-
دخول

عرض كامل الموضوع : ----عيد عبدو----


King Life
07/12/2006, 19:15
عيد عبدو


منذ أكثر من أسبوع وأنا أتحسب لهذا اليوم , يوم العيد ,وأفكر ملياً وملياً , كيف سأستطيع أن ألبي الحاجيات بأجر هذا الشهر , حلمت بالمصباح السحري , حلمت ببابا نويل لكي يأتني ويجلب لي المال الكافي , ولكن حتى بابا نويل لم يعد سوى للأغنياء , حلمت وسرحت وأطلقت العنان لخيالي , لكن الواقع كان دائم الشد لأذني , ليقول لي بنبرة المؤنب " اصح لأمرك" كما تفعل زوجتي بي , التي لا تكل ولا تمل من إسماعي لسمفونيتها ذات اللحن المرير .
" عبدو..بات العيد قريباً جداً ,أنس بحاجة إلى بنطال جديد وحذاء جديد فلم نشتر له شيئاً منذ العيد السابق , وأماني تريد فستاناً يليق بها كفتاة فقد كرهت ثيابها المستعارة , وهي دائمة البكاء من أجل ذلك , ومحمد بعد دخوله للمدرسة وهو دائم الحديث عن العيد , ويريدك أن تحضر له أجمل الثياب بالإضافة إلى الموز الذي وعدته به ,أنت تعرف الصغار وكيف يتحدثون في المدرسة , وكيف يمثلون آباءهم أمام أصدقائهم , أرجوك حاول تلبية رغباته , وإنني أحمد الله أن سامي لا يفهم معنى العيد , لكن ثيابه قد بليت وهو الآخر بحاجة إلى شيء جديد , ولو شيء من الثياب الداخلية لكي أكسي بها لحمه واحميه بعض الشيء من أيام الشتاء التي لا ترحم .
عبدو , لا تنس نفسك يا حبيبي , فأنت الآخر بحاجة إلى بنطال وحذاء جديدين ألم يهترأ حذاء زفافنا؟؟! والله إنها لفترة طويلة , حبيبي لا تبخل على نفسك ....آه , وأنا أيضاً أحتاج إلى بعض الحاجيات , الحمدلله على كل حال ليس بعد الصبر إلا الفرج , المهم هو أنت والأولاد...."
المهم هو أنا والأولاد!!!أنا.....و ماذا أستطيع أن أفعل أنا ؟؟؟ تفكيري خلال هذا الأسبوع يعادل تفكير فلاسفة العالم وعلمائه مجتمعين , فمعادلتي هذه لا يستطيع حلها سوى الله , حاجيات بأكثر من خمسة عشر ألف ليرة وراتب لا يتجوز الثمانية آلاف......
وأخيراً و بعد جهد جهيد أخذت راتبي كاملاً دون نقصان , بالإضافة إلى العيدية , وهذا لم يحصل في تاريخ المعمل , ولكن التفاني في العمل قد أسهم في عطف أبو طلال صاحب المعمل على بؤسي , والحمدلله , ولكن السبع آلاف لا تفعل شيئاً في هذه الأيام , فهي لاتكفي ثمناً لبنزين سيارات أبو طلال لمدة أسبوع , لكن الحاجة أم الاختراع , فبعد عمليات حسابية معقدة تبين لي أنني بحاجة إلى أثني عشر ألفاً , لذلك كان علي أن أتدبر باقي المبلغ , والسؤال هو كيف ؟؟ .
ذهبت إلى أخي جهاد , لكي أستدين منه, فأحواله أفضل بكثير من أحوالي , وبعد دخولي لمحله , وبعد ترحيبه الممتاز بدأ برش عبارات الشكوى في وجهي , " والله يا عبدو السوق بارد , وكما لو أن ريحاً قطبية تلفحه , يا رجل , العيد بعد غد , وحتى الآن لم أستطع شراء شيء للأولاد , لكن رب العالمين هو المعين ......" .
خرجت من محله دون أن أطلب ليرة واحدة , خرجت مكسور النفس , كارهاً للعيد , راثياً لوضع الفقراء المبتلين في الأرض , فأخي الكريم , بحاجة إلى الصدقة أكثر مني, واستقباله وأسلوبه قد أوضحا لي ذلك . لكنني بحاجة إلى ألفي ليرة على الأقل , إلى أين أذهب , هل أذهب إلى أبي الفقير الذي لا شيء سوى الفقر الذي أورثني إياه !!!
إلى أين سأذهب ,من أين سأحصل على المال , وأخيراً وجدت الحل الأمثل , لا يوجد سواك يا أبا محمد , ولكن هل سيفعل بي كما فعل أخي؟؟!! لا أعتقد , فأبو محمد صديق عزيز لي , والحمدلله أنه صاحب نخوة ,وربما سيشعر بحالتي هذه , بما أنه من محدثي النعم ممايعني أنه قد ذاق في فترة من الفترات ماأعانيه .
ذهبت إلى أبي محمد , وياليتني لم أذهب , فلم يكن أكرم من أخي في استقباله , كان اعتقادي خاطئاً للأسف , فالمال يغير النفوس كما يغير كل شيء في هذه الحياة .

