syrianheart
31/07/2007, 12:17
بعض المفاجآت والنقاط المهمة التي وردت بخطاب قسم الرئيس الأسد ...
بقلم : د. سمير عبيد
لقد أدى الرئيس السوري بشار الأسد في السابع عشر من تموز / يوليو 2007 مراسيم القسم لولاية ثانية تستمر حتى عام 2014، وكانت سمات القسم سياسية عقائدية ووطنية، لأنه أقسم على تحقيق أهداف حزب البعث الحاكم في سوريا، وهي الوحدة والحرية والإشتراكية،ومن ثم أقسم على الإخلاص والوفاء والتضحية من أجل الشعب والوطن ، أي أنه عاهد من جلس أمامه تحت قبة مجلس الشعب ، ومن ثم عاهد من هم خارج قبة مجلس الشعب وهم شرائح الشعب السوري ، والذين هم في ميادين الدولة السورية وجغرافيتها المترامية صعودا نحو الذين هم في المهجر .ولقد كان الخطاب تاريخيا بالفعل، لأنه حمل الصراحة والمكاشفة، وشخّص الداء والدواء، ولم يخف نقاط الخلاف والتوتر والصعاب، وحتى لم يخف التوجسات ونقاط التقاعس التي مضت، ولقد كان وكعادته دوما محاضرا في جامعة كبيرة أسمها سوريا، حيث يتكلم ويخرج عن النص ليشرّح ويوضّح، وإيمانا منه بالمرونة ،وإيمانا منه بأن الشعب السوري على مستويات مختلفة من ناحية الثقافة والتعلّم والإستيعاب، لهذا لا يريد أن يترك الفلاح والراعي والأمي ( غير المتعلّم ) وغيرهم يحيرون بفهم ما جاء في الخطاب ،ولقد نجح من خلال ذلك بتأسيس مدرسة خطابية رسمية جديدة في العالم العربي لها من المشجعين والمحبين في الوطن العربي .
فجاء محتوى الخطاب مفاجأة لكثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولكثير من التوقعات والمتوقعين لأنه جاء داخليا وبنسبة 90% منه، بحيث أنه كشف مانُفذ في المرحلة السابقة وبشفافية واضحة، وكشف الصعوبات التي مرّت، وأشار الى المواضيع التي شكلت صعوبه في حلها ومنها الفساد وأعتبره ذكيا لا يترك أثرا ومستمسكا في أغلب الأحيان، وهي إشارة أن القضاء السوري نزيها و بحاجة الى قرائن، ولقد حمل للشعب السوري إشارات إستراتيجية مهمة تعلقت بمستقبله الإقتصادي والتعليمي والتنموي وربط كل هذا بمشروع التنمية، وأهمها عندما أخبرهم بأن بلدهم سجل معدلا للنمو وبنسبة 5.1 وهي مفاجأة كبيرة لأعداء سوريا، وللشعب السوري نفسه، والمفاجأة الأخرى عندما أعلن عن إنخفاض الديوان السورية من عشرين مليار دولار لتبقى بحدود ثلاث مليارات ونصف فقط، وهي قيمة ديون بسيطة جدا قياسا بتراتيب ديون الدول العربية والعالم الثالث، وهذا بحد ذاته إنتصارا معنويا وإقتصاديا وإستراتيجيا ضد جبهة أعداء سوريا .ثم حمل المفاجآت الأخرى من ناحية القفزات في الإستثمار، والتوسع الأفقي في مجال التعليم الجامعي والأصرار على إجبارية التعليم ،ودعم المرأة والطفل والمشاريع الصغيرة والخصخصة الذكية، وفسح المجال للقطاع الخاص بأن يأخذ دوره في تعزيز عجلة التنمية من خلال التوصيات التي صدرت حول الليونة في القوانين والتوصيات وتطويق الروتين والبيروقراطية، وتشجيع الإستثمار ودعم رجال الأعمال السوريين، ناهيك أن هذا كله أقترن بسياسة مصرفية أشر لها الرئيس في خطابه ،وهذا كله يعني أن الخطاب جاء كورقة عمل سياسية وإقتصادية لمرحلة قادمة تحمل في طياتها تهديدات معقدة، ولكن جميع هذه التوصيات بحاجة الى حلحلة في النظم الأمنية التي على تماس مع هذه المشاريع، و من أجل حصول الإنسيابية في التطبيق ،لأن الحذر المضاعف، والظنون المضاعفة هي بمثابة عصي في عجلات التنمية وفي أغلب الأحيان، لهذا لابد من التقليل في حالة التوجس والإعتماد على الظنون والشكوك، وهذا يحتاج الى ورش تدريب في المؤسسات الأمنية من أجل تأسيس نهج المرونة والعصرنة في الإجراءات والتعامل .
