أسير التشرد
03/06/2007, 05:06
فلورنسا.. نكهة إيطالية بامتياز...
اناقة وفن وطعام على الطريقة الإيطالية
في أواخر الحرب العالمية الثانية قام الالمان بضرب مدينة فلورنسا بوسط ايطاليا بالقنابل ودمروا الجسور لمنع تقدم القوات المعادية لكنهم امتنعوا عن ضرب جسر واحد هو «الجسر القديم» في وسط المدينة بناء على أوامر صدرت عن هتلر بنفسه خوفا على هدم الاثار وتدمير التحف واللوحات الرائعة المحفوظة في المتاحف المجاورة له مثل متحف اوفيزي Uffizi ومتحف قصر بيتي Pitti لربما لنقلها الى المانيا فيما بعد مثلما فعل نابوليون مع الاثار الفرعونية في مصر.لكن الالمان لم يدركوا آنذاك أن المقاومة هربت اللوحات والتماثيل النفيسة من المتاحف وخبأتها في قصور وقلاع بعيدة في التلال بل استعملت خطا هاتفيا تمددت اسلاكه تحت الجسر القديم لرصد حركات القوات النازية.
في طريق العودة الى روما بعد زيارة المدن الشمالية لا أتمالك نفسي دائما من التوقف في فلورنسا لان اغراءها خاصة في فصل الربيع لا يقاوم اذ يزورها 6 ملايين سائح سنويا، فالتمتع بأزهارها، وأشجار السرو، وحجمها الانساني المعتدل وروائع تحفها الفنية، يعطيك نفحة من السعادة والتفاءل وتذوق ابداعات عصر النهضة في ايطاليا قبل خمسة قرون. كلما زرت فلورنسا ازداد اعجابك بها وبرقي أهلها ودماثتهم وحبهم للرسم والتصوير والنحت والابتكار الحرفي ولا عجب فهي مدينة كبار الفنانين مثل ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو ورفائيل ومن لا يرغب في تأمل لوحات بوتيشيللي الخالدة «ولادة فينوس ملكة الجمال» ولوحة «ولادة الربيع» ظهر فيها عشرات العباقرة مثل الكتاب الكبار دانتي مؤلف «الكوميديا الالهية» التي يقال إنه تأثر فيها بأبي العلاء المعري في «رسالة الغفران» وكتابات محيي الدين بن عربي عن الصوفية والنور الالهي، وجيوفاني بوكاشيو مؤلف «حكايات ديكاميرون» التي روى فيها بعض القصص المقتبسة عن حكايات «ألف ليلة وليلة».. فلورنسا هي مدينة النهضة في اوروبا طار صيتها الفني منذ تلك الحقبة لكن بداية الفن فيها كانت متواضعة قبل ذلك لان جارتها مدينة بيزا الشهيرة ببرجها المائل كانت دولة بحرية مهمة تسيطر على جزيرة سردينيا في غرب ايطاليا وتحتضن الثقافة وكبار الفنانين. لا توجد أية مدينة في اوروبا هذه الايام تعيش وتستمتع بتاريخها العريق اكثر من فلورنسا (باستثناء فينيسيا أو البندقية). ازدهر فيها فن العمارة أيام حكم عائلة ميديتشي وما بقيت قصورها وأبنيتها القديمة تحافظ على طراز القلاع منذ تلك الايام الغابرة لدرجة أعتقد معها أن الدوق دي مديتشي لو بعث حيا اليوم لتمكن من العودة الى قصره بسهولة لأن الطرق المؤدية اليه لم تتبدل مع الزمن .
* التراث الحرفي أهم ما يميز فلورنسا عن باقي مدن العالم أنها ما زالت تحتفظ بتراث الحرف والدكاكين الصغيرة (بوتيك أو بوتيغا كما يسمونها بالايطالية). اذا تهاديت في وسط المدينة وتجولت في الازقة الضيقة تجد صانع المفروشات لا يعمل في دكانه وحسب وكأنه معمل صغير لاجراء التجارب على صنع الكراسي الخشبية التقليدية أو تصليح القطع الاثرية بل يتوسع الى الشارع ويضع كرسيا أمام الحانوت ليجف طلاؤه تحت أشعة الشمس الذهبية الناعمة. لذا تعرف فلورنسا بأنها أهم مدينة ايطالية في سوق الانتيكا (التحف القديمة) والمصنوعات الحرفية ذات النوعية العالية وتجديد أو ترميم الاخشاب الاثرية أو الاواني الخزفية أو قطع القماش القديم ناهيك عن تفردها المشهود بصنع أفضل انواع الجلود والرخام والمعادن والمجوهرات والفضة.