King Life
07/12/2006, 19:19
عدت إلى المنزل , وكانت الأفكار تجتاح رأسي , ومخيلات تطغى علي ,أأسرق من أجل العيد , ولكن ماالفائدة , لست لصاً , قد ينتهي الأمر بي في السجن , نعم السجن , هنالك الإقامة والطعام وكل شيء بدون مقابل , وصغاري , وأمهم , هل سأتركهم ليعاركون هذه الحياة !!؟؟؟ لا لن أتركهم لهؤلاء الذئاب , فأنا مازلت معهم , والكلاب تنهش بلحمنا , فكيف إذا رحلت عنهم!!!؟؟.
وعندما دخلت البيت , بدأت بحساب المبلغ مع زوجتي وكيفية تقسيمه لكي يكفينا , أقترحت أن نشتري لكل ولد من الأولاد بألف ليرة , ولكن الألف في هذه الأيام لا تشتري شيئاً , قليلة جداً , مما يعني بنطالاً وقميصاً وحذاءاً من أسوأ الأنواع , أما المعاطف فسوف نؤجل موضوعها حالياً, وقررنا أيضاً أن نزيد مبلغ أماني خمسمائة ليرة من أجل الفستان , المجموع أربعة ألاف وخمسمائة ليرة , وبعد جهد جهيد أقتنعت زوجتي بأخذ مبلغ ألف وخمسمائة ليرة لكي تشتري المعطف الطويل الموعودة به , فالمسكينة منذ أعوام عديدة لم تشتر شيئاً لها , والعيد قريب , قريب جداً .
ارتسمت الابتسامة على وجه زوجتي , وعندما بدأت بإعلام الأولاد أنهم ذاهبون إلى السوق , بدأت الابتسامات تحتل وجوههم , ابتسامات باردة لكنها عميقة , ابتسامات عبرت عن مدى فرحهم بهذا الفرج الموعود , وكما لو أن هذه الابتسامات هي شمس شتاؤنا بعينها , أشرقت على سمائنا بعد أمطار عنيفة , فأنا بنظرهم قد أحضرت مليون ليرة لكل واحد منهم , لكنني في الواقع لم أقدم شيئاً لهم , لم أحضر سوى القليل , فهذه هي جريمتي التي لم ارتكبها ولم أشهدها ...؟؟ّ!!!!
وبعد عودة زوجتي من السوق وشراء الحاجيات,بدأ الصغار يعرضون لي مااشتروا, ويلبسون وينزعون الثياب الجديدة , ويعاودن اللباس دون ملل , فباعتقادهم أنهم يلبسون أحسن الثياب وأفخرها , فهذه هي ثياب العيد , عيد الفقراء ,أما أماني فكما لو أنها عروس بثوبها الجديد , فقد أشرق وجهها وتوردت وجنتاها , بعد بكائها المرير الذي دام ليال طويلة , بكاء عبر عن أمنيات فتاة حالمة , تمنت أن تحظى ببعض من نعم الحياة , وزوجتي الصغيرة الكبيرة اشترت معطف بعد عناء طويل , وكانت فرحتها به تضاهي فرحة أولادنا .
أسيتيقظت في صباح اليوم التالي , لأتلقى صفعة قوية على وجنتي , فغداً هو العيد , و الآن أملك ألف ليرة , ونحن بحاجة إلى اللحم من أجل طبخة العيد, وبحاجة إلى ضيافة العيد ,وإلى مصروف العيد ومصروف باقي الشهر , وأنا أملك ألف ليرة فقط ..!!!
قررت شراء اللحم والخضار والفواكه وضيافة العيد بألف ليرة, ههههههههه , لكن هل ستكفي هذه الألف ؟؟؟حلمت بأن تتكاثر بالانشطار , وحلمت بأن تتضاعف , لكن كلما مددت يدي إلى جيبي لأتفقدها أراها على حالها وأدرك حينها سخرية القدر مني , وأدرك أنه لا يجب أن أسأل أحداً قرشاً فلن يلبني أي آدمي .
ذهبت في بادىء الأمر , إلى ملحمة للحم الخاروف , وقررت بيني وبين نفسي أن أحظى على قطعة كبيرة, لكنني تفاجأت بأن أقل قطعة أريد أقتطاعها يزيد سعرها عن ألف وخمسمائة ليرة فغضضت البصر عن لحمة الخاروف , وغضضت البصر عن اللقمة الهنية واللذيذة التي خططت لها ( لقمة العيد) , واستيقظت من أوهامي لأرى نفسي أمام باب ملحمة العجل الصغير , وأقتطعت اللحمة , ودفعت خمسمائة ليرة , وبعد عناء كبير حصلت على كيلو ونصف بخمسمائة ليرة فقط , فاللحمة يزيد سعرها وقت العيد .
والآن أنا بحاجة إلى الخضار والفاكهة وضيافة العيد , وما أملكه هو خمسمائة ليرة , وضيوفنا وأطفالهم كثر كحال كل الفقراء , مما يعني أنني بحاجة إلى أكثر من خمسمائة ليرة كحد أدنى للضيافة , ذهبت إلى السوق , وهنالك سمعت صوت ينادي , " ضيف خلقك بميتين ليرة بس " , سررت للخبر , لكنني بعدما ذقتها عرفت سبب صراخ البائع العالي......
وبعد مسيرة طويلة في السوق والتفتيش على أجود البضائع بأرخص الأسعار , استطعت أن أحصل على الضيافة بأربعمائة ليرة ,وكانت عبارة عن ثلاث كيلوات من الشوكولاته الساده , وكيلوونصف من السكاكر .
مئة ليرة , وأنا أريد شراء الموز لمحمد فقد وعدته بأن أشتريه له في العيد ,وأنا على هذا الوعد منذ عيدين حينها كان قد ذاقه عند بيت أختي سامية , وكلما ذكرني بالموز كنت دائم القول له " بالعيد يا بابا ".
يالله ماذا أفعل , كيلو الموز بستين ليرة , وأنا بحاجة إلى خضار أهم بكثير , وإن لم أشتريه سأصغر أمام ابني , كيف سأبرر له الأمر , يالله...



