حسون
26/05/2005, 19:46
تماما ، وعلى غرار ما ألفته نهاية السبعينيات وعلى مدى عقد الثمانينيات الماضية ، كانت سورية يوم أمس على موعد مع مشهد مخابراتي أحيى في ذاكرة المواطنين السوريين تلك الصور الشنيعة لزوار الفجر الذين يحطمون الأبواب ويقتحمون غرف النوم على الآمنين ( إن كان تبقى في سورية آمنون ) ويختطفونهم من أسرّتهم إلى أماكن بعضها لم يزل مجهولا حتى الآن ، وبعض نزلائها لم
يزل مجهول المصير بعد ربع قرن على تغييبه ! ففي ساعة مبكرة من فجر أمس ، قام عشرات الضباط والعناصر من جهاز الأمن السياسي بمداهمة ثمانية منازل لكتاب وصحفيين ومثقفين وناشرين يشكلون في مجموعهم الهيئة الإدارية لـ " منتدى الأتاسي للحوار الوطني " في دمشق . ولم يعرف السبب الحقيقي لهذا السلوك الإرهابي ، إذا ما وضعنا السبب التافه المثير للسخرية الذي أعلنت عنه السلطة ، وهو " اتصال هؤلاء بجماعة محظورة ( الإخوان المسلمون ) وترويج أفكارها " !! وقد تحدث أكثر من مصدر عن أن عناصر المخابرات ، وكما في المشاهد التي تتضمنها حكاية " علي بابا والأربعين حرامي" ، قفزوا من فوق أسوار منازل البعض من هؤلاء ( على الأقل هذا ما حدث بالنسبة للسيدة سهير الأتاسي ) واقتادوهم بملابس النوم دون أن يسمح لهم بأخذ أي شيء من لوازمهم الضرورية . وتحدثت مصادر أخرى عن أن البعض منهم تم جره حافي القدمين ، ودون أن يسمح له حتى بانتعال حذائه ، لكأنما أرادوا أن يقولوا لهم " لدينا من الأحذية ما يكفي لكم وللمئات غيركم " ! وأشارت مصادر أخرى إلى أن المحامي ممدوح عبد العظيم ، نجل المحامي حسن عبد العظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي ( تجمع يضم خمسة أحزاب قومية ويسارية ) ، قد اعتقل أيضا من منزله في قرية حلبون في ريف دمشق بطريقة مهينة أمام الجيران لحوالي ثلاث ساعات وتم الإفراج عنه لاحقا . إلا أنه لم يتسن لنا التأكد من دقة هذا الخبر . وكان العضو التاسع في إدارة المنتدى ، الكاتب علي العبد الله ، قد اعتقل قبل بضعة أيام على هذه الحملة . ليصبح بذلك جميع أعضاء الهيئة الإدارية للمنتدى رهن الاعتقال .
من المؤكد أن النظام السوري لن يستطيع خداع مواطنيه بالسبب السخيف الذي ساقه لتبرير هذا السلوك الإرهابي الذي لا يبرر ، وهو اتصالهم بجماعة الإخوان المسلمين وترويجهم لأفكارها . إلا أن هذه الأكذوبه قد تجد من يصدقها في الخارج . ولهذا من المفيد الإشارة إلى أن جميع المعتقلين ينتمون ( فكريا ) إلى التيار الناصري كالسيدة سهير الأتاسي ، أو التيار القومي ـ اليساري مثل الكاتب والناشر حسين العودات ( صاحب ومدير دار الأهالي ) والكاتب والناشر يوسف الجهماني ( صاحب ومدير دار حوران ) ، أو الماركسي مثل الكاتبة السيدة ناهد بدوية . وحسب معلوماتنا فإن الكاتب علي العبد الله هو الوحيد من بين المعتقلين التسعة الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي ( فكريا وليس تنظيميا ) . وكان " منتدى الأتاسي " هو الوحيد الذي أفلت من الحملة التي أسفرت في شباط / فبراير 2001 عن إغلاق العشرات من المنتديات الثقافية التي ظهرت إلى الوجود بعد وفاة الديكتاتور السوري السابق الجنرال حافظ الأسد . بل إن الرئيس السوري الحالي بشار الأسد ذهب في مقابلته اليتيمة مع صحيفة النيويورك تايمز إلى حد التفاخر بهذا المنتدى وبالنقاشات الديمقراطية التي تدور فيه بشكل منتظم ، واعتبره برهانا على " الانفتاح والاصلاح " الذي يجري في عهده الميمون ! فلماذا اعتقل هؤلاء إذن ، خصوصا وأن جميعهم يعتبرون ، بشكل أو بآخر ، من " مؤيدي " السياسة الرسمية للنظام ، والتي تدعي مواجهتها وتصديها للمشاريع " الإمبريالية " في المنطقة !؟
إن جميع المؤشرات تصب في خانة التأكيد على أن السبب الحقيقي لاعتقال هؤلاء إنما يتصل بخشية النظام من تحول نقاشات المنتدى إلى " شرارة تشعل السهل كله " . وقد تعززت خشية النظام هذه من واقعة أن المنتدى قد أصبح في الآونة الأخيرة ملتقى لجميع التيارات السياسية والفكرية في سورية تقريبا ، والتي تجازوت الكثير من خلافاتها واختلافاتها ، أقلّه فيما يتصل بالخطوط العامة لمستقبل سورية الديمقراطي ، وأصبح إنهاء الدولة الاستبدادية محط إجماعها . وما من شك في أن النظام يضع في خلفية تفكيره واقعة أن منتديات النقاش العام كانت الشرارة التي انطلقت منها عملية التغيير الديمقراطي السلمي في الكثير من الأمكنة والأزمنة . وفاقم من خشية النظام هذه تلك الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها على خلفية اتهامه بالتورط في العديد من قضايا الإرهاب في لبنان والعراق . وما من شك في أن " الصراع " داخل مراكز قوى النظام وفيما بين أجنحته يسهم في تشديد قبضة القمع على عنق أي تحرك ديمقراطي سلمي ، بالنظر لخشية الكتلة القوية في النظام من انزلاق بعض أجنحته " خلال ربع الساعة الأخير من عمره " ، وهو أمر حدث كثيرا في التاريخ القريب والبعيد ، إلى تغيير ولاءاتها التقليدية والانحياز إلى الكتلة الشعبية في مواجهة السلطة التي " كانوا " حتى الأمس القريب ركنا من أركانها .
