ما بعرف
20/07/2007, 00:52
بماذا قتلت إسرائيل اللبنانيين؟ بعد سنة على الحرب لا يملك أحد اليوم جواباً قاطعاً في ظل تكتم إسرائيل حول نوعية الأسلحة التي استخدمتها. والسؤال يسعى أساساً إلى فهم ما حصل وتأمين معطيات تساعد المستشفيات في الجنوب على الاستعداد لأنواع جديدة محتملة من الإصابات، بدل أن تفاجأ بها كما حصل في الصيف الماضي.
وطرح السؤال يهدف أيضاً إلى توفير قدر كاف من المعلومات للمواطنين المعرضين حول طبيعة الآلة العسكرية التي واجهوها وسبل الوقاية من أي تداعيات يمكن أن تنجم عن ذلك، وربما أيضاً طمأنتهم نسبياً إلى أن نتائج هذه الحرب انتهت مع انتهاء العمليات العسكرية...
وحتى اليوم، لم تتكفل أي جهة لبنانية، رسمية أو خاصة، بإنشاء هيئة مراقبة ترصد أي حالات صحية طارئة أو غير مألوفة قد تكون ناجمة عن حرب الصيف الماضي، وبقي الاعتماد على الهيئات الدولية للتحقيق في الموضوع.
إلا أن معظم التحقيقات الدولية التي رصدت انتهاكات حقوق الإنسان أو درست تأثيرات الحرب على البيئة، انتهت بعد زيارات عدة أجراها الخبراء الدوليون إلى قرى الجنوب ومناطق القصف انتهت بوضع تقارير عن الوضع كما رأوه في حينه.
ومعروف أن الكثير من تأثيرات الحرب قد لا تظهر مباشرة على الناس بل تحتاج لسنوات عدة قبل أن يصبح رصدها وإحصاؤها ممكناً وهو أمر منوط بالحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة وليس مسؤولية أي مؤسسة دولية أخرى.
بماذا قتلت إسرائيل اللبنانيين؟
ليس هناك جواب قاطع، ولكن هناك بعض المعطيات التي تجمعت خلال سنة من أبحاث جهات غير حكومية وناشطين دوليين وأطباء مستقلين أو من نتائج التحقيقات التي قامت بها لجنة أنشأتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو في بعض الأحيان من اعترافات الجيش الإسرائيلي نفسه.
فبعد وقت قليل من بدء الحرب، ومع تزايد عدد الشهداء والجرحى، بدأت تلاحظ أنواع من الإصابات لم يكن قد خبرها الأطباء الجنوبيون من قبل بالرغم من أن كثيرين منهم شهدوا عدواني العامين 1993 و.1996
وفي 22/7/,2006 أي بعد حوالى عشرة أيام على بدء الحرب، نشرت «السفير» تقريراً مفصلاً جمعت فيه شهادات حول العوارض وأشكال الإصابات الغريبة أو غير المعتادة التي لاحظها الأطباء في الجنوب وربطوها بفرضيات استخدام أنواع من الأسلحة بعضها «تقليدي» وبعضها الآخر حديث.
ومنذ ذلك الحين تواصل البحث لتأمين أي دلائل على صحة أو خطأ هذه الفرضيات. أما النتيجة فقد جاءت على الشكل التالي:
1ـ القنابل العنقودية:
لعل القنابل العنقودية هي إحدى أكثر الأسلحة التي ما زالت تقتل وتجرح اللبنانيين بعد سنة على انتهاء الحرب، لكنها أيضاً كانت السلاح الأول الذي أدان إسرائيل خلال الحرب وبعدها نظراً لصعوبة إخفائه أو إخفاء نتائجه. وقد حدد تقرير أصدره برنامج البيئة في الأمم المتحدة حجم المشكلة بمليون قنبلة عنقودية غير منفجرة موزعة على 813 موقعاً في الجنوب. واعترفت اسرائيل بأنها ألقت غالبية هذه القنابل في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب.
