شب الكوبة
27/05/2007, 13:46
يا كاتباً بِسَهَرِِ عينيك تاريخ أمتنا الحديث مجيداً ، لذلك لاذت أصوات هذه " الأجراس " بخفوت " الحياء " و هي تتردد في جنبات ساحك القدسية و لكنها تردد شاكرة معترفة ، تأمل أن تتلفع عند مرقاة قدسك بالرضا و القبول . )
على رمال المرفأ الأول ..
الأمواج تصطخب ، تضرب رمال الشاطئ ، تحدو لصخوره .. تبكي نائحة .. و دمعها رذاذ يتطاير فوق تلك الصخور و الرمال تستقبل كل هذا الصخب بصمت العقلاء .. هي مثلكم أيها السادة ، لا تصدق .. ان الأشياء تحزن ، و إنه بلوعة يبكي الجماد .. يالغباء المشاعر ، في عقلانية الرمال .. و يا ليتكم كنتم معي .. لعاينتم كما أعاين الآن بدقة .. و عانيتم كما أعاني الآن بحرقة جنون الكأس و انتحاره تاركاً رمقه إرثاً يسيل على الأرض الظمآى للدمع أو للدم ، أو لكليهما معاً ! يا ليتكم كنتم معي .. لحفظتم ذهول اليد المسمرة ، و هي ما زالت تقبض بين السبابة و الإبهام على الهواء .. هو الخواء يمدّ على الحياة بساطه .. فنختنق .. و تغفو الذاكرة في نوبة اغماء ، و يمضي الوعي يلوذ بالهرب و يلوي عليه لسويعات .. و لقد حدث كل هذا و أكثر حينما مضى سيد الوعي و الذاكرة ، و لم يبق بعده في النفس إلا رمال تملأ حياض المرفأ الأول .. للرحيل .
غرقى .. في تكاثف الرمال .. على المرفأ الثاني ..
ضائعة أنا ! .. فيم كان خروجي من بيتي في تلك الظهيرة ؟؟ و إلى أين كنت أجرجر خطواتي و ارغمها على الاتساع في اتجاه ما كنت أعنيه و ما كنت أقصده ؟؟
ياإلهي أتراني ما كنت أعي ذهولي في تلك الهاجرة ؟؟ أي معنى لعودتي إلى طفلتي بيدين فارغتين ؟؟ و إلى بيتي و قد بدا لي و أنا فيه كالسراب في لصحراء لناءٍ قد أضاف النأي إلى غربته ضياعاً ؟؟ أي معنى لتسليم رفيقي بهذه العودة الفارغة و الرجعة التائهة على غير عادة بالفراغ و التيه و التسليم ؟؟ ما كنت أبداً ( حُنيناً ) ، فقد عاد المذكور بإحدى خفيه ، لقد كنت و رفيقي معي أمراً آخر يشبه ما مضى ( حُنين ) لأجله لكنه ما حصله ، كنا معاً مفقودين مفؤؤدين .. رباه ! كيف ذهلت عن معاناته المزدوجة ، ذهولي و ذهوله في آن واحدد ، كلانا غريق يبحث عن طوف نجاة ! و المفارقة الوحيدة في أن أحدنا لا يعي غرقه . و أحدنا وجد وجد فيه ملاذه فمضى إلى العمق من لجته ! ترى لمن ستكون مبادرة اليد الشجاعة التي ستمتد ضارعة أن تنتشل الآخر ، علنا نتمسك معاً بحافة المرفأ الثالث لوجع الرحيل .. ؟؟
المرفأ الثالث .. صحوة الوجع ..
حديثك غيم ، و حزني يباس الرمال القديم ، فكيف بنا إذ يجيء المطر ؟؟ لا أدري أين قرأت كل هذا الشجن ، غير أني و أنا أسحب قدمي على المرفأ الثالث الكربلائي الرمال .. تيقظت عنوة على المطر ينهمر من عينيَّ المهزومتين حتى تلك اللحظة .. فاستقبلت رئتاي رائحة الرماد الباقي على مجمرة الوجع حين رشقته المزنة الأولى ، وجدتني على حين غفلة أردد : رحيلك جمر ، و قلبي احتراق ، لهيب ، حجيم ، فكيف بنا إذ يجف المطر ؟؟ و رأيتني أقوى على العبور مع العابرين باتجاه المرفأ الرابع .. , قد شكلت أمطارنا مجرى ماء لقارب الرحيل ..