لهذه الأسباب ليس من المستبعد ، وربما بات مرجحا ، أن تكون الحملة الأخيرة فاتحة تحول دراماتيكي في مسار القمع ، بحيث يتحول من قمع " مضبوط ومدروس وحذر " إلى قمع منفلت يشد الرحال باتجاه العودة إلى حقبة الثمانينيات الدموية . ولأن أي تحرك ديمقراطي سلمي غالبا ما يكون وقود إقلاعه ، على الأقل في مراحله الأولى ، من جمهرة الكتاب والصحفيين والمثقفين وأهل الفكر عموما ، فإننا نعرب عن خشيتنا من تطور الأمور باتجاه قمع موتور وأعمى يجرف في طريقه طليعة أبناء الشعب السوري الشقيق من الكتاب والمثقفين الديمقراطيين . وانطلاقا من هذه الخشية ، تدعو المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير جميع الكتاب والصحفيين والمثقفين العرب إلى عدم التلكؤ في إبداء جميع أشكال التضامن السلمية الممكنة مع زملائهم السوريين في معركتهم النبيلة من أجل الديمقراطية والحريات العامة .
الحرية لجميع الكتاب والصحفيين والمثقفين السوريين المعتقلين ، والهزيمة لخفافيش الظلام !
المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
"الرأي / خاص"
يزل مجهول المصير بعد ربع قرن على تغييبه ! ففي ساعة مبكرة من فجر أمس ، قام عشرات الضباط والعناصر من جهاز الأمن السياسي بمداهمة ثمانية منازل لكتاب وصحفيين ومثقفين وناشرين يشكلون في مجموعهم الهيئة الإدارية لـ " منتدى الأتاسي للحوار الوطني " في دمشق . ولم يعرف السبب الحقيقي لهذا السلوك الإرهابي ، إذا ما وضعنا السبب التافه المثير للسخرية الذي أعلنت عنه السلطة ، وهو " اتصال هؤلاء بجماعة محظورة ( الإخوان المسلمون ) وترويج أفكارها " !! وقد تحدث أكثر من مصدر عن أن عناصر المخابرات ، وكما في المشاهد التي تتضمنها حكاية " علي بابا والأربعين حرامي" ، قفزوا من فوق أسوار منازل البعض من هؤلاء ( على الأقل هذا ما حدث بالنسبة للسيدة سهير الأتاسي ) واقتادوهم بملابس النوم دون أن يسمح لهم بأخذ أي شيء من لوازمهم الضرورية . وتحدثت مصادر أخرى عن أن البعض منهم تم جره حافي القدمين ، ودون أن يسمح له حتى بانتعال حذائه ، لكأنما أرادوا أن يقولوا لهم " لدينا من الأحذية ما يكفي لكم وللمئات غيركم " ! وأشارت مصادر أخرى إلى أن المحامي ممدوح عبد العظيم ، نجل المحامي حسن عبد العظيم الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي ( تجمع يضم خمسة أحزاب قومية ويسارية ) ، قد اعتقل أيضا من منزله في قرية حلبون في ريف دمشق بطريقة مهينة أمام الجيران لحوالي ثلاث ساعات وتم الإفراج عنه لاحقا . إلا أنه لم يتسن لنا التأكد من دقة هذا الخبر . وكان العضو التاسع في إدارة المنتدى ، الكاتب علي العبد الله ، قد اعتقل قبل بضعة أيام على هذه الحملة . ليصبح بذلك جميع أعضاء الهيئة الإدارية للمنتدى رهن الاعتقال .
