Tarek007
30/05/2005, 14:22
القامشلي لم تلتقط أنفاسها، حمص لم تستفق من الضربة ، حلب ما فتئت تتوجع، اللاذقية متكومة تحت الصدمة، حماه لم تلئم جراحها بعد، قطنا لازالت لا تصدق، دير الزور باتت مصعوقة، درعا ما برحت تنزف.. كل المحافظات بتلاوينها السياسية والمدنية والقومية والدينية تنوء تحت وزر ممارسات اللواء محمد منصورة. هذا الجنرال الذي ينفذ ما يمكن تسميته بعملية اغتيال النويات الصاعدة للمجتمع المدني في سورية. لكن عن سابق إصرار وتصميم وبإشراف أجهزة أمن فقدت البوصلة بعد الخسائر المادية والمعنوية التي تركتها وراءها في لبنان. أجهزة أمن تعتقد أنها ما زالت تعيش في العهد القديم. وأن الاعتقال التعسفي امتياز من امتيازات مدير فرع الأمن الذي "يحق له" فيما يحق أن يعتقل من يشاء ويحقق مع من يشاء ويهين من يشاء ويعذب من يشاء وينهب ما يشاء. شخص لا يحاسَب على جنحة يرتكبها، لكن يحق له أن يحاسِب المواطنين حتى في ما لا يفعلون.
لعل من المفيد تذكير اللجنة الأمنية العليا أن حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين بدون فكرة المحاسبة تبقى مجرد استعمال متوسط الأداء لثورة الاتصالات. كما أن إقامة العدل والحكم الصالح لا يمكن أن تتم في بلد أو منطقة أو قارة، إلا إذا كان بإمكان الضحايا ملاحقة المجرمين أمام القضاء، محليا كان أم دوليا.
لم تكن السلطة السياسية بحاجة لتسويد صورة سورية أكثر بعد كل فضائح النهج الأمني في لبنان وملفات أربعين عاما من حالة الطوارئ. لم تكن بحاجة لأن تذهب بالمجتمع والدولة إلى ما سماه تقرير التنمية العربية الأخير "الخراب الآتي". كان بامكانها أن تقبل بالانكفاء أخيراً لدورها الطبيعي في حماية الوطن والمواطن، لا أن تستمر في اغتيال المواطنة باسم وطن حرمته من معاني السيادة.
خلال عدة عقود كان الخوف في معسكر الناس، ثم تقاسمه الحاكم والمحكوم. واليوم مع تراجع الخوف المجتمعي وتصاعد حالة الرهاب في صفوف أجهزة الأمن، لم تجد الأخيرة من ملاذ لها إلا العودة إلى أساليبها القديمة معتقلة الرجال والنساء، مختطفة المسن والشاب. تبدو لنا وكأنها تأخذ عينة من شرائح المجتمع تذكر كل فرد عبرها بأنها هي الأقوى وهي صاحبة القرار وهي أيضا الأردأ في اطلاق العنان لغرائزها بدل عقلانية أضحت بأمس الحاجة لها.
لم تستوعب بعد على ما يبدو أن المجتمع لم يعد يرضى هذا الذل المزمن لآخر تجربة تسلطية تفتقد للشرعية التاريخية والشرعية القومية والشرعية الديمقراطية ولا تملك سوى العسف الصلف منظما لعلاقتها بالمجتمع.
بعد يوم من اعتقاله من قبل الأمن السياسي، أحيل المحامي محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، إلى القضاء العسكري (تسمح حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية في البلاد بإحالة المحامي والطبيب والصحافي ورجل الدين والعاطل أمام القضاء العسكري في حوالي 150 مادة من قانون العقوبات، حتى لو كان وحيدا لأهله ومناهضا للعنف ولا علاقة له بنظرية المؤامرة ولم يخدم في أية مؤسسة عسكرية في حياته!). بعد الإحالة، قرر الأمن السياسي إعادة استجواب المحامي رعدون وأعاده لأقبيته للتحقيق، وكأنه يؤكد للقضاء الاستثنائي والعادي بأنه فوق كل القواعد وكل الأعراف القضائية.