وراحت تظهر هذه القنابل منذ بداية الحرب عندما رصد وجودها من خلال شهادات أطباء ومواطنين. وقبيل انتهاء الحرب، أنشأت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي، وقد أصدرت تقريرها الختامي في تشرين الثاني ,2006 والذي اعتبرت فيه أن «الجيش الإسرائيلي خرق الاتفاقيات الدولية لاستخدامه غير المشروع لبعض الذخائر وتنفيذ العقاب الجماعي على المدنيين». مع ذلك، ذكر التقرير أنه «ليس من المعروف أن الأسلحة التي استخدمتها قوات الدفاع الإسرائيلية غير قانونية في حد ذاتها بموجب القانون الإنساني الدولي». بل أن «الطريقة التي استخدمت فيها تلك الأسلحة في بعض الحالات تنتهك القانون».
وتناولت اللجنة على وجه التحديد استخدام الذخائر العنقودية وأصدرت توصية بضرورة أن يبادر مجلس حقوق الإنسان «إلى تشجيع اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إدراج الذخائر العنقودية في قائمة الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي... وأن يطلب من إسرائيل بقوة أن تسلم على الفور إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وحكومة لبنان معلومات كاملة ومفصّلة عن استخدام الذخائر العنقودية وعن جميع إحداثيات مواقع هذه الذخائر التي أُطلقت في لبنان.
وينبغي على المجلس أن يطلب من الهيئات الدولية ذات الصلة، معالجة مسألة مشروعية بعض الأسلحة، وبخاصة الأسلحة التي تستخدم ضد السكان المدنيين بصورة عشوائية، بما فيها الأسلحة التي تستخدم اليورانيوم المستنفد».
كما تبين أن غالبية القنابل العنقودية التي ألقتها إسرائيل على لبنان هي قنابل من صنع أميركي. وقد أجرت الولايات المتحدة تحقيقاً حول الموضوع وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن النتائج الأولية التي توصل إليها التحقيق أشارت إلى انتهاك إسرائيل للاتفاقيات المبرمة معها عبر استخدامها القنابل العنقودية في لبنان خلال الصيف الماضي. وأوصت المنظمة بضرورة أن تؤدي هذه النتيجة إلى وقف فوري لكل صفقات بيع هذه القذائف إلى إسرائيل.
2ـ الأسلحة الكهرومغناطيسية أو أسلحة المايكروويف (أسلحة الطاقة المباشرة)
كانت طبيعة التشوهات والإصابات التي رصدت لدى الجرحى والشهداء هي ما دفع إلى الشك في إمكانية أن تكون إسرائيل قد استخدمت هذا النوع من الأسلحة. وتتلخص هذه العوارض بتشويهات غير طبيعية للجثث وسيطرة اللون الأسود على جلد الشهداء بحيث بدوا محروقين من دون أن يكونوا كذلك بالفعل. كما أن وفاة بعض الشهداء جاءت سريعة جداً رافقها انبعاث روائح غريبة منهم لم يستطع الأطباء تفسيرها. وظهر تخثر سريع للدم في الجسم كما لم تكتشف أي شظايا فيه. ولفت أيضاً تكرار أشكال محددة من الإصابات في العيون لدى عدد كبير من الجرحى. هذه الحالات رصدت في الرميلة والدوير وبنت جبيل وصور. وكان الدكتور بشير شام مدير المركز الطبي في صيدا قد لاحظ هذه العوارض على جثث نقلت إلى المركز بعد إصابتها تحت جسر الرميلة شمالي صيدا، في السابع عشر من تموز .2006 إذ ظهرت جثثهم بلون داكن كأنها محترقة من دون أن تكون محترقة فعلاً، بدليل بقاء ثياب الضحايا وشعرهم عليهم. وتوافقت هذه العوارض مع تقرير بثته قناة «راي نيوز 24» الإيطالية في شهر أيار 2006 أعده صحافيون في العراق ويتحدث عن استخدام القوات الأميركية نوعاً جديداً من الأسلحة هو عبارة عن شعاع من الموجات الكهرومغناطيسية القصيرة جداً أي ما يشبه الأشعة التي تطلقها أجهزة المايكروويف في المنازل. ويتم تصويب هذا السلاح على الهدف فتكون مهمته الدخول تحت الجلد وإصابة الأطراف العصبية بحيث يشل الجهاز العصبي ويرفع حرارة الجسم من خلال تسخين المياه الموجودة داخل الخلايا... وأشار التقرير إلى أن استخدام هذا النوع من الأسلحة تسبب في تقطيع أوصال الأشخاص المستهدفين وظهور ما يشبه الحروق في أجزاء مختلفة من أجسادهم من دون أن يجد الأطباء داخل أجسادهم أي آثار لشظايا قذائف تقليدية. وتحدّث التقرير التلفزيوني عن تقلص في حجم الجثث نتيجة هذا السلاح وهو ما لاحظه دكتور شام أيضاً في جثث الرميلة.
