حسون
27/05/2005, 21:19
من المؤسف والمضحك معا، أن يكون الكاتب الأستاذ حسين العودات ضيف استوديوهات التلفزيون السوري في الندوات التي سجلتها قناة العربية وبثتها من دمشق قبل أسابيع، وأن يكون شريكه في تلك الندوات مسؤولون سوريون، بينهم وزير الإعلام مهدي دخل الله الذي كان يمن علينا بين كل عبارة وأخري بنعم الحوار والديمقراطية... وبفكر وممارسة حزب البعث المنفتح الذي يضم في لجان إصلاحه وتطويره أشخاصا معارضين كالأستاذين حسين العودات وميشيل كيلو... ثم بعد أسابيع قليلة يتم اعتقال الكاتب حسين العودات تعسفيا بالطريقة الأمنية الفظة، التي لم تحترم علما أو ثقافة أو وطنية.. ولم ترع حرمة لتقدم في العمر أو علو في القدر والمقام.
والآن... يا سيادة الوزير الديمقراطي يا أستاذ مهدي دخل الله... هل سيكون في ضميرك الإعلامي ذرة شرف لتستقيل احتجاجا علي هذه الاعتقالات... علي اعتبار أن اعتقال الأستاذ حسين العودات ورفاقه في منتدى جمال الأناسي للحوار الديمقراطي لم يتم علي خلفيات جنائية أو جرمية، بل علي خلفية إيمانهم بالحوار الديمقراطي السلمي الذي صدعت رأسنا وأن تتشدق بضرورته أمام القاصي والداني.. وأنت تمن علينا بنعمه الوفيرة وعطاءاته اللامسبوقة؟!
أنا أعرف يا أستاذ مهدي أنك مجرد وزير إعلام في دولة أمنية، ولست ساذجا لأعتبرك وزيرا بكل معني الكلمة، بمعني أنك وزير يمكن أن يستقيل أو يحتج، ليس كما يحدث في الدول المتقدمة وحسب.. بل في وحتى في دولة صغيرة ومجاورة جدا مثل لبنان.. وأنا أعرف أنك وزير شكلي، حتى وإن اشتطيت في اتخاذ موقف انفتاحي ما، فإن هاتفا أمنيا صغيرا يمكن أن يحمل لك من التوبيخ ما يجعلك تمسح كلامك وتعتذر عنه بكل طيب خاطر... وكم سمعت من شتائم متواترة من جهات أمنية عليا بحقك تصفك بأبشع الصفات والنعوت، وبأنهم سوف (يشيلونك) قريبا... وبأنك لست أهلا للمنصب.. وهذا الكلام يقال عادة في آخر أيام كل وزير يري الأمن أنه لم يحقق لهم المعادلة الإعجازية المستحيلة في تبييض الوجه إعلاميا والإبقاء علي السياسات القمعية في آن معا!
أعرف كل هذا ولا أحملك ما لا طاقة لك به.. لكنني فقط أشعر بالغيظ وأشعر بعدم مصداقيتك وعدم احترامك لشرف الكلمة التي يفترض أن تمثلها، حين تشتط في تبجحك بالانفتاح والديمقراطية، وعندما تطالب في اجتماعك الأخير مع أصحاب وممثلي الصحف الخاصة أن يكونوا أكثر جرأة في النقد لأن إعلامك الرسمي سبقهم... وأنت تعرف ما الذي يمنع، وما الذي يسمح، وكيف تدار الأمور وكيف تحاصر الآراء الحرة، وكيف تغتال كل يوم أي إرادة لمكافحة الفساد، وكيف تغلق ملفاته في الأعلام وتفتح تبعا للإرادة الأمنية.. لا لمصلحة الناس أو خير البلاد... ثم بعد ذلك تظهر في وسائل الأعلام لتدعي بعكس ما تعرف، وتتبجح وتمن علينا وتطلب منا ومن مذيعيك في الأستوديو أن (يلاحظوا) ويلاحظوا.. حتي صارت دعوتك الديمقراطية للملاحظة، لازمة افتتاحية قبل كل فكرة كاذبة أو واقعة مزورة! وبعد هذا كله يصل (البل إلي ذقوننا) ويعتقل من كان شريكا لك في إحدى ندواتك التلفزيونية الديمقراطية الأخيرة... رجل وطني معروف بصدقه وجرأته، يجاهر بآرائه أمامك وأمام غيرك، يكتب ما يعتقد به ويقول ما يعتقد به، ويتحدث عن المشكلات لأنه واحد منا، يعيشها مثلنا.. ولا يزور أو ينافق أو يغطي الحقائق أملا في رضي أمني أو حظوة أمنية!
