-
دخول

عرض كامل الموضوع : عقابا له على مواقفه وانتقاما منه على مقالاته اللاذعة


حسون
03/06/2005, 12:32
المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
الحوار المتمدن - العدد: 1217 - 2005 / 6 / 3


عقابا له على مواقفه وانتقاما منه على مقالاته اللاذعة : اغتيال الزميل الصحفي اللبناني / الفلسطيني الأصل سمير قصير

اغتالت أيدي الغدر والإرهاب صباح اليوم الصحفي في جريدة " النهار" وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ، الفلسطيني الأصل ،الزميل سمير قصير في حي الأشرفية في بيروت بواسطة عبوة متفجرة وضعت في سيارته ما لبثت أن أودت بحياته فور محاولته تشغيل السيارة . وكان من اللافت أن أجهزة المخابرات سربت على الأثر خبرا مفاده " أن سيدة كانت بجانبه في السيارة وأصيبت دون أن يعرف مصيرها " . ومن الواضح أن المعني بذلك هي زوجته الإعلامية السيدة جيزيل خوري التي فات " المسرّبين " أنها موجودة في الولايات المتحدة . وقد ثبت لاحقا أنه كان وحيدا في سيارته !
من المؤكد أن التحقيق القضائي المستقل هو المعني أولا وأخيرا بتحديد هوية الأيدي الآثمة التي خططت ونفذت ، إلا أن موقع الزميل الراحل في الخارطة السياسية والصحفية في لبنان ، ومواقفه الجذرية من السلوك البلطجي الذي مارسه نظام الهيمنة المخابراتي السوري / اللبناني على الحياة في لبنان ، ومجموعة وقائع حدثت مع الزميل المغدور في الماضي القريب والبعيد ، تدفع كلها إلى توجيه إصبع الاتهام باتجاه فلول النظام المذكور .
لقد كرس الزميل الراحل مقاله الأسبوعي في صحيفة " النهار " اللبنانية ، وبشكل شبه دائم ، لإلقاء الضوء على ممارسات جهاز الاستخبارات السوري في لبنان ، وامتداداته اللبنانية التي قادها حتى قبل أسابيع قليلة اللواء جميل السيد . ولم تخل أي مداخلة له في وسائل الإعلام المحلية والخارجية من التطرق لهذه الممارسات . وقد امتازت كتاباته ومداخلاته بلغة ومواقف حادة من النظام السوري . كما أنه أقام علاقات سياسية وثقافية وشخصية مع العديد من رموز المعارضة الديمقراطية السورية ، وبشكل خاص التيار اليساري فيها . وبسبب ذلك كله كان ينظر له كما لو أنه " سفير المعارضة السورية في لبنان ولسان حالها في الصحافة اللبنانية " . وهو إلى ذلك عضو فعال في اليسار الديمقراطي اللبناني الذي يقوده المناضلان الديمقراطيان البارزان نديم عبد الصمد والياس عطا الله . وتتهم أجهزة النظام السوري هذا اليسار بتقديم الدعم السياسي للمعارضة السورية ، وبشكل خاص تنظيم بعض الفعاليات الاحتجاجية في أوربة .
إن المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ، وإذ تدين بأقسى العبارات هذه الجريمة النكراء التي استهدفت واحدا من ألمع الكتاب والصحفيين والمثقفين اللبنانيين وفي العالم العربي ، تتقدم بأحر التعازي لزوجة الفقيد وذويه وزملائه في الصحافة اللبنانية عموما وصحيفة " النهار " خصوصا ، وتطالب السلطات اللبنانية المختصة بالعمل الفوري والجدي للكشف عن الضالعين في هذه الجريمة القذرة ، وبأن لا تضعها على الرف كما فعلت إزاء جرائم أخرى .
