-
دخول

عرض كامل الموضوع : مقبرة في دمشق


قهوة دايمي
08/12/2006, 00:14
مقبرة في دمشق

" تستطيعين البقاء لساعات. لا يوجد مشكلة. "
قلت لحارس المقبرة باستغراب: لا شكراً.

" بتّشهي الموت." قال ممازحاً... لا يوجد فوق هذه الأرض ما يجعل الموت مشتهى. قلت، وضحك الحارس وأغلق الباب الحديدي، وهو يرتشف الشاي سعيداً.

وقفت وراء قضبان الباب أمام مقبرة ملونة. أنعشني الامتداد الأخضر البهي، والزهور المنسقة، ذات الأشكال الغريبة والمختلفة، وأشجار السرو المقلمة، وشواهد القبور النظيفة، المصفوفة بانتظام. والتي تشبه قطع حلوى مغطاة بكريما بيضاء. كانت مقبرة لا تشبه كل المقابر التي رأيتها على امتداد الجغرافيا السورية. تشبه مقابر الأفلام الرومانسية الأوربية، عندما تجلس عاشقة أمام شاهدة القبر مع ورودها، أو في الأفلام الأمريكية التي تحتفي بروح أمريكا العسكرية، وتؤرخ لبطولات جنود ينتهون إلى قبور شبيهة بقبور دمشق هذه. لم أعرف هذه المقبرة قبلاً. ولم أحبذ زيارة المقابر، وعندما أمشي فوق الأرض، أشعر أن أرواحاً تخرج من الطرقات، وأحاول أن يكون وقع قدمي خفيفا، أخشى على التراب وأحافظ عليه مثل جلدي. التراب مني وأنا جزء منه. التراب مصنوع من البشر. لذلك أخاف أن أطأ بقدمي فوق أرض مقبرة. حتى لا أسمع نداءات الأرواح.

غير بعيد عن تلك المقبرة الرائعة! مقبرة أخرى حيث تصطف القبور فوق بعضها البعض، وتُسرق أجساد الموتى، ليحل محلها موتى يدفعون ثمن قبورهم من طعام أحيائهم. الشواهد الحجرية مصفوفة بفوضى، وبعض القبور تنتشر فوقها القاذورات وفضلات الأشياء؛ وفي أحسن الأحوال وعندما تكون القبور المميزة لأصحاب ثروة وحظوة، تُحاط بحديد أسود وسميك، فيبدو القبر مثل حجر داخل سجن صغير.

لم اعرف لحظتها أن تلك المقبرة الخضراء، تسمى المقبرة الإنكليزية، وأن الموتى الهانئين في سلام تحت تراب بلدي، هم من الجنود الإنكليز والاسبان واليهود وجنسيات أخرى، والذين قتلوا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهذه المقبرة تابعة للسفارة الإنكليزية، وتقوم مجموعة من السفارات برعايتها والاهتمام بها.

كنت انظر إلى القطعة الخضراء، واسمع تلك المعلومات من الحارس السعيد، وأفكر في الموتى الذين يمشون فوق الأرض.

كم من الوقت يلزمني لأرتاح من ثِقَل الكراهية الذي انتابني فجأة، وأنا اقف أمام باب المقبرة الإنكليزية. أرى الأرواح الهانئة لأجساد غريبة. يحق لها في بلدي، ما لا يحق لأبنائه.

أبناء البلد الأحياء الذين يعيشون كالموتى فوق الأرض، وتحت الأرض، ويحلم الواحد منهم بالجلوس ولو ساعة مع الموتى الذين يتنزهون مع ربهم.

أومآت لحارس المقبرة بالوداع. كان جالسا على العشب الأخضر، يشرب شايه بعظمة ملك. ينظر في أفق الشواهد الحجرية، ويلمّ سترته البالية، لتغطي أكمامها القصيرة لحمه البارد، ويردد: هل تريدين أن تأخذي صورة هنا؟!!

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
بقلم :
سمر يزبك

nights
10/12/2006, 11:35
غريب أمرنا
حتى في الموت
عندما تتساوى الأرواح عند ربها
ولا يعود لأحد شيء
عندما لا يخرج من الدنيا
إلا بدموع من أحبوه
نتساوى هناك
امام مالك الكون
ولا نتساوى هنا
امام ما سماهم التاريخ بشراً
ولا ادري
هل كان محقاً أم لا
غريب أمرنا
الأموات تراقص الملائكة
ونحن ؟؟؟؟؟؟؟

وانا اقرأ شعرت بأن الأموات يحزنون علينا
شعرت بأننا بحاجة لصلاتهم
وليس هم من بحاجة لصلاتنا
ولكن عزيزي اتعرف
" أجمل ما في الأحياء،،، أنهم اتاحوا للأموات ان يرتاحوا بعيداً عنهم"
احب هذه العبارة

لا تقلق عليهم
فقد تحررت أرواحهم
أما ارواحنا
فلا زالت هناك
في قفص يسموه العلماء
القفص الصدري
يا لها من مهزلة
حتى ارواحنا موجودة في هذا القفص
وهذا القفص موجود في قفص اكبر يسمى الجسد
وهذا الجسد محبوس في مملكة الدنيا
وهذه الدنيا لا ادري في ماذا محبوسة
ولكن لا بد انها محبوسة في شيء ما

بعد كل ما كتبت
لم اعد اذكر
ما كان رأيي في البداية
ولكني اذكر
اني كنت اكلم صديقي العزيز
كم ارتاح عندما اكلمك يا قهوتي الدايمة
اختيار موفق
لرجل مثقف وذكي

قهوة دايمي
10/12/2006, 14:22
ولمرورك الرائع في قلبي مكان دوما ..
هي كلمات بسيطة
في قصة قصيرة تلامس جراحنا وجراح الوطن ..

وشم الجمال
24/04/2008, 22:01
في بلادنا العربية/الأجنبية...اعتدنا على اكرام المغتصب فيجب ان تظل صورتنا متألقة في العيون الخضراء....

اعتدنا على ان نمشي فوق جراحنا ونرش عليها الملح ونغني ايضا فهم بحاجة الى ان يثملوا تحت انغام انينا...

اعتدنا ان تسرقنا احزاننا لنعيش حالة التباس بين الكينونة والعدم...بين الحقد والحب...بين ان نكون وان لا نكون

مقبرة انجليزية!!! ولكن هل تطهرنا من جرمنا يا صديقي؟؟؟؟