wesam_ra2
26/05/2007, 21:32
للفرح مواسم أخرى
وضعت الملقط على آخر قطعة غسيل ..بخار الماء يتصاعد منها دافئا عطرا ..
حملت سلة غسيلها ودخلت ..أغلقت خلفها باب الشرفة
خمرة قدسية كانت قد أثملتها .. غبطة إيمانية سرت في عروقها.. قشعريرة من شغف التجلي هزت برفق روحها .. اضطربت دقات قلبها بنشوة.. رددت همسا مع الأصوات المؤمنة المتناغمة :
// الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر .. الله أكبر ..ولله الحمد //
أسلمت جوارحها لعرس الكون .. حلقت بأجنحة سحرية في فضاء من الحب والرحمة.. أنصتت لتراتيل أرواح نورانية سماوية عذبة .. تمطت في القلب مشاعر كانت غائبة.. أيقظت فيه ذكريات باذخة الجمال والروعة.
/ كل عام وانتم بخير /
همست لأطفالها المستغرقين بنوم هانئ
/ كل عام وأنتم بخير /
من هنا ..من بيتي ..من هذا الركن الدافئ الصغير من العالم
يا أهلي .. يا وطني ..يا كل البشر أينما كنتم..يا خلفاء الله في الأرض..أحبكم من كل قلبي وأبارك أعيادكم .. وأدعو الله أن يحمي كرتنا الأرضية
مثل حجر ألقي في نهر تكدر رائق صفائها.. تذكرت أن ثمة من لا يمر العيد بهم.. لأنهم هناك .. هناك .. بعيدا في الضفة الأخرى ..!!
/ أسفي عليكم يا من أتى العيد ولم تأتوا.. يا من نبذتكم الأوطان إلى بلاد بعيدة.. يا من تحملون في صدوركم قلوبا ممزقة بين وطن سكنتموه وآخر تهيمون به حنينا و شوقا..
يا أطفال فلسطين.. يا أمهات العراق.. دمعتي غيمة شتائية .. وحزينة أنا من أجل أعياد غاب عنها أحبابكم الأغلى /
إنها الآن ترتجف تأثرا وفرقا .. اقتربت من النار تستجدي دفئا .. ملأت صدرها رائحة أنس آدمي هي مزيج من حب وحنان وألفة
كل شيء مرتب ونظيف ..
أيام ثلاث قضتها في العمل المضني استعدادا للعيد..
تنظيفا.. وترتيبا.. وتحضيرا للطعام.. وشراء الثياب الجديدة للأطفال .. وصناعة حلويات العيد و ...و ...و ...وأشياءَ كثيرة أخرى.
مسحت الجدران والسقف والشبابيك والأبواب بسوائل منظفة ومعطرة .. لمعت زجاج النوافذ .. غسلت الخضار والفواكه .. قطعت الدجاج واللحمة ..
غسلت رفوف المطبخ وأعادت ترتيب الأواني .. شطفت الدرج .. كنست السطح
غسلت الستائر وعلقتها بعد أن يئست تماما من مساعدة زوجها في تعليقها والذي خرج - كعادته - ولم يعد إلا في ساعات الفجر الأولى
لا ترغب في تكديره إذا كان رائقا - وقل أن يكون كذلك - تجهد نفسها في ترتيب متطلبات العيد وحدها
تشعر أنها أفسدته بدلالها .. أعباء كثيرة يفترض أن يحملها هو.. حملتها هي بمودة ورحمة
/ اتعب يديك ولا تتعب لسانك /
حكمة تؤمن بها كثيرا منذ أن كانت الثانية في ترتيب ( فصيل ) يبلغ تعداد أفراده مع الأم والأب ثلاثة عشر فردا
تنظر إلى ثياب العيد الجديدة حيث تركها الأطفال مصفوفة بعناية على الأريكة
حقائب صغيرة تنتظر امتلاءها في الصباح بنقود العيدية .. قمصان.. بنطلونات.. فساتين مزركشة زاهية .. جوارب بيضاء مخرمة .. شرائط شعر ملونة.. قبعات مرحة .. وأحذية صقيلة لامعة ..
تبتسم وهي تقبل حذاء صغيرها ( محمد) الذي اختار حذاء ذا موديل رجالي .. ونام فخورا بلمعان ( قرعته ) التي أصر على حلاقتها على الـ( زيرو ).. شعرت بأن آخر العنقود قد كبر في غفلة منها..