وبهذه المناسبة الأليمة ، وتقديرا لذكراه ، تعيد " المنظمة " نشر عدد من مقالاته هنا :

لا نفهم ولا نريد أن نفهم
(سمير قصير ، النهار ، 7 كانون الثاني /يناير 2005 )
في علم النفس يسمى الداء انطواءً او توحداً حين يصبح المريض عاجزاً عن التواصل مع كل من حوله وغير قادر على تعلم اي شيء. في السياسة يسمى حكم البعث في عصر انحداره. وكأن العوارض الصدّامية راحت تتكرر عند المتبقي من البعثَين في دمشق حيث عنوان المرحلة رفض عنيد لـ... الواقع بلغ اوجه هذا الاسبوع في مناسبة الزيارة غير الودية التي قام بها نائب وزير الخارجية الاميركي ريتشارد ارميتاج الى قصر قاسيون.
في ما مضى كان يمكن الاكتفاء بتشخيص انتفاخ للذات البعثية، مثلاً عندما اعتبر الحكم السوري ان الاستغناء عن فاروق الشرع في وزارة الخارجية، بعد كل ما راكمه من اخطاء وعقم سياسي، واستبداله بديبلوماسي آخر معروف بسعة علاقاته الغربية، والاميركية تحديداً، يتطلب ان تقبض دمشق ثمناً ما، كمن يقول انه لا يريد ان يحسّن وضعه الا اذا كوفئ مسبقاً على رداءته. كذلك كان يمكن رصد تباطئ في الحركة، مثلا في تأخير الاصلاح السياسي والاقتصادي، او تشوّش في المنطق يفضي الى تقديم حسابات زبائنية قصيرة الاجل على مصلحة الدولة والمجتمع، مثلما حصل ويحصل في التعيينات لمناصب اساسية لعملية الاصلاح.
لكن الداء بلغ الآن مبلغاً اكثر خطورة، اذ لم يعد يتجلى في رفض ما يقال، بل صار في رفض سماعه. والحق ان العوارض المشيرة الى مثل هذا التدهور ظهرت الصيف الماضي عندما خاض الحكم البعثي "ام المعارك" من اجل التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية المنتهية ولايته والفاشل عهده. فهو لم يكتف بما اعتاده من احتقار للطبقة السياسية اللبنانية، بدءاً بمَواليه، بل ذهب الى حد تجاهل كل التحذيرات الآتية من الخارج أكانت باللغة الفرنسية ام الانكليزية ام حتى الاسبانية. ثم سُجل تدهور اضافي امكن رصده من خلال اداء وزير الاعلام وقتئذٍ احمد الحسن، الذي حاول ان يقنع نفسه ان القرار 1559 يعني الاحتلال الاسرائيلي وليس القوات السورية المرابطة في لبنان.
الوزير الحسن لم يعمّر في وزارته وجاء من يدعي عقلنة الاعلام السوري الرسمي. الا ان عدواه انتقلت في هذا الوقت الى دوائر دمشقية اوسع (وأرفع)، على ما يبدو من السجال الغريب العجيب حول ما قاله ارميتاج في دمشق وما تقول دمشق انه لم يقله. السجال مريب فعلاً، او لنقل ان المريب هو موقف الحكم السوري وابواقه فيه. فبالافتراض ان ارميتاج لم يقل في لقاءاته مع المسؤولين السوريين ما تدعي دمشق انه لم يقله، ما الذي يكون قد تغير؟
في النهاية قال ارميتاج في العلن ما تقول دمشق انه لم يقله. والاهم ان عدداً من المسؤولين الاميركيين الآخرين رددوا في الايام التالية، وايضاً في العلن، ما تقول دمشق ان ارميتاج لم يقله.
للتذكير، ما قاله ارميتاج وادّعت دمشق، ولا تزال، انه لم يقله يرقى الى تهديد غير مبطن للحكم السوري، سواء في ما يتعلق بإيواء مسؤولين سابقين في مخابرات صدام حسين (وكأنه لا يكفي السوريين في كنف البعث المتبقي ما يحوطهم من مخابرات)، او بتنفيذ القرار 1559 القاضي بانسحاب القوات السورية من لبنان ووضع حد لهيمنة حكم البعث عليه. انه تهديد، ليس الا. يمكن استهجانه، وما اكثر الذين ينزعون الى استهجان لهجة التهديد الاميركية في عصر الشرق الاوسط الكبير. يمكن ايضاً الخضوع له، وان جزئياً، سعياً للسلامة. ويمكن حتى الاستخفاف به. ولكن ما لا يعقل هو الادعاء ان التهديد غير موجود. فمثل هذا الادعاء لا يفيد حتى لشراء الوقت.