لكنّ تقريراً طبياً ألمانياً صدر بعد دراسة أنسجة عينات جلدية لضحايا جسر الرميلة، نفى إمكانية أن يكونوا قد قتلوا بأسلحة فوسفورية أو كهرومغناطيسية (ميكروويف) أو سامة من دون أن يتمكن من تحديد سبب الوفاة الحقيقية (نشرته «السفير» في 26/8/2006). ورجحت مصادر طبية أن يكون سبب الوفاة استخدام القنابل الفراغية أو القنابل «الوقودية الهوائية». غير أنه في النهاية بقي السبب الفعلي للوفاة غير معروف. إذ أكد التقرير الألماني «أن تأثيرات أشعة المايكروويف كانت لتتسبب بتسخين الأنسجة مع إحداث تغييرات معينة فيها وهو ما لم يظهر في العينات». وأشار التقرير إلى «أنه لا أثر لحريق في كل العينات التي أجري عليها فحص مخبري، بل ظهرت عليها ترسبات سوداء اللون فيها صدأ حديدي ومختلطة بجزيئات متبلّرة»، مؤكداً أنه «لا توجد أي آثار لتأثيرات حرارية والصورة العامة للجلد طبيعية من الناحية التشريحية». إلا أن التقرير لم يستطع تحديد طبيعة الترسبات السوداء التي بقيت على جثث الشهداء، وأكد أنها تحتاج لفحص كيميائي لتحديدها.
ويفترض التقرير «أن الترسبات السوداء على الجلد تفسر من جهة، اللون الأسود الذي غطى الأجساد، ومن جهة أخرى تشير إلى فرضية ينبغي التأكد منها من أن هؤلاء الأشخاص تعرضوا «لسحابة من السخام»، كما وصفها، عندما كانوا أحياء وبعد وفاتهم لفترة من الزمن».
بمعنى آخر، يضع التقرير فرضية تحتاج إلى تأكيد مفادها أنه «يمكن أن يكون التسمم هو سبب الوفاة بفعل استنشاق الدخان أو لافتقار الدم للأوكسجين anoxemie نتيجة حريق في مكان مغلق... إنما لا يمكن تحديد السبب الحقيقي للوفاة لأن ذلك يحتاج لإجراء تشريح وتحليل كيميائي للغازات في الدم وتحليل السمية في الدم». وهو ما أصبح اليوم، وبعد سنة على الوفاة والدفن أمراً شبه مستحيل. ومع أن هذه المعطيات فتحت الباب أمام البحث عن طبيعة هذه المادة السوداء التي وجدت على أجساد الضحايا لما يمكن أن يكون له من تأثير حاسم في تحديد نوع السلاح المستخدم. غير أن أي جهة رسمية لم تتحرك من أجل استكمال هذا التحقيق الذي توقف مع توقف التمويل من أحد التلفزيونات الألمانية الذي أخذ على عاتقه إجراء الفحص الأولي. في النهاية لا يوجد أي دليل حتى الآن على استخدام إسرائيل لهذا النوع من الأسلحة.