ولم يخف الرئيس الأسد بل صارح شعبه بأن ماتبقى من عام 2007 يحمل خطرا على سوريا والمنطقة، ويجب الإنتباه لها، وكان محقا للغاية حيث هناك البارجات العملاقة التي أصبحت تصل الى المياه العربية والدولية، وهناك القوات الأميركية الإضافية التي وصلت، ناهيك عن الأسلحة المتطورة التي وصلت الى إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة ، والأخرى التي هي في الطريق نحو المنطقة ، وكل هذا يقترن و يوميا بتهديدات المسؤولين الأميركان، وبعض المسؤولين الغربيين ضد سوريا ودول المنطقة .
فالذي كان يعنيه الرئيس الأسد في هذه النقطة هو اليقظة والحذر ،وما معناه ( تحملونا وسامحونا حتى نهاية العام في حالة لم ننفذ جميع الوعود .. أو لم ننطلق ببعض ما وعدنا به /وطبعا الكلام موجه للشعب السوري )... نعم فسوريا في قلب الأحداث كلها، فهي السفينة السالمة من بين السفن المجاورة، والتي تعرضت للأضرار وبنسب مختلفة ومنها السفينة العراقية والسفينة اللبنانية والسفينة الفلسطينية ،ولا ندري الى متى سيبقى مسلسل تحطيم سفن البلدان العربية !.
لهذا فالخطر ماثل لأن الهيجان لازال مستمرا ،لذا فالحفاظ على السفينة السورية سالمة من الأذى مسؤولية جميع السوريين، ومعهم الشرفاء من العرب والعالم، فسوريا تنتظر شهر سبتمبر / أيلول المقبل، فهناك إستحقاقان قادمان ويهمان سوريا جدا و في شهر سبتمبر المقبل، أي إستحقاق في العراق فيما يتعلق بتقرير كبار قادة الإحتلال العسكريين في العراق حول مسألة البقاء أو الرحيل من العراق، و ماذا سيقول الرئيس بوش الى الشعب الأميركي ومجلس النواب ، والإستحقاق اللبناني والذي هو في سبتمبر أيضا، والذي يهم سوريا جدا وأكثر حتى من العراق، لأن كل ما يؤثر في لبنان، فهو مؤثر في سوريا، وبنفس اللحظة والقوة، لهذا فمن مصلحة سوريا أن يكون الوئام والهدوء سائدا في لبنان، ومن مصلحة سوريا أن يحل الوفاق بين الفرقاء اللبنانيين .