ولكن ماذا لو كان الحكم البعثي يتبع خطة يعدها اكثر ذكاء؟ فقد يكون قرر مثلاً تيئيس من يصر على محاورته. ترون؟ نحن لا نفهم ولا نريد ان نفهم، فلا تضيعوا وقتكم معنا.
الخطة قد تكون ذكية لو ان المحاورين هم من الزبائن المعتادين في لبنان. لكن ما يصلح مع من لا يتنفس الا برضى الحكم البعثي، لا يفيد مع الجبار الاميركي في عز صلفه. فعنده ان عدم تضييع الوقت بالكلام، يعني الانتقال الى وسائل اكثر نجاعة.
واكثر ايلاماً.
***
الاستبداد لحظة انكشافه
(سمير قصير ، النهار ، 19 شباط / فبراير 2005 )
سنفترض ان الحكم البعثي في دمشق بريء من دم رفيق الحريري. سنفترض لحظة ان "الخبراء السويسريين" الذين سيستعين بهم النظام الامني اللبناني سيتمكنون من اثبات تورّط ابو مصعب الزرقاوي بنفسه في عملية الاغتيال. سنفترض لحظة ان عباقرة المخابرات في سوريا ولبنان سينجحون، مثلما نجحوا عام 1994 بعد تفجير كنيسة سيدة النجاة، في فرض رواية قابلة للتحوّل قراراً ظنياً، وإن سقطت لاحقاً خلال المحاكمة (اذا كان هناك من محاكمة). هل يكفي كل ذلك لوقف المسار الانحداري للحكم السوري في لبنان وخارجه؟ هل يكفي كل ذلك لستر ما كشفه حدث بيروت اول من امس عن الخلل المستجد في الهيمنة البعثية؟
اول من امس، سقط في بيروت الخط الاحمر الاخير الذي كان يحمي منذ مطلع التسعينات اكذوبة "وحدة المسار والمصير" ويغطي منذ انهزام كمال جنبلاط واغتياله عام 1977 ادعاء الحكم السوري النطق باسم قسم من اللبنانيين.
هذا الخط الاحمر كان حتى اول من امس متمثلاً بالسكوت، الطوعي او القسري، الذي التزمه الرأي العام الاسلامي في لبنان حيال الحكم السوري منذ اكثر من ربع قرن، والذي تجدد في اكثر من مناسبة قمعية او "اغتيالية" حتى بات الاقتناع راسخاً ان الثمن الذي يدفعه المسلمون إن ارادوا الاعتراض، اكبر بما لا يقاس من الثمن الذي يدفعه المسيحيون. ولعل القهر الذي تعرضت له مدينة طرابلس، كما لو كانت مدينة من الداخل السوري، ابلغ دليل على فداحة الثمن. وجاءت القسوة التي ووجه بها وليد جنبلاط، سواء عام 2001 او في الاشهر الاخيرة، لتؤكد صواب هذا الاقتناع. بل ان هذه الخلفية هي تحديداً ما صوّب الانظار واصابع الاتهام نحو الجهاز المخابراتي السوري اللبناني في اللحظة نفسها التي علم بها الرأي العام اللبناني باغتيال رفيق الحريري.