يا وزيرنا البعثي المؤمن بفكر الحزب الذي تدعي ديمقراطيته المفرطة وبأن الحرية شعار من شعاراته.. أرنا ديمقراطيتك... ارفع صوتك بالحق وقل بالفم الملآن: أنا أعتبر أن مثل هذه الاعتقالات هي وأد للحوار الديمقراطي الذي نحتاجه... وأعرب عن خجلك من اعتقال شخص كان يشاركك منذ أيام ندوة تلفزيونية تدار باسم الحوار الوطني.. لأن محطة (العربية) التي قد تطلب تصريحا منك، قد تبث بعد هذا التصريح مقطعا أرشيفيا مستعادا من الندوة إياها، سيكون غاية في الإحراج لك ولمواقف سورية الوطنية والقومية النبيلة.. ولا تظهر لتمغمغ أو تبرر أو تتحدث علي طريقة (أنا لا أحبذ) أو (كنت أتمني أن...) لأن الحالة في فظاظتها أكبر من التحبيذ والتمنيات الخجولة المفعمة بإحساس رفع التعب!
والآن... يا وزير الحوار الوطني..
قل لنا بالله عليك ماذا سننتظر من المؤتمر القطري القادم... ما دام (بعثك) القائد للدولة والمجتمع يقودنا نحو المعتقلات والسجون وكم الأفواه... أي إصلاحات سنؤمن بها ونحن نري إلي أصحاب الرأي ودعاة الحوار يقتادون إلي أفرع الأمن في الصباحات الباكرة بالبروتوكولات والأساليب (الناعمة) التي يقتاد بها عادة المجرمون واللصوص وأصحاب السوابق الجنائية؟!
هل هذا ما يعدنا به حزب البعث الحاكم المتحكم يا وزيرنا الفخور ببعثيته حتى الثمالة... وهل هذا هو المخرج الحقيقي للأزمة الداخلية التي تمر بها سورية، والتي لا ينكر خطورتها (الداخلية الأسباب والنتائج) إلا منافق أو مداهن أو مستفيد من جوع البلاد وذل العباد! قبل أيام كان الأستاذ حسين العودات يكتب مقالاته مطالبا بالحرية لزميله في منتدى جمال الأتاسي علي العبد الله، واليوم نكتب لنطالب بقلوبنا وعقولنا واعتدادنا السوري بالقامات الوطنية، نكتب لنطالب بالحرية لحسين العودات.. وغداً سيظهر من يطالب بالحرية لآخرين قد يكونوا مرشحين للاعتقال.. لكن أحدا لن يسكت بعد اليوم.. والخوف لن يستعمر قلوبنا من جديد.. ونداءات الحرية المقموعة لن تبقي حبيسة الصدور والعمر يتسرب أمام ناظرينا ونحن نلوك أمنيات لا تتحقق، ونتعايش مع فساد اقتصادي يكبر ويكبر ولا يشبع حتي من قوتنا اليومي.. وأجدني في هذه اللحظات العصيبة أعود إلي رائعة الأخوين رحباني (جبال الصوان) لأستعير كلمات أعداء الحرية وهم يعون انتهاء زمنهم:
عبث اللي صار
عبث اللي بدو يصير
قتلنا البيْ وقتلنا البـنتْ.. وعبث
شو بدنا نقتل تانقتل
ما بقي رح تخلص القصة!
كاتب من سورية
"القدس العربي"
والآن... يا سيادة الوزير الديمقراطي يا أستاذ مهدي دخل الله... هل سيكون في ضميرك الإعلامي ذرة شرف لتستقيل احتجاجا علي هذه الاعتقالات... علي اعتبار أن اعتقال الأستاذ حسين العودات ورفاقه في منتدى جمال الأناسي للحوار الديمقراطي لم يتم علي خلفيات جنائية أو جرمية، بل علي خلفية إيمانهم بالحوار الديمقراطي السلمي الذي صدعت رأسنا وأن تتشدق بضرورته أمام القاصي والداني.. وأنت تمن علينا بنعمه الوفيرة وعطاءاته اللامسبوقة؟!
أنا أعرف يا أستاذ مهدي أنك مجرد وزير إعلام في دولة أمنية، ولست ساذجا لأعتبرك وزيرا بكل معني الكلمة، بمعني أنك وزير يمكن أن يستقيل أو يحتج، ليس كما يحدث في الدول المتقدمة وحسب.. بل في وحتى في دولة صغيرة ومجاورة جدا مثل لبنان.. وأنا أعرف أنك وزير شكلي، حتى وإن اشتطيت في اتخاذ موقف انفتاحي ما، فإن هاتفا أمنيا صغيرا يمكن أن يحمل لك من التوبيخ ما يجعلك تمسح كلامك وتعتذر عنه بكل طيب خاطر... وكم سمعت من شتائم متواترة من جهات أمنية عليا بحقك تصفك بأبشع الصفات والنعوت، وبأنهم سوف (يشيلونك) قريبا... وبأنك لست أهلا للمنصب.. وهذا الكلام يقال عادة في آخر أيام كل وزير يري الأمن أنه لم يحقق لهم المعادلة الإعجازية المستحيلة في تبييض الوجه إعلاميا والإبقاء علي السياسات القمعية في آن معا!
