ما بعرف
20/07/2007, 00:55
شكل نشر صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية تحقيقاً حول قيام الولايات المتحدة بإرسال 100 صاروخ ذكي من نوع GBU ـ82 على وجه السرعة إلى إسرائيل في خضم حربها على لبنان، الشرارة الأولى التي لفتت النظر إلى إمكانية أن تكون إسرائيل قد استخدمت أو تستخدم أسلحة تحتوي على اليورانيوم ضد لبنان. وفي حين ربطت الصحيفة الاسكتلندية «غلاسكو هيرالد» في 27 تموز ,2006 إرسال هذه الصواريخ بشكل سري عبر مطار «بريستويك» الاسكتلندي كجزء من صفقة تتضمن 500 صاروخ دقيق التصويب بتمكين إسرائيل من توجيه ضربة استباقية على إيران ومنشآتها النووية عندما تدعو الحاجة لذلك، إلا أن ذلك لم يمنع من السؤال عن أسباب السرعة في التسليم في خضم حرب دائرة في لبنان. فهذه الصواريخ مضادة للتحصينات وهو ما جعلها تسمى أيضا ٓUNKERS BUSTERS بدا أن استخدامها في لبنان غير مستبعد نظراً لكمّ الدعاية الإسرائيلية التي رافقت الحرب واتهمت حزب الله بإخفاء أسلحته في الجنوب في أنفاق محصنة تحت الأرض. فكان السؤال الذي طرحته «السفير» في 29 تموز 2006 على المدير السابق لبرنامج وزارة الدفاع الأميركية لليورانيوم المنضب، دوغ روك (Doug Rokke)، والناشط ضد استخدام اليورانيوم المنضب في الأسلحة هو: هل يمكن أن تحمل هذه القنابل الذكية رؤوساً من اليورانيوم المنضب؟ وكان جوابه إيجابياً. هذا الجواب شكل صدمة لأسباب عدة: أولاً أنه أتى من خبير معروف بمصداقيته في هذا المجال نظراً لخلفيته وسعة اطلاعه على هذا النوع من الأسلحة؛ وثانياً أنه أعاد بذلك إلى الأذهان رعب صور الأطفال العراقيين المصابين بالسرطانات أو التشوهات والتي اتهمت بها الأسلحة الأميركية المحتوية على اليورانيوم المنضب والمستخدمة في حرب الخليج الثانية أو حرب تحرير الكويت. وهي تأثيرات لم تشمل فقط العراقيين بل أن النقاش ما زال مستمراً حتى الآن عن الدور الذي أداه هذا اليورانيوم في حالات مرضية أصابت الجنود الأميركيين المشاركين في الحرب والتي أطلق عليه اسم «متلازمة حرب الخليج».
وبعد سنة على بدء البحث وتجنّد عدد من الباحثين والمؤسسات الرسمية والدولية والمستقلة في محاولة للإجابة عن هذا السؤال ما زال الجواب حمّال أوجه. فحتى الآن لا يمكن الجزم في ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت اليورانيوم، بأي شكل من أشكاله، في حربها على لبنان. وإذ تشير المعطيات إلى إجابتين متضاربتين يبدو أن الوقت وحده كفيل بالحسم لمصلحة إحداهما. لكن هذا الحسم يحتاج لتظافر جهود الرسميين مع المجتمع المدني وإنشاء مرصد يراقب بدقة أي حالات صحية غير طبيعية تطرأ على الأشخاص المقيمين في المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي. وهو اقتراح بقيت «السفير« تنادي به طوال السنة الماضية إلا أنها لم تلق أي رد عملي من المؤسسات الرسمية وإن كان الصدى قد وصل إلى عدد من مؤسسات المجتمع المدني والباحثين المستقلين اللبنانيين والأوروبيين الذين بدأوا فعلياً اجتماعات تمهيدا لإطلاق شبكات رصد تملأ فراغ الغياب الرسمي.
