-
دخول

عرض كامل الموضوع : السعي للمكانة غريـزة اجتماعيــة.!!


dot
03/07/2007, 13:54
هذا المقال نشر في جريدة العرب الأسبوعي بتاريخ 5 - 5 -007

المكانة . . غريزةاجتماعية

نطلبها من أجل مكسب ونخسرها بفشل المسؤولية

المكانة هي ترتيب دور ووظيفة الفرد أو الكائن الحي ضمن جماعة لها بنية محددة , وبالنسبة لنا نحن البشر أصبحنا نعطي مكانة للجماعات وللعقائد وللأفكار . . , وقد أصبح السعي لتحقيق المكانة الأعلى , أهم العوامل التي تتحكم في تصرفاتنا .

إن دافع السعي لتحقيق المكانة الأفضل أو الأعلى له أسس بيولوجية وأسس اجتماعية , ودافع السعي لتحقيق المكانة هو غريزة موروثة , وهي موجود لدى غالبية الكائنات الحية التي تعيش ضمن جماعات . فنحن نلاحظ الحيوانات التي تعيش ضمن جماعات أن لكل حيوان ( أو مجموعة ) مرتبة أو تسلسلاً وله وظيفة و مكانة محددة . وأن هناك طرق معينة يستخدمها أفراد الجماعة في تفاعلها أو تعاملها مع بعضها لتحديد الوظيفة أو مكانة أو المرتبة في الجماعة . فمثلاً كل فرد في جماعة الثدييات في وقت معين - غالباً أثناء النضوج الجنسي بالنسبة للذكور- يسعى إلى تبوء المرتبة أو المكانة التي تناسب قدراته وخصائصه , وذلك بإظهارها أو فرضها بشتى الوسائل المتاحة له , وكذلك يحدث للإناث . أما بالنسبة للحشرات التي تعيش في جماعة مثل النمل أو خلايا النحل فالمكانة والوظيفة تحدد فزيولوجياً أو بيولوجياً . وقائد الجماعة هو الذي له أعلى مرتبة ثم يليه باقي أفراد الجماعة وكل حسب دوره ووظيفته . فأهم المكانات لدى الكائنات الحية الاجتماعية هي مكانة القائد , وكلما كانت الجماعة أكبر عدداً كان دور القائد أكثر أهمية , وبالتالي مكانته أعلى وأكثر تميزاً , مثل مكانة قائد القطيع عند الوعول أو الذئاب . وفي حالة كون الجماعة مؤلفة من فردين فقط , يكتسب القائد المكانة المميزة عن الآخر حتى وإن كانا طفلين صغيرين . ولابد لكل جماعة كائنات حية من قائد.
وعندما تتعامل مجموعة من الثدييات أو الرأسيات , مثل الأسود ,الذئاب , الوعول, الشمبانزي.. , و هم ليست من أسرة أو قطيع واحد ليكونوا جماعة ( وإن كان هذا نادر الحدوث ), تحدث أهم التفاعلات أو التنافسات و الصراعات بينهم , فتحدث ألعاب و صرا عات و تنافسات إثبات الذات , وبالتالي تحديد المكانة ( المرتبة والأفضلية لكل منهم ), فكل فرد يسعى لإظهار أقصى وأفضل ما يملك من قوى وإمكانيات تمكنه من تحقيق مكانة ووظيفة جيدة في المجموعة . وبعد تشكل هذه الأفضليات تعتمد ويصبح من الصعب تغييرها . وتنتظم المجموعة حسبها فتتقرر الأدوار و الأفضليات , وبالتالي العلاقات . وذلك حتى تطرأ ظروف تستدعي تغييرها.
ويجب أن نلاحظ أن الوراثة ليس لها دور أو تأثير على المكانة عند الحيوانات, فالأب أو الأم لا يورثوا مكانتهم لأبنائهم .

