Alkhub
06/12/2006, 11:39
سؤال صعب
لـقـد أحـبَـها حبـًا عظيما، لم تكن العلاقة بينهما علاقة كغيرها، لم يكد أحدهما يفترق عن الآخر إلا للشديد القوي، و أي شيءٍ أشد إيلاما على الإنسان من المرض، و أي شيءٍ أقوى تأثيرا عليه من الفقر.
كان كرم يترك أمه المريضة ليذهب إلى عمله، ذاك الذي لم يحتج إلى شهادته التي أفنى ثلثي عمره للحصول عليها، والله يعلم كم تعب و عانى كما تعبت و عانت أمه من قبل لتحقيق حلمه بأن يصبح محامياً.
يعود كرم من عمله الأول منهكا، كيف لا و هو قد أمضى طول النهار واقفا على قدميه في محطة البنزين. يعود فتستـقبله أمه بابتسامة تنسيه تعب النهار، و برائحة طعام تسعد معدته الخاوية.
كان يقضي مع أمه ساعتين، هما أحب إلى قلبه من الدنيا و ما فيها، فهو يعد الساعات حتى تأتي هاتان الساعتان، و يشعر بالشفقة على أمه و على نفسه عند انتهائهما.
يودّع أمه مقبلا يدها ليذهب إلى عمله الثاني في مطعم للوجبات السريعة، و ليت الوقت هناك كان سريعا كالوجبات.
كان يعود إلى البيت عند انتصاف الليل، متمنيا ألا تكون أمه قد نامت، و قلما يحدث ذلك إلا عندما تكون في نكسة صحية، أو لقيامها بما يحتاجه البيت من تنظيف أو ترتيب؛ البيت الذي كانت أجرته تلتهم معظم الراتب الأول.
يصل إلى البيت، ثم يتناول عشاءه المتواضع مع أمه أو وحيدا، ثم يرتمي على فراشه بعد يوم طويل أمضاه واقفا، كما أمضاه الأمس و كما سيمضيه غداً.
كان مرض الأم في رئتيها، فقد كانت تعاني مشكلة في التنفس، و كانت تسكتها إسكاتا بدواء يشتريه ابنها وحيدها و نور عينها.
لم يكن هذا الدواء متوافرا في صيدليات الحكومة، لذلك فهو يضطر لشرائه من غيرها بأضعاف سعره.
اعتادت الأم أن تنتظر ابنها عندما يكون في عمله، و تعد له الطعام متلهفة لتسمع رأيه فيه، و ذلك بغض النظر عما إذا كانت هي أصلا هذا النوع من الطعام، فالمهم أن يعجب كرم.
و كانت تطير فرحا عندما يعجبه الطعام، و مرة أبدى رأيه مازحا:
إم م م ...شهي! من أرسل إلينا هذا الطعام؟
فضحكت مبدية ضحكها، و بكت مخفية بكاها، فلقد علق برأسها سؤاله عن المرسل.
(لنفسها) – من سيرسل لنا يا حسرة!؟ فالكل قد ابتعد عنا ونسينا منذ وفاة زوجي، كان ذلك قبل عشرة أعوام، حين كان كرم في الرابعة عشرة من عمره. ابتعدوا عنا لأنني ذهبت لطلب بعض المال، فالديانة كانوا يطرقون بابنا كل يوم، لكن أهل زوجي رفضوا تسديد ديون أخيهم، والتي لا أذكر سببا لها.
(يقاطع تفكيرها) - أمي...أم كرم ، أين ذهبت ؟
- لا يا حبيبي، أنا هنا، و لكنني أتساءل إن كنت سأراك عريسا قبل أن ...
(يسكتها بسرعة) - أرجوك يا أمي لا تقوليها، أسأل الله أن يكون يومي قبل يومك.
(ترد عليه و قد أجهشت بالبكاء) – لا أحياني الله يوما من غيرك يا نور عيني.
تعودت الأم أن تستيقظ قبيل أذان الفجر، تتوضأ و تصلي ركعتين، ثم تذهب لإيقاظ ابنها عند الأذان، و يكون المؤذن قد وصل إلى قول (( الصلاة خير من النوم )) .
كرم.. كرم.. اسمع يا حبيبي هذا الصوت.
(فيرد عليها) – آه، لقد سمعت، هل أعود للنوم الآن؟؟
(فتبتسم الأم و تقول) – قم إلى الصلاة يا شقي، لا أشقاك الله.
فيقوم و يصلي الفجر، و يحتسي قهوته، ثم ينطلق ليبدأ يومه المعتاد.
مضى هذا اليوم كغيره من الأيام، لكن حزنا غريبا خيم عليه، و عاد كرم آخر الليل إلى البيت و لكن سكونا مخيفا غشي المكان.