أما الأمر المهم والذي تبناه الرئيس الأسد وبلفتة ذكية جدا منه وهو موضوع ( اللغة العربية ) التي تعرضت وتتعرض يوميا الى عمليات القرصنة والتدمير المبرمج وضمن مخطط صهيوني أميركي غربي للقضاء على اللغة العربية، والهدف هو حصار القرآن الكريم على المدى البعيد وتركه للنخبة، ثم الإنفراد بأجيالنا كي يكونوا بلا هوية وبلغة اللهجات بدلا من اللغة العربية، وهو مشروع قديم جديد، أي هو المشروع الذي بشر به سعيد عقل وجرجي زيدان وتوفيق الحكيم في خمسينيات القرن المنصرم، عندما حاولوا تحويل اللغة الدارجة ( اللهجة ) لتكون بديلا عن اللغة العربية الفصحى، وتكتب بالأحرف اللاتينية، وها هو المشروع يعود من جديد ،وبدعم من وكالات عالمية وفي مقدمتها وكالة التنمية الأميركية ،وهي الوكالة المسؤولة عن دعم فضائيات العري والهيشك بيشك ، وفضائيات اللهجات والميوعة والمواد الرديئة، وكذلك دعم الإعلام الناطق بالعربية وفروعه من فضائيات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية وإذاعات وهو الفيلق المرادف للمشروع الأميركي في المنطقة، فلقد كان رائعا في تشخيصه لهذا الموضوع، والذي جعله في صلب البرنامج السياسي والتربوي والتعليمي والثقافي للمرحلة المقبلة في سوريا .ولكن من المفاجآت الذكية التي وردت في الخطاب هي مفاجأة ( وقت الرئيس ) أو مفاجأة ( لغات الرئيس ) حيث أعلن أنه لديه برنامج يتعلم من خلاله لغات أجنبية أخرى، وهو شيء فريد وشبه معجزة أن يكون هناك رئيس دولة عربية مهددة من جميع الجهات، وهناك سيناريوهات علنية وسرية ضدها ورئيسها يتعلم اللغات الأخرى، فمن أين يأت الرئيس الأسد بالوقت ، ومن ثم أي إصرار وأية همّة تلك التي يمتلكها الرئيس الأسد كي يتعلم لغات أخرى إضافة الى مهامه الصعبة والمعقدة والمتشعبه؟ ..
لا بل قال أنه يقوّي نفسه باللغة العربية وبشكل مستمر كي لا يخطأ ويشعر بالخجل من الحكومة والشعب والنقاد، فحقا دقوا الخشب وإصرخوا ( خمسه وخميسه ) وكل هذا والنكتة لا تفارقه وفي جميع خطاباته السابقة ،ورغم الظروف والمناسبات الحرجة ، وكل هذا يخلق عند الأعداء حيرة وعودة الى الحسابات الشريرة، ونسأل الله أن يتركوها نحو الحسابات الخيرة ومنطق العقل لأن مكاسب منطق العقل أكثر بكثير من مكاسب منطق الشر، ويخلقوا أرضية للتعاون والمحبة والتواصل بين الدول والشعوب .
أما مسألة إصراره على عدم التطرق الى الملف اللبناني فكان أم المفاجآت، لأنه أفرغ جعبة الشتّامين والمسعورين في الجانب اللبناني، ونسف جميع الترتيبات التي رتّبوها مع الفضائيات والصحفيين والإعلاميين إستباقيا كي يقذفوا سوريا وقيادتها بالشتائم المعهودة، ولكن عدم ذكر الملف اللبناني جعلهم يشتمون بحالهم، وجعلهم بلا مادة شتائمية يظهروا بها على شاشات الفضائيات، والتي أغلبها من صنع وتمويل وكالة التنمية الأميركية والوكالات الصهيونية الأخرى .
لذا فعدم المرور على الملف اللبناني كان ضربا من الذكاء، وفي وقت حرج ،وكي لا تترجم أي كلمة على أنها عبارة عن مسج أو إشارة من سوريا الى الذين كانوا يجتمعون في باريس ( الفرقاء اللبنانيين ) في وقت الخطاب، وأرادها صفعة للولايات المتحدة وإسرائيل والفصائل اللبنانية التي نهجت النهج الأميركي، فالصمت كان أبلغ من الكلام، وحتى أن مروره على الملف العراقي والفلسطيني كان ذكيا ومشخصّا وواضحا، وضمن شعار خير الكلام ما قل ودل، ولم يمر على الملف الإيراني ولا على الملف التركي ولا حتى على الملفات الدولية الساخنة ، بل حسمها بأن المرحلة المقبلة هي الى :
أولا :
تكون مكرسة للداخل السوري، وللعمل من أجل الجبهة الداخلية، والتنمية الداخلية التي تخص المواطن السوري والعائلة السورية وفي جميع المجالات، وردم الفجوات بين طبقات المجتمع السوري .
