حسون
03/06/2005, 12:57
لندن - القامشلي - أخبار الشرق (خاص)
علمت أخبار الشرق أن الشيخ محمد معشوق الخزنوي، الشخصية الكردية المعروفة؛ الذي أعلنت السلطات السورية العثور على جثته في مدينة دير الزور (شرق البلاد) وسلمتها إلى ذويه؛ كان قد التقى في وقت سابق من عام 2005 المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية المحامي علي صدر الدين البيانوني، في أوروبا.
وحسب تفاصيل خاصة حصلت عليها أخبار الشرق؛ فإن لقاء الخزنوي والبيانوني استمر نحو ساعتين، وحضره عدد محدود من الأشخاص، وذلك في وقت متأخر من مساء يوم الثلاثاء 15 شباط/ فبراير 2005 في إحدى ضواحي بروكسل (العاصمة البلجيكية)، من أجل "بحث الهم الوطني العام".
وعبّر الخزنوي في اللقاء عن رغبة الأكراد السوريين في المساواة والعدالة، ولم يُخفِ مشاعره بالأسى على معاناة الأكراد في سورية. وفي الوقت نفسه، امتدح الشيخ الخزنوي "المشروع السياسي لسورية المستقبل" الذي أطلقته جماعة الإخوان المسلمين في سورية في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2004، وأعرب عن اتفاقه مع تحليلها للواقع السياسي السوري، ولكنه دعا الإخوان المسلمين إلى موقف أكثر وضوحاً من القضية الكردية، يمهد الأرضية لتعاون أكبر بين القوى الكردية والإخوان المسلمين في البلاد.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين نشرت في 17 أيار/ مايو 2005 رؤيتها لحل "القضية الكردية" في سورية في ورقة، اعتبرت أنه "أصاب الأشقّاءَ الأكرادَ في السياق الوطنيّ العام، ما أصابَ إخوانَهم من أبناء الشعب السوري، من إقصاءٍ وقهرٍ وظلمٍ وتهميش .. في ظلّ قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وسياسات القهر والتسلّط والاستبداد"، ثم أشارت إلى أنه "كان لهم – بحكم خصوصية انتمائهم العرقي – نصيبُهم من الظلم الذي طال وجودَهم وانتماءَهم، وأشعَرَهم بالغربة في وطنهم، وبين أهليهم، وألقى في نفوسهم الشكّ والريبة تجاه شركائهم في العقيدة والوطن والتاريخ".
وعبرت الجماعة عن إدانتها إزاء "كلّ السياسات العنصرية التي مورست وتمارس ضدّ الإخوة الأكراد، تحت أيّ مسمّى"، ورأت "ردودَ الفعل المختلفة التي قامت في وجهها، إنما تندرجُ في إطار الحراك الوطنيّ العام، ضدّ الظلم والتسلّط والاستبداد".
وفي حين ذكرت الجماعة أنها تضم في صفوفها مواطنين أكراداً على مختلف مستوياتهم التنظيمية، شددت على أن "المواطنين الأكراد مكوّنٌ أصيلٌ من مكوّنات الشعب السوريّ، يعيشون على أرضهم التاريخية، تضربُ جذورُهم في أعماق الأرض والتاريخ والحضارة، نشأوا على أرض هذا الوطن، وانتمَوْا إليها، (..) وشاركوا في صنع حضارتها وأمجادها"، كما "كان الأكراد على مرّ التاريخ عنصراً إيجابياً فاعلاً، يعزّزُ اللحمةَ الوطنية، وينبذُ الفرقة" حسب مذكرة الجماعة التي دعت إلى فتح حوار مع القوى الممثلة للأكراد.
وأكدت الجماعة دعمها لاحتفاظ "المواطنُ الكرديّ كغيره من أبناء الوطن، بسهمه الوطنيّ الوافر في المشاركة في القرار والسلطة والثروة الوطنية"، معلنة تضامنها مع مطالب الأكراد المتمثلة في التوقف فوراً عن ممارسة سياسات التمييز العنصرية" بحقهم "وإبطال كافة الإجراءات التمييزية الناشئة عنها"، و"إنهاء معاناة مئات الآلاف من المواطنين الأكراد الذين حُرِموا من حقّ الجنسية، أو جُرّدوا منها، وذلك بإعادة هذا الحق إليهم، ومعالجة الآثار الناجمة عن حرمانهم منه"، و"الاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق الثقافية للإخوة المواطنين الأكراد"، و"التعويض على المتضرّرين من السياسات والإجراءات العنصرية على كافة الأصعدة"، و"إطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين على خلفية أحداث الثاني عشر من آذار / مارس 2004 وتداعياتها، أو أيّ خلفيات فكرية أو سياسية.. وإلغاء الأحكام الجائرة الصادرة بحقهم".
