-
دخول

عرض كامل الموضوع : نحو تفعيل الحياة السياسية في سورية.!!


dot
08/12/2006, 16:35
بقلم:المحامي ميشال شماس

يبدو أن المشهد السياسي السوري في غاية التعقيد، حيث تتكاثر فيه الأحزاب السياسية وتتوالد وتنشق عن بعضها في كرنفال حزبي يرتبط بمصالح آنية ضيقة، ومع ذلك لم تقدم تلك الأحزاب على كثرتها شيئاً جديداً على صعيد الفكر والثقافة والممارسة.
ورغم هذا العدد الكبير الذي وصل إلى أكثر من ثلاثين حزباً سياسياً سواء تلك المنضوية في الجبهة الوطنية التقدمية، أو خارجها، السرية منها والعلنية، فإن الشارع السوري بقي غير مهتم، لا يبالي كثيراً بتلك الأحزاب، بل على العكس مازال يعيش فراغاً كبيراً في العمل السياسي، منذ أن تم تعطيل الحياة السياسية في 22 شباط 1958 إبان الوحدة بين سوريا ومصر، والتي اشترط لقيامها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عدم وجود أحزاب سياسية في الإقليم السوري، وقد وافقت حينها الأحزاب السياسية التي كانت تنشط على الساحة السياسية السورية وفي مقدمتها حزب البعث على شرط عبد الناصر وحلت نفسها، باستثناء الحزب الشيوعي السوري الذي رفض حل نفسه، مما عرضه لحملة اعتقال وتنكيل شديدة طالت معظم أعضائه حتى وصلت إلى حد تذويبهم في الأسيد كما جرى لفرج الله الحلو.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن الأحزاب السياسية في سورية قبل الوحدة كانت تكتفي بتقديم بلاغ بوجودها إلى وزارة الداخلية لكي تحصل على الترخيص خلال شهر واحد، فإذا لم تعترض الوزارة على الطلب خلال هذه المدة يصبح الترخيص قائماً حكماً، أما إذا اعترضت وزارة الداخلية أو رفضت بلاغ الحزب، فللحزب عندئذ الحق باللجوء إلى القضاء الإداري الذي يكون حكمه في أمر الترخيص مبرماً .
وبعد انهيار الوحدة، وبعد استلام حزب البعث العربي الاشتراكي مقاليد السلطة في آذار عام 1963وحتى الآن، ليس هناك اعتراف رسمي بأي عمل سياسي خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية وحزب البعث الذي نصّت المادة الثامنة من الدستور السوري على قيادته الدولة والمجتمع. وحتى أحزاب الجبهة وموضوع شرعية وجودها القانوني بقي رهناً بإرادة حزب البعث وحده، فهو الذي يدعو الأحزاب للانضمام إلى الجبهة أو يرفض ذلك، وبالتالي أصبح هو الوحيد المتحكم بشرعية العمل السياسي يعطيها لمن يشاء ويحجبها عمن يشاء دون أي ضابط أو قانون. كما أن الدخول إلى الجبهة لا يعطي الحزب أي شخصية اعتبارية قانونية أو موقعاً شرعياً بشكل دائم، بل يبقى تحت سيف الطرد من الجبهة واعتباره حزباً غير شرعي في أي وقت، سلاحاً مسلطاً على عمل الأحزاب يجعلها تحت الهيمنة والوصاية المطلقة من قبل حزب البعث، وبالتالي تفقد مبرر وجودها السياسي والشعبي وتصبح مجموعة ملحقة بحزب البعث لا أكثر ولا أقل دون أي دور، وهذا ما حصل مع الأحزاب المنضوية في الجبهة، إذ آلت إلى عدد من الأفراد دون أي قاعدة شعبية ودون أي تميّز يذكر عن ممارسات حزب البعث. فمثلاً عندما عارض الحزب الشيوعي السوري التدخل السوري في لبنان عام 1976 انسجاماً مع موقف الاتحاد السوفييتي، تعرض أعضاؤه للملاحقة وصودرت جوازات سفر أعضاء قيادته، وعندما دان الحزب الشيوعي السوري ممارسات سرايا الدفاع وقائدها رفعت الأسد في بيانه الشهير عام 1981، تم شطب مرشيحه من قائمة الجبهة الوطنية، ولم يستطع إيصال أي مرشح له آنذاك في انتخابات مجلس الشعب. وبعد الوعود الكثيرة التي سمعناها من مختلف المسؤولين في الحكومة وفي حزب البعث نفسه منذ أكثر من سنتين عن قرب إصدار قانون للأحزاب في سورية.
هل ستشهد سوريا قانوناً ينظم الحياة السياسية فيها؟ وهل اقتنع حزب البعث أخيراً بضرورة السماح بقيام أحزاب سياسية قد تنافسه على السلطة أو على الأقل تشاركه فيها مستقبلاً؟ وكيف سيكون شكل ذلك القانون الذي سينظم الحياة السياسية في سورية؟