ثانيا :
تكون المرحلة المقبلة مكرسة نحو زيادة التثقيف على المقاومة، وجعلها ثقافة لدى المواطن والعائلة والمدرسة والجامعة والمؤسسة، لأنها كفيلة بالحفاظ على سوريا والشعب السوري من الأذى ،ومن ثم تحرير الأراضي المحتلة .
ثالثا :
العمل على إحياء التضامن العربي وجعل قمة ( دمشق ) المقبلة قاعدة إنطلاق نحو عالم عربي قوي ومتجانس ومتآزر، مع العمل على إحياء المعاهدة العربية للدفاع المشترك، وهي فرصة سانحة للرياض وللقاهرة وطرابلس أن تأخذ هذه العواصم المهمة دورها العربي مع دمشق ، وإنطلاقا من قمة دمشق المقبلة .
رابعا :
دعم العمل العربي، ودعم جميع التحركات الدولية نحو السلام ، والعمل على خلو المنطقة من إسلحة الدمار الشامل ، ومن الأسلحة النووية، والتشجيع وفسح المجال الى النووي السلمي العربي، ولأغراض سلمية تهم شعوب المنطقة وبالتعاون مع الدول الداعمة .
خامسا :
العمل على إنهاء الإحتلال في العراق وإنجاح عملية إعمار العراق، وإنهاء الإختلال في لبنان ، والعمل على تشريعات دولية وإقليمية تمنع العدوان وإحتلال الدول، وفسح المجال الى الحلول السلمية والسياسية بدلا من الحروب والعدوان .
نعتقد أن هذه العناوين المهمة هي عناوين برنامج الرئيس الأسد للمرحلة المقبلة ،وهناك عناوين مهمة وفرعية أخرى لا يسعنا ذكرها بهذه المناسبة ، لهذا نكرر بأن الخطاب كان تاريخيا وشفافا وواضحا ، ولكن يحتاج الى آليات ضخمة، وورش منتشرة في جميع أنحاء القطر السوري من أجل الشروع بتطبيق ما جاء في خطاب الرئيس ،وضمن توفر أجواء المنافسة الشريفة ،وشعار المبدع يكرّم ويُحتضن .
ونحن على يقين بأن هناك من يعمل و أميركيا وغربيا وحتى عربيا على إفشال قمة دمشق ومن الآن، وهناك من يعمل على تعطيل ما وعد به الرئيس شعبه، وسوف يحاولون منع الشركات والدول التي تبدي المساعدة في عمليات الإصلاح في سوريا ،ومثلما فعلوا من قبل وعلى لسان الرئيس الأسد عندما قال أن الولايات المتحدة منعت كثير من الدول والشركات التي إتفقنا معها على مساعدتنا في عملية الإصلاح، وأن الهدف واضحا أي هم يريدون تطبيق الإصلاح الأميركي، والذي عنوانه التدمير وحل المؤسسات، وتحويل الشعب الى مشروع للقتل والأعتقال والتهجير وا، ونشر المشروع الطائفي والإثني ، ومثلما هو حاصل في العراق تماما .
ونحن لا نعتقد أن هناك سوريا واحدا يقبل بهذا .. فالحل هو بالتعاضد، وقوة اللحمة السورية، والحفاظ على سوريا وشعبها وأرضها وتراثها وخيراتها من النهب والسلب والتدمير .