بعد سنوات كادت فيها سورية تتخلص من اعتقال النساء لأسباب سياسية، جرى اعتقال المهندسة ناهد بدوية والأستاذة سهير الأتاسي. وبعد أن كان حزب البعث الحاكم قد استعان بالأستاذ حسين العودات لإعداد أحد تقاريره عن "الحرية"، هاهو يصادر حرية صاحب دار الأهالي التي نشرت "موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان" و"عن أية ديمقراطية يتحدثون" و"الموسوعة الفلسطينية" وكتب هامة حول المرأة و"المؤلفات الكاملة لسعد الله ونوس" وغيرها من خيرة إصدارات دمشق في الأعوام الأخيرة. بعدما اعتبر بشار الأسد منتدى جمال الأتاسي منبرا مرخصا له، هاهي أجهزة الأمن تعتقل كل قيادة المنتدى بعد أن كانت قد اعتقلت في سبتمبر 2001 المحامي حبيب عيسى الناطق باسم المنتدى وأهم رموز منتدى الحوار الوطني الذي أسسه رياض سيف وقتئذ.
عندما اعتقلت أجهزة الأمن الأفاضل العشرة قبل ثلاثة أعوام ونصف، جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغطي على اغتيال ربيع دمشق. وتعاونت السلطات الأمنية السورية بكل طاقتها مع المخابرات الأمريكية من أجل السكوت عما يحدث في سورية.
اليوم، تغير العالم وتغيرت التحالفات والعداوات وتفكك خطاب القسم للرئيس الجديد على وقع ميراث بائس لتجربة كارثية. فماذا يريدون؟ هل يمكنهم قتل كل طموحات الإبداع المجتمعي من أجل الانتقال السلمي للديمقراطية؟ هل يمكنهم فرض تصور مريض ومسخ للغد في برنامج يمليه حزب البعث على الدولة والمجتمع بعد مراجعة قادة الأمن لتفاصيله واعتقالها لكل من يمكن أن يعترض عليه؟
عدم الاستنفار اليوم من أجل حماية المجتمع من هيجان القيادات الأمنية يعني في العرف القانوني عدم مساعدة أشخاص في حالة خطر.
لكن هل يمكن القول، بعد عشرين يوما من الاعتقالات المتفرقة في المكان والزمان والموضوع، أن القيادة السياسية ليست على علم؟ أو أنها غير مسئولة عما يجري؟
لا يوجد حامل مذياع على سطح البسيطة لم يسمع بما يجري في سورية، فأين هو رئيس الجمهورية؟ هل هو جزء مما يجري أم خارجه، وإن كان غير شريك في الجريمة، فواجبنا التذكير بالمثل القائل
"الساكت عن الظلم متواطئ أخرس".
لعل من المفيد تذكير اللجنة الأمنية العليا أن حقوق الإنسان في القرن الواحد والعشرين بدون فكرة المحاسبة تبقى مجرد استعمال متوسط الأداء لثورة الاتصالات. كما أن إقامة العدل والحكم الصالح لا يمكن أن تتم في بلد أو منطقة أو قارة، إلا إذا كان بإمكان الضحايا ملاحقة المجرمين أمام القضاء، محليا كان أم دوليا.
لم تكن السلطة السياسية بحاجة لتسويد صورة سورية أكثر بعد كل فضائح النهج الأمني في لبنان وملفات أربعين عاما من حالة الطوارئ. لم تكن بحاجة لأن تذهب بالمجتمع والدولة إلى ما سماه تقرير التنمية العربية الأخير "الخراب الآتي". كان بامكانها أن تقبل بالانكفاء أخيراً لدورها الطبيعي في حماية الوطن والمواطن، لا أن تستمر في اغتيال المواطنة باسم وطن حرمته من معاني السيادة.
خلال عدة عقود كان الخوف في معسكر الناس، ثم تقاسمه الحاكم والمحكوم. واليوم مع تراجع الخوف المجتمعي وتصاعد حالة الرهاب في صفوف أجهزة الأمن، لم تجد الأخيرة من ملاذ لها إلا العودة إلى أساليبها القديمة معتقلة الرجال والنساء، مختطفة المسن والشاب. تبدو لنا وكأنها تأخذ عينة من شرائح المجتمع تذكر كل فرد عبرها بأنها هي الأقوى وهي صاحبة القرار وهي أيضا الأردأ في اطلاق العنان لغرائزها بدل عقلانية أضحت بأمس الحاجة لها.