المرفأ الرابع شجن في خزانة الأشياء ..
غريب ما تمتلك فعله بعض الأشياء فينا ! عجيبة قدرتها على صياغتنا و لو للحظة واحدة من جديد ، وفق إرادة حنين الذكيات فيها ، لله درّها ..
كيف تستطيع أن تعيدنا سيرته الأولى و سيرتنا .. ترى ماذا فعل جواد الحسين (عـ) بزينب حين عاد إليها خالياً من شموخ الحسين .. و بهاء الحسين ؟؟ ما الذي حرك قلب محمد (صـ) و هو يقلب بين يديه عقداً كانت خديجة قد أهدته لابنتها يوم زفافها .. و هاهو يصل إليه صدفة لفداء أسير لديه ؟؟
ما الذي أسال دمع الصقر القرشي شعراً في نخلة صادفته على حن غرة في بلد ناءٍ عن بلد النخيل ؟؟ و لماذا ما زال حداءُ كل ناء بعيد حتى هذه اللحظة :
أيها الراكب الميمم أرضي ، أقر من بعضي السلام لبعضي ؟
في لحظة ما من زمـن ما .. تكلم عني دمعي عندما رأيت - بعد رحيل صاحب السيف - سيفه المعلق على الجدار و هو يعاني مثلي يتمه و شوقه و سرت إلى غربة الكتاب و هو ينطوي على نفسه شاكياً إليّ رحيل أخيه و شقيقي و لكني ما ذهلت يوماً عن مثل هذا الكل و أكثر - بيد أني حتى هذه اللحظة لا أستطيع أن ‘ي ما حدث لي ولا لسواي .. عندما أطل علينا ذاك الكرسي الأبيض على شرفة جمران خالياً للمرة الأولى من صاحبه - يا لحنين الكرسي و فجيعة الشرفة ! وحدهما معاً اذهلاني و لكنها لم يلقيات تساؤلي المرير : ترى كيف ستمشي الحياة بنا دون إطلالة تحيته مرة أخرى ؟؟
المرفأ الخامس .. ركام بين الزحام ، نحو الغـَـمام .
قلبي مكسور كحلم ، داخلي خاو كصحراء .. و العتمة قائدي إلى ما لست أدري .. وحيدة بين الآخرين أمشي .. مثقلة بغربتي .. لِمَ أوغل في الوحدة وسط هذا الزحام ؟؟ ركاماً من المواجع أمشي .. و الكل زحام يواكبني .. يحملني شراعاً .. قد أرهقه الإبحار في المتاهات الطويلة .. و في هذا الموج البشري .. شاقني الدمع المنساب لقلب لم يملك حاجزاً يضعه بين الدمعة و الدمعة ، فيمم شطر الوجع جنوباً .. و لكن دموعاً أخرى .. أخذت مني عيني .. و سالت فيهما و قالت و هي تفعل : " لقد وضع القواعد من بيتي الأساس بيديه الشريفتين .. و بلفتة سمت بساطتها وضع حجر الأساس في نفسي ، و في درجي ما زلت أحتفظ - كما تعتز الحزيرة بالحجر الأسعد - بالوثيقة الأولى لهذا البناء .. و ها أنا ذا اليوم أبكيه ، لا كما أبكي حلماً يخصني وحدي ، بل أبكي فيه أحلام أمتي و نجاوى أمتي ؟؟ ..
لأبي مصطفى تلك الروعة في الدموع التي سكبتني مرة أخرى .. إناء قد أعاده الرضا لُحمته الأولى ..
و ها انا ذا أقف على رمال المرفأ الخامس .. ها هو الأفق يبدو جلياً .. يقربه الموج مني و يدنيني منه ..
يسكنني يقين بأمر من أمور هو أنني حتى و أنا أمشي ركاماً بين الزحام ، سيحملني زحام الموج يوماً من المرفأ الخامس لشواطئ حزيران إلى حيث تنشد الملائكة أحلى ترانيمها .. .. لراقد يسافر به المرقد .. غمامة فوق رأس الأمة ، ترافق مسيرتها أبداً .. حتى بوابة القدس في يوم الخلاص ..
