان علان قال ومال، وجال، وصال، حتى تحولت حياتنا الى أن فلان قال عن فلان، والى قيل وقال! انا اعتقد ان الناس الجيدين قد تم حصدهم عن بكرة ابيهم، ونحن احفاد اولئك المقطعين الموصلين الانبطاحيين المتلونين مثل حرباء، من نحن؟ نحن؟ حتى لااعرف من نحن، ولا احد في الدنيا يعرف من نحن!. نحن ويل وسيل، نحن صحراء وقارات من القحل والمحل وليس هناك من سبيل لإيقافه. كل شيء عندنا لاكما عند البشر. نحن خلقنا وابقي علينا لكي نكون عبرة ودرسا للآخرين لكي لايكونوا كما نحن. واعتقد ان الله لاعلاقة له بهؤلاء الناس وبهذه المنطقة، هؤلاء هم نحن. عندي صديقة تعيش في لندن فرت هي وابوها وامها واختها من هول ماعندنا، من هول وبطش حكامنا، وهول ورعب رجال الدين عندنا، كتبت لي تقول ان اولئك الذين فروا من هذا الجحيم ينقلوه معهم الى هناك، ينقلون صحراءهم ومواشيهم وخيمهم وبعيرهم ويطلقونها ترعى في الحدائق الجميلة الخضراء هناك وتحصد الأخضر واليابس، يقتلون بناتهم وزوجاتهم باسم الشرف والدين، لمجرد انهن يتغنين بالربيع فيهن، ويحلمن بإطلالته، لمجرد ان الفتاة تمشي مع شاب، فماذا نرجو من هؤلاء القتلة؟! حتى انه خطر ببالي، نحن نستورد الثيران الهولندية لتحسين انسال ابقارنا، ونستورد الشتلات، لتحسين شتلاتنا، وبتلاتنا، ونحن نحتاج الى ذلك التحسين في الانسال، والأنساب، والجنس والنوع!
ماري كانت تنظر الى ياسمين ولاتصدق ماتسمع! وهل فعلا الأمور سيئة الى ذلك الحد؟ وياسمين كانت هذه المرة اكثر وضوحا، وأبلغ تعبيرا، ورنا التي اعتادت على الحوار والثرثرة، والأخذ والرد سكتت، وكأنها ،ولأول مرة، ترى ياسمين التي احمرت وتألقت، وشعت عيناها، وهي لم ترها من قبل هكذا، في مثل هذا الحال، ومثل هذا التألق ، ونطقت بعبارة خرجت اتوماكيكيا وكأنها صلاة: "انت، ما أجملك، وما أرهبك ياياسمين"!
اعتذرت ياسمين من الجميع، وعلى انها كانت طول الوقت تتكلم، واقترحت تغيير الجو، بأن يمشين قليلا في المدينة الجامعية. ماري وافقت، اما رنا فقالت انها ستلحق بهما، ويمكن لا، لأنها تريد أن تحضر اكلة تبولة، ووافق الجميع. وما ان خرجت ماري وياسمين التي ارتدت الحجاب الذي يغطي الشعر فقط وبحيث يبقى الوجه مفتوحا، والذي دهش ماري حتى الأعماق، كيف يستطيع مرء يفكر كما تفكر ياسمين، ومع ذلك ترضى ان تلبس الحجاب؟ وخطر بذهنها ان، ان تسأل ياسمين فيما بعد.
أما رنا، فأسرعت الى دفتر مذكراتها، وبدأت بتدوين ما سمعته من ياسمين، خصوصا، وأنه من السهل الكتابة عندما يكون كل شيء طازج، فقط خذ وسجل. ونسيت في حمة التسجيل التبولة، وغير التبولة، سيما وأن ياسمين عادت ومعها ماري التي بدت مصفرة وترتجف وكأن شيئا ما رهيبا قد حصل للتو! واستفسرت رنا عما حصل من ماري التي كانت طول الوقت تتمتم تارة بالفرنسية وتارة بالعربية بشكل غير مفهوم. وبعد ذلك توجهت الى ياسمين وسألتها "شو صار، شوصار، إلِّيلي (قولي لي)؟" وبدأت ياسمين تقص على رنا ما جرى معهما، وقالت: "ما ان خرجنا من الوحدة واتجهنا باتجاه الوحدة (هـ) حتى سمعت ماري صوت شبيها بصوت انفجار، انا اعني انفجار قنابل طلابنا، طلاب كلية الطب، واستفسرت ماري عن هذا الصوت، فقلت لماري عما يجري عندنا في المدينة، خصوصا، وان طلابنا لايقرؤون، وليس في المدينة الجامعية مكتبة، او صالات رياضية، او مدينة العاب، او نواد، او حلقات بحث، او رسم، او رقص ... الخ، هناك نادي واحد هو الاجتماعات الحزبية البعثية، واجتماعات اتحاد شبية الثورة والتي فيها يتحدثون عن الامبرلالا والإسرائيلالا، وعن ان اهدافنا "وحدي حلوي شقرا"، عفوا، "وحدة حرية اشتراكية"! ولذلك يلجأ الطلاب لتمضية الوقت باجراء مباريات فيما بينهم، حيث يقوم الطلاب بشراء اكياس نايلون كبيرة الحجم تتسع لعشرة ليترات وحتى لعشرين ليترا، وهناك من تبجح بأنه ملأ كيسا بثلاثين ليترا من الماء، ويرمون بهذه الأكياس المليئة بالماء من البلاكين على القطط، او الكلاب التي تبحث عن بقايا الأطعمة في الحديقة بالقرب من حائط مبنى الوحدة، وعادة يقوم الطلاب بشراء اطعمة شهية للقطط والكلاب لإستدراجها الى تحت البلاكين، ومن ثم ليتم انزال تلك الضربات الجوية الماحقة والدقيقة الاصابة بصواريخ جو ارض، والتي تصل دقة اصابتها الى بضعة سنتمترات، وهذا ما لم تستطع الدول الكبرى المصنعة للصواريخ ان تصل اليه في دقة اصابة صواريخها، ولكنهم هناك لايعرفون عن منجزات سورية، وبالضبط منجزات طلاب كلية الطب في تقنية صناعة الصواريخ الدقيقة الاصابة. اقول يقوم الطلاب باسقاط تلك الأكياس من الطابق العاشر او الحادي عشر على القطط او الكلاب والتي تنمعس، وتنهرس تحت هذا الضغط وتتحول الى ما يشبه رغيف الخبز! وبعد ذلك يتم تناقل، وتدوال تلك الانتصارات المذهلة على الأعداء. وذلك الذي يحقق اصابات دقيقة وماحقة يعتبر بطلا قوميا بين الطلاب"!