وخلال السنة الماضية حاولت «السفير« البحث عن إجابات تنفي أو تؤكد حقيقة ما ذهب إليه دوغ روك لا سيما وأن رأياً آخر من الخبير البريطاني داي ويليامس جاء لاحقاً ليتحدث عن احتمالين لما يمكن أن تحمله رؤوس هذه القنابل: اليورانيوم أو التانغستين كل بحسب الهدف المنوي تدميره. فالمعدنين يزيدان قدرة القنبلة على اختراق التحصينات لكن الأول يحدث حريقاً فيما الثاني لا يفعل. وذهب ويليامس أبعد من ذلك بالحديث عن إمكانية أن لا تظهر أي آثار ليورانيوم منضب مشيراً إلى قناعة بإمكانية أن يتم تزويد هذه القنابل بكميات من اليورانيوم الطبيعي وليس المنضب مما يسهل إخفاء الأمر. وهو قال «للسفير» في 22/8/2006 «من السهل تأكيد وجود أو غياب اليورانيوم المنضب في تحليل أي عينة، غير أن الأمر يصبح أصعب في حال وجود يورانيوم بشكل مختلف وهو ما يجعل استخدام اليورانيوم في الأسلحة بأشكال أقرب في تركيبتها من اليورانيوم الطبيعي (من حيث نسب نظيري اليورانيوم 235 و238 فيها) أمراً غير مستبعد، لأنه من الأسهل إخفاء آثاره وادعاء أن ما يظهر في العينات هو يورانيوم طبيعي غير مؤذ وموجود أصلاً في الطبيعة ولا علاقة للأسلحة أو للحرب فيه». واستند ويليامس في ذلك إلى دراسات أجريت في أفغانستان ودلت على ظهور عوارض مرضية غريبة بين المواطنين في إحدى المناطق التي لم تظهر فيها أي آثار لليورانيوم المنضب. لكن تبين لاحقاً وجود نسب عالية من اليورانيوم الطبيعي في عينات البول التي أخذت من السكان وصلت إلى أكثر من عشرة أضعاف النسب المعروفة لهذا العنصر في الطبيعة. (ويبلغ المعدل الطبيعي لليورانيوم في البول بين 0 و10 نانوغرام أي واحد على مليون من الغرام في الليتر وأي زيادة عن هذه النسبة لا تعد طبيعية).
بحث الميداني ونتائج متناقضة
مع توقف الأعمال العسكرية بدأت جهات عدة عمليات بحث وأخذ عينات في محاولة لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت اليورانيوم في حربها أم لا مع العلم أن التحذير من هذه الأسلحة جاء في بعض الأحيان من مؤسسات إسرائيلية. إذ أصدرت «اللجنة الإسرائيلية من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية» وهي جمعية أهلية مقرها تل أبيب، بياناً في الخامس من آب، أي قبل توقف الحرب قالت فيه إن «حكومة إسرائيل اشترت مؤخراً من الولايات المتحدة صواريخ مضادة للتحصينات من نوع GBUـ82 لتستخدمها في حربها على لبنان وهي صواريخ تحتوي على اليورانيوم المنضب...»، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى عدم استخدامها. وقام الجيش اللبناني بالتعاون مع «المجلس الوطني للبحوث العلمية» و«الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية» بأخذ عينات من 50 موقعاً من أماكن استهدفت في القصف وفحصها بحثاً عن أي آثار لليورانيوم المنضب. وفي وقت كان المجلس يستعد لإعلان نتائج أولية لبعض العينات التي أخذها، أعلن الدكتور محمد علي قبيسي في 20 آب 2006 أن عداده رصد وجود نسب مرتفعة جداً من الإشعاعات في إحدى الحفر التي خلفها صاروخ إسرائيلي في بلدة الخيام. وهو إعلان لفت نظر عدد من الباحثين الغربيين الذين كانوا يتابعون القضية خلال الحرب فوجدوا ضرورة في المجيء إلى لبنان لمتابعتها عن كثب ومنهم داي ويليامس الباحث المستقل في أسلحة اليورانيوم وهانس فاندر كيور من مؤسسة «لاكا» الهولندية لرصد استخدامات اليورانيوم المنضب. في هذا الوقت وبعد ثلاثة أيام على إعلان قبيسي كشف المجلس الوطني للبحوث أن نتائج تحليل نصف العينات التي أخذها من أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق وبلدات مختلفة من الجنوب والبقاع بيّنت خلوها من مادة اليورانيوم المنضب واحتواءها على مستويات عادية من اليورانيوم الطبيعي الموجود في التربة. ثم أعاد التأكيد على النتائج نفسها بعد شهر في العشرين من تشرين الأول بإعلانه «أن عملية المسح الإشعاعي لم تثبت وجود مادة اليورانيوم المنضب في كل العينات التي رفعها المجلس وأن عملية المسح سوف تستمر ولفترة سنة على الأقل لإجراء تحاليل دقيقة للغبار الذي تم جمعه من المواقع المشكوك فيها، وتحليلها في مختبرات في سويسرا ولبنان بهدف متابعة هذا الموضوع وإعلان نتائجه للرأي العام اللبناني لطمأنة المواطنين وحفظ حقوقهم». واعتبر المجلس في حينه أنه «الجهة الوحيدة المخولة التحدث في هذا الموضوع» نافياً أي دور لأي باحث مستقل مهما كانت خبرته في التعليق حول هذا الموضوع، مع العلم أنه في حالة كوسوفو والعراق شكل الباحثون المستقلون العنصر الأول في فضح استخدام حلف الناتو والولايات المتحدة لأسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب.