اما وقد حصل هذا الاغتيال ونُسب الى من نُسب، ومهما تكن شطارة النظام المخابراتي في حياكة روايته التبريرية، فيبدو ان مبلغ الكبت جعل من انكسار الصمت ليس فقط سقوطاً للخط الاحمر الاخير، بل انقلاباً رمزياً وسياسياً قد تتعدى مفاعيله حدود لبنان. اذ تشاء سخرية القدر ان تنقلب مقولة "الشعب الواحد في دولتين" في وجه من اطلقها. فعندما تصدح شوارع بيروت بشعارات عفوية تحمل طابعاً دينياً او طائفياً، يعرف الحاكم السوري ان صداها يصل الى دمشق وحلب. وعندما تُسمع من على شاشات الفضائيات ادانات كالتي سمعناها، من نوع "لا إله الا الله والاسد عدو الله" ("النهار" 17/ 2/ 2005ومطالبة بالثأر من أعلى المسؤولين في الدولتين، تصبح المحاولات الآيلة الى اثبات براءة الحكم البعثي في دمشق من دم رفيق الحريري بلا جدوى.
وكذلك اضحت بلا جدوى محاولات المتبقي من البعثَين توزيع الناس بين فسطاطين، فسطاط العملاء والخونة وفسطاط "الوطنيين" المعنيين بالقضية القومية. فعندما يكون جاك شيراك الرئيس الوحيد الذي جاء لينحني امام ضريح رفيق الحريري، فيما تخلف كل الملوك والرؤساء العرب، وبعد ثلاثة اشهر على تكريمه التاريخي للرئيس الراحل ياسر عرفات في باريس، يصبح صعباً استخدام ادوات القراءة القومجية العتيقة، كما طاب للبعض ان يفعل بالامس بالقول ان الشعارات التي رفعت في التشييع طارئة على تاريخ بيروت لأن تراث الشارع البيروتي لا يحتمل التعبئة الجماهيرية الا للدفاع عن القضايا القومية.

ربما كان هذا صحيحاً حين كان هناك من يستحق ان يثير الحمية القومية في جوار لبنان. اما اليوم، فقد اصبحت القضية القومية تكمن في التخلص من انظمة الارهاب والانقلاب واستعادة حرية الشعوب كمدخل الى نهضة عربية جديدة. فإذ يمشي في جنازة رفيق الحريري مئات الآلاف من المواطنين الاحرار، فيما لم يجمع تشييع حافظ الاسد قبل اعوام سوى قوافل سيّرها الحزب الواحد ومخابراته من دون ان ينجح في حشد اعداد مماثلة، فهذا اسطع برهان على انتهاء اكذوبة اخرى لازمت "وحدة المسار والمصير"، وهي الاكذوبة القائلة بأن الاستبداد هو درع العروبة.
اول من امس، كانت بيروت القلب النابض لعروبة جديدة، عروبة وان شابتها بعض اعلانات الولاء الطائفي او العشائري، تقوم على الارادة الحرة للمواطنين والمواطنات. وهذا اكثر ما يتوجب على نظام الاستبداد خشيته اذا تأخر في انهاء هيمنته على بيروت ولبنان.
***
إلى متظاهر سوري
(سمير قصير ـ النهار ، 11 آذار / مارس 2005 )
ثمة اجماع داخل المعارضة اللبنانية اليوم على انه سيكون من الخطأ مقاربة المسألة السورية مباشرة. الموقف حكيم ولا ريب، باعتبار انه يتوجب الامتناع عن تجفيل الحكم الاسدي القلق على ديمومته، بالاضافة الى الحرص المشروع على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدولة شقيقة. غير ان هذا الحذر يصعّب ايضاً على المعارضة القيام بواجب ملح في اتجاه جمهورها، وهو الدعوة الى التمييز بين الشعب السوري وسلطته، منعاً لبعض الهتافات السخيفة.
فأي دعوة من هذا النوع لا تستقيم اذا بقيت في حدود الهم الانساني، على اهميته، ولا بد تحديداً من لفت انتباه المتظاهرين الى ان العمال السوريين في لبنان ضحايا مرتين: فهم ضحايا نظام فشل في تأمين فرص العمل لجميع السوريين ولم يقدم اليهم من الرعاية غير سطوة المخابرات التي تلحقهم احياناً الى اماكن عملهم في لبنان، وهم ايضاً ضحايا عنصرية كامنة تتغذى هي الاخرى من الصورة البائسة التي يعطيها النظام السوري نفسه عن رعاياه.