elinde
23/07/2007, 03:42
وبعدما حكت ياسمين لماري عن تلك الأصوات جن جنون ماري، التي قالت: "هذه وحشية! وتزداد وحشيتها ان الطلاب الذين يدرسون الطب، يقومون بهذه الأعمال، ساديو اليوم اطباء الغد"!
واقتربت ماري الى مكان الصوت، ورأت قطة ممعوسة، مازال قلبها ينبض! وهنا بكت ماري وبدأت تتكلم كلاما غير مفهوم تارة بالفرنسية، وتارة بالعربية. وفي تلك اللحظة دوى انفجار آخر بالقرب من ماري مما جعلها تقفز لااراديا وقامت ياسمين بجر ماري التي لم تتوقف عن البكاء والكلام من هناك وذهبتا الى غرفة ياسمين.
واستمعت رنا الى ما قالته ياسمين، واتجهت الى ماري، وقالت: "لقد اعتدنا على تلك الأعمال، ويجب ان نحزن على البشر، وعلى يفعلونه بهم قبل ان نحزن على القطط والكلاب"!.
وهنا قالت ماري: "ان الأمر واحد ومن يعذب القطط والكلاب يعذب البشر، والعكس، من يعذب البشر يعذب القطط، ولا يمكن الفصل بينهما".
قالت ياسمين: "هذا صحيح، وانا أعرف شخصا، هو قريب صديقتي ويحتل منصبا رفيعا، وهو الذي ساعدني عن طريقها في الحصول على هذه الغرفة التي نحن فيها الآن، وقد حكت لي صديقتي ان هذا الشخص عندما كان شابا، والقصة معروفة للجميع، كان يذهب الى السوق ويشتري صيصان صغيرة عمرها اسبوع او اسبوعين، ويشعل النار في منقل عميق لكي لاتستطيع الصيصان الهرب منه، وكان يضع الصوص تلو الصوص حية في النار، وينظر اليها وهي تلفظ انفاسها الأخيرة. تصوري ماذا يفعل هذا الشخص الآن بالبلد وبالناس، هل يمكنك ان تتصوري؟ انا لايمكنني ان اتصور"!
قالت رنا: "ومع ذلك انت رحت الى هذا الرجل وطلبت منه المساعدة"!
قالت ياسمين: "انا ما رحت اليه ولم التق به، صديقتي تحدثت معه، وهو بدوره اتصل بالتلفون مع ادارة المدينة، وبعد اتصاله باولئك العاملين في المدينة والذين رفضوا حتي الكلام معي، ما ان عرفوا اني اتيت حتى خرجوا من مكاتبهم واعتذروا، وقالوا: "لماذا لم تقولي انك تعرفين فلان ..."، وانا قلت لهم ان هذا الشخص هو قريبي وما زلت حتى الآن اجني محاصيل ذلك الاتصال وتلك القرابة المزعومة، هذا هو بلدنا"!
قالت ماري: "هذا شيء يفوق الخيال وحشية وبشاعة، وحتى الوحوش الكاسرة الكاسرة في افريقيا لاتقوم بمثل هذه الأعمال"!
رنا قالت: "الوحوش البرية تقوم بهذه الأعمال، انت لم تشاهدي ذلك"!
قالت ماري: "الوحوش تقوم بفعل ذلك بدافعها الطبيعي، وهي تأخذ ما تحتاج اليه الآن ولسد جوعها، اما ان تقف تلك الوحوش على البلاكين وترمي القطط بتلك الأكياس، او ان تذهب الى السوق وتشتري الصيصان وتحرقها حية في النار مثلما فعل النازيون باليهود وغيرهم من الشعوب الأخرى، الوحوش لاتفعله ولاتقوم به"!
قالت ياسمين: "انت عظيمة ياماري! فعلا نحن نازيون في كل شيء، في نظرتنا في اهدافنا، في سياستنا، في حياتنا، في ديننا! نحن نازيون، ونريد ان نرمي اليهود بالبحر، ونازيون لأننا لانعترف بوجود اكراد، وشعب كردي ولغة كردية! ولاوجود لأرمن، أو لآشوريين، او سريان، او بربر، او غيرهم من الشعوب والقوميات التي يصل عددها حتى في سوريا الى اكثر من عشرين شعبا وقومية، نحن نقول عن انفسنا عرب، ونحن الجمهورية العربية السورية، ونبي الوحدة العربية، والقومية العربية، وضراب السخن، ونعرب كل شيء مع العلم ان العرب القادمين من صحراء الربع الخالي وشبه الجزيرة العربية، ومن اصول عربية اثناء الفتوحات والغزو الاسلامي لسوريا لايشكلون نسبة من عشرة الى خمسة عشر بالمئة من مجموع السكان، الأكراد وحدهم في سوريا حوالي خمس سكان سوريا، والدولة لاتعترف بهم، وليست لهم حقوق، وحتى لايتمتعون بالجنسية السورية، وبقية الشعوب والقوميات اوضاعها مماثلة لأوضاع الأكراد ان لم يكن أسوأ! النازية اعتمدت النظرية العرقية كأساس لايديولوجيتها، اما نحن، فاننا نعتمد العرق، والتاريخ، واللغة، والدين كأساس لنازيتنا، حتى الإسلام وهو اساس تخلفنا وجهلنا، وفخرنا بهذا الجهل وعدواتنا لكل شيء حتى لأنفسنا، وهو الذي يجعلنا نرى الآخرين حيوانات واسقط من ذلك! بما ان الاسلام آخر وحي الهي الى البشر، أي ان الله ليس لديه شيء آخر يقوله للبشر حتى يوم القيامة، وبما ان نبي الاسلام هو آخر انبياء الله للبشر، فمن لايؤمن بآخر كلمة لله، واخر نبي له، فهو كافر، وليس بشرا، ويخرج خارج اطار كونه انسانا، ولذلك ينظر له على انه بهيمة، او شاة، او دجاجة (فروج)، ولذلك يمكن ذبحه وتقطيع اعضائه، كما نقطع دجاجة (فروج) في المطبخ تحضيرا لوضعها في الفرن! وهذا ما نشاهده يوميا في كل بقاع العالم، بما في ذلك في سوريا، وفي لبنان، وفي العراق، وفي غيرها من الدول. وهذا هو الفهم الصحيح للاسلام، الذي خرج من بيئة بدوية صحراوية بأفكاره، وفلسفته وأحكامه، واسسه والذي لايتناسب مع حياة اليوم، لابل يشكل اعتداءا صارخا على الحقوق الأساسية للانسان. فالمرأة عندنا مثل البهيمة، وفي افضل الأحوال، نتعبد في محرابها لحظة، ونأكلها ، كما نأكل التمر! تصوري حتى الآن نقول عن زوجة اخي، مَرْتْ اخي، ونقول مرت عمي، ومرت خالي، أي انها امرأة اخي، و امرأة عمي، و امرأة خالي، وليست زوجة، ليست شريكة، انها كائن غريب لانعترف بحقوقها ولا نعترف بها! ونفس الشيء نقوله عن بقرة جارنا، وعن كلبة يوسف، ودجاجات احمد، وسيارة مدير المدينة الجامعية! شيء مرعب هذا البلد! حتى يموت الرعب حسدا من رعب بلداننا!
شهقت رنا، وقالت: "ياسمين انت عبقرية! هكذا، نعم، انت مليون محقة"!
فرنا وجدت موضوعا لأحاديثها يفوق البروليتاريا، والصراع الطبقي اهمية وتلذذا!
واما ماري، فقالت: "فعلا انت انسان له من الأراء مايفوق تصوري، ولم اسمع من قبل بها وانت محقة تماما فيما ذهبت اليه، ياياسمين"!
وبقى الجميع للحظات صامتين، بعدها قالت ماري انه حان وقت ذهابها، وقالت ياسمين انها سترافقها الى البيت، وانها ستعود سريعا.
وفي الطريق قالت ماري ان ياسمين محقة، وان العرب الذين يعيشون في فرنسا يقومون بأفظع الأشياء، بدون فهم أسباب قيامهم بها، وقالت انها سوف تطلب من الجامعة تمويل دراستها بالكامل هنا في سوريا لمدة لاتقل عن اربع سنوات، لأنها تريد ان تدرس المجتمعات العربية، بالأحرى الناطقة بالعربية، والمجتمعات الاسلامية عن قرب، لأن ذلك سيفيدها جدا كمستشرقة، وكباحثة لدى عودتها الى فرنسا، خصوصا، وانه في فرنسا يعيش اكثر من سبعة ملايين مسلم، وتريد ان تبقى في سوريا لأنها وجدت المفتاح الحقيقي لفهم كل ذلك، وجدت ياسمين!