- من كتاب رياحين الإنتصار - ولاء حمود .
على رمال المرفأ الأول ..
الأمواج تصطخب ، تضرب رمال الشاطئ ، تحدو لصخوره .. تبكي نائحة .. و دمعها رذاذ يتطاير فوق تلك الصخور و الرمال تستقبل كل هذا الصخب بصمت العقلاء .. هي مثلكم أيها السادة ، لا تصدق .. ان الأشياء تحزن ، و إنه بلوعة يبكي الجماد .. يالغباء المشاعر ، في عقلانية الرمال .. و يا ليتكم كنتم معي .. لعاينتم كما أعاين الآن بدقة .. و عانيتم كما أعاني الآن بحرقة جنون الكأس و انتحاره تاركاً رمقه إرثاً يسيل على الأرض الظمآى للدمع أو للدم ، أو لكليهما معاً ! يا ليتكم كنتم معي .. لحفظتم ذهول اليد المسمرة ، و هي ما زالت تقبض بين السبابة و الإبهام على الهواء .. هو الخواء يمدّ على الحياة بساطه .. فنختنق .. و تغفو الذاكرة في نوبة اغماء ، و يمضي الوعي يلوذ بالهرب و يلوي عليه لسويعات .. و لقد حدث كل هذا و أكثر حينما مضى سيد الوعي و الذاكرة ، و لم يبق بعده في النفس إلا رمال تملأ حياض المرفأ الأول .. للرحيل .
غرقى .. في تكاثف الرمال .. على المرفأ الثاني ..
ضائعة أنا ! .. فيم كان خروجي من بيتي في تلك الظهيرة ؟؟ و إلى أين كنت أجرجر خطواتي و ارغمها على الاتساع في اتجاه ما كنت أعنيه و ما كنت أقصده ؟؟
ياإلهي أتراني ما كنت أعي ذهولي في تلك الهاجرة ؟؟ أي معنى لعودتي إلى طفلتي بيدين فارغتين ؟؟ و إلى بيتي و قد بدا لي و أنا فيه كالسراب في لصحراء لناءٍ قد أضاف النأي إلى غربته ضياعاً ؟؟ أي معنى لتسليم رفيقي بهذه العودة الفارغة و الرجعة التائهة على غير عادة بالفراغ و التيه و التسليم ؟؟ ما كنت أبداً ( حُنيناً ) ، فقد عاد المذكور بإحدى خفيه ، لقد كنت و رفيقي معي أمراً آخر يشبه ما مضى ( حُنين ) لأجله لكنه ما حصله ، كنا معاً مفقودين مفؤؤدين .. رباه ! كيف ذهلت عن معاناته المزدوجة ، ذهولي و ذهوله في آن واحدد ، كلانا غريق يبحث عن طوف نجاة ! و المفارقة الوحيدة في أن أحدنا لا يعي غرقه . و أحدنا وجد وجد فيه ملاذه فمضى إلى العمق من لجته ! ترى لمن ستكون مبادرة اليد الشجاعة التي ستمتد ضارعة أن تنتشل الآخر ، علنا نتمسك معاً بحافة المرفأ الثالث لوجع الرحيل .. ؟؟
المرفأ الثالث .. صحوة الوجع ..
حديثك غيم ، و حزني يباس الرمال القديم ، فكيف بنا إذ يجيء المطر ؟؟ لا أدري أين قرأت كل هذا الشجن ، غير أني و أنا أسحب قدمي على المرفأ الثالث الكربلائي الرمال .. تيقظت عنوة على المطر ينهمر من عينيَّ المهزومتين حتى تلك اللحظة .. فاستقبلت رئتاي رائحة الرماد الباقي على مجمرة الوجع حين رشقته المزنة الأولى ، وجدتني على حين غفلة أردد : رحيلك جمر ، و قلبي احتراق ، لهيب ، حجيم ، فكيف بنا إذ يجف المطر ؟؟ و رأيتني أقوى على العبور مع العابرين باتجاه المرفأ الرابع .. , قد شكلت أمطارنا مجرى ماء لقارب الرحيل ..