لم تستوعب بعد على ما يبدو أن المجتمع لم يعد يرضى هذا الذل المزمن لآخر تجربة تسلطية تفتقد للشرعية التاريخية والشرعية القومية والشرعية الديمقراطية ولا تملك سوى العسف الصلف منظما لعلاقتها بالمجتمع.
بعد يوم من اعتقاله من قبل الأمن السياسي، أحيل المحامي محمد رعدون رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، إلى القضاء العسكري (تسمح حالة الطوارئ والقوانين الاستثنائية في البلاد بإحالة المحامي والطبيب والصحافي ورجل الدين والعاطل أمام القضاء العسكري في حوالي 150 مادة من قانون العقوبات، حتى لو كان وحيدا لأهله ومناهضا للعنف ولا علاقة له بنظرية المؤامرة ولم يخدم في أية مؤسسة عسكرية في حياته!). بعد الإحالة، قرر الأمن السياسي إعادة استجواب المحامي رعدون وأعاده لأقبيته للتحقيق، وكأنه يؤكد للقضاء الاستثنائي والعادي بأنه فوق كل القواعد وكل الأعراف القضائية.
بعد سنوات كادت فيها سورية تتخلص من اعتقال النساء لأسباب سياسية، جرى اعتقال المهندسة ناهد بدوية والأستاذة سهير الأتاسي. وبعد أن كان حزب البعث الحاكم قد استعان بالأستاذ حسين العودات لإعداد أحد تقاريره عن "الحرية"، هاهو يصادر حرية صاحب دار الأهالي التي نشرت "موسوعة الإمعان في حقوق الإنسان" و"عن أية ديمقراطية يتحدثون" و"الموسوعة الفلسطينية" وكتب هامة حول المرأة و"المؤلفات الكاملة لسعد الله ونوس" وغيرها من خيرة إصدارات دمشق في الأعوام الأخيرة. بعدما اعتبر بشار الأسد منتدى جمال الأتاسي منبرا مرخصا له، هاهي أجهزة الأمن تعتقل كل قيادة المنتدى بعد أن كانت قد اعتقلت في سبتمبر 2001 المحامي حبيب عيسى الناطق باسم المنتدى وأهم رموز منتدى الحوار الوطني الذي أسسه رياض سيف وقتئذ.
عندما اعتقلت أجهزة الأمن الأفاضل العشرة قبل ثلاثة أعوام ونصف، جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغطي على اغتيال ربيع دمشق. وتعاونت السلطات الأمنية السورية بكل طاقتها مع المخابرات الأمريكية من أجل السكوت عما يحدث في سورية.
اليوم، تغير العالم وتغيرت التحالفات والعداوات وتفكك خطاب القسم للرئيس الجديد على وقع ميراث بائس لتجربة كارثية. فماذا يريدون؟ هل يمكنهم قتل كل طموحات الإبداع المجتمعي من أجل الانتقال السلمي للديمقراطية؟ هل يمكنهم فرض تصور مريض ومسخ للغد في برنامج يمليه حزب البعث على الدولة والمجتمع بعد مراجعة قادة الأمن لتفاصيله واعتقالها لكل من يمكن أن يعترض عليه؟
عدم الاستنفار اليوم من أجل حماية المجتمع من هيجان القيادات الأمنية يعني في العرف القانوني عدم مساعدة أشخاص في حالة خطر.
لكن هل يمكن القول، بعد عشرين يوما من الاعتقالات المتفرقة في المكان والزمان والموضوع، أن القيادة السياسية ليست على علم؟ أو أنها غير مسئولة عما يجري؟
لا يوجد حامل مذياع على سطح البسيطة لم يسمع بما يجري في سورية، فأين هو رئيس الجمهورية؟ هل هو جزء مما يجري أم خارجه، وإن كان غير شريك في الجريمة، فواجبنا التذكير بالمثل القائل
"الساكت عن الظلم متواطئ أخرس".