2005

elinde
23/07/2007, 15:56
حوار بين أب وابنته
غيورغي فاسيلييف

كانت الإبنة تشاهد برنامجا تلفزيونيا، تعرض فيه الاحتفالات الشعبية، وبعض العادات، والتقاليد لشعوب آسيوية عديدة. كان أبوها يتابع البرنامج معها، فجرى بينهما الحوار التالي:

الإبنة : ماهي العادات والتقاليد يا أبي؟ وكيف صارت بهذا الشكل؟

الأب : العادات والتقاليد هي مجموعة تعاليم انتقلت من جيل الى جيل، وهي تشمل كل المعارف البسيطة التي يتناقلها الناس كالمعتقدات، والخرافات، والقصص، والأمثال الشعبية، والتعابير السائرة، والشعر العامي، والألعاب، والتسليات، والأعياد، والاحتفالات الشعبية.

الإبنة : وهل العادات والتقاليد كلمتان تحملان نفس المعنى ياأبي؟

الأب : لا يا ابنتي. العادات والتقاليد هما ثقافة شعبية غير مكتوبة (في الكتب)، ولكن العادات تختلف عن التقاليد بفارق بسيط، فالعادات مثلا شخصية اكثر، كعادات الناس في المأكل، والمشرب، والملبس، وفرش البيت، وهي تتغير وتتطور مع الزمن واختلاط الشعوب. أما التقاليد فهي تحمل طابعا عاما لشعب بأكمله، مثل تقاليد الأعياد، والزواج، وشعائر الحداد، كما أنه من الصعب تغيير التقاليد بسرعة.

الإبنة : فهمت الأن، لهذا تغيرت عاداتنا في الطبخ مثلا، أما تقليد الزواج فبقي كما هو.

الأب : أحسنت يا ابنتي.

الإبنة : وكيف السبيل الى تغيير هذا التقليد الى الأفضل، يا أبي؟

الأب: هذا يتطلب تغييرا كاملا فيما ورثناه عن الأجداد، وفيما وصلنا منهم من الماضي السحيق، خصوصا وان التقاليد تظلم المرأة جدا، ولاتحترم حقوقها.