وكان ويليامس قد أكد (22/8/2006) أنه من المستبعد أن تظهر آثار ليورانيوم منضب وإذا أثبتت نتائج فحص العينات عدم وجود يورانيوم منضب، فإن ذلك لا يعني أن إسرائيل لم تستخدم اليورانيوم بأشكال أخرى في القنابل التي ألقتها على لبنان... مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً لدى شركات إنتاج الأسلحة لعدم استخدام اليورانيوم المنضب بل خليط من اليورانيوم يحتوي على نسب من النظائر المختلفة (يورانيوم 235 على يورانيوم 238) تقترب من الطبيعية (وهو ما وجد في كوسوفو وأفغانستان) مما يسهل إخفاءه بحيث لا يظهر أثر ليورانيوم منضب بل لنسب من اليورانيوم الطبيعي. في هذه الحال يصبح من الأصعب إثبات أن مصدر هذا اليورانيوم هي الأسلحة وتوجيه أي اتهام.
لكن المفاجأة كانت في عينة من حفرة الخيام نفسها أخذها معه ويليامس إلى بريطانيا للتحليل في «مختبر هارويل» وهو مختبر متخصص في البيئة النووية معتمد لدى وزارة الدفاع البريطانية. وأظهرت نتائج التحليل بحسب تقرير أصدره ويليامس بالتعاون مع السكرتير العلمي البريطاني «للجنة الأوروبية حول مخاطر الإشعاع» د. كريس باسبي، وجود اليورانيوم المخصّب في العيّنة في حين خلت عيّنة أخذت من بلدة الطيري من أي نسب غير طبيعية لليورانيوم. ويحتوي اليورانيوم المخصّب على نسبة عالية من اليورانيوم 235 المشع ذي القدرة على الانشطار والذي يستخدم عادة كوقود نووي في المفاعلات. لكن ويليامس طمأن في حينه «أننا لسنا أمام سلاح نووي» إذ أن نسبة التخصيب في العينة ضئيلة جداً. وأعاد التقرير هذه النتيجة إلى سببين: الأول هو أن تكون إسرائيل قد استخدمت نوعاً جديداً من الأسلحة الصغيرة العاملة بالانشطار النووي أو سلاحاً تجريبياً آخر كأسلحة «قذائف الحرارة والضغط الفراغية الحديثة» THERMOBARIC التي تعتمد على احتراق مادة اليورانيوم. أما الاحتمال الثاني بحسب التقرير فهو أن تكون إسرائيل قد استخدمت قنابل مضادة للتحصينات bunker-busters تحتوي، بدلاً من رؤوس اليورانيوم المنضّب المستخدمة تقليدياً، على رؤوس من اليورانيوم المخصّب. هذه النتيجة أحدثت مفاجأة لباسبي وويليامس نفسيهما.
ولعل النقطة الإيجابية التي أحدثها دخول جهات عدة على خط البحث هو النقاش العلمي الذي أطلقته النتائج المختلفة الصادرة عنهم. فجاءت أولى نتائج د. محمد علي قبيسي في دراسة نشرتها «السفير» في 4/1/2007 تناولت نتائج عينات ترابية أخذها من حفر صواريخ في بلدتي الخيام وفرون وغيرهما في جنوب لبنان، حيث تبين باستخدام تقنية مطيافية «غاما» وجود احتمال، لأن يكون اليورانيوم المنضب قد استعمل في حفرة الخيام فقط مع خلو باقي العينات من أي نسب غير طبيعية. وجاءت دراسة ثانية لقبيسي على عينة من غبار الضاحية الجنوبية باستخدام مطيافية ألفا (8/3/2007) لتشير إلى عدم وجود يورانيوم منضب في عينات الغبار لتتنافى أيضاً مع نتائج الفريق البريطاني الذي أعلن عن وجود يورانيوم مخصب في غبار فلتر سيارة إسعاف كانت تعمل في الضاحية الجنوبية لبيروت أثناء القصف الصاروخي عليها، كان ويليامس أخذه معه إلى بريطانيا. كما بقيت نتيجة حفرة الجلاحية في الخيام موضع شك وبحاجة إلى دراسة متتالية لفهم السبب لوجود أشعة عالية وغير منسجمة مع الإشعاعات الطبيعية في ذلك المحيط.