بيد ان المحظور السياسي، وان يكن في محله، قد ازاله هذا الاصرار للحكم البعثي ومواليه من اللبنانيين والسوريين على انتاج رواية رسمية لا تمت بصلة الى التاريخ، ولا الى السياسة. وجاءت خطبة الرئيس السوري الاخيرة، رغم طابعها المفكك المضعضع، اسطع دليل على ارادة التحريف التي تقوم عليها دعاية المتبقي من البعثَين، ثم تبعتها الخطابات "المتلازمة" الصادرة عن المنتفعين من الوصاية السورية خلال تظاهرة "الوفاء" لتضخّم التحريف.
لو كان الامر يتعلق فقط بكتابة التاريخ، لما كان من مشكلة ولأمكن ترك حسم حقيقة هذه الرواية لمؤرخّي المستقبل. لكن التحريف الحاصل في الخطاب البعثي وتوابعه يهدد بالاساءة الى العلاقات بين سوريا ولبنان بعد الانسحاب. اذ ان تصوير اللبنانيين شعباً ناكراً للجميل، الصادر عن فاعل خير هو الحكم السوري، من شأنه وضعهم على تضاد مع السوريين ولا بد تالياً من محاولة لفت نظر المواطنين السوريين الى الوجه الآخر للعملة، وهو وجه اسود.
طبعاً، لا معنى من توجيه هذا الكلام الى المعارضة السورية التي كان لها موقف اعتراضي على السياسة السورية في لبنان منذ لحظة دخول جيش حافظ الاسد اليه برعاية اميركية متمثلة بحسن التدبير الكيسنجري، ولا الى المثقفين الاحرار في سوريا الذين يصعب عليهم تصديق اي رواية يخرج بها النظام. كذلك لا معنى من توجيهه الى هؤلاء اللبنانيين المتحدرين من اصل سوري والذين كان آباؤهم واجدادهم ممن ساهموا في ازدهار بيروت الاقتصادي والثقافي قبل ان يلحقهم اليها حافظ الاسد لـ"يحميها" بالحديد والنار. ومن يتوجب التوجه اليهم هم أولئك الذين لا يملكون خطاباً سياسياً آخر غير خطاب السلطة المكرور، والذين يُقتادون الى تظاهرات "الوفاء" للسلطة، سواء في دمشق او في بيروت.
الى هؤلاء يجب القول، بكل محبة، ان خطاب سلطتهم هراء في هراء، وان الحكم السوري في لبنان لم يكن لا فاعل خير ولا حكماً حيادياً تدخّل بدافع المروءة من اجل التفريق بين المتحاربين واحلال السلام في ما بينهم. الى هؤلاء يجب القول ان القوات السورية في لبنان كانت طرفاً في الحرب: في البدء كطرف ضد الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط والمقاومة الفلسطينية، ثم بعد حين كطرف ضد الاحزاب المسيحية. وفي الحالين، لم تكن حرب ملائكة. فكل الاطراف لوّثوا ايديهم بالدم وكلهم دخلوا في مغامرات مدمرة، وهذا يشمل الطرف الرسمي السوري، بل لعله يشمله في المقام الاول لأنه طرف يمثل دولة، والدولة السورية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي لم توّفر وسيلة في حربها اللبنانية، اياً يكن خصمها، من القصف العشوائي للمدن، الى الاغتيال السياسي. فعلامَ تُشكر السلطة السورية؟ على دك الاشرفية وزحلة بالنار؟ ام على معاملتها طرابلس كمدينة في الداخل السوري يتم الاقتصاص منها على مدار الايام؟