زرت مدرسة التدريب المهني في حي سانتا كروشه السياحي الراقي الذي لا يبعد اكثر من عشر دقائق على الجسر القديم اذ يعمل ذلك المعهد على تخريج الحرفيين الذين يزودون الدكاكين الصغيرة بالمنتجات اليدوية وتقليد زخارف اطارات اللوحات وهي حرفة مشهورة في فلورنسا منذ قرون عديدة. لاحظت أن بعض الطلاب المهتمين بحرفة المنتجات الجلدية كانوا من اصول عربية والبعض كان من الصين اتى مهاجرا الى ايطاليا وتمركز في فلورنسا أو مدينة اريزو القريبة.
قال لي روبرتو رووزي رئيس نادي السياحة في ايطاليا ونحن نتناول قهوة الكاباتشينو في مقهى «ريفوار» المعروف في ساحة لا سنيوريا قرب متحف اوفيزي تشاركنا على الطاولة الحمائم الوديعة باحثة عن فتات الحلويات والفطائر الهلالية (كروسان) «عليك أن تذكر أن فلورنسا كانت مقصدا للسياح من البلاد البعيدة منذ القرن الثالث عشر لما تحويه منذ القدم من حرف راقية وجمال اخاذ وزينة في الساحات والمباني، فهي مدينة الفن بلا منازع». وأضيف من عندي أن نصف السائحين في العالم زاروا فلورنسا وفتنوا بها حتى أصعبهم في الاعتراف بالاعجاب بأي مكان مثل الكاتب مارك توين الذي وصفها قائلا «تتحول المدينة القديمة الى مدينة أحلام»
* أمريكو = أمريكا هل تعرف لماذا سميت امريكا بهذا الاسم ؟ تاجر وقبطان ومكتشف ايطالي من ضواحي فلورنسا يدعى «امريكو فزبوتشي» (1454 ـ 1512) أرسلته عائلة مديتشي الحاكمة التي ابتدعت نظام البنوك الى اسبانيا ليعمل في وكالتهم التجارية والمصرفية في اشبيليه فأحب أن يلعب دورا مهما في اكتشاف الساحل الشرقي لجنوب امريكا حين اصدر خارطة جديدة للعالم بعد مقابلته كولومبوس في اشبيليه اثر الرحلة الاولى لمكتشف العالم الجديد. أبحر امريكو الى القارة الجديدة فوجد أنها كانت أطول مما كان معروفا في الخرائط القديمة لذا صدرت الخارطة الحديثة للعالم وسميت القارة بأجمعها على اسمه فاتهمه البعض بأنه كان يحاول سرقة أمجاد وشهرة كولومبوس (1451 ـ 1506) القادم من مدينة جنوى الايطالية وكأن الموضوع تنافس ايطالي داخلي بين الجمهوريات الايطالية المتنازعة التي توحدت فيما بعد عام 1870. يمكن الان زيارة قرية كيانتي ان غريفه، مسقط رأس امريكو المجاورة لفلورنسا، حيث أقيم له تمثال في ساحة القرية الرئيسية وتباع فيها اللحوم المجففة والاجبان التقليدية المعروفة منذ اجيال. كما سمي مطار فلورنسا باسمه تخليدا لذكراه واختارت القنصلية الامريكية بناءها الحالي في الشارع المعروف باسمه.
* الجسر القديم ما زال على حاله فوق نهر أرنو منذ عصر النهضة وما زالوا يبيعون في المخازن الصغيرة المنتشرة على طرفيه أجمل المجوهرات والحلي فهو سوق الصاغة في فلورنسا منذ أيام الصائغ والنحات والرسام والكاتب المعروف بنفينوتو تشيليني الذي عاش في القرن السادس عشر ولحن الموسيقار الفرنسي برليوز مسرحية غنائية أسماها باسمه، وتجد تمثاله النصفي في وسط السوق يطل على عشرات السائحين. اشتهر بتمثاله البرونزي المبتكر الذي يمثل برسوس قاطع رأس احدى الاخوات الثلاث في الاساطير الاغريقية ميدوسا التي يكتسي رأسها بالافاعي بدلا عن الشعر، وكانوا يعتقدون أن كل من ينظر اليها يتحول الى حجر وكانوا يضعون ذلك التمثال النفيس بين التماثيل المنتشرة في الهواء الطلق في ساحة سنيوريا لكنهم نقلوه منذ سنوات الى أحد المتاحف للحفاظ عليه.