مركز الشرق للبحوث والدراسات
بقلم : د. سمير عبيد
لقد أدى الرئيس السوري بشار الأسد في السابع عشر من تموز / يوليو 2007 مراسيم القسم لولاية ثانية تستمر حتى عام 2014، وكانت سمات القسم سياسية عقائدية ووطنية، لأنه أقسم على تحقيق أهداف حزب البعث الحاكم في سوريا، وهي الوحدة والحرية والإشتراكية،ومن ثم أقسم على الإخلاص والوفاء والتضحية من أجل الشعب والوطن ، أي أنه عاهد من جلس أمامه تحت قبة مجلس الشعب ، ومن ثم عاهد من هم خارج قبة مجلس الشعب وهم شرائح الشعب السوري ، والذين هم في ميادين الدولة السورية وجغرافيتها المترامية صعودا نحو الذين هم في المهجر .ولقد كان الخطاب تاريخيا بالفعل، لأنه حمل الصراحة والمكاشفة، وشخّص الداء والدواء، ولم يخف نقاط الخلاف والتوتر والصعاب، وحتى لم يخف التوجسات ونقاط التقاعس التي مضت، ولقد كان وكعادته دوما محاضرا في جامعة كبيرة أسمها سوريا، حيث يتكلم ويخرج عن النص ليشرّح ويوضّح، وإيمانا منه بالمرونة ،وإيمانا منه بأن الشعب السوري على مستويات مختلفة من ناحية الثقافة والتعلّم والإستيعاب، لهذا لا يريد أن يترك الفلاح والراعي والأمي ( غير المتعلّم ) وغيرهم يحيرون بفهم ما جاء في الخطاب ،ولقد نجح من خلال ذلك بتأسيس مدرسة خطابية رسمية جديدة في العالم العربي لها من المشجعين والمحبين في الوطن العربي .
فجاء محتوى الخطاب مفاجأة لكثير من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، ولكثير من التوقعات والمتوقعين لأنه جاء داخليا وبنسبة 90% منه، بحيث أنه كشف مانُفذ في المرحلة السابقة وبشفافية واضحة، وكشف الصعوبات التي مرّت، وأشار الى المواضيع التي شكلت صعوبه في حلها ومنها الفساد وأعتبره ذكيا لا يترك أثرا ومستمسكا في أغلب الأحيان، وهي إشارة أن القضاء السوري نزيها و بحاجة الى قرائن، ولقد حمل للشعب السوري إشارات إستراتيجية مهمة تعلقت بمستقبله الإقتصادي والتعليمي والتنموي وربط كل هذا بمشروع التنمية، وأهمها عندما أخبرهم بأن بلدهم سجل معدلا للنمو وبنسبة 5.1 وهي مفاجأة كبيرة لأعداء سوريا، وللشعب السوري نفسه، والمفاجأة الأخرى عندما أعلن عن إنخفاض الديوان السورية من عشرين مليار دولار لتبقى بحدود ثلاث مليارات ونصف فقط، وهي قيمة ديون بسيطة جدا قياسا بتراتيب ديون الدول العربية والعالم الثالث، وهذا بحد ذاته إنتصارا معنويا وإقتصاديا وإستراتيجيا ضد جبهة أعداء سوريا .ثم حمل المفاجآت الأخرى من ناحية القفزات في الإستثمار، والتوسع الأفقي في مجال التعليم الجامعي والأصرار على إجبارية التعليم ،ودعم المرأة والطفل والمشاريع الصغيرة والخصخصة الذكية، وفسح المجال للقطاع الخاص بأن يأخذ دوره في تعزيز عجلة التنمية من خلال التوصيات التي صدرت حول الليونة في القوانين والتوصيات وتطويق الروتين والبيروقراطية، وتشجيع الإستثمار ودعم رجال الأعمال السوريين، ناهيك أن هذا كله أقترن بسياسة مصرفية أشر لها الرئيس في خطابه ،وهذا كله يعني أن الخطاب جاء كورقة عمل سياسية وإقتصادية لمرحلة قادمة تحمل في طياتها تهديدات معقدة، ولكن جميع هذه التوصيات بحاجة الى حلحلة في النظم الأمنية التي على تماس مع هذه المشاريع، و من أجل حصول الإنسيابية في التطبيق ،لأن الحذر المضاعف، والظنون المضاعفة هي بمثابة عصي في عجلات التنمية وفي أغلب الأحيان، لهذا لابد من التقليل في حالة التوجس والإعتماد على الظنون والشكوك، وهذا يحتاج الى ورش تدريب في المؤسسات الأمنية من أجل تأسيس نهج المرونة والعصرنة في الإجراءات والتعامل .