الإبنة : هذا يعني ان التقاليد – هو ما يفرضه الأموات على الأحياء؟

الأب : انت رائعة يابنتي! انت ذكية، وتفكرين بحكمة، وأنا اعتز وافتخر بك! يعجبني جدا ان اتحدث واتحاور معك! لك رأس مفكرة ومدبرة رائعة! قول رائع وسأكتبه في مفكرتي!
"التقاليد – هو ما يفرضه الأموات على الأحياء"، من قول ابنتي.

الإبنة : شكرا لك يا أبي! هذه شهادة منك اعتز بها! و لا أستطيع أن اتكلم مع احد، مثلما اتكلم واتحدث معك ومع ماما، انتما أصدقائي الحقيقيين! أنتما أقرب الناس الى قلبي وعقلي!

الأب : ماما الآن في العمل، وأنا احب أن أقول لك أن ماما – انسان رائع! ما عرفت شخصا مثلها. ولا اعرف كيف كانت حياتي بدونها! لقد علمتني كيف يكون الحب الحقيقي، وكيف يكون الانسان انسانا، وكيف اكون صديقا، وزوجا، ورفيقا! التقاليد تظلم المرأة، والمجتمع يظلم المرأة، والرجل يظلم المرأة، والمرأة نفسها ظالمة بحق نفسها. لقد حاولنا ماما وأنا ان تكون تربيتك مختلفة تماما عما هو سائد ومتعارف عليه في المجتمع، بعيدا عن الأعراف، والتقاليد، والعادات. وكان هناك اخفاقات، وكان هناك نجاحات. لم نسمح لأحد حتى للأصدقاء والأهل والمقربين التدخل في حياتنا، وحياتك. لم نرضخ للمجتمع الخارجي. المجتمع قوي لأن المرء يسمع له، ويعترف به كقوة قائدة في أفعاله وعاداته وتربيته. المجتمع كالنهر والمنبع والروافد. كل شيء يتوقف على المنبع والروافد، ولا قوة، ولا قيمة للنهر بدونهما. ومن المهم ايضا، يا ابنتي ان تكوّني صداقات لطيفة وجميلة ورائعة، الصديق – شيء هام جدا في الحياة بالنسبة للمرء. الصديق إما ان يخرّب ويدّمر، واما ان يبني ويبدع.

الإبنة : نعم يابابا، يسعدني جدا أن علاقتنا في البيت والأسرة نادرة جدا. وأقول لك الحقيقة، امي قالت لي نفس الشيء عنك، وانك كل شيء بالنسبة لها! كم اريد ان تكون عندي في المستقبل مثل هذه الأسرة، ولن اقبل شيئا دون ذلك.

الأب : على فكرة ماما ستعود بعد ساعة من العمل، ونحن نتحدث، يجب ان نحضر لها شيئا تأكله عندما تعود، هيا معا الى المطبخ. هناك نعمل ونتكلم. أنا أقترح طبخ شوربة، ورز مع السمك المشوي في الفرن، والبطاطا المقلية، والسلطة، مارأيك؟

الإبنة : رائع يابابا، طبق اليوم رائع.

الأب : انا احضر الشوربة، وأنت تحضرين الرز. والسمك أنا آخذه على نفسي، وانت تأخذين البطاطا، والسلطة نحضرها معا. موافقة!

الإبنة : مئة في المئة. هيا الى المطبخ.

الأب : هيا يا ملاكي الرائع!

2006

elinde
23/07/2007, 15:58
مشكلة رَجُل
غيورغي فاسيلييف



- صباح الخيـر.
- صباح النور.
- ماذا تَفعل؟
- كما تَرى،أُنظف وأُرتِّب كل شيء، اُحَضّـر الفطور، والغداء، والعشاء .
- وزوجتكَ؟
- تجلس في الصالون لتُشاهد التلفزيون .
- ومنذ متى تقوم بهذه الواجبات؟
- هل تريد أن تعرف الحقيـقـة؟
- طبعـا.
- منذ أن أقْنَعَتني بضرورة مساعدتها في أعمال البيت.
- وكيف اَقنَعتك بذلك؟
- في الحقيقة لم تُقنعني بذلك، بل أجبرتني.
- أجبرتكَ! كَيف؟
- بالتَهـديد.
- مشكلتك خطيرة جدًا.
- وماذا أفعَل؟
- يجب أن تطالب بحقوقكَ كرجل البيت.
- لو طالبتها بحقوقي ستعاقبني.
- يجب أن تدافع عن حقوقكَ وإلا سَتَنْدَم طول حياتـك.
- أنا ندمان منذ اليوم الأول على زواجي.تصـوًّر، عندما أتكلّم تقاطعني دائما، عندما أقترح شيئا تعارض دائما. وكلّما اُحضِّر شيئا لا يُعجبها، وكلما أقترب منها تَبتعد عني، وكلما يزورنا أحدا تُحرجني أمـامـهُ. عندما تأتي صديقاتها في زيارة تطلب مني ان اختفي، وأن ابقى في المطبخ، وتأمر بطبخ الأكل وتحضير الشاي والقهوة. وعندما تأتي من العمل تخلع قميصها وتقول القميص وسخ اغسله. وتنظر الى ارضية الغرفة وتتأفف من انني لم انظف البيت بشكل لائق. وعندما اتحدث بالتلفون او اشاهد التلفزيون تنهرني وتقول انني بلا عقل اثرثر ساعات بالتلفون، او أشاهد التلفزيون كثيرأ. وفي الليل هي شبقة جدا، لا تشبع جنسيا، وتطلب المزيد، ولاتسأل أيعجبني هذا ام لا، وان كنت تعبانا، او مريضا، وان كنت اريد او لا اريد. كل هذا لا يهمها ولا يعنيها. وبعد ذلك تنام بسرعة، وتتركني ممزقا نفسيا. هي مركز الكون، وكل شيء يدور حولها. وفي الصباح تأمرني ان أفيق قبلها، واحضر لها فطورها.
- لماذا لا تُطَلقها؟
- حاولت مرّة فكسّرت عظامي.