3 قنابل الحرارة والضغط الفراغية (thermobaric) والقنابل الوقودية الهوائية (fuel air bombs)
وطرح السؤال يهدف أيضاً إلى توفير قدر كاف من المعلومات للمواطنين المعرضين حول طبيعة الآلة العسكرية التي واجهوها وسبل الوقاية من أي تداعيات يمكن أن تنجم عن ذلك، وربما أيضاً طمأنتهم نسبياً إلى أن نتائج هذه الحرب انتهت مع انتهاء العمليات العسكرية...
وحتى اليوم، لم تتكفل أي جهة لبنانية، رسمية أو خاصة، بإنشاء هيئة مراقبة ترصد أي حالات صحية طارئة أو غير مألوفة قد تكون ناجمة عن حرب الصيف الماضي، وبقي الاعتماد على الهيئات الدولية للتحقيق في الموضوع.
إلا أن معظم التحقيقات الدولية التي رصدت انتهاكات حقوق الإنسان أو درست تأثيرات الحرب على البيئة، انتهت بعد زيارات عدة أجراها الخبراء الدوليون إلى قرى الجنوب ومناطق القصف انتهت بوضع تقارير عن الوضع كما رأوه في حينه.
ومعروف أن الكثير من تأثيرات الحرب قد لا تظهر مباشرة على الناس بل تحتاج لسنوات عدة قبل أن يصبح رصدها وإحصاؤها ممكناً وهو أمر منوط بالحكومة اللبنانية ومؤسسات الدولة وليس مسؤولية أي مؤسسة دولية أخرى.
بماذا قتلت إسرائيل اللبنانيين؟
ليس هناك جواب قاطع، ولكن هناك بعض المعطيات التي تجمعت خلال سنة من أبحاث جهات غير حكومية وناشطين دوليين وأطباء مستقلين أو من نتائج التحقيقات التي قامت بها لجنة أنشأتها لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أو في بعض الأحيان من اعترافات الجيش الإسرائيلي نفسه.
فبعد وقت قليل من بدء الحرب، ومع تزايد عدد الشهداء والجرحى، بدأت تلاحظ أنواع من الإصابات لم يكن قد خبرها الأطباء الجنوبيون من قبل بالرغم من أن كثيرين منهم شهدوا عدواني العامين 1993 و.1996
وفي 22/7/,2006 أي بعد حوالى عشرة أيام على بدء الحرب، نشرت «السفير» تقريراً مفصلاً جمعت فيه شهادات حول العوارض وأشكال الإصابات الغريبة أو غير المعتادة التي لاحظها الأطباء في الجنوب وربطوها بفرضيات استخدام أنواع من الأسلحة بعضها «تقليدي» وبعضها الآخر حديث.
ومنذ ذلك الحين تواصل البحث لتأمين أي دلائل على صحة أو خطأ هذه الفرضيات. أما النتيجة فقد جاءت على الشكل التالي:
1ـ القنابل العنقودية:
لعل القنابل العنقودية هي إحدى أكثر الأسلحة التي ما زالت تقتل وتجرح اللبنانيين بعد سنة على انتهاء الحرب، لكنها أيضاً كانت السلاح الأول الذي أدان إسرائيل خلال الحرب وبعدها نظراً لصعوبة إخفائه أو إخفاء نتائجه. وقد حدد تقرير أصدره برنامج البيئة في الأمم المتحدة حجم المشكلة بمليون قنبلة عنقودية غير منفجرة موزعة على 813 موقعاً في الجنوب. واعترفت اسرائيل بأنها ألقت غالبية هذه القنابل في الأيام العشرة الأخيرة من الحرب.