وكان الإخوان المسلمون قد وصفوا الأحداث الدامية التي انطلقت في 12 آذار/ مارس 2004 في القامشلي وانتشرت في مناطق يقطنها الأكراد في سورية؛ بـ "الانتفاضة"، لأول مرة، وذلك في بيان أصدروه في الذكرى الأولى لهذه الأحداث في آذار الماضي.
الإخوان "خط أحمر":
وبالكشف عن هذا اللقاء بين الخزنوي والبيانوني، تكتسب قضية مقتل الشيخ الكردي بُعداً سياسياً جديداً. ويأتي إعلان مقتل الرجل على يد خاطفيه، الذين تقول السلطات السورية إنهم "عصابة"، بينما تشك المعارضة السورية في كونه اختُطف على يد رجال الأمن السوري من شوارع دمشق قبل ثلاثة أسابيع؛ بعد أيام فقط من اعتقال علي العبد الله (ليلة 15 - 16 أيار/ مايو) عضو مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في دمشق، بسبب إلقائه في 7 أيار/ مايو 2005 ورقة بعث بها المحامي علي صدر الدين البيانوني إلى المنتدى كمشاركة في ندوة وطنية حضرها ممثلون عن 14 حزباً ومنظمة وهيئة سورية بينهم بعثيون، دعت المعارضة السورية إلى الانتقال من المطالبة بالإصلاح إلى تحقيقه.
واعتقل الأمن السياسي السوري، المسؤول عن اعتقال العبد الله، في 24 أيار/ مايو باقي أعضاء مجلس إدارة منتدى الأتاسي الثمانية، لإعلانهم مسؤوليتهم الجماعية عن تكليف العبد الله بقراءة الكلمة على مسمع من 500 شخص حضروا الندوة المذكورة. واتهمهم الأمن السوري بالترويج لأفكار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، ولكنه أفرج عنهم في 30 أيار/ مايو، وقرر إحالة علي العبد الله وحده إلى محكمة أمن الدولة العليا.
الرواية الرسمية لمقتل الخزنوي:
وكانت الأنباء تواترت منذ صباح اليوم الأربعاء عن العثور على جثة الشيخ محمد معشوق الخزنوي في دير الزور. وبينما سارعت مصادر كردية سورية إلى اتهام أجهزة الأمن السورية باعتقال الخزنوي وتعذيبه حتى الوفاة؛ نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن "مصدر مسؤول في وزارة الداخلية" أن "قوى الأمن الجنائي ألقت القبض على المجرمين الذين قاموا بارتكاب جريمة اختطاف وقتل الشيخ معشوق الخزنوي بعد متابعة حثيثة من كافة الجهات المعنية منذ اختفائه قبل اكثر من أسبوعين".
وأضافت الوكالة "أوضح المصدر ان القضية سلمت منذ بدايتها إلى قاضي التحقيق الأول بدمشق السيد خالد حمود الذي أشرف على كامل التحقيقات مع هيئة الكشف الطبية التي عينها القضاء. وأكد المصدر ان عددا من الخاطفين الذين ألقى القبض عليهم اعترفوا بجريمتهم وانهم جزء من مجموعة مؤلفة من خمسة أفراد قاموا باختطاف الشيخ الخزنوي من دمشق بعد تخديره ونقلوه الى حلب ثم قتلوه ودفنوا جثته فى مدينة دير الزور".
وذكر مصدر وزارة الداخلية السورية "أنه بعد إلقاء القبض عليهم أرشدوا عناصر الأمن الجنائي إلى مكان الجثة حيث تم إخراجها وتسليمها إلى ذويه الذين كانوا على اطلاع كامل بحيثيات وخطوات التحقيق الذي أدى إلى اكتشاف الجريمة بعد متابعة خيوطها والاحتفاظ بالمعلومات حرصاً على سير التحقيق".
وحسب خبر "سانا" فقد "لفت المصدر إلى أن نتيجة التحقيق تؤكد أن هذه الجريمة جنائية بحتة وأن الشيخ الخزنوي لم يعتقل أبداً من أية جهة أمنية كما روجت بعض المصادر ووسائل الإعلام المغرضة".