2006

elinde
23/07/2007, 15:58
الجرَّة المتشقَّقة
غيورغي فاسيلييف


حياة بنت وحيدة، لأب اسمه زمان وأم اسمها مكان. كانت الاسرة تعيش في بيت فقير، مبني من الحجر على قمة تل، ومسقوف بأغصان الأشجار، وعيدان القصب التي غطيت بطبقة سميكة من الطين. كان السقف مرتفع قليلا من الوسط، ومنخفض من الجوانب. هذا البيت له باب واحد وشباكين. من الداخل البيت مكون من قسمين قسم للعائلة، وقسم للحيوانات، والطيور البيتية.
زمان ومكان عاشا طويلا ينتظران ابنا او ابنة. وكانا حزينين دائما. وطلب اهل زمان منه ان يتزوج مرة اخرى، لكنه رفض هذه الفكرة، لأنه كان يحب مكان منذ وعى على الدنيا، حيث كانا جارين في قرية بعيدة بعيدة عن هنا. والحّ اهل زمان عليه في مسألة الزواج مرة ثانية، وثالثة و..، ولكنه كان يقابل هذا الالحاح برفض قاطع. وقرر، بعد سماع تلك الأغنية من اهله، قرر الرحيل مع مكان دون إعلام اهله او اهلها الى ما وراء التلال والجبال البعيدة البعيدة . و في الليلة ذاتها خرجا من بيت الاهل بهدوء، وظلا يسيران شهورا الى ان وصلا الى منطقة وسط غابة كبيرة على مد النظر، واعجبتهما هذه المنطقة جدا.
في وسط الغابة رابية جرداء، في قمتها شجرة واحدة كبيرة جميلة جدا. صعدا الى الشجرة وناما تحتها . وفي الصباح قالت مكان لزوجها بأنها شافت منام، وفي المنام شافت انها كانت حامل ببنت وهي ولدتها تحت هذه الشجرة. وقال زمان لزوجته انه شاف منام انهما يبنيان بيتا هنا قرب هذه الشجرة. وقررا البدء ببناء البيت فورا. وبعد عدة شهور كان البيت جاهزا. وعاشا في البيت الجديد اكثر من ثلاثين عاما وحيدين دون ان يرزقا ببنت او بطفل. وفي احد الايام هبت عاصفة وبدأ الرعد واللمع والبرق الذي ضرب الشجرة التي بجانب البيت بصاعقة احرقتها بالكامل. وحزن زمان ومكان كثيرا على الشجرة. وبعد ايام عرفت مكان انها حامل.
وبعد مضي عدة شهور ولدت مكان بنت. وكم كانت سعادة الأب والأم. وكأن الحياة وهبت لهما من جديد بعد عناء وحزن دام سنين سنين طويلة. وقالوا فليكن اسم البنت حياة.
كانت حياة اسما على مسمى! لقد حولت حياة الاب والام الى جنة حقيقية. وحتى جلبت لهما خيرا ورزقا لم يحظيا به من قبل. فبعد ولادتها بإسبوع، رأى الاب بقرة وحيدة في الغابة، فأخذها الى البيت. وبعد ايام وجد ايضا فرسا وحصانا وحيدين فاخذهما الى بيته ايضا، واسكنهما مع البقرة في نفس البيت الذي يسكن هو وعائلته فيه.
وعاش الجميع في وئام ومحبة. وترعرعت حياة في هذا الجو المليء بالحب. وبعد فترة من الزمن اكتشفت مكان انها لا تقوى على حمل الماء من النبع الذي يوجد في اسفل التل من الجهة الأخرى. كانت مكان تحمل الماء من النبع الذي يبعد حوالي كيلومترين بجرتين من الطين صنعهما زمان بعد ان شواهما في النار. لاحظت حياة والتي بلغت التاسعة من العمر ان امها تحمل الماء بصعوبة. فقررت ان تبدأ هي بجلب الماء. وفي المرة الاولى وقعت مع الجرتين، وسكب الماء كله، واصيبت احدى الجرتين بشقوق خفيفة، في الجزء الأعلى منها. بكت حياة على تعبها وعلى الماء المسكوب، ولكن بكت اكثر على الجرة المتشققة.
تركت الجرتين في منتصف الطريق، ورجعت الى البيت، واخذت عصا، و راحت الى حيث الجرتين، وعلقت كل جرة في طرف من العصا، وحملتها على كتفيها، وجاءت الى النبع، وعبأت الجرتين السليمة والمتشققة بالماء ورجعت الى البيت. وجدت بعد الوصول الى البيت ان الماء في الجرة السليمة كامل، اما في الجرة المتشققة، ففيها النصف فقط. وخلال اكثر من سنتين كانت حياة تجلب الماء من النبع يوميا. وفي احدى المرات سمعت حياة حوارا بين الجرتين، حيث كانت الجرة السليمة فخورة بإنجازاتها التي صُنعت من أجلها، كانت الجرة المتشققة خَجِلة من عِلتها وتعيسة لأنها تؤدي فقط نصف ما يجب أن تؤديه من عمل. وبعد ذلك رفعت الجرة المتشققة رأسها باتجاه حياة وقالت لها" أنا خجلة من نفسي وأود الإعتذار منك إذ انني أعطي نصف ما استطيع بسبب الشق الموجود في جنبي والذي يسبب تسرب الماء طيلة مسافة الطريق إلى البيت، ونتيجة للعيوب الموجودة فيّ تقومين بكل العمل ولا تحصلين على حجم ما تبذلين من جهد ". شعرت حياة بالأسى حيال الجرة المتشققة وقالت في غمرة شفقتها عليها وبحب كبير: "عندما أرجع الى البيت أرجوك أن تلاحظي تلك الأزهار الرائعة والأعشاب الخضراء الجميلة على طول الطريق فوق الجانب الذي احملك فيه " وعند الرجوع الى البيت لاحظت الجرة المتشققة بالفعل أن الشمس تأتي من خلال تلك الأزهار البرية والأعشاب والنباتات التي نمت على جانب الطريق الذي تحملها دائما فوقه. قد أثلج ذلك صدرها بعض الشيء وفرحت قليلا، ولكنها شعرت بالأسى عند نهاية الطريق حيث أنها سربت نصف ما تحمله من ماء، واعتذرت مرة أخرى لحياة عن إخفاقها ، قالت حياة للجرة: " هل لاحظت وجود الأزهار والخضار والعصافير والأعشاش فقط في جانبك من الطريق، وليس في جانب الجرة الأخرى السليمة!! ذلك لأنني كنت أعرف دائما من الشقوق الصغيرة كنت تسقين هذا القفر، وانا نفسي نثرت بذور بعض الأزهار في هذا الجانب من جهتك من الطريق، لأنني كنت اعلم انك ستتحدثين يوما ما عن هذا، وهل لاحظت انك انت وعند رجوعي يوميا من النبع كُنتِ تعملين على سقيها كل هذه المدة وكنت أقطف بعض الأزهار الجميلة كهدية لأبي وأمي ولتزيين البيت والطاولة ولتفرح الحيوانات والطيور عندنا في البيت بها، ولو لم تَكوني كما كُنتِ لما كان كل هذا الجمال وهذا الفرح وهذه السعادة ."

