-
دخول

عرض كامل الموضوع : ساعة لله ؟؟؟


fr.samir
04/06/2004, 20:55
// ساعة لله.. صوم وصلاة //
كان عيد ميلادي صباحَ ذلك اليوم من شهر شباط 1978. غيرَ أنّي أحسست قوّةً تدفعني للخارج وأنا أحمل حقيبتي وأتوجّه لفطور عمل. لقد عاملتني الحياة معاملةً حسنةً على وجه العموم. وكان زوجي وأولادي في خير حال، وشركة الإعلانات الصغيرة التي أسستها أصابت نجاحاً، لكنّ شيئاً بدا ناقصاً، شيئاً لم يكن له اسم، شعرت به كبعض فراغ داخليّ. وحين دخلت المطعم وجدت "دون كامبل" ينتظرني، وهو شخص في الستينات من عمره، وكان مستشاراً ناجحاً في شؤون التسويق، وقريباً إلى قلوب الناس، وطالما قدّرت فيه الهدوء والسلام. وفيما نحن نتناول الفطور رحنا نتحادث حول مشروع إعلاني. ولمّا فرغنا من الحديث المهني شكوت له أمري ووصفت له ذلك الشعور المزعج بالفراغ. وسألني: "أتريدين ملءَ الفراغ ؟" أجل وكيفَ لا ؟ "إذاً باشري نهاركِ بساعة صلاة" ليس لديّ وقتٌ لذلك.. "هذا ما قلته تماماً قبل عشرين سنة، وكنت رئيساً لشركة إعلان في شيكاغو، وكان وقتي مليئاً بالواجبات، وعلى رغم إيماني بجدوى الصلاة اليوميّة فإنّي لم أجد لها وقتاً، وراودَني شعورٌ أنّ حياتي تفلِت من قبضتي. ثمّ أخبَرني صديقٌ أنّي أفعل أموري على عكس ما ينبغي، وأضاف: (أنت تحاول أن تدخل الله في حياتك، ولا تدري أنّ الصحيح هو العكس، فأنت تحتاج إلى الدوران في فلك الله، وعليك أن تكرّس لذلك الأمر ساعةً كلّ يوم، إذ هكذا يكون الالتزام). والهدف أن يقتطع المرء جزءَاً مهماً من حياته ويعطيه لله". ورفّت عينا السيّد وتابع: " ظننت أنّ صديقي فقد صوابه. ومن أجل تكريس ساعة لله، عليّ تعويضها بالنهوض من النوم ساعةً أبكر من المعتاد. وهذا يعني خسارةَ ساعةٍ من الراحة قد تؤدّي إلى مضاعفاتٍ صحيّة. لكنّي أقول لكِ أني لم أعرف المرض طوالَ عشرين عاماً".. غادرت المطعم باضطراب، ساعة صلاة!! هذا غير معقول، إلاّ أنّي لم أستطع نزع فكرة السيّد من ذهني. وبغير أن أقول شيئاً لزوجي أو لأولادي المراهقين، ضبطّت ساعة المنبّه على الخامسة صباحاً، علماً أننا نعيش في مكانٍ جوّه بارد وقاتم في الخامسة صباحاً من شهر شباط، وشدَّني دافعٌ إلى البقاء في السرير، غير أنّي استجمعت قواي ونهضت. ولفّني الظلام من كلّ جانب، ومشيت على رؤوس أصابعي إلى غرفة الجلوس غير آبهةٍ لكلب الصيد الذي نملكه، وجلستُ على الأريكة، ووجدت من الغريب بادئ الأمر أن أكون وحدي مع الله، من غير طقوس دينيّة. وحدي! نعم.. مع الله، ولمدّة ساعة. ونظرتُ إلى ساعة يدي وقلت: " حسناً يا إلهي، إنّي هنا.. وماذا بعد ؟ وكنت أودّ القول أن الله أجابني للحال، ولكن لم يكن هناك سوى الهدوء، وحاولت أن أصلّي فيما أنظر لشروق الشمس. لكني عوض الصلاة رحت أفكر في ابني آندي، والمشادّة التي حصلت بيننا في اليوم السابق، وفكرت أيضاً في زبونٍ واجه مأزقاً تجارياً، كما فكّرت بجملة أمورٍ تافهة. غير أن تلك الأفكار تلاشت تدريجياً، ورحت أتنفّس ببطء إلى أن أحسست هدوءاً داخلياً. وبتّ أسمع أخفّ الأصوات، وبعد ذلك شعرت دفء المحبّة التي لا أعرف كيف أصفها. وبدا لي أنّ هواء الغرفة باتَ مختلفاً، كذلك المقعد الذي أجلس عليه، وجوّ المنزل كلّه.
وبعد خمسين دقيقة باشرت صلاتي، ووجدت نفسي لا ألجأ إلى العبارات المعهودة والمحفوظة غيباً، ولا إلى سلسلة الطلبات: "أعطني يا الله هذا الشيء أو ذاك". لقد قيل لي، طوال حياتي، أن الله يحبّني، غير أني صبيحة ذاك اليوم البارد من شباط أحسست محبّته التي غمرت كياني، وجعلتني أبقى ربع ساعة مسبّحةً إيّاه تعالى. ثمّ رنّ جرس ساعة آندي، ونبح الكلب، إيذاناً ببدء النهار. لكن حرارة تلك المحبّة سرَت في كياني بقيّة ذاك اليوم. وفي الصباح التالي بدا المنزل أشدّ عتمةَ وبرداً، غير أنّ ذلك لم يثنني عن النهوض، وقلت لنفسي: "ها أنا أنجح، هذا اليوم أيضاً، في تخصيص ساعة لله" والكلام نفسه قلته صباح اليوم الثالث. ويوماً بعد يوم انقضت ستّ سنوات على هذا المنوال. وشهدت تلك السنوات أزمات كثيرة في أوضاعي العائليّة والمهنيّة. وكنت أخرج من كلّ أزمة منتصرةً بفضل تلك الساعة الصباحيّة مع الله التي أتاحت لي وضع كلّ شيء في سياقه واكتشاف الله تعالى في كلّ مكان. وكلّما وجدته بدا حلّ جميع المشاكل ممكناً. وفي بعض الصباحات أجدني امتلأت سريعاً بحضور الله ومجده. لكني في صباحاتٍ أخرى لا أشعر شيئاً. وإذ ذاك أتذكّر أمراً آخر قاله لي "دون كامبل": ثمة أوقات لا يأتي الله إلى هيكلك. وهذا يعني أنكِ تقضينَ الوقت في غرفة الانتظار الإلهيّة. غير أنّك هناك، والله يقدّر وجودك حيث أنتِ. والمهمّ في الأمر هو الالتزام، أي تسليم ذواتنا لله. وأشهد بانّ حياتي باتت أفضل كثيراً بفعل هذا الالتزام. والحقّ أن استهلال النهار بساعة صلاة ملأ فراغ حياتي حتى الفيض.

قصّة: ساعة لله /بقلم بربارة بارتوتشي/
ملاحظة نشرت مرة سابقة في الموقع ولكن هي دائماً جديدة