خلفية القضية:
وكانت وزارة الداخلية السورية نفت علمها بمكان الخزنوي طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ اختطافه في دمشق يوم 10 أيار/ مايو 2005.
وتلقى الشيخ محمد معشوق الخزنوي (48 عاماً) في يوم اختطافه اتصالاً هاتفياً أثناء وجوده في مركز الدراسات الإسلامية بدمشق (يديره الدكتور محمد حبش)، إذ هو نائب مدير المركز وكان ألقى محاضرة فيه (قيل إنه دعا فيها إلى دمج الإخوان المسلمين في الحياة السياسية وقيل إنه تحدث فيها بالكردية أيضاً)؛ خرج على أثره من مكتبه، ثم اختفى، وعُثر على سيارته في شوارع دمشق. ومنذ ذلك الحين حمّلت أسرة الخزنوي ومصادر كردية وحقوقية السلطات السورية المسؤولية عن اختفائه، ولكن وزارة الداخلية قالت إنه ليس لديها، ولا علم لها بمكانه. وتمسكت المصادر الرسمية بجهلها بمكان الخزنوي ومصيره، بينما راجت شائعات عن تعذيبه ومقتله.
وعلى الرغم من تسلم أسرة الخزنوي جثته؛ فقد رفضت دفنه قبل عرضه على الطبيب الشرعي، الأمر الذي ترفضه السلطات، التي ألمحت مصادرها إلى وجود خلاف بين الشيخ محمد معشوق الخزنوي وأخيه في قضية إرث.
يُشار إلى أن أخبار الشرق علمت بالأمس أن فرقة أمنية أحضرت الخزنوي إلى مشفى تشرين العسكري بدمشق في الساعة الحادية عشرة ليلاً من مساء الجمعة (ليلة السبت) 27 أيار/ مايو 2005 إلى المشفى، لإسعافه من حالة إغماء شديد. وعند الكشف عليه تبين أنه تعرض لحالات وحشية من التعذيب، وقد أُعطي مضادات حيوية وبعض العلاجات كما ضمد بعض الجروح. وحسب المعلومات فإن الشيخ مكث في المشفى 15 ساعة قبل مغادرته من جديد بصحبة الفرقة الأمنية. وفُرضت حالة استنفار قصوى في المشفى إلى حين مغادرة الشيخ الذي كان علامات التعب والإجهاد واضحة عليه.
وقد انتشرت قوات الجيش السوري في أنحاء مدينة القامشلي اليوم الأربعاء التي تحولت إلى ما يشبه "ثكنة عسكرية"، لمنع أي مظاهرات محتملة احتجاجاً على مقتل الخزنوي، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين الأوساط الكردية السورية. ومعروف أن احتجاجات كردية في القامشلي يوم الجمعة 12 آذار/ مارس 2004 تحولت إلى مواجهات بين المواطنين وقوى الأمن السورية التي استخدمت الرصاص الحي في الرد على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل بضعة عشر مواطناً. واعتُقل خلال ما أصبح يُعرف بأحداث القامشلي التي امتدت إلى مناطق أخرى في سورية يوجد بها أكراد؛ مئات المواطنين، وأُفرج عن معظمهم في الفترة الماضية.
من هو الشيخ محمد معشوق الخزنوي؟
هو محمد معشوق ابن الشيخ عز الدين الخزنوي، وُلد في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي (شمال شرق سورية) في 25/1/1957 ميلادية، كما دون ذلك والده على طرف كتاب من كتب الفقه.
وهو طبعاً سليل عائلة كردية تُعرف بالخزنوية نسبة إلى الجد الشيخ أحمد الخزنوي الذي كان يمارس دعوته انطلاقاً من قريته خزنة التي نُسب إليها فيما بعد، وهذه الأسرة تعتبر من أهم المرجعيات الدينية إن لم تكن أهمها في منطقة كردستان قاطبة، بل امتد نفوذها فيما بعد إلى شتى البلاد التي هاجر إليها الأكراد بما في ذلك أوروبا.