الى هؤلاء المتظاهرين السوريين يجب القول، بكل محبة، ان ممارسة الحكم السوري في لبنان لا تسمح له بأن يعطي دروساً الى احد في الوطنية والنضال ضد "الامبريالية"، فهو دخل لبنان بتدبير من هنري كيسينجر وعاد ومدّ سيطرته على اراضيه كاملة بضوء اخضر من خلفه جايمس بايكر، عربون وفاء لمشاركة الجيش العربي السوري في الحرب على العراق من اجل تحرير الكويت. واذا كان حافظ الاسد قد خاض معركة ضارية ضد الولايات المتحدة غداة الاجتياح الاسرائيلي، فهذه المواجهة التي بدأتها ادارة اميركية عقائدية في عهد رونالد ريغان لم تكن الا الاستثناء الذي يبرر القاعدة: عامان على الاكثر من اصل ثمانية وعشرين! فعلامَ تهنّأ السلطة البعثية؟ أعَلى بحثها الدؤوب عن تسوية مع "الامبريالية"؟
الى هؤلاء المتظاهرين السوريين يجب القول، بكل محبة، ان سوء تسليح الجيش السوري لم يخوّله لحظة الوقوف في وجه اسرائيل، بل منعه من ان يكون درعاً للبنان يوم بدأ الاجتياح الاسرائيلي، وان استبسال الجنود السوريين في عين دارة والبقاع جاء على خلفية سحبهم من الجبهة الامامية. الى هؤلاء الذين يصدقون الاساطير يجب القول ان بيروت اطلقت المقاومة من دون مساعدة من الخارج، بل ان المقاومين الذين نجحوا في اخراج العدو المحتل من بيروت وصيدا وصور والنبطية كوفئوا بالملاحقة واحياناً بالقتل على يد حلفاء الحكم البعثي، فإذا جاء موسم جديد يتيح استخدام المقاومة ورقة، وجدت السلطة السورية من يجيّر لها انتصاره. فعلامَ تمجيد "سوريا الاسد"؟ أعَلى فشلها في منع الاستباحة الاسرائيلية للبنان؟ ام على حرمان لبنان طعم الانتصار يوم كان الانتصار على العدو؟
الى هؤلاء المتظاهرين السوريين يجب القول، بكل محبة، ان السلام في لبنان جاء بتوافق اللبنانيين ودعم العرب، وان ما فعلته سوريا كان افقاد هذا السلام دعامتيه حين رفضت تطبيق اتفاق الطائف وحولت وجود قواتها العسكرية ومخابراتها اداة للهيمنة، فحرمت اللبنانيين امكان استخلاص دروس الحرب وطوقت الديموقراطية التي وحدها كانت تصلح للمحاسبة عن المسؤوليات. فعلامَ "تربيح الجميل"؟ أعَلى انتاج طبقة سياسية مطواعة؟ ام على استخدام لبنان لتجديد النخبة الاقتصادية السورية؟
لا، لا شكر، اللهم الشكر على طي هذه الصفحة السوداء، عندما تطوى، والى غير رجعة.
***
ثمن أن تنسحب سورية من لبنان
سمير قصير
( صحيفة النهار ـ 25 آذار / مارس 2005 )

انحبست الانفاس منذ ايام في انتظار لحظة عدّها الجميع مفصلية، وكادت ان تعطل الحياة السياسية، حتى في بعدها المعارض الجارف، في انتظار صدور "التقرير"، والمقصود طبعاً الوثيقة التي اعدتها اللجنة المنتدبة من الامم المتحدة لتقصي الحقائق حول اغتيال رفيق الحريري. لكن ما حصل في الاسابيع الخمسة الاخيرة، وخصوصاً في مطلع الاسبوع الماضي، لا يتوقف عند التقرير، مهما تكن مفاعيله الكبيرة المتوقعة. فالتخريب الامني الذي بدا اخيراً في حركة تصعيدية، لن يمحو التقرير، اياً يكن محتواه واياً تكن لهجته.
ما شهده لبنان في الشهر الاخير سوف يتطلب ربما سنوات لاستخلاص دروسه بشكل عملي في اتجاه التأسيس على هذه اللحظة التاريخية التي بلغت فيها المصالحة الوطنية ارقى تجلياتها. الا انه يمكن منذ الآن، ومهما تكن التطورات المقبلة، الاستنتاج ان "انتفاضة الاستقلال" نجحت في انجاز مكسبين هائلين: طي صفحة الهيمنة "الخيّرة" التي مارسها الحكم البعثي في دمشق على الحياة العامة في لبنان، وتعرية النظام الامني اللبناني كمدخل لتفكيكه.
