Tarek007
30/05/2005, 14:26
تحكي احدى القصص الامثولية عن مشلول جاوره اعمى, وكان الاثنان غير قادرين, كل لوحده, على المشي أو التجول. ولان الاثنين لا يفتقدان الحد الادنى من الذكاء, فقد ارتايا ان يتساعدا بحيث يستطيعان السير معا, وهكذا, كان الاعمى يضع المشلول على كتفيه, والمشلول يوجه الاعمى في سيره.
هذه القصة الامثولية تطارد ذاكرتي هذه الايام بالحاح مزعج وانا ارى هذا التحالف غير المعلن بين البعثيين والاصوليين, والذي كنت اشرت اليه باستمرار, وقد اشهر بعد دخول الامريكان العراق, خاصة ملامح شهر العسل القادم بين البعث السوري والاخوان المسلمين, الذي يبدو ان ماذونه هو الشيخ محمد حبش, عضو البرلمان السوري, الذي وصل الى تحت تلك القبة الشهيرة بنقود احد حيتان المال السوريين, محمد حمشو, مع الاشارة الى ان حبش, الذي اشتهر بحبه للاضواء وبانه صهر ابن مفتي سورية, يحاول على ما يبدو البقاء تحت الاضواء بعد ان طفاه المفتي ومحمد سعيد البوطي, وهما اللذان شنا هجوما مريعا عليه, واتهماه بالزندقة والكفر, حين نشر كتابه عن المرأة.
البعثيون, مع احترامنا وحبنا لاصحاب الاحتياجات الخاصة, لا يمكن ان يجدوا افضل من المشلول رمزا لهم: حزب لا يفتقد ايا من الحواس الاساسية, لكنه غير قادر على الفعل أو المبادرة, حزب واقف مكانه, يحتاج باستمرار الى محرض خارجي حتى يستطيع التحرك اماما أو خلفا, حزب مقعد, لا يبعث في النفس غير مشاعر الشفقة. الاصوليون, بالمقابل, خاصة منهم الاخوان المسلمون, لا يشبهون غير اعمى " البصيرة ".
فهم ما يزالون معتقلين داخل منظورات ذاتية لا تفقه معنى الصيرورة, ولا تدرك امكانية وجود " اخر " مخالف: منظورات هائمة تعادي وتحتقر الزمان-المكان, لانها لا تنظر بغير " عيون الابدية ", وكل ما نراه من وهم تغيير جلد اصولي اخواني, لا يخرج عن كونه احد اشكال التقية السياسية, التي لا تفتقد الاساس العقائدي.
بعد الصدام البعثي الاخواني في السبعينات والثمانينات في سورية, اعتقد كثيرون - للاسف - ان التناقض الايديولوجي بين الطرفين كان لا بد ان ينتهي بهذا الصدام المسلح الذي دفع الشعب السوري غاليا ثمنه الباهظ. لكن الحقيقة ان الصدام الحتمي بين الطرفين لم يكن لاسباب ستراتيجية, بل تكتيكية. ففي بداية السبعينات, افسح المجال امام التيارات الاصولية, خاصة الاخوان, كي تنتشر بسرطانية لا مثيل لها, في حين لم تعرف سورية انذاك شكل حياة ديمقراطي, بالمعنى الفعلي للكلمة.
وكان احد اهداف البعثيين المعلنة من القصة دفع تهمة الكفر عن ذواتهم, التي طبعها بهم الاصوليون, في ظل الحملات الدعائية المتبادلة بين الطرفين. لكن حين احس الاصوليون, كما هي الحال عليه الان, ان المجتمع اضحى كله تحت وسادتهم الصغيرة, ارادوا مقاسمة البعثيين في سلطاتهم, التي يبدو انه كان ثمة اتفاق " جنتلمان " بين الطرفين, البعثي والاصولي, على شكل محاصصتها, ياخذ بموجبه البعثيون الجانب السياسي وملحقاته من الوطن, في حين يستولي الاصوليون على المجتمع فيمنعون بالتالي اية امكانية لظهور منافسين سياسيين فعليين للبعثيين على المدى المنظور, لكن الاصوليين, كما قلنا, اخلوا بالاتفاق.
كيف يمكن تحليل هذا التحالف الغريب ظاهريا بين البعثيين, العلمانيين فرضا, والاصوليين, المعادين كما يقولون, لكل ما هو علماني?