اناقة وفن وطعام على الطريقة الإيطالية
في أواخر الحرب العالمية الثانية قام الالمان بضرب مدينة فلورنسا بوسط ايطاليا بالقنابل ودمروا الجسور لمنع تقدم القوات المعادية لكنهم امتنعوا عن ضرب جسر واحد هو «الجسر القديم» في وسط المدينة بناء على أوامر صدرت عن هتلر بنفسه خوفا على هدم الاثار وتدمير التحف واللوحات الرائعة المحفوظة في المتاحف المجاورة له مثل متحف اوفيزي Uffizi ومتحف قصر بيتي Pitti لربما لنقلها الى المانيا فيما بعد مثلما فعل نابوليون مع الاثار الفرعونية في مصر.لكن الالمان لم يدركوا آنذاك أن المقاومة هربت اللوحات والتماثيل النفيسة من المتاحف وخبأتها في قصور وقلاع بعيدة في التلال بل استعملت خطا هاتفيا تمددت اسلاكه تحت الجسر القديم لرصد حركات القوات النازية.
في طريق العودة الى روما بعد زيارة المدن الشمالية لا أتمالك نفسي دائما من التوقف في فلورنسا لان اغراءها خاصة في فصل الربيع لا يقاوم اذ يزورها 6 ملايين سائح سنويا، فالتمتع بأزهارها، وأشجار السرو، وحجمها الانساني المعتدل وروائع تحفها الفنية، يعطيك نفحة من السعادة والتفاءل وتذوق ابداعات عصر النهضة في ايطاليا قبل خمسة قرون. كلما زرت فلورنسا ازداد اعجابك بها وبرقي أهلها ودماثتهم وحبهم للرسم والتصوير والنحت والابتكار الحرفي ولا عجب فهي مدينة كبار الفنانين مثل ليوناردو دافنشي ومايكل انجلو ورفائيل ومن لا يرغب في تأمل لوحات بوتيشيللي الخالدة «ولادة فينوس ملكة الجمال» ولوحة «ولادة الربيع» ظهر فيها عشرات العباقرة مثل الكتاب الكبار دانتي مؤلف «الكوميديا الالهية» التي يقال إنه تأثر فيها بأبي العلاء المعري في «رسالة الغفران» وكتابات محيي الدين بن عربي عن الصوفية والنور الالهي، وجيوفاني بوكاشيو مؤلف «حكايات ديكاميرون» التي روى فيها بعض القصص المقتبسة عن حكايات «ألف ليلة وليلة».. فلورنسا هي مدينة النهضة في اوروبا طار صيتها الفني منذ تلك الحقبة لكن بداية الفن فيها كانت متواضعة قبل ذلك لان جارتها مدينة بيزا الشهيرة ببرجها المائل كانت دولة بحرية مهمة تسيطر على جزيرة سردينيا في غرب ايطاليا وتحتضن الثقافة وكبار الفنانين. لا توجد أية مدينة في اوروبا هذه الايام تعيش وتستمتع بتاريخها العريق اكثر من فلورنسا (باستثناء فينيسيا أو البندقية). ازدهر فيها فن العمارة أيام حكم عائلة ميديتشي وما بقيت قصورها وأبنيتها القديمة تحافظ على طراز القلاع منذ تلك الايام الغابرة لدرجة أعتقد معها أن الدوق دي مديتشي لو بعث حيا اليوم لتمكن من العودة الى قصره بسهولة لأن الطرق المؤدية اليه لم تتبدل مع الزمن .
* التراث الحرفي أهم ما يميز فلورنسا عن باقي مدن العالم أنها ما زالت تحتفظ بتراث الحرف والدكاكين الصغيرة (بوتيك أو بوتيغا كما يسمونها بالايطالية). اذا تهاديت في وسط المدينة وتجولت في الازقة الضيقة تجد صانع المفروشات لا يعمل في دكانه وحسب وكأنه معمل صغير لاجراء التجارب على صنع الكراسي الخشبية التقليدية أو تصليح القطع الاثرية بل يتوسع الى الشارع ويضع كرسيا أمام الحانوت ليجف طلاؤه تحت أشعة الشمس الذهبية الناعمة. لذا تعرف فلورنسا بأنها أهم مدينة ايطالية في سوق الانتيكا (التحف القديمة) والمصنوعات الحرفية ذات النوعية العالية وتجديد أو ترميم الاخشاب الاثرية أو الاواني الخزفية أو قطع القماش القديم ناهيك عن تفردها المشهود بصنع أفضل انواع الجلود والرخام والمعادن والمجوهرات والفضة.