إن هذا يحدث لدى البشر أيضاً ولكن بشكل متطور وأكثر تعقيداً. فبدء اللعب مع الآخرين أو بدء العلاقات لإظهار وتحديد المكانة له أبعاد وتأثيرات واسعة جداً لدينا نحن البشر, فهو يقرر نوعية ومنحى ودرجة العلاقات اللاحقة التي تحصل.
فعند بدء العلاقات غالباً ما يلعب الجميع بأقصى طاقة وتحدث المنافسات و الصراعات لإظهار أفضل الإمكانيات والقوى المادية والمعنوية لتحقيق الأفضلية في المنزلة أو المكانة . فيتم استخدام الذكاء والمهارات, كما تستخدم الخبرة والسلطة والقوة , واللجوء إلى الاحتيال والغش أحياناً . ويتم الاهتمام بالشكل والمظهر وغيره.....الخ .
وإثبات المكانة لا يتحقق بسهولة , فيجب إظهار القدرات والأفعال التي تبرهن وتثبت ذلك , وغالباً ما يحدث أن توضع العقبات والصعوبات في طريق تحقيقها من قبل الآخرين , فتحقيقها غالباً لا يتم بسهولة وهذا له أسباب .
فتحقيق المكانة العالية دوماً له ميزات ومكاسب , و يحقق الفرد الذي وصل للمكانة العالية تفوقاً على الآخرين , و يتعرض كذلك لضغوط ظاهرة أو مستترة من قبل المنافسين له , وكما ذكرنا أن تحقيق المكانة يتم بصعوبة وكذلك تغييرها يتم بصعوبة , وهذا يزيد من دوافع وقوى السعي لتحقيقها.
لذلك يأخذ تحقيق المكانة أهمية قصوا لدى البشر, فنحن نشاهد ذلك في الاجتماعات والمقابلات الاجتماعية الأولى , وفي المؤتمرات والمقابلات السياسية والثقافية والفنية والعلمية والتجارية .... , وفي كل المقابلات الأولى التي تحدث بين البشر, في الشارع, في المقاهي, في المحلات..... , وكذلك يظهر السعي لتحقيق المكانة العالية عن طريق التصرفات واللباس والمسكن .. .
والخبرة في مجالات العلاقات العامة هي التي تؤهلنا لامتلاك المهارات في بدء اللعب مع الآخرين وتحقيق المكانة العالية . طبعا مع وجود الإمكانيات والقدرات اللازمة . ويصعب تحقيق المكانة العالية دون وجود الخصائص والقدرات المطلوبة . إن العلاقات الأولى مع الآخرين هامة جداً لأنها تنشئ التصنيف الأولي والأساسي لتسلسل المكانة , وهذا متى تكون يقاوم أي تغيير, أو يصعب تغييره .
فالصراع على المكانة له موجباته القوية , لذلك يأخذ مجالاً واسعاً جداً في حياتنا , فالحصول على المكانة له تأثيراته و نتائجه الواقعية الهامة , فهو يقرر آلية ومنهج العلا قات و الأفضليات بين الأفراد أو بين الجماعات , فعندما ينتهي تصنيف وتنظيم المكانات يصبح تغييرها أو تعديلها صعباً . لأنه لا بد من انتظام العلاقات لتسير الأمور بشكل أفضل للجميع ولتنتظم حسبها العلاقات . والرابح سوف يقاوم التغيير أما الخاسر فهو يسعى إلى التغيير, وتبقى قوى الصراع موجودة ولكن في حدها الأدنى , إلى أن تحدث مستجدات وقوى تستدعي تغيير المكانات .
وتظهر وظيفة المكانة وأهميتها في تنظيم وترتيب وتسلسل الأفراد في الجيش, ويكون لها أهمية وتأثير كبير في فاعلية الجيش, . وكذلك للمكانة دورها الهام في كافة التنظيمات الاجتماعية و في كافة الجماعات والمؤسسات.
وإذا دققنا في أغلب تنافساتنا و صراعاتنا فإننا نجدها غالباً هي نتيجة السباق على المكانة العالية . وتظهر المكانة الشخصية على شكل عزة نفس أو الكرامة .....
المكانة المكتسبة نتيجة الوضع أو الوراثة لدينا نحن البشر
إن رب الأسرة يكتسب مكانة مميزة عن باقي أفراد الأسرة وغالباً يكون الرجل هو رب الأسرة , والأب أو الأم لهما مكانة خاصة بالنسبة لأولادهم , والأخ الأكبر يكتسب مكانة بالنسبة لإخوته . وكذلك ابن الملك أو الأمير, أو ابن العائلة المميزة , .....الخ . والمكانة المكتسبة يمكن أن تكون عالية أو منخفضة, جيدة أو سيئة . ويمكن أن تتعدّل أو تتغير هذه المكانة نتيجة الأوضاع والظروف .