فأياً تكن توجهات الايام المقبلة، فقد بات اكيداً ان النظام الامني غير قابل للاستدامة، وان رهانات اسياده على امكان تبييض صورتهم، وآمالهم في المحافظة على مكانتهم في اي تركيبة باطلة، قد سقطت جميعها. فحتى اذا افترضنا ان قادة الاجهزة الامنية نجحوا في اقناع العالم بأنهم براء من دم رفيق الحريري، فان فتح السجال حول النظام الامني فتح باب استعادة المسؤوليات الوخيمة التي تحملها هذا النظام برموزه القضائية والميدانية في عدد من الجرائم منذ نهاية الحرب، من كنيسة سيدة النجاة الى اغتيال رمزي عيراني، مروراً بالتلاعب بقضية الشبكات الاسلامية السنية. ولن يغير شيء الابتزاز السافر الذي يخيّر اللبنانيين بين الاستقلال والامن بحجة موجة الحوادث الامنية الحاصلة منذ ثلاثة اسابيع، من اطلاق النار في ساحة ساسين الى تفجير الكسليك. على النقيض من ذلك تماماً، فإن من يقف وراء هذا الابتزاز، سواء اكان سياسياً ام مسؤولاً في جهاز امني، يلغي اي امل له في ان يبقى له اي حضور في الحياة العامة اللبنانية، اللهم في السجن. فهؤلاء يضعون انفسهم في موقع من يخطف رهينة، واي رهينة؟ ذلك ان من يراد خطفه صراحة هو الشعب اللبناني ليس الا.
وبالطريقة نفسها، فقد بات اكيداً ان هيمنة الحكم البعثي على السياسة اللبنانية باتت من الماضي. فحتى اذا افترضنا ان الحكم السوري نجح في اقناع العالم بانه براء من دم رفيق الحريري، فان الاعتراض الشعبي العارم على الجريمة قد فتح باب استعادة المسؤوليات الوخيمة التي تحملها المتبقي من البعثين في كبت الحريات العامة في لبنان، وفي ابقاء حياته السياسية وحياة السياسيين فيه تحت التهديد الدائم للمقصلة، من اغتيال كمال جنبلاط الى سجن سمير جعجع، مروراً بقتل سليم اللوزي والشيخ حسن خالد ومهدي عامل وحسين مروة والكثيرين غيرهم. كذلك لن يغيّر شيئ الابتزاز المفضوح الذي تفوّه به عدد من المسؤولين السوريين الذين يقولون صراحة للبنانيين ان مصيرهم من دون الهيمنة هو الخراب، وعلى رأس هؤلاء بشار الاسد نفسه، من دون ان ننسى الوزيرين اللامعين فاروق الشرع ومهدي دخل الله. على العكس تماماً، فان هذا التهديد بالكاد المبطن يمنع نهائياً الحكم السوري من ان يدعي بعد الآن انه يحمي السلم الاهلي في لبنان، هذا الادعاء الباطل منذ البداية.
اما وقد صدر التقرير، فقد صار جلياً ان الحكم البعثي الذي طالما سعى الى ان يدفع اللبنانيون ثمن الضغوط من اجل انسحاب قواته من لبنان، انما صار هو في موقع من يدفع الثمن، وانه قد يدفعه ابتداء من الآن اضعافاً اضعافاً مما كان سيكلفه الانسحاب لو اقر به طوعاً.






**********************************************

ننعى إلى كل المدافعين عن قيم الحرية والعدالة والفكر المتنور استشهاد شيخ الأنوار الإسلامي محمد معتوق الخزنوي
المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
2005 / 6 / 2
1.6.2005
تنعى المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير استشهاد الباحث والمفكر الإسلامي السوري ـ الكردي الأنواري محمد معشوق الخزنوي الذي استشهد اليوم متأثرا بالتعذيب الوحشي الذي تعرض له خلال فترة اختطافه المشبوه التي استمرت ثلاثة أسابيع .