كما اضحى معروفا للجميع, فحزب البعث هو الحزب الاكثر استبدادية وقمعا للديمقراطية وعداء للاعراف الليبرالية في التاريخ العربي الحديث. ورغم الكم غير العادي من الشعارات التي لفقها البعثيون لتسويق استبدادهم, فكل ذلك لم يمنع ان يصل القطران اللذان حكم فيهما البعثيون عن الوصول الى شفا الهاوية في كل شيء. واذا ما حاولنا فهم سبب هذا الاستبداد الاغرب في عالم متحرك للغاية, فسوف لن نجد اجابة غير " الفساد ".
ان زيارة سريعة لبلدة بانياس السورية ومحيطها, مثل بصيرة وقرفيص, سوف تكشف على سبيل المثال لا الحصر, دون ادنى عناء, سر تمسك هؤلاء المسئولين, من السابقين واللاحقين, الذين تتناثر قصورهم الفارهة بين بيوت الشعب الذي تعيش غالبيته الساحقة, تحت خط الفقر, بالاستبداد والقمع في ظل يافطات غبية لا يصدقها حتى من يرفعها. لقد انتهى مفعول يافطة: لا صوت يعلو على صوت المعركة, التي لم يسمع احد صوتها منذ ثلاثين عاما. وانتهى معها مفعول يافطات: لا حياة في هذا القطر الا للتقدم والاشتراكية, او: محاربة الامبريالية الاميركية وربيبتها الصهيونية, فالناس لم تعد تصدق, على الاطلاق, ان لهؤلاء ادنى علاقة " بالتقدم والاشتراكية", أو بمحاربة " الامبريالية الاميركية", التي يحرص واحدهم على حصول ابنه أو قريبه المقرب على جنسيتها باعتبار ما قد يكون. الاستبداد هو حاجز الصد الوحيد الذي يحول بين هؤلاء ومساءلتهم: من اين لك هذا?
والبعثيون استخدموا الاستبداد بحرفية نادرة للدفاع عن مكتسباتهم. ما علاقة الاستبداد بالصراع العربي الاسرائيلي? ما علاقة الاستبداد ببناء دولة المؤسسات? ما علاقة الاستبداد بالصراع مع الامبريالية الاميركية?
بالمقابل, فقد استفاد الاصوليون من حالة الاستبداد البعثية اكثر من اي طرف اخر. ففي عالم استبدادي, حيث تكون القبضة الاعلى لثلة من الفاسدين والانتهازيين عموما, لا تتكاثر كالفطور غير الحركات الاصولية. فحين يختم حزب استبدادي انتهازي الافواه والعقول المخالفة كلها, لا يجد المرء امامه قناة لافراغ كبته الفكري غير الاصوليات, التي لا يستطيع الحزب الاستبدادي اياه, بقوة الما وراء والتقاليد, اغلاق مكاتبها السياسية ذات الطابع القدسي, وهكذا, يجد المرء ذاته امام خيارين لا ثالث لهما: حزب دنيوي منخور بالفساد والسمعة السيئة والانتهازية لا يعد الناس غير بمزيد من الهوة بين الفقراء والاغنياء ومزيد من القمع والاستبداد, أو حزب ديني يسعى بكامل قوته لتشويه سمعة الحزب السابق, يتظاهر بالاخلاق ولا يعد الناس غير بقصور الجنة ويسوق لانواع مقدسة من الاستبداد والقمع ومصادرة الاخر.
وكما حصل في اخر ايام صدام, انقسم المجتمع بين غالبية اصولية ساحقة, واقلية بعثية مُخافة ومكروهة في ان, ليست اكثر من بؤرة جذب للباحثين عن تحقيق المطامح الشخصية تحت الرايات البراقة الكبيرة المزيفة.
ان الوجود البعثي ضروري للغاية لكل من هو اصولي: فالاستبداد البعثي يضمن للاصوليين سيطرة شبه مطلقة على الشارع, في حين ان الاصولية هامة للغاية للبعثيين لان التخويف بها يضمن لهؤلاء ما يكفي من المبررات لتسويق الاستبداد وبالتالي القمع والفساد. والناس عموما لم تعد قانعة بمبررات وشعارات البعثيين لفرض الاستبداد من امثال الحفاظ على الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية والوقوف في وجه الظلاميين. وكما اشرنا غير مرة, جاء الوجود الاميركي في المنطقة ليكشف ما كان مستورا من تحالف استراتيجي, رغم كل ما يقال, بين البعثيين والاصوليين, في ظل مزاعم محاربة الاحتلال الاميركي.