قطع ( الكليجة )*لا زالت دافئة ..قضت وقتا طويلا في عجنها وتقريصها وخبزها وقد نشرتها الآن لتبرد على قطعة قماشية .. بالتأكيد سيعجب ضيوفها المهنئين بالعيد بطعم كليجتها اللذيذة وخصوصا بعد أن أضافت لها بهارات جديدة من ابتكارها فأصبحت ذات ماركة خاصة بها - وكما يقول زوجها - تستحق عليها ( الإيزو ) ..شهادة الجودة
ما زال تداخل الأصوات المنبعثة من المسجد القريب يزيدها تحليقا ونشوة ..
هامت شوقا لبلاد بعيدة تنضح حبا ودفئا .. بلاد تنتمي إليها بروحها وقلبها وجسدها.. لكنها تهرب الآن منها.. وكحلم جميل تغور.. تغور .. تغور عميقا في ضباب الذاكرة
بعد أن تنتهي صلاة العيد سيلحق المصلون بالنساء والأطفال الذين سبقوهم إلى المقبرة..
زيارات الخميس والأعياد والصدقات التي تقدم.. ما هي إلا اعتذار خجول من الأحياء لأرواح الراحلين لخذلانهم بالبقاء أحياء بعدهم فيما هم شبعوا موتا
ثمة برزخ شفيف يصل بين أحياء مدينتها .. يمتد بشغف من حضن الوادي إلى بقعة نائية صغيرة تغفو على كتف الجبل.. تضم بحنان رفات من كانوا يوما يملؤون الدنيا ضجيجا وصخبا
قبل عشرون عاما كانت هناك بضعة قبور متناثرة.. يا إلهي ..الآن كأنما المدينة كلها انتقلت إلى الجهة الأخرى للبلدة ..!!
سيكون أول المهنئين بالعيد والدها ورجال العائلة
ستقدم لهم قطع ( الكليجة ) والقهوة العربية المرة ..
- / عايدين فايزين بالصحة والسلام /*
- / انشالله العيد القادم على جبل عرفات /
- / آمين .. بالرفقة /
تقبل يد الوالد باحترام .. ويقبل جبينها .. يضمها إلى صدره بحنان .. تشعر به .. قامة شامخة متينة تتحدى الشيخوخة وأمراضها ..
تشم رائحة المسك في طيات ثيابه الطاهرة.. يبدو مستعدا دائما للذهاب إلى المسجد.. أو ربما ينوي أداء ركعتين خاشعتين .. خالصتين.. تطوعا لوجه الله تعالى..!
تسأله والدمعة تغص بحلقها :
- / سلمتم لي على حنان ..؟! /
وتفر من عينيها دمعة مخاتلة
- / على رسول الله السلام /
- / معجزة أخرى.. نبتت هذه المرة من جهة الرأس ..ورود برية جديدة تتحدى الشتاء والصقيع .. كإكليل عرس كانت تتوج قبرها / قالت الجدة بسعادة غامرة
- / يا حنونتي .. يا وردة تأبى الذبول في الذاكرة .. يا طفلة الرابعة عشر التي منذ عشرين عاما لم تعودي تكبرين أبدا.. يا من خذلك نقي عظامك وسلب منك الحياة /
- / قدر الله وما شاء فعل ../
- / هل خالتي حنان الآن مع طيور الجنة يا أمي ..؟! / قالت حنان الأخرى
تنظر إلى أبيها مستنجدة وقد فاجأها سؤال صغيرتها ..
- / جدتي قالت لي ذلك /
بصوت متهدج قال الجد :
- / إنشاء الله.. إنشاء الله /
رزان تؤكد :
- / نعم يا جدو خالتي حنان في الجنة لأنها ماتت صغيرة .. هكذا.. في مثل عمري تماما /
- / هل أنت صغيرة ..!!؟ عندما كنت في عمرك كنت قد فطمت أمك / قالت الجدة في محاولة جادة لإقصاء مرارة الذكرى
- / كم عمرك الآن ياجدتي ..؟!/
- / خمس وخمسون سنة /
- / لكنك منذ خمس سنوات كنت كذلك..!! /
- / يا لنساء هذه العائلة اللواتي لا يكبرن أبدا / تمتم الجد بدهشة
ينظر بإعجاب إلى رزانه التي كبرت فجأة وتقف الآن أمامه واثقة .. يانعة..فواحة..عطرة..
/ يا حبيبة جدو ..هاتي من عيونك بوسة لجدو /
بحسرة تكاد تفلق صدرها وتنهيدة حرى قالت الجدة :
- / عمرها كان سيصبح أربعة وثلاثين عاما لو أنها لم ترحل باكرا عن الدنيا /
هل سيكون صادقا تماما من قال أن النسيان سيطوي الراحلين كما طواهم الثرى..!؟
يتبع ....:D
وضعت الملقط على آخر قطعة غسيل ..بخار الماء يتصاعد منها دافئا عطرا ..