واشتريت بعض النعناع والبقدونس وكيلوا موز واحد , يحتوي على خمس موزات لا بأس بهم , أشكر الله أنهم خمسة , ممايعني لكل شخص موزة ماعداي , لكنني أنا الآخر أشتهي الموز , فمنذ مناسبات عديدة لم أذقه , لكن زوجتي وأولادي هم الأهم .
مازلت أشكر اللهً أن زوجتي قد أشترت منذ يومين حاجيات طبخة العيد , بعدما حظيت على مبلغ من أهل الخير كصدقة للفطر , وقبل عودتي للمنزل مررت بالإسكافي لكي أخيط نعل حذائي الذي آتيه به في بداية كل شهر, المسكين قد يأس مني ومن حذائي , وفي آخر مرة ذهبت فيها إليه , قال لي "اشتر حذاءاً جديداً , فحذاءك يناجيك أن تحيلة إلى التقاعد وأنا على استعداد أن أدفع ثمن الجديد هدية لك ".
كم هو بائس هذا الحذاء , يناجيني وأنا أزيد التعلق به , كل شيء يتعلق بي هو بائس حتى البنطال , الذي خدمني ومازال يخدمني منذ أكثر من عشرة أعوام ,يناجيني وأنا أزيد التعلق به , آه حتى العيد هو مؤلم بالنسبة لي وأنا عالة عليه , فأمثالنا من الفقراء هم عالة على العيد ولا يحق لهم أن يفرحوا به , هذه هي سنة الحياة , أن يحظى الفقير بقمامة الحياة وأن يحظى الغني بكل الحياة .
وأخيراً انتهيت من شراء الحاجيات , وعدت للمنزل لأرى الجميع نياماً , وفوق رؤوسهم لباس العيد , وضعت فوق رأس كل واحد منهم موزة , وأخذت زوجتي موزتها ووضعتها فوق رأس محمد الحالم بالموز , ليأكل موزتين ويهنىء بمذاق الموز اللذيذ .
استحممت وآويت إلى فراشي , لكي أنام هنيئاً بعدما أزحت من على صدري هماً كبيراً يدعى العيد , لكنني فوجئت بهمٍ جديد ولد لحظتها هو مصروف العيد, أما مصروف مابعد العيد فلا أودّ التفكير به الآن لكي لا أفسد حلمي بمرور العيد , خصوصاً انني لاأملك قرشاً واحداً .

بشير ميرة 17/10/2006


عطوني رأيكم بصراحة وبتمنى يكون نقدكم موجود , هي قصة من كتاباتي

أخوكم بشير

سرسورة
08/12/2006, 04:42
تحياتي لقلمك:D

قهوة دايمي
10/12/2006, 17:03
رائعة صديقي ..
وبانتظار المزيد من كتاباتك

بالتوفيق

Syrian__Angel
10/12/2006, 17:16
:cry: :cry:
لك اي والله قطّعلي قلبي هالــ عبدو !!


الله يكون بعونو ... وبعون كل محتاج ...

كتابتك كتير حلوة ، يعطيك الف عافية :D

King Life
10/12/2006, 21:49
تحياتي لقلمك:D



مشكور لمرورك الرائع