DODIm
21/05/2007, 04:29
(أغلى شباب)... إشكاليةُ هواةٍ في البث المرئي
يسعى كل تجمع إعلامي مرئي (متلفز) منطقياً، لجذب أكبر قاعدة جماهيرية ممكنه، على امتداد النهايات الجغرافية التي يصل إليها، فازدياد الكم العددي للجمهور يؤمن له الاستمرارية والتوسع مكوناً معه علاقات طردية تفاعلية.. والبث التلفزيوني المحلي على الشاشة الصغيرة يخالف كل ما هو منطقي في بعض برامجه ويترك خلفه الكثير من السهوات والتجارب الفوضوية مفسحاً المجال لشهية النقاد.
حديثي هذا ليس من باب الاستخفاف، أو الاستهزاء بهذا التجمع الإعلامي، فالتلفزيون السوري مؤسسة إعلامية ضخمة داخل الجسد الإعلامي العربي، وموصل هام لمنظومة الفكر والإيديولوجيا الاجتماعية السورية الموجه إلى الداخل والخارج، وهو تاريخ يمتد لما يزيد عن الأربعين سنة في مجال البث المرئي، لكن المشكلة المطروحة هي خلو هذا البث من الرؤيا التكنوقراطية، ونحن نصل إلى مرحلة تجزئة أي علم، ونشر التخصصات داخله.. وأعتقد أن الإعلام هو علم بحد ذاته، وقد وصل إلى مرحلة النضوج والتخصص عالمياً.
نقدي مجتزأ، وموجه نحو الدم الجديد على الشاشة السورية الذي بدأ يجري في بعض البرامج الشبابية، والبرامج المعاد صياغتها بروح جديدة لمنافسة قرينتها من برامج الأقنية العربية، ولا أقول الغربية، لأنها بعيدة عن ساحة المنافسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر برنامج (أغلى شباب) والذي يُبث فضائياً ليتلقاه الجمهور العربي مع مجموعة من الشباب أعطيت مساحة على الهواء لتقديم ما يشبه الإبداعات الفردية وسط جو جماعي مليء بالمنافسة الخفية لطرح الأفكار وإثبات الذات، بصورة أدنى ما يمكن لتمثل فكر جيل بالدرجة الأولى، وقناة عربية تسعى لخوض منافسة بالدرجة الثانية.
ليس الهدف من كل هذا السرد هو إشاعة الإحباط بين صفوف شباب (أغلى شباب)، إنما هو النداء لاحترام متلقٍّ مشاهد لا يقبل أن يكون فأراً للتجارب.. منتظراً فكرة جديدة، أو صورة تساعده على الجمع والارتقاء بمنظومة المعلومات لديه.
ومن الممكن فعلاً أن يكون تجمع الشباب هذا (أغلى شباب)... لكن ليس عبر الخطاب المباشر إلى الجمهور.. فالأمر يحتاج لكم هائل من الدراسات المتعلقة بالمجتمع المتلقي، بالإضافة إلى دراسة الأفكار المطروحة بشكل جدي وأكاديمي، ووضع الصورة الصحيحة لمراحل التقديم بطريقة قابلة للمتابعة من قبل متلق منتم لكل المستويات الفكرية.
فالحالة المرتجلة، والعبثية الزائدة مرفقة بسطحية الأفكار، مضاف إليها الفوضى البصرية في الإعلام المرئي، تودي إلى حتمية نفور المتلقي داخلياً، وإنتاج رد فعل طبيعي هو الابتعاد.. وأمام هذه المنافسة الكبيرة في فضاء الإعلام العالمي، بشكل عام، والعربي بشكل خاص، يأتي رد الفعل هذا أخطر ما يواجه أي مؤسسة إعلامية منافسة تسعى لبناء جمهور غير نوعي أحياناً.
والذي حدث لهذا التجمع الشابّي، المرسل عبر الهواء هو العبثية بحالتها المطلقة، وطرحه الدائم يأتي بنقاشات مرتجلة سطحية، وبأفكار طفولية بحتة أحياناً، وغير معبرة عن أي ثقافة أو فكر، أو حتى هدف.. ولا أعزو هذا الأمر للضعف الفكري الثقافي والمنطقي لهؤلاء الشباب إطلاقا... إنما هو هول ساعات التصوير الذي يؤدي إلى هذا التخبط الفكري، واللاتركيز لديهم.. فهكذا مواقف تحتاج لأشخاص مدربين ومؤهلين لخوض حرب منظمة جماعية أمام الكاميرا لساعات طويلة أحياناً، والقدرة على طرح فكرة مكتوبة مسبقاً بطريقة تلقائية وغير مفتعلة، وباللغة المحكية، لغة الشارع.. ويكون قابلاً للمتابعة من طرف المتلقي الخارجي الذي يمتلك خيارات واسعة جداً في انتقاء هذا النوع من البرامج ضمن الباقة الضخمة من الأقنية العربية المرئية على الشاشة..
وأخيراً يبقى القول بأن العبث بهذا الجمهور سيخل بأعداده، ويفسد القدرة للوصول إليه لاحقاً، ونقل أبسط الأفكار له عند الحاجة لمواجهة المتغيرات المحيطة.. سياسية كانت، أم اجتماعية، داخلياً وخارجياً.