من المؤكد أن النظام السوري لن يستطيع خداع مواطنيه بالسبب السخيف الذي ساقه لتبرير هذا السلوك الإرهابي الذي لا يبرر ، وهو اتصالهم بجماعة الإخوان المسلمين وترويجهم لأفكارها . إلا أن هذه الأكذوبه قد تجد من يصدقها في الخارج . ولهذا من المفيد الإشارة إلى أن جميع المعتقلين ينتمون ( فكريا ) إلى التيار الناصري كالسيدة سهير الأتاسي ، أو التيار القومي ـ اليساري مثل الكاتب والناشر حسين العودات ( صاحب ومدير دار الأهالي ) والكاتب والناشر يوسف الجهماني ( صاحب ومدير دار حوران ) ، أو الماركسي مثل الكاتبة السيدة ناهد بدوية . وحسب معلوماتنا فإن الكاتب علي العبد الله هو الوحيد من بين المعتقلين التسعة الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي ( فكريا وليس تنظيميا ) . وكان " منتدى الأتاسي " هو الوحيد الذي أفلت من الحملة التي أسفرت في شباط / فبراير 2001 عن إغلاق العشرات من المنتديات الثقافية التي ظهرت إلى الوجود بعد وفاة الديكتاتور السوري السابق الجنرال حافظ الأسد . بل إن الرئيس السوري الحالي بشار الأسد ذهب في مقابلته اليتيمة مع صحيفة النيويورك تايمز إلى حد التفاخر بهذا المنتدى وبالنقاشات الديمقراطية التي تدور فيه بشكل منتظم ، واعتبره برهانا على " الانفتاح والاصلاح " الذي يجري في عهده الميمون ! فلماذا اعتقل هؤلاء إذن ، خصوصا وأن جميعهم يعتبرون ، بشكل أو بآخر ، من " مؤيدي " السياسة الرسمية للنظام ، والتي تدعي مواجهتها وتصديها للمشاريع " الإمبريالية " في المنطقة !؟
إن جميع المؤشرات تصب في خانة التأكيد على أن السبب الحقيقي لاعتقال هؤلاء إنما يتصل بخشية النظام من تحول نقاشات المنتدى إلى " شرارة تشعل السهل كله " . وقد تعززت خشية النظام هذه من واقعة أن المنتدى قد أصبح في الآونة الأخيرة ملتقى لجميع التيارات السياسية والفكرية في سورية تقريبا ، والتي تجازوت الكثير من خلافاتها واختلافاتها ، أقلّه فيما يتصل بالخطوط العامة لمستقبل سورية الديمقراطي ، وأصبح إنهاء الدولة الاستبدادية محط إجماعها . وما من شك في أن النظام يضع في خلفية تفكيره واقعة أن منتديات النقاش العام كانت الشرارة التي انطلقت منها عملية التغيير الديمقراطي السلمي في الكثير من الأمكنة والأزمنة . وفاقم من خشية النظام هذه تلك الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها على خلفية اتهامه بالتورط في العديد من قضايا الإرهاب في لبنان والعراق . وما من شك في أن " الصراع " داخل مراكز قوى النظام وفيما بين أجنحته يسهم في تشديد قبضة القمع على عنق أي تحرك ديمقراطي سلمي ، بالنظر لخشية الكتلة القوية في النظام من انزلاق بعض أجنحته " خلال ربع الساعة الأخير من عمره " ، وهو أمر حدث كثيرا في التاريخ القريب والبعيد ، إلى تغيير ولاءاتها التقليدية والانحياز إلى الكتلة الشعبية في مواجهة السلطة التي " كانوا " حتى الأمس القريب ركنا من أركانها .
لهذه الأسباب ليس من المستبعد ، وربما بات مرجحا ، أن تكون الحملة الأخيرة فاتحة تحول دراماتيكي في مسار القمع ، بحيث يتحول من قمع " مضبوط ومدروس وحذر " إلى قمع منفلت يشد الرحال باتجاه العودة إلى حقبة الثمانينيات الدموية . ولأن أي تحرك ديمقراطي سلمي غالبا ما يكون وقود إقلاعه ، على الأقل في مراحله الأولى ، من جمهرة الكتاب والصحفيين والمثقفين وأهل الفكر عموما ، فإننا نعرب عن خشيتنا من تطور الأمور باتجاه قمع موتور وأعمى يجرف في طريقه طليعة أبناء الشعب السوري الشقيق من الكتاب والمثقفين الديمقراطيين . وانطلاقا من هذه الخشية ، تدعو المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير جميع الكتاب والصحفيين والمثقفين العرب إلى عدم التلكؤ في إبداء جميع أشكال التضامن السلمية الممكنة مع زملائهم السوريين في معركتهم النبيلة من أجل الديمقراطية والحريات العامة .
الحرية لجميع الكتاب والصحفيين والمثقفين السوريين المعتقلين ، والهزيمة لخفافيش الظلام !
المنظمة العربية للدفاع عن حرية الصحافة والتعبير
"الرأي / خاص"