ولم يخف الرئيس الأسد بل صارح شعبه بأن ماتبقى من عام 2007 يحمل خطرا على سوريا والمنطقة، ويجب الإنتباه لها، وكان محقا للغاية حيث هناك البارجات العملاقة التي أصبحت تصل الى المياه العربية والدولية، وهناك القوات الأميركية الإضافية التي وصلت، ناهيك عن الأسلحة المتطورة التي وصلت الى إسرائيل وحلفاء واشنطن في المنطقة ، والأخرى التي هي في الطريق نحو المنطقة ، وكل هذا يقترن و يوميا بتهديدات المسؤولين الأميركان، وبعض المسؤولين الغربيين ضد سوريا ودول المنطقة .
فالذي كان يعنيه الرئيس الأسد في هذه النقطة هو اليقظة والحذر ،وما معناه ( تحملونا وسامحونا حتى نهاية العام في حالة لم ننفذ جميع الوعود .. أو لم ننطلق ببعض ما وعدنا به /وطبعا الكلام موجه للشعب السوري )... نعم فسوريا في قلب الأحداث كلها، فهي السفينة السالمة من بين السفن المجاورة، والتي تعرضت للأضرار وبنسب مختلفة ومنها السفينة العراقية والسفينة اللبنانية والسفينة الفلسطينية ،ولا ندري الى متى سيبقى مسلسل تحطيم سفن البلدان العربية !.
لهذا فالخطر ماثل لأن الهيجان لازال مستمرا ،لذا فالحفاظ على السفينة السورية سالمة من الأذى مسؤولية جميع السوريين، ومعهم الشرفاء من العرب والعالم، فسوريا تنتظر شهر سبتمبر / أيلول المقبل، فهناك إستحقاقان قادمان ويهمان سوريا جدا و في شهر سبتمبر المقبل، أي إستحقاق في العراق فيما يتعلق بتقرير كبار قادة الإحتلال العسكريين في العراق حول مسألة البقاء أو الرحيل من العراق، و ماذا سيقول الرئيس بوش الى الشعب الأميركي ومجلس النواب ، والإستحقاق اللبناني والذي هو في سبتمبر أيضا، والذي يهم سوريا جدا وأكثر حتى من العراق، لأن كل ما يؤثر في لبنان، فهو مؤثر في سوريا، وبنفس اللحظة والقوة، لهذا فمن مصلحة سوريا أن يكون الوئام والهدوء سائدا في لبنان، ومن مصلحة سوريا أن يحل الوفاق بين الفرقاء اللبنانيين .