إن المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ، وإذ تنعى الشيخ الجليل إلى كل المدافعين عن قيم الحرية والعدالة والفكر المتنور في سورية والعالم ، وتحمل أجهزة المخابرات السورية مسؤولية هذه الجريمة النكراء ، سواء من خلال تورطها المباشر أو من خلال تهاونها المشبوه في منع حصول الجريمة ، لا يسعها إلا أن تشيد بالشجاعة الفكرية التي تحلى بها الراحل الكبير ، و بالفراغ الذي تركه خلفه في الوقت الذي نشعر فيه بأمس الحاجة إلى مفكرين ومثقفين إسلاميين على هذا الغرار، ينقذون الإسلام من براثن فقهاء الإرهاب والدم والقتل والسحل ويعيدون إليه ألقه كمنهاج في الحياة غايته الأولى والأسمى الدفاع عن كرامة الإنسان وحريته .

نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في الدفاع عن العلمانية ومبدأ فصل الدين عن الدولة ونصيحته للمسلمين بأن لا يتحرجوا من " العيش مع أي نظام علماني ديمقراطي يؤمن بفصل الدين عن الدولة (.. ) لأن الإسلام أسمى من أن يكون مطية لطاغية أو شماعة لجرائمه .." ؛

نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في رؤيته الأنوارية للاجتهاد في الإسلام وفي موقفه من الجرائم السياسية الوحشية التي اقترفت بدعوى الدفاع عن الدين ، حيث " رسمت الأحكام القاسية الرهيبة تحت اسم مكافحة الزندقة ، وتضمنت هذه الأحكام السجن والصلب والسحل والقتل " ؛

نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في إدانته للجرائم التي ارتكبت باسم الحفاظ على الإسلام وحماية ثوابته ، وفي موقفه الفكري والفقهي والأخلاقي من عصور الظلام " التي حوكم فيها ( المجتهدون) في ظل كهنوت صارم تقوده سياسة مستبدة " ، و نظرته المقدامة إلى الأحكام التي صدرت في تلك العصور على المجتهدين بوصفها " جرائم ينبغي التبرؤ منها ، أكثر مما هي ضرورات شرعية قضائية لم يكن ثمة بد منها " كما يزعم المدافعون عنها ؛

نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في تقريره أن " حال الانحطاط التي طرأت على المرأة وجعلت من خروجها فتنة ومن صورتها عورة ومن إقبالها مظهر شيطان " ليس من الإسلام في شيء . ونتذكر له شجاعته الأخلاقية والفقية والفكرية والسياسية في دفاعه عن حق الحكومة الفرنسية في منع ارتداء الحجاب في مدارسها الحكومية ، يوم انتفض فقهاء السلطان ، وفقهاء الحقد والكراهية ، في العالمين العربي والإسلامي ، لقيادة " حرب إسلامية ضد فرنسا الكافرة " ؛

نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في تقريره " أن لا شيء في الإسلام يمنع إمامة المرأة " ، في الوقت الذي يتنافخ فيه فقهاء الظلام ويتسابقون على إصادر الفتاوى التي تمنعها من قيادة السيارة ، بل ومن أن تكون لها بطاقة شخصية وجواز سفر ، أو حتى من الذهاب إلى المدرسة ؛
نتذكر اليوم شجاعة الشيخ الخزنوي في دعوته لمراجعة قانون الأحوال الشخصية في سورية ، حيث معظم الأحزاب العلمانية والديمقراطية ( كما في معظم أنحاء العالمين العربي و الإسلامي) ، بل وحتى منظمات الدفاع عن حقوق الأنسان ، تفتقر إلى الشجاعة واستقامة الانسجام مع الذات في أن تناقش مبدأ الزواج المدني وتعدد الزوجات الذي حرمه القرآن بنص صريح وكرسه فقهاء السلطان ونخّاسو الجواري .
المجد لذكرى الشيخ الخزنوي ، وعلى روحه السلام ، وفي شجاعته المسرة !