2007

elinde
23/07/2007, 16:02
الجبصين
بقلم غيورغي فاسيلييف


سلوى سكر فتاة شامية مسلمة، ولدت وترعرعت في اسرة شرقية تقليدية محافظة على العادات والتقاليد السائدة في اغلب المدن السورية الكبيرة. كانت الأسرة لا صغيرة ولا كبيرة بالنسبة لعدد افراد الأسر في سورية. سلوى كانت التاسعة بين عشرة شباب وبنات. ابوها كان تاجرا صغيرا مسلما يؤدي كل الشعائر الدينية المفروضة كتأدية بقية المسلمين لها، وكان اقرب الى الفقر منه الى الغنى. كان لديه محل صغير جدا في حي الأزبكية. ومداخيل هذا المحل بالكاد كانت تلبي احتياجات الأسرة.وكأغلب اولاد العائلات الشامية اخوة واخوات سلوى الكبار لايتعلمون ولا يذهبون الى المدارس، حتى وان ذهبوا الى المدارس فهم عادة يتركوها من الصف الأول او الثاني، ويساعدون اباءهم في اعمالهم وبالتالي تنتقل المهن من جيل الى جيل، وغالبا ما يمارس الأبناء مهن آبائهم.
سلوى وأختها الصغرى هيام هما الوحيدتان من الاسرة اللتان درستا واكملتا المدرسة الثانوية، سلوى انهت ايضا الدراسة الجامعية في الشام طبعا. هي اكملت كلية الكيمياء بامتياز وتعمل الآن في احدى الشركات الكيماوية لصناعة الأدوية، وأما الأخت الصغرى هيام فهي الأن في السنة الثالثة في كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية.
سلوى سكر بنت مرحة ذكية جريئة بعض الشيء بالمقارنة مع بنات جيلها،لكن هذه الجرأة لا تخرج عن اطار جرأة الشرقيين والشرقيات عموما في فعل اشياء كثيرة بشرط ان يجري عالسكت والمْخَبَّا. هي عَزْبَا، بَس مخطوبة. تعرفت على خطيبها بسام القصعة في الجامعة. هو درس الفيزياء، وأعمر من سلوى بسنة واحدة. هو ايضا اكمل الدراسة الجامعية بدرجة جيد جداً، وهو معيد في الكلية نفسها.
وبحكم عمل سلوى في شركة كيماوية لصناعة الأدوية، فعملها يقتضي ان يكون عندها مهمات من حين الى حين. واغلب هذه المهمات كانت تنجز في يوم واحد ولذلك هي عادة لا تخبر أهلها عن ذلك أبدا والا منعوها طبعا من السفر من مدينة الى اخرى او من شركة اخرى بدون مرافقة ابيها او واحد من اخوتها الشباب الكبار لحماية العرض والشرف الرفيع.
في احد الأيام طلبها مدير القسم وأخبرها انه وقع عليها الاختيار بالسفر في مهمة لمدة ستة اشهر الى مركز معهد ابحاث لمنظمة دولية في مدينة حلب، وأن الشركة تتكفل بكل النفقات من اقامة وسفر وطعام ، وهي ستحصل على مهمة كل شهر تفوق راتبها الشهري بثلاثة اضعاف، اضافة الى راتبها الذي سيدفع لها بالكامل وبدون نقصان. واخبرها ان عليها ان تفكر مليا في الأمر الذي يعد فرصة نادرة جدا، وأن هذا مهم لترقيتها في السلم الوظيفي وحتى العلمي والعملي، وأن عليها ان تحسم امورها كلها، وان تعطيه الجواب بعد يومين لأن السفر سيكون بعد اسبوع على أبعد تقدير. وطلب منها الانصراف والا تخبر احدا من زملائها وزميلاتها حتى يتم البت نهائيا في هذا الأمر. ونصحها بتقديم اجازة ساعية والذهاب الى البيت لكي لايحاصرها الزملاء بالأسئلة عما اراد رئيس القسم منها.
وفعلا طلبت اجازة ساعية مباشرة وذهبت الى مكتب عملها لجمع اغراضها والخروج، ولكن الزملاء هم الزملاء سألوها عن لماذا (لِمَا) طلبها رئيس القسم؟ واخترعت سلوى على الفور حكاية انه طلب منها تدقيق بعض المعلومات، وكذلك القيام غدا بمهمة الى شركة تامكو. والآن هي اخذت اجازة ساعية لأن امها مريضة، وانها لن تعود الى العمل واذا سألوا عنها، فليقولوا هي في مهمة او هي اخذت اجازة ساعية، ودعت الزملاء وذهبت الى البيت.