أما الأمر المهم والذي تبناه الرئيس الأسد وبلفتة ذكية جدا منه وهو موضوع ( اللغة العربية ) التي تعرضت وتتعرض يوميا الى عمليات القرصنة والتدمير المبرمج وضمن مخطط صهيوني أميركي غربي للقضاء على اللغة العربية، والهدف هو حصار القرآن الكريم على المدى البعيد وتركه للنخبة، ثم الإنفراد بأجيالنا كي يكونوا بلا هوية وبلغة اللهجات بدلا من اللغة العربية، وهو مشروع قديم جديد، أي هو المشروع الذي بشر به سعيد عقل وجرجي زيدان وتوفيق الحكيم في خمسينيات القرن المنصرم، عندما حاولوا تحويل اللغة الدارجة ( اللهجة ) لتكون بديلا عن اللغة العربية الفصحى، وتكتب بالأحرف اللاتينية، وها هو المشروع يعود من جديد ،وبدعم من وكالات عالمية وفي مقدمتها وكالة التنمية الأميركية ،وهي الوكالة المسؤولة عن دعم فضائيات العري والهيشك بيشك ، وفضائيات اللهجات والميوعة والمواد الرديئة، وكذلك دعم الإعلام الناطق بالعربية وفروعه من فضائيات وصحف ومجلات ومواقع إلكترونية وإذاعات وهو الفيلق المرادف للمشروع الأميركي في المنطقة، فلقد كان رائعا في تشخيصه لهذا الموضوع، والذي جعله في صلب البرنامج السياسي والتربوي والتعليمي والثقافي للمرحلة المقبلة في سوريا .ولكن من المفاجآت الذكية التي وردت في الخطاب هي مفاجأة ( وقت الرئيس ) أو مفاجأة ( لغات الرئيس ) حيث أعلن أنه لديه برنامج يتعلم من خلاله لغات أجنبية أخرى، وهو شيء فريد وشبه معجزة أن يكون هناك رئيس دولة عربية مهددة من جميع الجهات، وهناك سيناريوهات علنية وسرية ضدها ورئيسها يتعلم اللغات الأخرى، فمن أين يأت الرئيس الأسد بالوقت ، ومن ثم أي إصرار وأية همّة تلك التي يمتلكها الرئيس الأسد كي يتعلم لغات أخرى إضافة الى مهامه الصعبة والمعقدة والمتشعبه؟ ..
لا بل قال أنه يقوّي نفسه باللغة العربية وبشكل مستمر كي لا يخطأ ويشعر بالخجل من الحكومة والشعب والنقاد، فحقا دقوا الخشب وإصرخوا ( خمسه وخميسه ) وكل هذا والنكتة لا تفارقه وفي جميع خطاباته السابقة ،ورغم الظروف والمناسبات الحرجة ، وكل هذا يخلق عند الأعداء حيرة وعودة الى الحسابات الشريرة، ونسأل الله أن يتركوها نحو الحسابات الخيرة ومنطق العقل لأن مكاسب منطق العقل أكثر بكثير من مكاسب منطق الشر، ويخلقوا أرضية للتعاون والمحبة والتواصل بين الدول والشعوب .
أما مسألة إصراره على عدم التطرق الى الملف اللبناني فكان أم المفاجآت، لأنه أفرغ جعبة الشتّامين والمسعورين في الجانب اللبناني، ونسف جميع الترتيبات التي رتّبوها مع الفضائيات والصحفيين والإعلاميين إستباقيا كي يقذفوا سوريا وقيادتها بالشتائم المعهودة، ولكن عدم ذكر الملف اللبناني جعلهم يشتمون بحالهم، وجعلهم بلا مادة شتائمية يظهروا بها على شاشات الفضائيات، والتي أغلبها من صنع وتمويل وكالة التنمية الأميركية والوكالات الصهيونية الأخرى .
لذا فعدم المرور على الملف اللبناني كان ضربا من الذكاء، وفي وقت حرج ،وكي لا تترجم أي كلمة على أنها عبارة عن مسج أو إشارة من سوريا الى الذين كانوا يجتمعون في باريس ( الفرقاء اللبنانيين ) في وقت الخطاب، وأرادها صفعة للولايات المتحدة وإسرائيل والفصائل اللبنانية التي نهجت النهج الأميركي، فالصمت كان أبلغ من الكلام، وحتى أن مروره على الملف العراقي والفلسطيني كان ذكيا ومشخصّا وواضحا، وضمن شعار خير الكلام ما قل ودل، ولم يمر على الملف الإيراني ولا على الملف التركي ولا حتى على الملفات الدولية الساخنة ، بل حسمها بأن المرحلة المقبلة هي الى :
أولا :
تكون مكرسة للداخل السوري، وللعمل من أجل الجبهة الداخلية، والتنمية الداخلية التي تخص المواطن السوري والعائلة السورية وفي جميع المجالات، وردم الفجوات بين طبقات المجتمع السوري .