أعرف كل هذا ولا أحملك ما لا طاقة لك به.. لكنني فقط أشعر بالغيظ وأشعر بعدم مصداقيتك وعدم احترامك لشرف الكلمة التي يفترض أن تمثلها، حين تشتط في تبجحك بالانفتاح والديمقراطية، وعندما تطالب في اجتماعك الأخير مع أصحاب وممثلي الصحف الخاصة أن يكونوا أكثر جرأة في النقد لأن إعلامك الرسمي سبقهم... وأنت تعرف ما الذي يمنع، وما الذي يسمح، وكيف تدار الأمور وكيف تحاصر الآراء الحرة، وكيف تغتال كل يوم أي إرادة لمكافحة الفساد، وكيف تغلق ملفاته في الأعلام وتفتح تبعا للإرادة الأمنية.. لا لمصلحة الناس أو خير البلاد... ثم بعد ذلك تظهر في وسائل الأعلام لتدعي بعكس ما تعرف، وتتبجح وتمن علينا وتطلب منا ومن مذيعيك في الأستوديو أن (يلاحظوا) ويلاحظوا.. حتي صارت دعوتك الديمقراطية للملاحظة، لازمة افتتاحية قبل كل فكرة كاذبة أو واقعة مزورة! وبعد هذا كله يصل (البل إلي ذقوننا) ويعتقل من كان شريكا لك في إحدى ندواتك التلفزيونية الديمقراطية الأخيرة... رجل وطني معروف بصدقه وجرأته، يجاهر بآرائه أمامك وأمام غيرك، يكتب ما يعتقد به ويقول ما يعتقد به، ويتحدث عن المشكلات لأنه واحد منا، يعيشها مثلنا.. ولا يزور أو ينافق أو يغطي الحقائق أملا في رضي أمني أو حظوة أمنية!
يا وزيرنا البعثي المؤمن بفكر الحزب الذي تدعي ديمقراطيته المفرطة وبأن الحرية شعار من شعاراته.. أرنا ديمقراطيتك... ارفع صوتك بالحق وقل بالفم الملآن: أنا أعتبر أن مثل هذه الاعتقالات هي وأد للحوار الديمقراطي الذي نحتاجه... وأعرب عن خجلك من اعتقال شخص كان يشاركك منذ أيام ندوة تلفزيونية تدار باسم الحوار الوطني.. لأن محطة (العربية) التي قد تطلب تصريحا منك، قد تبث بعد هذا التصريح مقطعا أرشيفيا مستعادا من الندوة إياها، سيكون غاية في الإحراج لك ولمواقف سورية الوطنية والقومية النبيلة.. ولا تظهر لتمغمغ أو تبرر أو تتحدث علي طريقة (أنا لا أحبذ) أو (كنت أتمني أن...) لأن الحالة في فظاظتها أكبر من التحبيذ والتمنيات الخجولة المفعمة بإحساس رفع التعب!
والآن... يا وزير الحوار الوطني..
قل لنا بالله عليك ماذا سننتظر من المؤتمر القطري القادم... ما دام (بعثك) القائد للدولة والمجتمع يقودنا نحو المعتقلات والسجون وكم الأفواه... أي إصلاحات سنؤمن بها ونحن نري إلي أصحاب الرأي ودعاة الحوار يقتادون إلي أفرع الأمن في الصباحات الباكرة بالبروتوكولات والأساليب (الناعمة) التي يقتاد بها عادة المجرمون واللصوص وأصحاب السوابق الجنائية؟!
هل هذا ما يعدنا به حزب البعث الحاكم المتحكم يا وزيرنا الفخور ببعثيته حتى الثمالة... وهل هذا هو المخرج الحقيقي للأزمة الداخلية التي تمر بها سورية، والتي لا ينكر خطورتها (الداخلية الأسباب والنتائج) إلا منافق أو مداهن أو مستفيد من جوع البلاد وذل العباد! قبل أيام كان الأستاذ حسين العودات يكتب مقالاته مطالبا بالحرية لزميله في منتدى جمال الأتاسي علي العبد الله، واليوم نكتب لنطالب بقلوبنا وعقولنا واعتدادنا السوري بالقامات الوطنية، نكتب لنطالب بالحرية لحسين العودات.. وغداً سيظهر من يطالب بالحرية لآخرين قد يكونوا مرشحين للاعتقال.. لكن أحدا لن يسكت بعد اليوم.. والخوف لن يستعمر قلوبنا من جديد.. ونداءات الحرية المقموعة لن تبقي حبيسة الصدور والعمر يتسرب أمام ناظرينا ونحن نلوك أمنيات لا تتحقق، ونتعايش مع فساد اقتصادي يكبر ويكبر ولا يشبع حتي من قوتنا اليومي.. وأجدني في هذه اللحظات العصيبة أعود إلي رائعة الأخوين رحباني (جبال الصوان) لأستعير كلمات أعداء الحرية وهم يعون انتهاء زمنهم:
عبث اللي صار
عبث اللي بدو يصير
قتلنا البيْ وقتلنا البـنتْ.. وعبث
شو بدنا نقتل تانقتل
ما بقي رح تخلص القصة!
كاتب من سورية
"القدس العربي"