في هذا الوقت كانت إسرائيل تنفي على لسان متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي «أن تكون قد استخدمت أي سلاح يحتوي على اليورانيوم». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية مارك ريغيف لصحيفة «اندبندنت» البريطانية رداً على نقلها نتائج «باسبي وويليامس» «أن الذخائر التي استخدمناها في حملتنا ضد لبنان مشابهة تقريباً لأنواع الأسلحة التي استخدمت من قبل قوات حلف شمال الأطلسي والدول الغربية في حروبها خلال السنوات العشر الأخيرة». لكن هذا الرد بدا أقرب إلى الإدانة لا سيما وأنه من المعروف أن قوات حلف شمال الأطلسي والدول الغربية لم تخض خلال السنوات العشر الأخيرة سوى ثلاثة حروب في البلقان والعراق وأفغانستان، وفي الحالات الثلاث ثبت استخدامها لليورانيوم.
وبعد سنة على بدء البحث وتجنّد عدد من الباحثين والمؤسسات الرسمية والدولية والمستقلة في محاولة للإجابة عن هذا السؤال ما زال الجواب حمّال أوجه. فحتى الآن لا يمكن الجزم في ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت اليورانيوم، بأي شكل من أشكاله، في حربها على لبنان. وإذ تشير المعطيات إلى إجابتين متضاربتين يبدو أن الوقت وحده كفيل بالحسم لمصلحة إحداهما. لكن هذا الحسم يحتاج لتظافر جهود الرسميين مع المجتمع المدني وإنشاء مرصد يراقب بدقة أي حالات صحية غير طبيعية تطرأ على الأشخاص المقيمين في المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي. وهو اقتراح بقيت «السفير« تنادي به طوال السنة الماضية إلا أنها لم تلق أي رد عملي من المؤسسات الرسمية وإن كان الصدى قد وصل إلى عدد من مؤسسات المجتمع المدني والباحثين المستقلين اللبنانيين والأوروبيين الذين بدأوا فعلياً اجتماعات تمهيدا لإطلاق شبكات رصد تملأ فراغ الغياب الرسمي.
وخلال السنة الماضية حاولت «السفير« البحث عن إجابات تنفي أو تؤكد حقيقة ما ذهب إليه دوغ روك لا سيما وأن رأياً آخر من الخبير البريطاني داي ويليامس جاء لاحقاً ليتحدث عن احتمالين لما يمكن أن تحمله رؤوس هذه القنابل: اليورانيوم أو التانغستين كل بحسب الهدف المنوي تدميره. فالمعدنين يزيدان قدرة القنبلة على اختراق التحصينات لكن الأول يحدث حريقاً فيما الثاني لا يفعل. وذهب ويليامس أبعد من ذلك بالحديث عن إمكانية أن لا تظهر أي آثار ليورانيوم منضب مشيراً إلى قناعة بإمكانية أن يتم تزويد هذه القنابل بكميات من اليورانيوم الطبيعي وليس المنضب مما يسهل إخفاء الأمر. وهو قال «للسفير» في 22/8/2006 «من السهل تأكيد وجود أو غياب اليورانيوم المنضب في تحليل أي عينة، غير أن الأمر يصبح أصعب في حال وجود يورانيوم بشكل مختلف وهو ما يجعل استخدام اليورانيوم في الأسلحة بأشكال أقرب في تركيبتها من اليورانيوم الطبيعي (من حيث نسب نظيري اليورانيوم 235 و238 فيها) أمراً غير مستبعد، لأنه من الأسهل إخفاء آثاره وادعاء أن ما يظهر في العينات هو يورانيوم طبيعي غير مؤذ وموجود أصلاً في الطبيعة ولا علاقة للأسلحة أو للحرب فيه». واستند ويليامس في ذلك إلى دراسات أجريت في أفغانستان ودلت على ظهور عوارض مرضية غريبة بين المواطنين في إحدى المناطق التي لم تظهر فيها أي آثار لليورانيوم المنضب. لكن تبين لاحقاً وجود نسب عالية من اليورانيوم الطبيعي في عينات البول التي أخذت من السكان وصلت إلى أكثر من عشرة أضعاف النسب المعروفة لهذا العنصر في الطبيعة. (ويبلغ المعدل الطبيعي لليورانيوم في البول بين 0 و10 نانوغرام أي واحد على مليون من الغرام في الليتر وأي زيادة عن هذه النسبة لا تعد طبيعية).