شئنا ام ابينا, فالوجود الاميركي, في ظل المشروع الاميركي الجديد, يهدف الى خلق حالة من الليبرالية والديمقراطية في دول المنطقة التي انتنت بالاصولية والاستبداد. وهذه الحالة تعاكس بالكامل ما يريده البعثيون والاصوليون: من هنا, لسنا من السذاجة بحيث نصدق دعاويهم الجديدة عن الرغبة بمكافحة ما يسمونه " الاحتلال الجديد", فصدام حسين, بقناعتنا, كان على استعداد لان يدخل الامريكان الى اسرته الكثيرة, بالطريقة التي تعجبهم, لو انهم كفلوا له امكانية الحفاظ على وجوده في راس الهرم العراقي.
ان الحل الاوحد لهذه المعضلة الدائرية التي لا يبدو ان ثمة مخرجا منها هو في خلق حالة ليبرالية ديمقراطية عقلانية فعلية, تخرج من الداخل, عوضا عن فرضها المحتوم من الخارج. ودون فصل للحزب عن الدولة, وبالتالي الخروج من الحالة الانتهازية, دون انهاء اجواء الاستبداد والسماح للاخر المخالف للطرفين الاستبداديين, الاصولي والبعثي, بالكلام والتواجد دون خوف, لن تكون هنالك فرصة للتقدم في اي اتجاه.
اما الاصوليون, وهم الذين كانوا افضل من استغل غباء الصراع بالسلاح البعثي في احد الاوقات, فلا يمكن ان يعودوا الى حجمهم الطبيعي الا في جو حر, يسمح بشتى انواع النقد والنقد المضاد, بما في ذلك الاسس المعرفية للاصوليين, التي حاول البعثيون اقصاءها عن اي مجال للنقد, " من منظور الابدية".
كليبراليين علمانيين, لا يمكننا ان نقبل باي حظر لاي تيار أو حزب, بما في ذلك الاصوليون أو البعثيون, لانه يتنافى مع ابسط متطلبات العقل غير المنغلق. مع ذلك, فنحن على ثقة بان اي فك للارتباط الانتهازي بين الحزب والدولة, اي ضوء اخضر يفتح الطريق امام تيارات النقدية الفكرية كي تعمل دون خوف, كافيان تماما لاحالة الطرفين الى حالة اقرب الى الحظر منها الى اي شيء اخر.
نبيل فياض
هذه القصة الامثولية تطارد ذاكرتي هذه الايام بالحاح مزعج وانا ارى هذا التحالف غير المعلن بين البعثيين والاصوليين, والذي كنت اشرت اليه باستمرار, وقد اشهر بعد دخول الامريكان العراق, خاصة ملامح شهر العسل القادم بين البعث السوري والاخوان المسلمين, الذي يبدو ان ماذونه هو الشيخ محمد حبش, عضو البرلمان السوري, الذي وصل الى تحت تلك القبة الشهيرة بنقود احد حيتان المال السوريين, محمد حمشو, مع الاشارة الى ان حبش, الذي اشتهر بحبه للاضواء وبانه صهر ابن مفتي سورية, يحاول على ما يبدو البقاء تحت الاضواء بعد ان طفاه المفتي ومحمد سعيد البوطي, وهما اللذان شنا هجوما مريعا عليه, واتهماه بالزندقة والكفر, حين نشر كتابه عن المرأة.
البعثيون, مع احترامنا وحبنا لاصحاب الاحتياجات الخاصة, لا يمكن ان يجدوا افضل من المشلول رمزا لهم: حزب لا يفتقد ايا من الحواس الاساسية, لكنه غير قادر على الفعل أو المبادرة, حزب واقف مكانه, يحتاج باستمرار الى محرض خارجي حتى يستطيع التحرك اماما أو خلفا, حزب مقعد, لا يبعث في النفس غير مشاعر الشفقة. الاصوليون, بالمقابل, خاصة منهم الاخوان المسلمون, لا يشبهون غير اعمى " البصيرة ".
فهم ما يزالون معتقلين داخل منظورات ذاتية لا تفقه معنى الصيرورة, ولا تدرك امكانية وجود " اخر " مخالف: منظورات هائمة تعادي وتحتقر الزمان-المكان, لانها لا تنظر بغير " عيون الابدية ", وكل ما نراه من وهم تغيير جلد اصولي اخواني, لا يخرج عن كونه احد اشكال التقية السياسية, التي لا تفتقد الاساس العقائدي.