وراحت تظهر هذه القنابل منذ بداية الحرب عندما رصد وجودها من خلال شهادات أطباء ومواطنين. وقبيل انتهاء الحرب، أنشأت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في لبنان من قبل الجيش الإسرائيلي، وقد أصدرت تقريرها الختامي في تشرين الثاني ,2006 والذي اعتبرت فيه أن «الجيش الإسرائيلي خرق الاتفاقيات الدولية لاستخدامه غير المشروع لبعض الذخائر وتنفيذ العقاب الجماعي على المدنيين». مع ذلك، ذكر التقرير أنه «ليس من المعروف أن الأسلحة التي استخدمتها قوات الدفاع الإسرائيلية غير قانونية في حد ذاتها بموجب القانون الإنساني الدولي». بل أن «الطريقة التي استخدمت فيها تلك الأسلحة في بعض الحالات تنتهك القانون».
وتناولت اللجنة على وجه التحديد استخدام الذخائر العنقودية وأصدرت توصية بضرورة أن يبادر مجلس حقوق الإنسان «إلى تشجيع اتخاذ إجراءات عاجلة من أجل إدراج الذخائر العنقودية في قائمة الأسلحة المحظورة بموجب القانون الدولي... وأن يطلب من إسرائيل بقوة أن تسلم على الفور إلى قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان وحكومة لبنان معلومات كاملة ومفصّلة عن استخدام الذخائر العنقودية وعن جميع إحداثيات مواقع هذه الذخائر التي أُطلقت في لبنان.
وينبغي على المجلس أن يطلب من الهيئات الدولية ذات الصلة، معالجة مسألة مشروعية بعض الأسلحة، وبخاصة الأسلحة التي تستخدم ضد السكان المدنيين بصورة عشوائية، بما فيها الأسلحة التي تستخدم اليورانيوم المستنفد».
كما تبين أن غالبية القنابل العنقودية التي ألقتها إسرائيل على لبنان هي قنابل من صنع أميركي. وقد أجرت الولايات المتحدة تحقيقاً حول الموضوع وأعلنت منظمة هيومن رايتس ووتش أن النتائج الأولية التي توصل إليها التحقيق أشارت إلى انتهاك إسرائيل للاتفاقيات المبرمة معها عبر استخدامها القنابل العنقودية في لبنان خلال الصيف الماضي. وأوصت المنظمة بضرورة أن تؤدي هذه النتيجة إلى وقف فوري لكل صفقات بيع هذه القذائف إلى إسرائيل.
2ـ الأسلحة الكهرومغناطيسية أو أسلحة المايكروويف (أسلحة الطاقة المباشرة)
كانت طبيعة التشوهات والإصابات التي رصدت لدى الجرحى والشهداء هي ما دفع إلى الشك في إمكانية أن تكون إسرائيل قد استخدمت هذا النوع من الأسلحة. وتتلخص هذه العوارض بتشويهات غير طبيعية للجثث وسيطرة اللون الأسود على جلد الشهداء بحيث بدوا محروقين من دون أن يكونوا كذلك بالفعل. كما أن وفاة بعض الشهداء جاءت سريعة جداً رافقها انبعاث روائح غريبة منهم لم يستطع الأطباء تفسيرها. وظهر تخثر سريع للدم في الجسم كما لم تكتشف أي شظايا فيه. ولفت أيضاً تكرار أشكال محددة من الإصابات في العيون لدى عدد كبير من الجرحى. هذه الحالات رصدت في الرميلة والدوير وبنت جبيل وصور. وكان الدكتور بشير شام مدير المركز الطبي في صيدا قد لاحظ هذه العوارض على جثث نقلت إلى المركز بعد إصابتها تحت جسر الرميلة شمالي صيدا، في السابع عشر من تموز .2006 إذ ظهرت جثثهم بلون داكن كأنها محترقة من دون أن تكون محترقة فعلاً، بدليل بقاء ثياب الضحايا وشعرهم عليهم. وتوافقت هذه العوارض مع تقرير بثته قناة «راي نيوز 24» الإيطالية في شهر أيار 2006 أعده صحافيون في العراق ويتحدث عن استخدام القوات الأميركية نوعاً جديداً من الأسلحة هو عبارة عن شعاع من الموجات الكهرومغناطيسية القصيرة جداً أي ما يشبه الأشعة التي تطلقها أجهزة المايكروويف في المنازل. ويتم تصويب هذا السلاح على الهدف فتكون مهمته الدخول تحت الجلد وإصابة الأطراف العصبية بحيث يشل الجهاز العصبي ويرفع حرارة الجسم من خلال تسخين المياه الموجودة داخل الخلايا... وأشار التقرير إلى أن استخدام هذا النوع من الأسلحة تسبب في تقطيع أوصال الأشخاص المستهدفين وظهور ما يشبه الحروق في أجزاء مختلفة من أجسادهم من دون أن يجد الأطباء داخل أجسادهم أي آثار لشظايا قذائف تقليدية. وتحدّث التقرير التلفزيوني عن تقلص في حجم الجثث نتيجة هذا السلاح وهو ما لاحظه دكتور شام أيضاً في جثث الرميلة.