بحث الميداني ونتائج متناقضة
مع توقف الأعمال العسكرية بدأت جهات عدة عمليات بحث وأخذ عينات في محاولة لمعرفة ما إذا كانت إسرائيل قد استخدمت اليورانيوم في حربها أم لا مع العلم أن التحذير من هذه الأسلحة جاء في بعض الأحيان من مؤسسات إسرائيلية. إذ أصدرت «اللجنة الإسرائيلية من أجل شرق أوسط خال من الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية» وهي جمعية أهلية مقرها تل أبيب، بياناً في الخامس من آب، أي قبل توقف الحرب قالت فيه إن «حكومة إسرائيل اشترت مؤخراً من الولايات المتحدة صواريخ مضادة للتحصينات من نوع GBUـ82 لتستخدمها في حربها على لبنان وهي صواريخ تحتوي على اليورانيوم المنضب...»، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى عدم استخدامها. وقام الجيش اللبناني بالتعاون مع «المجلس الوطني للبحوث العلمية» و«الهيئة اللبنانية للطاقة الذرية» بأخذ عينات من 50 موقعاً من أماكن استهدفت في القصف وفحصها بحثاً عن أي آثار لليورانيوم المنضب. وفي وقت كان المجلس يستعد لإعلان نتائج أولية لبعض العينات التي أخذها، أعلن الدكتور محمد علي قبيسي في 20 آب 2006 أن عداده رصد وجود نسب مرتفعة جداً من الإشعاعات في إحدى الحفر التي خلفها صاروخ إسرائيلي في بلدة الخيام. وهو إعلان لفت نظر عدد من الباحثين الغربيين الذين كانوا يتابعون القضية خلال الحرب فوجدوا ضرورة في المجيء إلى لبنان لمتابعتها عن كثب ومنهم داي ويليامس الباحث المستقل في أسلحة اليورانيوم وهانس فاندر كيور من مؤسسة «لاكا» الهولندية لرصد استخدامات اليورانيوم المنضب. في هذا الوقت وبعد ثلاثة أيام على إعلان قبيسي كشف المجلس الوطني للبحوث أن نتائج تحليل نصف العينات التي أخذها من أحياء الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق وبلدات مختلفة من الجنوب والبقاع بيّنت خلوها من مادة اليورانيوم المنضب واحتواءها على مستويات عادية من اليورانيوم الطبيعي الموجود في التربة. ثم أعاد التأكيد على النتائج نفسها بعد شهر في العشرين من تشرين الأول بإعلانه «أن عملية المسح الإشعاعي لم تثبت وجود مادة اليورانيوم المنضب في كل العينات التي رفعها المجلس وأن عملية المسح سوف تستمر ولفترة سنة على الأقل لإجراء تحاليل دقيقة للغبار الذي تم جمعه من المواقع المشكوك فيها، وتحليلها في مختبرات في سويسرا ولبنان بهدف متابعة هذا الموضوع وإعلان نتائجه للرأي العام اللبناني لطمأنة المواطنين وحفظ حقوقهم». واعتبر المجلس في حينه أنه «الجهة الوحيدة المخولة التحدث في هذا الموضوع» نافياً أي دور لأي باحث مستقل مهما كانت خبرته في التعليق حول هذا الموضوع، مع العلم أنه في حالة كوسوفو والعراق شكل الباحثون المستقلون العنصر الأول في فضح استخدام حلف الناتو والولايات المتحدة لأسلحة تحتوي على اليورانيوم المنضب.
وكان ويليامس قد أكد (22/8/2006) أنه من المستبعد أن تظهر آثار ليورانيوم منضب وإذا أثبتت نتائج فحص العينات عدم وجود يورانيوم منضب، فإن ذلك لا يعني أن إسرائيل لم تستخدم اليورانيوم بأشكال أخرى في القنابل التي ألقتها على لبنان... مشيراً إلى أن هناك اتجاهاً لدى شركات إنتاج الأسلحة لعدم استخدام اليورانيوم المنضب بل خليط من اليورانيوم يحتوي على نسب من النظائر المختلفة (يورانيوم 235 على يورانيوم 238) تقترب من الطبيعية (وهو ما وجد في كوسوفو وأفغانستان) مما يسهل إخفاءه بحيث لا يظهر أثر ليورانيوم منضب بل لنسب من اليورانيوم الطبيعي. في هذه الحال يصبح من الأصعب إثبات أن مصدر هذا اليورانيوم هي الأسلحة وتوجيه أي اتهام.