ثانيا :
تكون المرحلة المقبلة مكرسة نحو زيادة التثقيف على المقاومة، وجعلها ثقافة لدى المواطن والعائلة والمدرسة والجامعة والمؤسسة، لأنها كفيلة بالحفاظ على سوريا والشعب السوري من الأذى ،ومن ثم تحرير الأراضي المحتلة .
ثالثا :
العمل على إحياء التضامن العربي وجعل قمة ( دمشق ) المقبلة قاعدة إنطلاق نحو عالم عربي قوي ومتجانس ومتآزر، مع العمل على إحياء المعاهدة العربية للدفاع المشترك، وهي فرصة سانحة للرياض وللقاهرة وطرابلس أن تأخذ هذه العواصم المهمة دورها العربي مع دمشق ، وإنطلاقا من قمة دمشق المقبلة .
رابعا :
دعم العمل العربي، ودعم جميع التحركات الدولية نحو السلام ، والعمل على خلو المنطقة من إسلحة الدمار الشامل ، ومن الأسلحة النووية، والتشجيع وفسح المجال الى النووي السلمي العربي، ولأغراض سلمية تهم شعوب المنطقة وبالتعاون مع الدول الداعمة .
خامسا :
العمل على إنهاء الإحتلال في العراق وإنجاح عملية إعمار العراق، وإنهاء الإختلال في لبنان ، والعمل على تشريعات دولية وإقليمية تمنع العدوان وإحتلال الدول، وفسح المجال الى الحلول السلمية والسياسية بدلا من الحروب والعدوان .
نعتقد أن هذه العناوين المهمة هي عناوين برنامج الرئيس الأسد للمرحلة المقبلة ،وهناك عناوين مهمة وفرعية أخرى لا يسعنا ذكرها بهذه المناسبة ، لهذا نكرر بأن الخطاب كان تاريخيا وشفافا وواضحا ، ولكن يحتاج الى آليات ضخمة، وورش منتشرة في جميع أنحاء القطر السوري من أجل الشروع بتطبيق ما جاء في خطاب الرئيس ،وضمن توفر أجواء المنافسة الشريفة ،وشعار المبدع يكرّم ويُحتضن .
ونحن على يقين بأن هناك من يعمل و أميركيا وغربيا وحتى عربيا على إفشال قمة دمشق ومن الآن، وهناك من يعمل على تعطيل ما وعد به الرئيس شعبه، وسوف يحاولون منع الشركات والدول التي تبدي المساعدة في عمليات الإصلاح في سوريا ،ومثلما فعلوا من قبل وعلى لسان الرئيس الأسد عندما قال أن الولايات المتحدة منعت كثير من الدول والشركات التي إتفقنا معها على مساعدتنا في عملية الإصلاح، وأن الهدف واضحا أي هم يريدون تطبيق الإصلاح الأميركي، والذي عنوانه التدمير وحل المؤسسات، وتحويل الشعب الى مشروع للقتل والأعتقال والتهجير وا، ونشر المشروع الطائفي والإثني ، ومثلما هو حاصل في العراق تماما .
ونحن لا نعتقد أن هناك سوريا واحدا يقبل بهذا .. فالحل هو بالتعاضد، وقوة اللحمة السورية، والحفاظ على سوريا وشعبها وأرضها وتراثها وخيراتها من النهب والسلب والتدمير .
مركز الشرق للبحوث والدراسات