والشيخ أحمد الخزنوي الذي تنتسب هذه الأسرة إليه هو فقيه وداعية إسلامي كبير ومربٍّ مشهود له في المنطقة توفي عام 1950 ميلادية في تل معروف ودفن فيها بناءً على وصيته التي أوصى فيها من جملة ما أوصى بأن لا يُبنى على قبره. عاش حياته زاهداً متعففاً مع أنه كان قد هيأ كل الإمكانيات المادية اللازمة للدعوة مسخراً أهله وأصحابه في ذلك حتى لا يكون الداعية عالة على أحد في دعوته وبالتالي حتى يحافظ على استقلاليته في دعوته. وقضى الشيخ حياته وهو يدعو إلى الدين والأخلاق والفضيلة والإصلاح وإليه يعود الفضل في انتشار العلم والدين والخلق الكريم في ربوع المناطق الكردية، الأمر الذي منحه مكانة عظيمة بين السكان عموماً والأكراد منهم خصوصاً، وذلك في حياته وكذلك بعد مماته، الأمر الذي أتاح للكثيرين من أهله أو أتباعه أن يستثمروا علاقتهم معه أو نسبتهم إليه بشكل غير سليم وأحياناً بشكل يتناقض مع منهجه.
المسيرة العلمية:
درس الدكتور محمد معشوق الخزنوي مبادئ العلوم الشرعية على مجموعة من أهل العلم وفي مقدمتهم والده الشيخ عز الدين الخزنوي ثم بعد ذلك في المعهد الشرعي الذي أسسه جده في قرية تل معروف إلى جانب دراسته النظامية في مدارس الدولة التي نال منه الإعدادية عام 1974 ميلادية، والثانوية العامة - الفرع الأدبي عام 1977 ميلادية، كما انتسب إلى معهد إسعاف طلاب العلوم الشرعية بباب الجابية في دمشق والذي كان يعرف آنئذٍ بمعهد الأمينية فقُبل في السنة الأخيرة لتميُّزه على أقرانه ونال شهادتها عام 1978 ميلادية بتقدير "ممتاز"، ولذلك رشحته إدارة المعهد لاستكمال دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (السعودية) حيث حصل منها على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية عام 1984 ميلادية، وعمل بعدها في مجال الدعوة مدرساً وخطيباً في المساجد والمعاهد الشرعية في أكثر من منطقة في سورية، الأمر الذي أخذ عليه جل وقته وأعاقه عن استكمال دراسته العليا حتى استدرك ذلك في وقت متأخر حيث نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية عام 2001 ميلادية عن أطروحته "الأمن المعيشي في الإسلام"، وكذلك نال درجة الدكتوراة أيضاً في الدراسات الإسلامية عن أطروحته "التقليد وأثره في الفتن المذهبية".
منهج الشيخ:
يعرف أتباع الدكتور محمد معشوق الخزنوي شيخهم بما كان يحب أن يعرف نفسه به، من طالب علم وباحث في الدراسات الإسلامية، يهتم أساساً بقضايا تصفية العقيدة مما شابها وإحياء سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والسلوك وترسيخ مفهوم أن الدين قد أكمله الله وأتمه بالنبي الخاتم، ولذلك فهو توقيفي لا يزاد فيه ولا ينقص بل الزائد فيه أخو الناقص ولذلك فالابتداع في الدين ضلالة.
كما أن الشيخ عمل بجد ونشاط في مجال التجديد ودراساته، وفهم التجديد لا على أنه إنشاء وإحداث وتشريع الجديد للأمة بمقدار ما يفهمه إعادة القديم إلى جدته والحالة التي كان عليها قديماً بعيداً عما ألصقه الناس به اللهم إلا في ما يستجد في حياة الأمة من أمور لم يشرع الشارع لها أحكاماً تفصيلية، فحينئذٍ يحدث للأمة ما تحتاج إليه من أحكام استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكانت أبرز نشاطات الشيخ الخزنوي في حياته ما يلي:
1- مدير مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية الذي أسسه في مدينة القامشلي كمجمع لنشاطاته الدعوية والإصلاحية والعلمية والاجتماعية والصحية والوطنية.
2- مشرف على موقع شبكة مركز إحياء السنة (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////).
3- خطيب الجمعة في مجمع البر الإسلامي بالقامشلي.
4- عضو مجلس أمناء مركز الدراسات الإسلامية بدمشق.
5- عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس ببيروت.
6- عضو اللجنة السورية للعمل الإسلامي المسيحي المشترك.
7- عضو مؤسس لرابطة الكتاب التجديديين.