لكن المفاجأة كانت في عينة من حفرة الخيام نفسها أخذها معه ويليامس إلى بريطانيا للتحليل في «مختبر هارويل» وهو مختبر متخصص في البيئة النووية معتمد لدى وزارة الدفاع البريطانية. وأظهرت نتائج التحليل بحسب تقرير أصدره ويليامس بالتعاون مع السكرتير العلمي البريطاني «للجنة الأوروبية حول مخاطر الإشعاع» د. كريس باسبي، وجود اليورانيوم المخصّب في العيّنة في حين خلت عيّنة أخذت من بلدة الطيري من أي نسب غير طبيعية لليورانيوم. ويحتوي اليورانيوم المخصّب على نسبة عالية من اليورانيوم 235 المشع ذي القدرة على الانشطار والذي يستخدم عادة كوقود نووي في المفاعلات. لكن ويليامس طمأن في حينه «أننا لسنا أمام سلاح نووي» إذ أن نسبة التخصيب في العينة ضئيلة جداً. وأعاد التقرير هذه النتيجة إلى سببين: الأول هو أن تكون إسرائيل قد استخدمت نوعاً جديداً من الأسلحة الصغيرة العاملة بالانشطار النووي أو سلاحاً تجريبياً آخر كأسلحة «قذائف الحرارة والضغط الفراغية الحديثة» THERMOBARIC التي تعتمد على احتراق مادة اليورانيوم. أما الاحتمال الثاني بحسب التقرير فهو أن تكون إسرائيل قد استخدمت قنابل مضادة للتحصينات bunker-busters تحتوي، بدلاً من رؤوس اليورانيوم المنضّب المستخدمة تقليدياً، على رؤوس من اليورانيوم المخصّب. هذه النتيجة أحدثت مفاجأة لباسبي وويليامس نفسيهما.
ولعل النقطة الإيجابية التي أحدثها دخول جهات عدة على خط البحث هو النقاش العلمي الذي أطلقته النتائج المختلفة الصادرة عنهم. فجاءت أولى نتائج د. محمد علي قبيسي في دراسة نشرتها «السفير» في 4/1/2007 تناولت نتائج عينات ترابية أخذها من حفر صواريخ في بلدتي الخيام وفرون وغيرهما في جنوب لبنان، حيث تبين باستخدام تقنية مطيافية «غاما» وجود احتمال، لأن يكون اليورانيوم المنضب قد استعمل في حفرة الخيام فقط مع خلو باقي العينات من أي نسب غير طبيعية. وجاءت دراسة ثانية لقبيسي على عينة من غبار الضاحية الجنوبية باستخدام مطيافية ألفا (8/3/2007) لتشير إلى عدم وجود يورانيوم منضب في عينات الغبار لتتنافى أيضاً مع نتائج الفريق البريطاني الذي أعلن عن وجود يورانيوم مخصب في غبار فلتر سيارة إسعاف كانت تعمل في الضاحية الجنوبية لبيروت أثناء القصف الصاروخي عليها، كان ويليامس أخذه معه إلى بريطانيا. كما بقيت نتيجة حفرة الجلاحية في الخيام موضع شك وبحاجة إلى دراسة متتالية لفهم السبب لوجود أشعة عالية وغير منسجمة مع الإشعاعات الطبيعية في ذلك المحيط.
في هذا الوقت كانت إسرائيل تنفي على لسان متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي «أن تكون قد استخدمت أي سلاح يحتوي على اليورانيوم». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية مارك ريغيف لصحيفة «اندبندنت» البريطانية رداً على نقلها نتائج «باسبي وويليامس» «أن الذخائر التي استخدمناها في حملتنا ضد لبنان مشابهة تقريباً لأنواع الأسلحة التي استخدمت من قبل قوات حلف شمال الأطلسي والدول الغربية في حروبها خلال السنوات العشر الأخيرة». لكن هذا الرد بدا أقرب إلى الإدانة لا سيما وأنه من المعروف أن قوات حلف شمال الأطلسي والدول الغربية لم تخض خلال السنوات العشر الأخيرة سوى ثلاثة حروب في البلقان والعراق وأفغانستان، وفي الحالات الثلاث ثبت استخدامها لليورانيوم.