زرت مدرسة التدريب المهني في حي سانتا كروشه السياحي الراقي الذي لا يبعد اكثر من عشر دقائق على الجسر القديم اذ يعمل ذلك المعهد على تخريج الحرفيين الذين يزودون الدكاكين الصغيرة بالمنتجات اليدوية وتقليد زخارف اطارات اللوحات وهي حرفة مشهورة في فلورنسا منذ قرون عديدة. لاحظت أن بعض الطلاب المهتمين بحرفة المنتجات الجلدية كانوا من اصول عربية والبعض كان من الصين اتى مهاجرا الى ايطاليا وتمركز في فلورنسا أو مدينة اريزو القريبة.
قال لي روبرتو رووزي رئيس نادي السياحة في ايطاليا ونحن نتناول قهوة الكاباتشينو في مقهى «ريفوار» المعروف في ساحة لا سنيوريا قرب متحف اوفيزي تشاركنا على الطاولة الحمائم الوديعة باحثة عن فتات الحلويات والفطائر الهلالية (كروسان) «عليك أن تذكر أن فلورنسا كانت مقصدا للسياح من البلاد البعيدة منذ القرن الثالث عشر لما تحويه منذ القدم من حرف راقية وجمال اخاذ وزينة في الساحات والمباني، فهي مدينة الفن بلا منازع». وأضيف من عندي أن نصف السائحين في العالم زاروا فلورنسا وفتنوا بها حتى أصعبهم في الاعتراف بالاعجاب بأي مكان مثل الكاتب مارك توين الذي وصفها قائلا «تتحول المدينة القديمة الى مدينة أحلام»
* أمريكو = أمريكا هل تعرف لماذا سميت امريكا بهذا الاسم ؟ تاجر وقبطان ومكتشف ايطالي من ضواحي فلورنسا يدعى «امريكو فزبوتشي» (1454 ـ 1512) أرسلته عائلة مديتشي الحاكمة التي ابتدعت نظام البنوك الى اسبانيا ليعمل في وكالتهم التجارية والمصرفية في اشبيليه فأحب أن يلعب دورا مهما في اكتشاف الساحل الشرقي لجنوب امريكا حين اصدر خارطة جديدة للعالم بعد مقابلته كولومبوس في اشبيليه اثر الرحلة الاولى لمكتشف العالم الجديد. أبحر امريكو الى القارة الجديدة فوجد أنها كانت أطول مما كان معروفا في الخرائط القديمة لذا صدرت الخارطة الحديثة للعالم وسميت القارة بأجمعها على اسمه فاتهمه البعض بأنه كان يحاول سرقة أمجاد وشهرة كولومبوس (1451 ـ 1506) القادم من مدينة جنوى الايطالية وكأن الموضوع تنافس ايطالي داخلي بين الجمهوريات الايطالية المتنازعة التي توحدت فيما بعد عام 1870. يمكن الان زيارة قرية كيانتي ان غريفه، مسقط رأس امريكو المجاورة لفلورنسا، حيث أقيم له تمثال في ساحة القرية الرئيسية وتباع فيها اللحوم المجففة والاجبان التقليدية المعروفة منذ اجيال. كما سمي مطار فلورنسا باسمه تخليدا لذكراه واختارت القنصلية الامريكية بناءها الحالي في الشارع المعروف باسمه.
* الجسر القديم ما زال على حاله فوق نهر أرنو منذ عصر النهضة وما زالوا يبيعون في المخازن الصغيرة المنتشرة على طرفيه أجمل المجوهرات والحلي فهو سوق الصاغة في فلورنسا منذ أيام الصائغ والنحات والرسام والكاتب المعروف بنفينوتو تشيليني الذي عاش في القرن السادس عشر ولحن الموسيقار الفرنسي برليوز مسرحية غنائية أسماها باسمه، وتجد تمثاله النصفي في وسط السوق يطل على عشرات السائحين. اشتهر بتمثاله البرونزي المبتكر الذي يمثل برسوس قاطع رأس احدى الاخوات الثلاث في الاساطير الاغريقية ميدوسا التي يكتسي رأسها بالافاعي بدلا عن الشعر، وكانوا يعتقدون أن كل من ينظر اليها يتحول الى حجر وكانوا يضعون ذلك التمثال النفيس بين التماثيل المنتشرة في الهواء الطلق في ساحة سنيوريا لكنهم نقلوه منذ سنوات الى أحد المتاحف للحفاظ عليه.