بعد الصدام البعثي الاخواني في السبعينات والثمانينات في سورية, اعتقد كثيرون - للاسف - ان التناقض الايديولوجي بين الطرفين كان لا بد ان ينتهي بهذا الصدام المسلح الذي دفع الشعب السوري غاليا ثمنه الباهظ. لكن الحقيقة ان الصدام الحتمي بين الطرفين لم يكن لاسباب ستراتيجية, بل تكتيكية. ففي بداية السبعينات, افسح المجال امام التيارات الاصولية, خاصة الاخوان, كي تنتشر بسرطانية لا مثيل لها, في حين لم تعرف سورية انذاك شكل حياة ديمقراطي, بالمعنى الفعلي للكلمة.
وكان احد اهداف البعثيين المعلنة من القصة دفع تهمة الكفر عن ذواتهم, التي طبعها بهم الاصوليون, في ظل الحملات الدعائية المتبادلة بين الطرفين. لكن حين احس الاصوليون, كما هي الحال عليه الان, ان المجتمع اضحى كله تحت وسادتهم الصغيرة, ارادوا مقاسمة البعثيين في سلطاتهم, التي يبدو انه كان ثمة اتفاق " جنتلمان " بين الطرفين, البعثي والاصولي, على شكل محاصصتها, ياخذ بموجبه البعثيون الجانب السياسي وملحقاته من الوطن, في حين يستولي الاصوليون على المجتمع فيمنعون بالتالي اية امكانية لظهور منافسين سياسيين فعليين للبعثيين على المدى المنظور, لكن الاصوليين, كما قلنا, اخلوا بالاتفاق.
كيف يمكن تحليل هذا التحالف الغريب ظاهريا بين البعثيين, العلمانيين فرضا, والاصوليين, المعادين كما يقولون, لكل ما هو علماني?
كما اضحى معروفا للجميع, فحزب البعث هو الحزب الاكثر استبدادية وقمعا للديمقراطية وعداء للاعراف الليبرالية في التاريخ العربي الحديث. ورغم الكم غير العادي من الشعارات التي لفقها البعثيون لتسويق استبدادهم, فكل ذلك لم يمنع ان يصل القطران اللذان حكم فيهما البعثيون عن الوصول الى شفا الهاوية في كل شيء. واذا ما حاولنا فهم سبب هذا الاستبداد الاغرب في عالم متحرك للغاية, فسوف لن نجد اجابة غير " الفساد ".
ان زيارة سريعة لبلدة بانياس السورية ومحيطها, مثل بصيرة وقرفيص, سوف تكشف على سبيل المثال لا الحصر, دون ادنى عناء, سر تمسك هؤلاء المسئولين, من السابقين واللاحقين, الذين تتناثر قصورهم الفارهة بين بيوت الشعب الذي تعيش غالبيته الساحقة, تحت خط الفقر, بالاستبداد والقمع في ظل يافطات غبية لا يصدقها حتى من يرفعها. لقد انتهى مفعول يافطة: لا صوت يعلو على صوت المعركة, التي لم يسمع احد صوتها منذ ثلاثين عاما. وانتهى معها مفعول يافطات: لا حياة في هذا القطر الا للتقدم والاشتراكية, او: محاربة الامبريالية الاميركية وربيبتها الصهيونية, فالناس لم تعد تصدق, على الاطلاق, ان لهؤلاء ادنى علاقة " بالتقدم والاشتراكية", أو بمحاربة " الامبريالية الاميركية", التي يحرص واحدهم على حصول ابنه أو قريبه المقرب على جنسيتها باعتبار ما قد يكون. الاستبداد هو حاجز الصد الوحيد الذي يحول بين هؤلاء ومساءلتهم: من اين لك هذا?
والبعثيون استخدموا الاستبداد بحرفية نادرة للدفاع عن مكتسباتهم. ما علاقة الاستبداد بالصراع العربي الاسرائيلي? ما علاقة الاستبداد ببناء دولة المؤسسات? ما علاقة الاستبداد بالصراع مع الامبريالية الاميركية?