"اخبار الشرق"
علمت أخبار الشرق أن الشيخ محمد معشوق الخزنوي، الشخصية الكردية المعروفة؛ الذي أعلنت السلطات السورية العثور على جثته في مدينة دير الزور (شرق البلاد) وسلمتها إلى ذويه؛ كان قد التقى في وقت سابق من عام 2005 المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سورية المحامي علي صدر الدين البيانوني، في أوروبا.
وحسب تفاصيل خاصة حصلت عليها أخبار الشرق؛ فإن لقاء الخزنوي والبيانوني استمر نحو ساعتين، وحضره عدد محدود من الأشخاص، وذلك في وقت متأخر من مساء يوم الثلاثاء 15 شباط/ فبراير 2005 في إحدى ضواحي بروكسل (العاصمة البلجيكية)، من أجل "بحث الهم الوطني العام".
وعبّر الخزنوي في اللقاء عن رغبة الأكراد السوريين في المساواة والعدالة، ولم يُخفِ مشاعره بالأسى على معاناة الأكراد في سورية. وفي الوقت نفسه، امتدح الشيخ الخزنوي "المشروع السياسي لسورية المستقبل" الذي أطلقته جماعة الإخوان المسلمين في سورية في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2004، وأعرب عن اتفاقه مع تحليلها للواقع السياسي السوري، ولكنه دعا الإخوان المسلمين إلى موقف أكثر وضوحاً من القضية الكردية، يمهد الأرضية لتعاون أكبر بين القوى الكردية والإخوان المسلمين في البلاد.
وكانت جماعة الإخوان المسلمين نشرت في 17 أيار/ مايو 2005 رؤيتها لحل "القضية الكردية" في سورية في ورقة، اعتبرت أنه "أصاب الأشقّاءَ الأكرادَ في السياق الوطنيّ العام، ما أصابَ إخوانَهم من أبناء الشعب السوري، من إقصاءٍ وقهرٍ وظلمٍ وتهميش .. في ظلّ قانون الطوارئ والأحكام العرفية، وسياسات القهر والتسلّط والاستبداد"، ثم أشارت إلى أنه "كان لهم – بحكم خصوصية انتمائهم العرقي – نصيبُهم من الظلم الذي طال وجودَهم وانتماءَهم، وأشعَرَهم بالغربة في وطنهم، وبين أهليهم، وألقى في نفوسهم الشكّ والريبة تجاه شركائهم في العقيدة والوطن والتاريخ".
وعبرت الجماعة عن إدانتها إزاء "كلّ السياسات العنصرية التي مورست وتمارس ضدّ الإخوة الأكراد، تحت أيّ مسمّى"، ورأت "ردودَ الفعل المختلفة التي قامت في وجهها، إنما تندرجُ في إطار الحراك الوطنيّ العام، ضدّ الظلم والتسلّط والاستبداد".
وفي حين ذكرت الجماعة أنها تضم في صفوفها مواطنين أكراداً على مختلف مستوياتهم التنظيمية، شددت على أن "المواطنين الأكراد مكوّنٌ أصيلٌ من مكوّنات الشعب السوريّ، يعيشون على أرضهم التاريخية، تضربُ جذورُهم في أعماق الأرض والتاريخ والحضارة، نشأوا على أرض هذا الوطن، وانتمَوْا إليها، (..) وشاركوا في صنع حضارتها وأمجادها"، كما "كان الأكراد على مرّ التاريخ عنصراً إيجابياً فاعلاً، يعزّزُ اللحمةَ الوطنية، وينبذُ الفرقة" حسب مذكرة الجماعة التي دعت إلى فتح حوار مع القوى الممثلة للأكراد.
وأكدت الجماعة دعمها لاحتفاظ "المواطنُ الكرديّ كغيره من أبناء الوطن، بسهمه الوطنيّ الوافر في المشاركة في القرار والسلطة والثروة الوطنية"، معلنة تضامنها مع مطالب الأكراد المتمثلة في التوقف فوراً عن ممارسة سياسات التمييز العنصرية" بحقهم "وإبطال كافة الإجراءات التمييزية الناشئة عنها"، و"إنهاء معاناة مئات الآلاف من المواطنين الأكراد الذين حُرِموا من حقّ الجنسية، أو جُرّدوا منها، وذلك بإعادة هذا الحق إليهم، ومعالجة الآثار الناجمة عن حرمانهم منه"، و"الاعتراف بالخصوصية الكردية والحقوق الثقافية للإخوة المواطنين الأكراد"، و"التعويض على المتضرّرين من السياسات والإجراءات العنصرية على كافة الأصعدة"، و"إطلاق سراح جميع المعتقلين والموقوفين على خلفية أحداث الثاني عشر من آذار / مارس 2004 وتداعياتها، أو أيّ خلفيات فكرية أو سياسية.. وإلغاء الأحكام الجائرة الصادرة بحقهم".