نترك الإجابة على تلك التساؤلات للأيام القادمة. ويرى معظم المهتمين بالشأن السياسي السوري ضرورة دعوة كافة الفعاليات والقوى السياسية والاجتماعية الموجودة على الساحة السورية لتقديم مشاريع قوانين، ومن ثم تشكيل لجنة سياسية من تلك القوى تقترح صيغة لقانون الأحزاب السياسية يأخذ بعين الاعتبار ما طرحته تلك الفعاليات والقوى السياسية والاجتماعية ؟ وإلا فإن الأمور ستقودنا إلى قانون يمثل حاجة السلطة وحدها ويتضاءل من خلاله هامش الحرية المطلوب كما حصل مع قانون المطبوعات..؟ فالقلق تجاه محتوى هذا القانون الذي سيصدر يتعاظم، هل سيكون على شاكلة قانون المطبوعات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 50لعام 2001، الذي سيتحول بلا شك إلى سلاح من الممكن أن يستخدم لمحاربة النشطاء السياسيين وإنزال العقوبات بحقهم ؟ من المستحيل إحياء مجتمع غيبه الطوارئ بدون قوننة الحياة العامة، الهادفة لكسر أطواق العجز البنيوي الذي وصل إليه المجتمع كعملية حراك سياسي نتيجة استمرار العمل بقانون الطوارئ لفترة طويلة، حيث أصبحت العلاقة بين المواطن والقانون علاقة ضعيفة يحكمها الشك وانعدام الثقة التامة، فالمؤسسات التنفيذية حاضرة دائما للتدخل في أي قانون، وعلى حساب القانون. لذلك فإن صدر قانون الأحزاب السياسية مترافقاً مع رفع قانون الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية، بما يضمن حرية النشاط السياسي ويشرع حق تشكيل الجمعيات والتنظيمات السياسية على أسس قانونية سلمية، سوف يشكل بلاشك رافعة للعمل الديمقراطي، ويساهم في تفتيت الكثير من الأطر الهامشية القائمة التي تحتمي بقانون الطوارئ وبالتبعية، وبداية العلاج الضروري الناجع لاستنهاض السوريين، وبعث الروح في الحياة السياسة الراكدة والمترهلة ولقطع الطريق نهائياً أمام احتمال تحول المجتمع نحو الطائفية والعشائرية والعائلية وفتح الطريق واسعاً نحو تحقيق التطور والتقدم الذي ننشده جميعاً.
هذه الحقيقة التي تأكدت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومنظومته الاشتراكية، والنتائج التي تمخضت عن ذلك الانهيار الكبير، فرغم أن تلك المجتمعات بدت لسنوات طويلة متماسكة، فلم تسعفها القبضة الأمنية الحديدية، ولا الإرادة العامة البكماء، ولا سيادة الرأي الواحد الأوحد في إنقاذها من أزماتها الخانقة المتفاقمة, فانهارت بسرعة قياسية،إضافة إلى الخلل الكبير في ميزان القوى بعد أن تفردت أمريكا بالتحالف مع الصهيونية في التحكم بعملية إدارة الصراع العالمي ومساراته، الذي ساهم بدوره في تسريع انهيار تلك المجتمعات. إن الخيار الوحيد المتاح أمامنا اليوم في ظل تفرد الولايات المتحدة الأمريكية، وسعيها الدائم للهيمنة والسيطرة الكاملة على العالم، وفي ظل انتشار الفكر الإرهابي المدمر، هو أن نعمل بجد وصدق للمحافظة على بيتنا الداخلي وتقويته، وضمان سلامة بنيانه على أسس سليمة وقوية، ولن يكون بمقدورنا فعل ذلك، إلا عبر تفعيل الحياة السياسية في سورية على أسس قانونية منظمة تسود فيها لغة الحوار المشبعة بروح قبول الآخر، وبشرعية وجود تنظيمات وأحزاب سياسية تنبذ العنف وتخوض صراعات سلمية تنمي روح المنافسة الشريفة للسعي نحو الأفضل، وتشارك بقسطها في عملية الانفتاح الديمقراطي وفي التصدي لمهام البناء والتنمية ومواجهة ما يعترض الوطن من أخطار جدية. وعلى القوى المعارضة وبالأخص منها قوى إعلان دمشق المساهمة في صياغة مشاريع وحلول جدية للأزمة التي تعانيها بلادنا وطرح تصوراتها العملية لقانون الأحزاب والانتخابات مثلاً، لا أن تكتفي بصياغة مفاهيم ومطالب عامة كالمطالبة بإلغاء قانون الطوارئ أو إصدار قانون أحزاب جديد، هذه المطالب التي بتنا نسمعها على لسان المواطن العادي. وأخيراً إذا كانت قوانين العمل السياسي تصدر من فوق، إلا أن صناعتها يجب أن تبدأ من القاعدة العريضة، من الناس ومن الشعب الممثل بأحزابه السياسية وقوى المجتمع المدني، ومتى اختلت هذه المعادلة فلن نحصد خيراً، إنما سنظل نسبح في الفراغ تحت رحمة التدخلات والتهديدات الخارجية.