حملت سلة غسيلها ودخلت ..أغلقت خلفها باب الشرفة
خمرة قدسية كانت قد أثملتها .. غبطة إيمانية سرت في عروقها.. قشعريرة من شغف التجلي هزت برفق روحها .. اضطربت دقات قلبها بنشوة.. رددت همسا مع الأصوات المؤمنة المتناغمة :
// الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر .. الله أكبر ..ولله الحمد //
أسلمت جوارحها لعرس الكون .. حلقت بأجنحة سحرية في فضاء من الحب والرحمة.. أنصتت لتراتيل أرواح نورانية سماوية عذبة .. تمطت في القلب مشاعر كانت غائبة.. أيقظت فيه ذكريات باذخة الجمال والروعة.
/ كل عام وانتم بخير /
همست لأطفالها المستغرقين بنوم هانئ
/ كل عام وأنتم بخير /
من هنا ..من بيتي ..من هذا الركن الدافئ الصغير من العالم
يا أهلي .. يا وطني ..يا كل البشر أينما كنتم..يا خلفاء الله في الأرض..أحبكم من كل قلبي وأبارك أعيادكم .. وأدعو الله أن يحمي كرتنا الأرضية
مثل حجر ألقي في نهر تكدر رائق صفائها.. تذكرت أن ثمة من لا يمر العيد بهم.. لأنهم هناك .. هناك .. بعيدا في الضفة الأخرى ..!!
/ أسفي عليكم يا من أتى العيد ولم تأتوا.. يا من نبذتكم الأوطان إلى بلاد بعيدة.. يا من تحملون في صدوركم قلوبا ممزقة بين وطن سكنتموه وآخر تهيمون به حنينا و شوقا..
يا أطفال فلسطين.. يا أمهات العراق.. دمعتي غيمة شتائية .. وحزينة أنا من أجل أعياد غاب عنها أحبابكم الأغلى /
إنها الآن ترتجف تأثرا وفرقا .. اقتربت من النار تستجدي دفئا .. ملأت صدرها رائحة أنس آدمي هي مزيج من حب وحنان وألفة
كل شيء مرتب ونظيف ..
أيام ثلاث قضتها في العمل المضني استعدادا للعيد..
تنظيفا.. وترتيبا.. وتحضيرا للطعام.. وشراء الثياب الجديدة للأطفال .. وصناعة حلويات العيد و ...و ...و ...وأشياءَ كثيرة أخرى.
مسحت الجدران والسقف والشبابيك والأبواب بسوائل منظفة ومعطرة .. لمعت زجاج النوافذ .. غسلت الخضار والفواكه .. قطعت الدجاج واللحمة ..
غسلت رفوف المطبخ وأعادت ترتيب الأواني .. شطفت الدرج .. كنست السطح
غسلت الستائر وعلقتها بعد أن يئست تماما من مساعدة زوجها في تعليقها والذي خرج - كعادته - ولم يعد إلا في ساعات الفجر الأولى
لا ترغب في تكديره إذا كان رائقا - وقل أن يكون كذلك - تجهد نفسها في ترتيب متطلبات العيد وحدها
تشعر أنها أفسدته بدلالها .. أعباء كثيرة يفترض أن يحملها هو.. حملتها هي بمودة ورحمة
/ اتعب يديك ولا تتعب لسانك /
حكمة تؤمن بها كثيرا منذ أن كانت الثانية في ترتيب ( فصيل ) يبلغ تعداد أفراده مع الأم والأب ثلاثة عشر فردا
تنظر إلى ثياب العيد الجديدة حيث تركها الأطفال مصفوفة بعناية على الأريكة
حقائب صغيرة تنتظر امتلاءها في الصباح بنقود العيدية .. قمصان.. بنطلونات.. فساتين مزركشة زاهية .. جوارب بيضاء مخرمة .. شرائط شعر ملونة.. قبعات مرحة .. وأحذية صقيلة لامعة ..
تبتسم وهي تقبل حذاء صغيرها ( محمد) الذي اختار حذاء ذا موديل رجالي .. ونام فخورا بلمعان ( قرعته ) التي أصر على حلاقتها على الـ( زيرو ).. شعرت بأن آخر العنقود قد كبر في غفلة منها..