وكان الإخوان المسلمون قد وصفوا الأحداث الدامية التي انطلقت في 12 آذار/ مارس 2004 في القامشلي وانتشرت في مناطق يقطنها الأكراد في سورية؛ بـ "الانتفاضة"، لأول مرة، وذلك في بيان أصدروه في الذكرى الأولى لهذه الأحداث في آذار الماضي.
الإخوان "خط أحمر":
وبالكشف عن هذا اللقاء بين الخزنوي والبيانوني، تكتسب قضية مقتل الشيخ الكردي بُعداً سياسياً جديداً. ويأتي إعلان مقتل الرجل على يد خاطفيه، الذين تقول السلطات السورية إنهم "عصابة"، بينما تشك المعارضة السورية في كونه اختُطف على يد رجال الأمن السوري من شوارع دمشق قبل ثلاثة أسابيع؛ بعد أيام فقط من اعتقال علي العبد الله (ليلة 15 - 16 أيار/ مايو) عضو مجلس إدارة منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي في دمشق، بسبب إلقائه في 7 أيار/ مايو 2005 ورقة بعث بها المحامي علي صدر الدين البيانوني إلى المنتدى كمشاركة في ندوة وطنية حضرها ممثلون عن 14 حزباً ومنظمة وهيئة سورية بينهم بعثيون، دعت المعارضة السورية إلى الانتقال من المطالبة بالإصلاح إلى تحقيقه.
واعتقل الأمن السياسي السوري، المسؤول عن اعتقال العبد الله، في 24 أيار/ مايو باقي أعضاء مجلس إدارة منتدى الأتاسي الثمانية، لإعلانهم مسؤوليتهم الجماعية عن تكليف العبد الله بقراءة الكلمة على مسمع من 500 شخص حضروا الندوة المذكورة. واتهمهم الأمن السوري بالترويج لأفكار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، ولكنه أفرج عنهم في 30 أيار/ مايو، وقرر إحالة علي العبد الله وحده إلى محكمة أمن الدولة العليا.
الرواية الرسمية لمقتل الخزنوي:
وكانت الأنباء تواترت منذ صباح اليوم الأربعاء عن العثور على جثة الشيخ محمد معشوق الخزنوي في دير الزور. وبينما سارعت مصادر كردية سورية إلى اتهام أجهزة الأمن السورية باعتقال الخزنوي وتعذيبه حتى الوفاة؛ نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن "مصدر مسؤول في وزارة الداخلية" أن "قوى الأمن الجنائي ألقت القبض على المجرمين الذين قاموا بارتكاب جريمة اختطاف وقتل الشيخ معشوق الخزنوي بعد متابعة حثيثة من كافة الجهات المعنية منذ اختفائه قبل اكثر من أسبوعين".
وأضافت الوكالة "أوضح المصدر ان القضية سلمت منذ بدايتها إلى قاضي التحقيق الأول بدمشق السيد خالد حمود الذي أشرف على كامل التحقيقات مع هيئة الكشف الطبية التي عينها القضاء. وأكد المصدر ان عددا من الخاطفين الذين ألقى القبض عليهم اعترفوا بجريمتهم وانهم جزء من مجموعة مؤلفة من خمسة أفراد قاموا باختطاف الشيخ الخزنوي من دمشق بعد تخديره ونقلوه الى حلب ثم قتلوه ودفنوا جثته فى مدينة دير الزور".
وذكر مصدر وزارة الداخلية السورية "أنه بعد إلقاء القبض عليهم أرشدوا عناصر الأمن الجنائي إلى مكان الجثة حيث تم إخراجها وتسليمها إلى ذويه الذين كانوا على اطلاع كامل بحيثيات وخطوات التحقيق الذي أدى إلى اكتشاف الجريمة بعد متابعة خيوطها والاحتفاظ بالمعلومات حرصاً على سير التحقيق".
وحسب خبر "سانا" فقد "لفت المصدر إلى أن نتيجة التحقيق تؤكد أن هذه الجريمة جنائية بحتة وأن الشيخ الخزنوي لم يعتقل أبداً من أية جهة أمنية كما روجت بعض المصادر ووسائل الإعلام المغرضة".