وفور خروجها من الشركة خطرت على بالها عشرات الأسئلة التي بقيت بدون جواب. سلوى طارت من الفرح، وطارت من الخوف، من الفرح لأنها يمكن أن تسافر ولأنها تريد الحرية والهواء الطلق، ومن الخوف لأنها يمكن لن تسافر!
وصلت الى البيت، وكان من عادتها ان ترن الجرس، ولكنها هذه المرة فتحت باب الزقاق (زْآءْ) بالمفتاح. تعجبت الأم وبصلواتها وحركات يدها المعتادة في مثل هذه الحالات حصنت ابنتها وطردت الشياطين والأرواح الشريرة، واستفسرت عما حصل؟ لماذا فتحت الباب بالمفتاح؟ ولماذا عادت بكير من الشغل؟ وعشرات اخرى من هذه الـ لماذا. لأن الشرقي تعلم انتظار وتوقع السيء دائما، والسماء هناك بنظر الآباء والأمهات والجيل الأكبر تمطر المصيبة تلو المصيبة، ولامجال لانتظار الخير.
وبعد ان اخبرت سلوى امها بالأمر، قامت قائمة الأم وقالت: "شو انت مجنوني!؟ شو لحا ييؤلو الناس عَنَّا!؟ لا تْؤلي لأَبوك، هوي ما لحا ييوافئ لو طَبَئِت السَّما علأَرض! يي وِلي على آمْتي، حمَّى تاخْدِكْ انت وإِختك! آل لحلب آل! ياريتني جِبت جربوعا وما جِبْتِكْ!".
لم تتوقع سلوى مثل هذه الثورة العارمة من قبل امها، وبدا لها للحظات قليلة، انها ترى المرأة التي امامها لأول مرة في حياتها، ولكن سرعان ما جاءتها الفكرة وراحت السكرة، عادت الى الواقع المذل، الى واقع ان الذليل اشد قسوة من الآخرين في تعامله مع أمثاله، تركت امها ترغي وتزبد، وذهبت الى غرفتها وبدأت تبكي بحرقة.
وعاد ابوها بكير على غير عادته ايضا، وكأنه احس ان شيئا ما غير عادي قد حدث. وحكت له الأم عن الموضوع . وهنا جن جنون الأب كان شخصا وصار مئة شخص ونادى ابنته: "سلوى! تعي لهون! تعي لهون يابت الكلب! اللا يلعن ابوك على ابو العلم، على ابو الشغل، على ابو هلعمر! مهمة لحلب! شو رح ييؤلو عنا الناس؟ اللا يياخدكون كلياتكون! يلا تعي لهون، ولبسي تيابك أوام!"
وخرج من البيت بسرعة ليرى ان كان دكتور العظمية الذي يعمل في عيادة بجوار البيت ما يزال موجودا. ودخل الى عند الطبيب وشرح له الأمر وطلب منه ان يجبصن رجل ابنته السليمة ليظن مديرها وزملاؤها انها وقعت وانها كسرت رجلها، وبذلك يجدون مخرجا من الورطة اللعينة. وافق الحكيم مقابل مبلغ كبير من المال. وسرعان ما قال للسكرتيرة ان تلغي مواعيد اليوم، وان تذهب هي الى بيتها، لأنه مشغول الآن جدا. وبعد ربع ساعة عاد الأب وبرفقته سلوى التي لا تعرف لماذا هي في العيادة؟ وماذا سيفعل أبوها؟
طلب ابوها ان تشلح ثيابها التحتانية، وجاء الطبيب وبدأ يرفع تنورتها وطلب منها ان تشلح الكلسون على مرآى من ابيها وبقيت عارية بضع دقائق. ونفذت سلوى كل ما امرت به كالنعجة. وقام الطبيب بوضع رقائق الجبصين المبللة بالماء على رجلها حتى تلك المنطقة التى تنفرج منها الساق. وما هي الا دقائق حتى انهى الحكيم عمله واعطاها عكازا. وتلقى المال من ابيها على مرأى منها وأمام عينيها، وخرجت برفقة ابيها وهي تتعكز وذهبا الى البيت. وحين رأتهما الأم فهمت كل شيء بدون أية كلمة. وقال الأب مهددا سلوى وأمها لا احد يجب ان يدري حتى الاخوة والأخوات وحتى الخطيب. وعاد الاخوة والأخوات في المساء. وقيل لهم ان اختهم نائمة، وانها وقعت وكسرت رجلها، وأنها في الجبصين حتى الخصر.