قطع ( الكليجة )*لا زالت دافئة ..قضت وقتا طويلا في عجنها وتقريصها وخبزها وقد نشرتها الآن لتبرد على قطعة قماشية .. بالتأكيد سيعجب ضيوفها المهنئين بالعيد بطعم كليجتها اللذيذة وخصوصا بعد أن أضافت لها بهارات جديدة من ابتكارها فأصبحت ذات ماركة خاصة بها - وكما يقول زوجها - تستحق عليها ( الإيزو ) ..شهادة الجودة
ما زال تداخل الأصوات المنبعثة من المسجد القريب يزيدها تحليقا ونشوة ..
هامت شوقا لبلاد بعيدة تنضح حبا ودفئا .. بلاد تنتمي إليها بروحها وقلبها وجسدها.. لكنها تهرب الآن منها.. وكحلم جميل تغور.. تغور .. تغور عميقا في ضباب الذاكرة
بعد أن تنتهي صلاة العيد سيلحق المصلون بالنساء والأطفال الذين سبقوهم إلى المقبرة..
زيارات الخميس والأعياد والصدقات التي تقدم.. ما هي إلا اعتذار خجول من الأحياء لأرواح الراحلين لخذلانهم بالبقاء أحياء بعدهم فيما هم شبعوا موتا
ثمة برزخ شفيف يصل بين أحياء مدينتها .. يمتد بشغف من حضن الوادي إلى بقعة نائية صغيرة تغفو على كتف الجبل.. تضم بحنان رفات من كانوا يوما يملؤون الدنيا ضجيجا وصخبا
قبل عشرون عاما كانت هناك بضعة قبور متناثرة.. يا إلهي ..الآن كأنما المدينة كلها انتقلت إلى الجهة الأخرى للبلدة ..!!
سيكون أول المهنئين بالعيد والدها ورجال العائلة
ستقدم لهم قطع ( الكليجة ) والقهوة العربية المرة ..
- / عايدين فايزين بالصحة والسلام /*
- / انشالله العيد القادم على جبل عرفات /
- / آمين .. بالرفقة /
تقبل يد الوالد باحترام .. ويقبل جبينها .. يضمها إلى صدره بحنان .. تشعر به .. قامة شامخة متينة تتحدى الشيخوخة وأمراضها ..
تشم رائحة المسك في طيات ثيابه الطاهرة.. يبدو مستعدا دائما للذهاب إلى المسجد.. أو ربما ينوي أداء ركعتين خاشعتين .. خالصتين.. تطوعا لوجه الله تعالى..!
تسأله والدمعة تغص بحلقها :
- / سلمتم لي على حنان ..؟! /
وتفر من عينيها دمعة مخاتلة
- / على رسول الله السلام /
- / معجزة أخرى.. نبتت هذه المرة من جهة الرأس ..ورود برية جديدة تتحدى الشتاء والصقيع .. كإكليل عرس كانت تتوج قبرها / قالت الجدة بسعادة غامرة
- / يا حنونتي .. يا وردة تأبى الذبول في الذاكرة .. يا طفلة الرابعة عشر التي منذ عشرين عاما لم تعودي تكبرين أبدا.. يا من خذلك نقي عظامك وسلب منك الحياة /
- / قدر الله وما شاء فعل ../
- / هل خالتي حنان الآن مع طيور الجنة يا أمي ..؟! / قالت حنان الأخرى
تنظر إلى أبيها مستنجدة وقد فاجأها سؤال صغيرتها ..
- / جدتي قالت لي ذلك /
بصوت متهدج قال الجد :
- / إنشاء الله.. إنشاء الله /
رزان تؤكد :
- / نعم يا جدو خالتي حنان في الجنة لأنها ماتت صغيرة .. هكذا.. في مثل عمري تماما /
- / هل أنت صغيرة ..!!؟ عندما كنت في عمرك كنت قد فطمت أمك / قالت الجدة في محاولة جادة لإقصاء مرارة الذكرى
- / كم عمرك الآن ياجدتي ..؟!/
- / خمس وخمسون سنة /
- / لكنك منذ خمس سنوات كنت كذلك..!! /
- / يا لنساء هذه العائلة اللواتي لا يكبرن أبدا / تمتم الجد بدهشة
ينظر بإعجاب إلى رزانه التي كبرت فجأة وتقف الآن أمامه واثقة .. يانعة..فواحة..عطرة..
/ يا حبيبة جدو ..هاتي من عيونك بوسة لجدو /
بحسرة تكاد تفلق صدرها وتنهيدة حرى قالت الجدة :
- / عمرها كان سيصبح أربعة وثلاثين عاما لو أنها لم ترحل باكرا عن الدنيا /
هل سيكون صادقا تماما من قال أن النسيان سيطوي الراحلين كما طواهم الثرى..!؟
يتبع ....:D