خلفية القضية:
وكانت وزارة الداخلية السورية نفت علمها بمكان الخزنوي طوال الأسابيع الثلاثة الماضية، منذ اختطافه في دمشق يوم 10 أيار/ مايو 2005.
وتلقى الشيخ محمد معشوق الخزنوي (48 عاماً) في يوم اختطافه اتصالاً هاتفياً أثناء وجوده في مركز الدراسات الإسلامية بدمشق (يديره الدكتور محمد حبش)، إذ هو نائب مدير المركز وكان ألقى محاضرة فيه (قيل إنه دعا فيها إلى دمج الإخوان المسلمين في الحياة السياسية وقيل إنه تحدث فيها بالكردية أيضاً)؛ خرج على أثره من مكتبه، ثم اختفى، وعُثر على سيارته في شوارع دمشق. ومنذ ذلك الحين حمّلت أسرة الخزنوي ومصادر كردية وحقوقية السلطات السورية المسؤولية عن اختفائه، ولكن وزارة الداخلية قالت إنه ليس لديها، ولا علم لها بمكانه. وتمسكت المصادر الرسمية بجهلها بمكان الخزنوي ومصيره، بينما راجت شائعات عن تعذيبه ومقتله.
وعلى الرغم من تسلم أسرة الخزنوي جثته؛ فقد رفضت دفنه قبل عرضه على الطبيب الشرعي، الأمر الذي ترفضه السلطات، التي ألمحت مصادرها إلى وجود خلاف بين الشيخ محمد معشوق الخزنوي وأخيه في قضية إرث.
يُشار إلى أن أخبار الشرق علمت بالأمس أن فرقة أمنية أحضرت الخزنوي إلى مشفى تشرين العسكري بدمشق في الساعة الحادية عشرة ليلاً من مساء الجمعة (ليلة السبت) 27 أيار/ مايو 2005 إلى المشفى، لإسعافه من حالة إغماء شديد. وعند الكشف عليه تبين أنه تعرض لحالات وحشية من التعذيب، وقد أُعطي مضادات حيوية وبعض العلاجات كما ضمد بعض الجروح. وحسب المعلومات فإن الشيخ مكث في المشفى 15 ساعة قبل مغادرته من جديد بصحبة الفرقة الأمنية. وفُرضت حالة استنفار قصوى في المشفى إلى حين مغادرة الشيخ الذي كان علامات التعب والإجهاد واضحة عليه.
وقد انتشرت قوات الجيش السوري في أنحاء مدينة القامشلي اليوم الأربعاء التي تحولت إلى ما يشبه "ثكنة عسكرية"، لمنع أي مظاهرات محتملة احتجاجاً على مقتل الخزنوي، الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة بين الأوساط الكردية السورية. ومعروف أن احتجاجات كردية في القامشلي يوم الجمعة 12 آذار/ مارس 2004 تحولت إلى مواجهات بين المواطنين وقوى الأمن السورية التي استخدمت الرصاص الحي في الرد على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل بضعة عشر مواطناً. واعتُقل خلال ما أصبح يُعرف بأحداث القامشلي التي امتدت إلى مناطق أخرى في سورية يوجد بها أكراد؛ مئات المواطنين، وأُفرج عن معظمهم في الفترة الماضية.
من هو الشيخ محمد معشوق الخزنوي؟
هو محمد معشوق ابن الشيخ عز الدين الخزنوي، وُلد في قرية تل معروف التابعة لمدينة القامشلي (شمال شرق سورية) في 25/1/1957 ميلادية، كما دون ذلك والده على طرف كتاب من كتب الفقه.
وهو طبعاً سليل عائلة كردية تُعرف بالخزنوية نسبة إلى الجد الشيخ أحمد الخزنوي الذي كان يمارس دعوته انطلاقاً من قريته خزنة التي نُسب إليها فيما بعد، وهذه الأسرة تعتبر من أهم المرجعيات الدينية إن لم تكن أهمها في منطقة كردستان قاطبة، بل امتد نفوذها فيما بعد إلى شتى البلاد التي هاجر إليها الأكراد بما في ذلك أوروبا.