المرفأ الرابع شجن في خزانة الأشياء ..
غريب ما تمتلك فعله بعض الأشياء فينا ! عجيبة قدرتها على صياغتنا و لو للحظة واحدة من جديد ، وفق إرادة حنين الذكيات فيها ، لله درّها ..
كيف تستطيع أن تعيدنا سيرته الأولى و سيرتنا .. ترى ماذا فعل جواد الحسين (عـ) بزينب حين عاد إليها خالياً من شموخ الحسين .. و بهاء الحسين ؟؟ ما الذي حرك قلب محمد (صـ) و هو يقلب بين يديه عقداً كانت خديجة قد أهدته لابنتها يوم زفافها .. و هاهو يصل إليه صدفة لفداء أسير لديه ؟؟
ما الذي أسال دمع الصقر القرشي شعراً في نخلة صادفته على حن غرة في بلد ناءٍ عن بلد النخيل ؟؟ و لماذا ما زال حداءُ كل ناء بعيد حتى هذه اللحظة :
أيها الراكب الميمم أرضي ، أقر من بعضي السلام لبعضي ؟
في لحظة ما من زمـن ما .. تكلم عني دمعي عندما رأيت - بعد رحيل صاحب السيف - سيفه المعلق على الجدار و هو يعاني مثلي يتمه و شوقه و سرت إلى غربة الكتاب و هو ينطوي على نفسه شاكياً إليّ رحيل أخيه و شقيقي و لكني ما ذهلت يوماً عن مثل هذا الكل و أكثر - بيد أني حتى هذه اللحظة لا أستطيع أن ‘ي ما حدث لي ولا لسواي .. عندما أطل علينا ذاك الكرسي الأبيض على شرفة جمران خالياً للمرة الأولى من صاحبه - يا لحنين الكرسي و فجيعة الشرفة ! وحدهما معاً اذهلاني و لكنها لم يلقيات تساؤلي المرير : ترى كيف ستمشي الحياة بنا دون إطلالة تحيته مرة أخرى ؟؟
المرفأ الخامس .. ركام بين الزحام ، نحو الغـَـمام .
قلبي مكسور كحلم ، داخلي خاو كصحراء .. و العتمة قائدي إلى ما لست أدري .. وحيدة بين الآخرين أمشي .. مثقلة بغربتي .. لِمَ أوغل في الوحدة وسط هذا الزحام ؟؟ ركاماً من المواجع أمشي .. و الكل زحام يواكبني .. يحملني شراعاً .. قد أرهقه الإبحار في المتاهات الطويلة .. و في هذا الموج البشري .. شاقني الدمع المنساب لقلب لم يملك حاجزاً يضعه بين الدمعة و الدمعة ، فيمم شطر الوجع جنوباً .. و لكن دموعاً أخرى .. أخذت مني عيني .. و سالت فيهما و قالت و هي تفعل : " لقد وضع القواعد من بيتي الأساس بيديه الشريفتين .. و بلفتة سمت بساطتها وضع حجر الأساس في نفسي ، و في درجي ما زلت أحتفظ - كما تعتز الحزيرة بالحجر الأسعد - بالوثيقة الأولى لهذا البناء .. و ها أنا ذا اليوم أبكيه ، لا كما أبكي حلماً يخصني وحدي ، بل أبكي فيه أحلام أمتي و نجاوى أمتي ؟؟ ..
لأبي مصطفى تلك الروعة في الدموع التي سكبتني مرة أخرى .. إناء قد أعاده الرضا لُحمته الأولى ..
و ها انا ذا أقف على رمال المرفأ الخامس .. ها هو الأفق يبدو جلياً .. يقربه الموج مني و يدنيني منه ..
يسكنني يقين بأمر من أمور هو أنني حتى و أنا أمشي ركاماً بين الزحام ، سيحملني زحام الموج يوماً من المرفأ الخامس لشواطئ حزيران إلى حيث تنشد الملائكة أحلى ترانيمها .. .. لراقد يسافر به المرقد .. غمامة فوق رأس الأمة ، ترافق مسيرتها أبداً .. حتى بوابة القدس في يوم الخلاص ..
- من كتاب رياحين الإنتصار - ولاء حمود .