2004

elinde
01/08/2007, 01:14
احترامي سيادة العميد

قصة قصيرة-بقلم غيورغي فاسيلييف


بسام الخوري شخص ولد في عائلة سورية متوسطة الحال، لا تتميز عن بقية العائلات السورية الأخرى. الأب يعمل في الجامعة، والأم ربة بيت، ككل ربات (خادمات) البيوت في سوريا.
بسام الخوري اكمل الدراسة الإبتدائية، والإعدادية، والثانوية في احدى مدارس الشام. الشيء الوحيد الذي ميزه عن بقية الطلاب، أنه انهى المدرسة بامتياز.
وبالطبع، يعرف ابو بسام ان التعليم في سوريا متدني المستوى، خصوصا، وهو نفسه درس في الخارج ، في فرنسا.
وعلى الرغم من ان بسام طالب متفوق جدا، وهذا الأمر بحد ذاته لا يعني للمسؤولين في سورية وبقية البلدان الناطقة بالعربية أي شيء، بحث الأب طويلا عن "إِيدْ طايلي"، او عمَّن "بيضاتو تقال (تْآلْ)"، ووجد في النهاية من بحث عنه. وكلفته عملية ارسال ابنه الى الخارج اموالا طائلة (رشاوى، هدايا، عزيمة وسكرة في احد النوادي الليلية، تنجيح ابناء وبنات بعض المقربين لأولئك الذين ساعدوه ...الخ).
سافر بسام الى فرنسا محملا بتبريكات الأهل ووصاياهم. وفي الخارج درس بسام الخوري في جامعة باريسية جيدة. وبعد خمس سنين انهى بسام دراسته وعاد الى سورية محملا بمعارف تعادل جهوده المبذولة هناك، وتاركا وراءه زوجة غير شرعية وطفلة، على أمل العودة اليهم بعد فترة قصيرة.
وفور عودته الى البيت طلبوه للخدمة في الجيش. وطبعا، بما انه درس خمس سنوات، فهو سيخدم كضابط. وفي الفترة الاولى التي تسمى عادة "دورة" تعرف بسام على غنى الفاظ العربية من مرادفات، واضداد ... وغيرها. وهناك ايضا تعرف بسام - الدارس في بلد اوربي والحامل شهادة جامعة – على قيمة الانسان الحقيقية في ام الحضارات، سورية.
في احد الأيام وهو في الثكنة طلبوه بالميكرفون الى أحد المكاتب للرد على التلفون. نقذه قلبه (نَأْزو أَلْبو) وقال: "أَللَّا يِجْعَلوخِير!".
وقيل له إنَّ أُمَّه ماتت، وإنَّ عليه أن يحضر الدفن غداً.
راح الى مكتب العميد، قائد الوحدة التي يخدم فيها، وما ان اقترب من المكتب، حتى رأى العميد خارجا منه. تقدم بسام من العميد وضرب له تحية: "إحترامي، سيادة العميد!"
قال العميد: " شو عم بتساوي هون يا ابن الشرموطة؟"
"سيدي، الشرموطة عَطِيتَكْ عِمْرا"، قال بسام بحزن وبدهشة في آن واحد.
قال العميد: "روح، قِلِّن يِكْتِبولَكْ إجازي، يُوم، لَأْ، يوُمِينْ، يَلَّا إِنْقِلِعْ مِنْ هُونْ!"
"حاضر، سِيدي، بَسْ الناسْ المُحْتَرَمينْ (المحترمون) ما بْيِحْضَرو دَفنْ شَرْموطا!"، قال بسام للعميد.
ولكن العميد إما لم يسمع، واما لم يُرِدْ أن يسمع.
وعلى كل حال أعطوه اجازة لمدة يومين لحضور دفن أمه. وبعد الدفن أختفى نهائيا. وتلقى أبوه بعد فترة قصيرة ورقة تبليغ أنَّ أبنه فارٌّ من الجيش. شعر الأب بغصَّةٍ في قلبه وسقط ميتاً.
2004

elinde
01/08/2007, 01:20
الأمل بعدم الرجوع الى المستنقع

قصة قصيرة بقلم – غيورغي فاسيلييف


زكي داؤود صديق نعرفه منذ زمن طويل، من ايام الدراسة في المدرسة. كان شخصا كريما، لطيفا، وقارئا بارعا، ويملك حسا سادسا في تعامله مع الاصدقاء، والوقائع، والأشياء. كنا نسميه تحببا "الفأر القارض للكتب"
في احدى المرات بعد ان تخرجنا من الجامعة، جاءنا قائلا أنه بعد اسبوع سيسافر، بالأحرى، سيهاجر الى احدى الدول الأوربية. لأن هذا البلد برأيه أضحى كلمة جوفاء، فارغة من أي مضمون انساني حقيقي.
اخبرنا عن سفره، وغاب اربعة أيام لم نعرف عنه شيئا، حتى ظن بعضنا انه سافر ولم يقم بتوديعنا. ولكن البعض الآخر منا دافع عن صديقنا الذي لا يمكن ان يقوم بأي خطوة، الا ونتحادث طويلا ومسبقا عن مثل هذه الأمور.
ولكن هذه هي المرة الوحيدة التي لم نتحدث فيها مع زكي، والتي لم يخبرنا فيها عن مخططاته، وبرامج عمله، وما ينوي أن يفعله.
والذي اقلقنا اكثر هو انه لم يبق على سفره الا ثلاثة أيام، ونحن لا نعرف عنه شيئا، واهله ايضا لايعلمون عن مكان تواجده شيئا. "فص ملح وُ دابْ"!
حتى انه لم يأت الى البيت كل هذه الفترة، وأهله قلقون جدا، ولكنهم اعتادوا في الماضي على غيابه المتكرر، اما نحن فكنا نعرف، لأننا دائما كنا ونكون معا، الا هذه المرة.
وفي اليوم الخامس ظهر فجأة، وبعد الحاح وعتاب شديدين، حدثنا عن أنه اشترى كاميرا، وصور كل الأماكن التي ستذكره في المهجر بهذا البلد. ولكنه اضاف وبدأ بعرض الصور وهو يقول أن الذاكرة مبنية على اساس نسيان الأشياء السيئة والبشعة، ولذلك فهو صور كل مزابل، وبالوعات، وقاذورات احياء مدينتنا، لكي، اذا بدأت سوسة الاشتياق والحنين تنخر مخه، لكي ينظر الى هذه الصور، ويعرف أي مستنقع ينتظره في حال العودة، وقال: "هذه الصور هي الأمل بعدم العودة الى هذا البلد المستنقع".

2005

butterfly
01/08/2007, 20:35
نسخت القصص لقسم القصة القصيرة
حسيت أنو من المفروض يكون في نسخة عنن ... هون

فيكن تتعرفو عالكاتب مع إليند
بأسبوع وكاتب
هون (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

يسلمو إليند كتير كتير كتير
:mimo:
وللي بيحب يحتفظ بنسخة منن.
بالمرفقات ..

elinde
02/08/2007, 01:16
نسخت القصص لقسم القصة القصيرة
حسيت أنو من المفروض يكون في نسخة عنن ... هون

فيكن تتعرفو عالكاتب مع إليند
بأسبوع وكاتب
هون (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////)

يسلمو إليند كتير كتير كتير
:mimo:
وللي بيحب يحتفظ بنسخة منن.
بالمرفقات ..

عزيزتي
شكرا لك على هذه المبادرة الرائعة والطيبة
وهذه فكرة وخطوة جميلة جدا منك
محبتي
إليند