والشيخ أحمد الخزنوي الذي تنتسب هذه الأسرة إليه هو فقيه وداعية إسلامي كبير ومربٍّ مشهود له في المنطقة توفي عام 1950 ميلادية في تل معروف ودفن فيها بناءً على وصيته التي أوصى فيها من جملة ما أوصى بأن لا يُبنى على قبره. عاش حياته زاهداً متعففاً مع أنه كان قد هيأ كل الإمكانيات المادية اللازمة للدعوة مسخراً أهله وأصحابه في ذلك حتى لا يكون الداعية عالة على أحد في دعوته وبالتالي حتى يحافظ على استقلاليته في دعوته. وقضى الشيخ حياته وهو يدعو إلى الدين والأخلاق والفضيلة والإصلاح وإليه يعود الفضل في انتشار العلم والدين والخلق الكريم في ربوع المناطق الكردية، الأمر الذي منحه مكانة عظيمة بين السكان عموماً والأكراد منهم خصوصاً، وذلك في حياته وكذلك بعد مماته، الأمر الذي أتاح للكثيرين من أهله أو أتباعه أن يستثمروا علاقتهم معه أو نسبتهم إليه بشكل غير سليم وأحياناً بشكل يتناقض مع منهجه.
المسيرة العلمية:
درس الدكتور محمد معشوق الخزنوي مبادئ العلوم الشرعية على مجموعة من أهل العلم وفي مقدمتهم والده الشيخ عز الدين الخزنوي ثم بعد ذلك في المعهد الشرعي الذي أسسه جده في قرية تل معروف إلى جانب دراسته النظامية في مدارس الدولة التي نال منه الإعدادية عام 1974 ميلادية، والثانوية العامة - الفرع الأدبي عام 1977 ميلادية، كما انتسب إلى معهد إسعاف طلاب العلوم الشرعية بباب الجابية في دمشق والذي كان يعرف آنئذٍ بمعهد الأمينية فقُبل في السنة الأخيرة لتميُّزه على أقرانه ونال شهادتها عام 1978 ميلادية بتقدير "ممتاز"، ولذلك رشحته إدارة المعهد لاستكمال دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (السعودية) حيث حصل منها على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية عام 1984 ميلادية، وعمل بعدها في مجال الدعوة مدرساً وخطيباً في المساجد والمعاهد الشرعية في أكثر من منطقة في سورية، الأمر الذي أخذ عليه جل وقته وأعاقه عن استكمال دراسته العليا حتى استدرك ذلك في وقت متأخر حيث نال درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية عام 2001 ميلادية عن أطروحته "الأمن المعيشي في الإسلام"، وكذلك نال درجة الدكتوراة أيضاً في الدراسات الإسلامية عن أطروحته "التقليد وأثره في الفتن المذهبية".
منهج الشيخ:
يعرف أتباع الدكتور محمد معشوق الخزنوي شيخهم بما كان يحب أن يعرف نفسه به، من طالب علم وباحث في الدراسات الإسلامية، يهتم أساساً بقضايا تصفية العقيدة مما شابها وإحياء سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والسلوك وترسيخ مفهوم أن الدين قد أكمله الله وأتمه بالنبي الخاتم، ولذلك فهو توقيفي لا يزاد فيه ولا ينقص بل الزائد فيه أخو الناقص ولذلك فالابتداع في الدين ضلالة.
كما أن الشيخ عمل بجد ونشاط في مجال التجديد ودراساته، وفهم التجديد لا على أنه إنشاء وإحداث وتشريع الجديد للأمة بمقدار ما يفهمه إعادة القديم إلى جدته والحالة التي كان عليها قديماً بعيداً عما ألصقه الناس به اللهم إلا في ما يستجد في حياة الأمة من أمور لم يشرع الشارع لها أحكاماً تفصيلية، فحينئذٍ يحدث للأمة ما تحتاج إليه من أحكام استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكانت أبرز نشاطات الشيخ الخزنوي في حياته ما يلي:
1- مدير مركز إحياء السنة للدراسات الإسلامية الذي أسسه في مدينة القامشلي كمجمع لنشاطاته الدعوية والإصلاحية والعلمية والاجتماعية والصحية والوطنية.
2- مشرف على موقع شبكة مركز إحياء السنة (////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////).
3- خطيب الجمعة في مجمع البر الإسلامي بالقامشلي.
4- عضو مجلس أمناء مركز الدراسات الإسلامية بدمشق.
5- عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس ببيروت.
6- عضو اللجنة السورية للعمل الإسلامي المسيحي المشترك.
7- عضو مؤسس لرابطة الكتاب التجديديين.
"اخبار الشرق"