بالمقابل, فقد استفاد الاصوليون من حالة الاستبداد البعثية اكثر من اي طرف اخر. ففي عالم استبدادي, حيث تكون القبضة الاعلى لثلة من الفاسدين والانتهازيين عموما, لا تتكاثر كالفطور غير الحركات الاصولية. فحين يختم حزب استبدادي انتهازي الافواه والعقول المخالفة كلها, لا يجد المرء امامه قناة لافراغ كبته الفكري غير الاصوليات, التي لا يستطيع الحزب الاستبدادي اياه, بقوة الما وراء والتقاليد, اغلاق مكاتبها السياسية ذات الطابع القدسي, وهكذا, يجد المرء ذاته امام خيارين لا ثالث لهما: حزب دنيوي منخور بالفساد والسمعة السيئة والانتهازية لا يعد الناس غير بمزيد من الهوة بين الفقراء والاغنياء ومزيد من القمع والاستبداد, أو حزب ديني يسعى بكامل قوته لتشويه سمعة الحزب السابق, يتظاهر بالاخلاق ولا يعد الناس غير بقصور الجنة ويسوق لانواع مقدسة من الاستبداد والقمع ومصادرة الاخر.
وكما حصل في اخر ايام صدام, انقسم المجتمع بين غالبية اصولية ساحقة, واقلية بعثية مُخافة ومكروهة في ان, ليست اكثر من بؤرة جذب للباحثين عن تحقيق المطامح الشخصية تحت الرايات البراقة الكبيرة المزيفة.
ان الوجود البعثي ضروري للغاية لكل من هو اصولي: فالاستبداد البعثي يضمن للاصوليين سيطرة شبه مطلقة على الشارع, في حين ان الاصولية هامة للغاية للبعثيين لان التخويف بها يضمن لهؤلاء ما يكفي من المبررات لتسويق الاستبداد وبالتالي القمع والفساد. والناس عموما لم تعد قانعة بمبررات وشعارات البعثيين لفرض الاستبداد من امثال الحفاظ على الوحدة الوطنية ومحاربة الطائفية والوقوف في وجه الظلاميين. وكما اشرنا غير مرة, جاء الوجود الاميركي في المنطقة ليكشف ما كان مستورا من تحالف استراتيجي, رغم كل ما يقال, بين البعثيين والاصوليين, في ظل مزاعم محاربة الاحتلال الاميركي.
شئنا ام ابينا, فالوجود الاميركي, في ظل المشروع الاميركي الجديد, يهدف الى خلق حالة من الليبرالية والديمقراطية في دول المنطقة التي انتنت بالاصولية والاستبداد. وهذه الحالة تعاكس بالكامل ما يريده البعثيون والاصوليون: من هنا, لسنا من السذاجة بحيث نصدق دعاويهم الجديدة عن الرغبة بمكافحة ما يسمونه " الاحتلال الجديد", فصدام حسين, بقناعتنا, كان على استعداد لان يدخل الامريكان الى اسرته الكثيرة, بالطريقة التي تعجبهم, لو انهم كفلوا له امكانية الحفاظ على وجوده في راس الهرم العراقي.
ان الحل الاوحد لهذه المعضلة الدائرية التي لا يبدو ان ثمة مخرجا منها هو في خلق حالة ليبرالية ديمقراطية عقلانية فعلية, تخرج من الداخل, عوضا عن فرضها المحتوم من الخارج. ودون فصل للحزب عن الدولة, وبالتالي الخروج من الحالة الانتهازية, دون انهاء اجواء الاستبداد والسماح للاخر المخالف للطرفين الاستبداديين, الاصولي والبعثي, بالكلام والتواجد دون خوف, لن تكون هنالك فرصة للتقدم في اي اتجاه.
اما الاصوليون, وهم الذين كانوا افضل من استغل غباء الصراع بالسلاح البعثي في احد الاوقات, فلا يمكن ان يعودوا الى حجمهم الطبيعي الا في جو حر, يسمح بشتى انواع النقد والنقد المضاد, بما في ذلك الاسس المعرفية للاصوليين, التي حاول البعثيون اقصاءها عن اي مجال للنقد, " من منظور الابدية".
كليبراليين علمانيين, لا يمكننا ان نقبل باي حظر لاي تيار أو حزب, بما في ذلك الاصوليون أو البعثيون, لانه يتنافى مع ابسط متطلبات العقل غير المنغلق. مع ذلك, فنحن على ثقة بان اي فك للارتباط الانتهازي بين الحزب والدولة, اي ضوء اخضر يفتح الطريق امام تيارات النقدية الفكرية كي تعمل دون خوف, كافيان تماما لاحالة الطرفين الى حالة اقرب الى الحظر منها الى اي شيء اخر.
نبيل فياض