خالد معماري
جريدة تشرين
يسعى كل تجمع إعلامي مرئي (متلفز) منطقياً، لجذب أكبر قاعدة جماهيرية ممكنه، على امتداد النهايات الجغرافية التي يصل إليها، فازدياد الكم العددي للجمهور يؤمن له الاستمرارية والتوسع مكوناً معه علاقات طردية تفاعلية.. والبث التلفزيوني المحلي على الشاشة الصغيرة يخالف كل ما هو منطقي في بعض برامجه ويترك خلفه الكثير من السهوات والتجارب الفوضوية مفسحاً المجال لشهية النقاد.
حديثي هذا ليس من باب الاستخفاف، أو الاستهزاء بهذا التجمع الإعلامي، فالتلفزيون السوري مؤسسة إعلامية ضخمة داخل الجسد الإعلامي العربي، وموصل هام لمنظومة الفكر والإيديولوجيا الاجتماعية السورية الموجه إلى الداخل والخارج، وهو تاريخ يمتد لما يزيد عن الأربعين سنة في مجال البث المرئي، لكن المشكلة المطروحة هي خلو هذا البث من الرؤيا التكنوقراطية، ونحن نصل إلى مرحلة تجزئة أي علم، ونشر التخصصات داخله.. وأعتقد أن الإعلام هو علم بحد ذاته، وقد وصل إلى مرحلة النضوج والتخصص عالمياً.
نقدي مجتزأ، وموجه نحو الدم الجديد على الشاشة السورية الذي بدأ يجري في بعض البرامج الشبابية، والبرامج المعاد صياغتها بروح جديدة لمنافسة قرينتها من برامج الأقنية العربية، ولا أقول الغربية، لأنها بعيدة عن ساحة المنافسة، فعلى سبيل المثال لا الحصر برنامج (أغلى شباب) والذي يُبث فضائياً ليتلقاه الجمهور العربي مع مجموعة من الشباب أعطيت مساحة على الهواء لتقديم ما يشبه الإبداعات الفردية وسط جو جماعي مليء بالمنافسة الخفية لطرح الأفكار وإثبات الذات، بصورة أدنى ما يمكن لتمثل فكر جيل بالدرجة الأولى، وقناة عربية تسعى لخوض منافسة بالدرجة الثانية.
ليس الهدف من كل هذا السرد هو إشاعة الإحباط بين صفوف شباب (أغلى شباب)، إنما هو النداء لاحترام متلقٍّ مشاهد لا يقبل أن يكون فأراً للتجارب.. منتظراً فكرة جديدة، أو صورة تساعده على الجمع والارتقاء بمنظومة المعلومات لديه.
ومن الممكن فعلاً أن يكون تجمع الشباب هذا (أغلى شباب)... لكن ليس عبر الخطاب المباشر إلى الجمهور.. فالأمر يحتاج لكم هائل من الدراسات المتعلقة بالمجتمع المتلقي، بالإضافة إلى دراسة الأفكار المطروحة بشكل جدي وأكاديمي، ووضع الصورة الصحيحة لمراحل التقديم بطريقة قابلة للمتابعة من قبل متلق منتم لكل المستويات الفكرية.
فالحالة المرتجلة، والعبثية الزائدة مرفقة بسطحية الأفكار، مضاف إليها الفوضى البصرية في الإعلام المرئي، تودي إلى حتمية نفور المتلقي داخلياً، وإنتاج رد فعل طبيعي هو الابتعاد.. وأمام هذه المنافسة الكبيرة في فضاء الإعلام العالمي، بشكل عام، والعربي بشكل خاص، يأتي رد الفعل هذا أخطر ما يواجه أي مؤسسة إعلامية منافسة تسعى لبناء جمهور غير نوعي أحياناً.
والذي حدث لهذا التجمع الشابّي، المرسل عبر الهواء هو العبثية بحالتها المطلقة، وطرحه الدائم يأتي بنقاشات مرتجلة سطحية، وبأفكار طفولية بحتة أحياناً، وغير معبرة عن أي ثقافة أو فكر، أو حتى هدف.. ولا أعزو هذا الأمر للضعف الفكري الثقافي والمنطقي لهؤلاء الشباب إطلاقا... إنما هو هول ساعات التصوير الذي يؤدي إلى هذا التخبط الفكري، واللاتركيز لديهم.. فهكذا مواقف تحتاج لأشخاص مدربين ومؤهلين لخوض حرب منظمة جماعية أمام الكاميرا لساعات طويلة أحياناً، والقدرة على طرح فكرة مكتوبة مسبقاً بطريقة تلقائية وغير مفتعلة، وباللغة المحكية، لغة الشارع.. ويكون قابلاً للمتابعة من طرف المتلقي الخارجي الذي يمتلك خيارات واسعة جداً في انتقاء هذا النوع من البرامج ضمن الباقة الضخمة من الأقنية العربية المرئية على الشاشة..
وأخيراً يبقى القول بأن العبث بهذا الجمهور سيخل بأعداده، ويفسد القدرة للوصول إليه لاحقاً، ونقل أبسط الأفكار له عند الحاجة لمواجهة المتغيرات المحيطة.. سياسية كانت، أم اجتماعية، داخلياً وخارجياً.
خالد معماري
جريدة تشرين