لكنّ تقريراً طبياً ألمانياً صدر بعد دراسة أنسجة عينات جلدية لضحايا جسر الرميلة، نفى إمكانية أن يكونوا قد قتلوا بأسلحة فوسفورية أو كهرومغناطيسية (ميكروويف) أو سامة من دون أن يتمكن من تحديد سبب الوفاة الحقيقية (نشرته «السفير» في 26/8/2006). ورجحت مصادر طبية أن يكون سبب الوفاة استخدام القنابل الفراغية أو القنابل «الوقودية الهوائية». غير أنه في النهاية بقي السبب الفعلي للوفاة غير معروف. إذ أكد التقرير الألماني «أن تأثيرات أشعة المايكروويف كانت لتتسبب بتسخين الأنسجة مع إحداث تغييرات معينة فيها وهو ما لم يظهر في العينات». وأشار التقرير إلى «أنه لا أثر لحريق في كل العينات التي أجري عليها فحص مخبري، بل ظهرت عليها ترسبات سوداء اللون فيها صدأ حديدي ومختلطة بجزيئات متبلّرة»، مؤكداً أنه «لا توجد أي آثار لتأثيرات حرارية والصورة العامة للجلد طبيعية من الناحية التشريحية». إلا أن التقرير لم يستطع تحديد طبيعة الترسبات السوداء التي بقيت على جثث الشهداء، وأكد أنها تحتاج لفحص كيميائي لتحديدها.
ويفترض التقرير «أن الترسبات السوداء على الجلد تفسر من جهة، اللون الأسود الذي غطى الأجساد، ومن جهة أخرى تشير إلى فرضية ينبغي التأكد منها من أن هؤلاء الأشخاص تعرضوا «لسحابة من السخام»، كما وصفها، عندما كانوا أحياء وبعد وفاتهم لفترة من الزمن».
بمعنى آخر، يضع التقرير فرضية تحتاج إلى تأكيد مفادها أنه «يمكن أن يكون التسمم هو سبب الوفاة بفعل استنشاق الدخان أو لافتقار الدم للأوكسجين anoxemie نتيجة حريق في مكان مغلق... إنما لا يمكن تحديد السبب الحقيقي للوفاة لأن ذلك يحتاج لإجراء تشريح وتحليل كيميائي للغازات في الدم وتحليل السمية في الدم». وهو ما أصبح اليوم، وبعد سنة على الوفاة والدفن أمراً شبه مستحيل. ومع أن هذه المعطيات فتحت الباب أمام البحث عن طبيعة هذه المادة السوداء التي وجدت على أجساد الضحايا لما يمكن أن يكون له من تأثير حاسم في تحديد نوع السلاح المستخدم. غير أن أي جهة رسمية لم تتحرك من أجل استكمال هذا التحقيق الذي توقف مع توقف التمويل من أحد التلفزيونات الألمانية الذي أخذ على عاتقه إجراء الفحص الأولي. في النهاية لا يوجد أي دليل حتى الآن على استخدام إسرائيل لهذا النوع من الأسلحة.
3 قنابل الحرارة والضغط الفراغية (thermobaric) والقنابل الوقودية الهوائية (fuel air bombs)