والمكانة أيضاً تكون للفئات و الجماعات والدول كما تكون للأفراد , ومكانة الجماعة تنعكس على أفراد هذه الجماعة , لذا فإن كل ما يهدد مكانة الجماعة يرد عليه غالباً بقوة وحزم من قبل الأفراد.
إن تغير الأوضاع وتغير البنيات الاجتماعية الموجودة مثل الثورة أو الحروب...., أو الانتقال من بنية اجتماعية إلى أخرى يمكن أن يغير المكانة , فينشاْ ترتيب جديد لمكانة الأفراد أو تتغير مكانة بعض الأفراد .
فالمكانة بالنسبة لنا يمكن أن تكتسب بطرق متنوعة وكثيرة أهمها , عن طريق الانتماء , أكان لعشيرة أو جماعة أو مؤسسة أو حزب أو عقيدة أو دولة جيش أو طبقة أو شركة . . . . وهناك مكانات للكتاب والعلماء ورجال الدين والأطباء وهناك مكانات للعلامات التجارية وما شابهها . . . . . . كل هذه البنيات لها مكانتها مقارنة بباقي البنيات المشابهة لها , ويكتسب هذه المكانة الأفراد الذين ينتمون إليها .
وبالمقابل تفرض المكانة على صاحبها التزامات وتصرفات محددة , وعدم العمل بها يمكن أن يؤثر على المكانة ويشكك بها , فالمكانة تفرض على صاحبها أوضاع وتصرفات معينة مثل اللباس والمسكن .. تظهر وتعزز مكانته .
وهناك لدى البشر المكانة المغتصبة , أو المفروضة بالقوة أو بطرق أخرى, وهي تكون تابعة لمقدار وطبيعة القوة المفروضة , وبزوال هذه القوة تزول بسرعة هذه المكانة.
فالمكانة أو الحس بالمكانة مصدر تمتع للإنسان , صاحب المكانة يتمتع بها ويعتز بها . إنها مصدر رضا نفسي لصاحبها لأنها ترضي أناه . ولأن المكانة أداة لتوليد وممارسة النفوذ الاقتصادي والاجتماعي والسلطوي يوليها صاحبها أهمية كبيرة. ولأن صاحب المكانة يعرف أهميتها في اكتساب التأثير ولأنه يتمتع نفسيا بها يحاول دائما المحافظة عليها وحمايتها وتعزيزها. وكلما ازدادت المكانة قوة ازداد صاحب المكانة تمتعا بها وحرصا على حمايتها وتعزيزها.
فمكانة المرء لا بد أن تستند إلى عوامل أو أسس موضوعية ، من قبيل المهنة أو الحرفة ، وعوامل أو أسس ذاتية . و للمسنين غالباً مكانة عالية , ويمكن أن يكون للأصل الآباء والأجداد دور في اكتساب المكانة ( المكانة الموروثة ), أكانت عالية أو منخفضة .
لقد أصبح السعي لتحقيق أو اكتساب المكانة العالية وبشتى الطرق المتاحة هدفاً أساسياً وهاماً . وبالتالي تعدد وتوسع التنافس أو الصراع على تحقيق المكانة العالية . وأصبح الجميع يتنافس أو يتصارع من أجل تحقيق المكانة الأعلى . فالجميع الآن ينظرون إلى كافة الأمور من خلال ما تحققه من مكانة . وهذا التوجه لا يعتمد على حقيقة أفضلية الخيارات المعتمدة في التصرف المناسب , بل يعتمد على المكانة التي يحققها , وليس أفضليته الحقيقية الواقعية .
مثال على ذلك مفهوم الصراع الطبقي بين أفراد المجتمع , فكل طبقة الاجتماعية لها مكانتها وهناك أفضليات وميزات تكتسبها الطبق نتيجة مكانتها بالإضافة لعوامل أخرى , وهذا له تأثيرات وأبعاد هامة جداً , من أجل تحقيق دوافع وغايات الأفراد , فالصراع الطبقي يمكن اعتباره أيضاً صراع على المكانة .
وقد انعكس مفهوم المكانة على الكثير من الأشياء التي نتعامل بها أن كانت سلع أو أدوات وأجهزة وآلات أو مؤسسات أو علامات تجارية أو غيرها , وأصبحنا نقيمها ونعطيها مرتبة تماثل المكانة .