دخل فوجد أمه مستيقظة، سلم عليها و دخل ليغير ملابسه و يغتسل، و أثناء ذلك أعدت له أمه العشاء، تبلغه بهدوء، ثم قام إلى سريره، و لكن قبل أن يدخل غرفته نادته أمه و اندفعت إليه، عانقته و قالت له حابسة دمعها: - ربي لا يحرمني منك.
دخل غرفته و ارتمى على السرير و قلبه مقبوض، أخذ يفكر في هذه الدنيا، وجعل يشرق و يغرب، لكنه لم يلبث حتى دخل عليه رجل غريب، شديد البياض، يشع النور من أطرافه لدرجة أخفت ملامحه.
(قام كرم مشدوها) – من أنت..وكيف دخلت إلى هنا؟
اجلس يا بني و لا تستعجل، أنا هنا من أجل أمر مهم، أنا هنا لأسألك لا لتسألني.
ما الأمر ؟ ما بالك يا رجل؟
أريد أن أسألك السؤال التالي: إذا كان لا بد من أن يموت أحدكما أنت و أمك هذه الليلة، فمن تختار؟
(أطرق كرم مصعوقا) – يا إلهي، ما بال هذا الرجل ..هل هو في وعيه!
لم ترد عليّ، اختر بسرعة ليس هناك وقت.
(كرم لنفسه) – ما هذا السؤال، طبعا سأختار ... لا .. يا لي من أناني، كيف فكرت في ذلك، إنني خجل من نفسي.
آه، يا له من سؤال صعب، كنت دائما أقول و أدعو ربي أن يجعل يومي قبل يوم أمي، و لكن ما لي لا أقول ذلك للرجل؟ هل كانت تلك كلمات و حسب، و هل تختلف المشاعر باختلاف الظروف؟ لماذا لا أقول له إنني أختار نفسي ؟ لماذا يرتبط لساني، ما السبب؟
لكن، نعم..ربما هذا هو السبب. لقد فكر قلبي في هذا قبل عقلي، ماذا لو مت أنا؟ ما الذي سيحل بأمي؟ كيف سيكون وقع الموقف عليها ؟ أي حزن عظيم سوف يسكن قلبها، ذاك الذي لن يتحمل كل هذا.
كما و كيف ستعيش من دوني، من أين ستحصل على ثمن الدواء؟ من الذي سيأخذها للطبيب؟ من أين ستأكل، من أين ستدفع أجرة البيت؟ هل يعقل أن تطرد منه؟هل يعقل أن...
الرجل – هيا، لقد تأخرت!!
حسنا سوف أختار، سوف أختار...
ما بي؟ هل أستطيع أنا العيش دون أمي؟ هل أستطيع دخول البيت من غير أن أرى وجهها أو أسمع صوتها؟
لكنني رجل، و يمكنني التحمل.
هل معنى ذلك أنني أختار................... رأسي سينفجر..!!
" الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم "
آه، هل كنت نائما، (يأخذ نفسا عميقا)، يا له من كابوس، لكن الحمد لله أنه كان مجرد...
يسكت – تتحدق عيناه – تدمعان – يرتجف جسده – و يقشعر بدنه- يقوم راكظا مفكرا – المفروض أن تقوم أمه بإيقاظه، لم يسمع صوتها تقول له: اسمع هذا الصوت.
يدخل غرفتها، فيجدها على سجادة الصلاة، مرتمية، لا تصدر أي حراك.
يندفع إلها- يهزها بقوة – يُجلسها – يحضنها..
ردّي عليّ يا أمي – أرجوك لا تتركيني..
(يصرخ بأعلى صوته) – سامحيني يا أمي ...سامحيني
أنا الذي اخترت ذلك... أنا..
لم يكن بوسعي تخيلك تعانين..
لم يكن بمقدوري اختيار شقائك..
لم يكن بإمكاني يا أمي – فلقد اخترت راحتك..
سامحيني ............ سامحيني.........
لـقـد أحـبَـها حبـًا عظيما، لم تكن العلاقة بينهما علاقة كغيرها، لم يكد أحدهما يفترق عن الآخر إلا للشديد القوي، و أي شيءٍ أشد إيلاما على الإنسان من المرض، و أي شيءٍ أقوى تأثيرا عليه من الفقر.
كان كرم يترك أمه المريضة ليذهب إلى عمله، ذاك الذي لم يحتج إلى شهادته التي أفنى ثلثي عمره للحصول عليها، والله يعلم كم تعب و عانى كما تعبت و عانت أمه من قبل لتحقيق حلمه بأن يصبح محامياً.
يعود كرم من عمله الأول منهكا، كيف لا و هو قد أمضى طول النهار واقفا على قدميه في محطة البنزين. يعود فتستـقبله أمه بابتسامة تنسيه تعب النهار، و برائحة طعام تسعد معدته الخاوية.
كان يقضي مع أمه ساعتين، هما أحب إلى قلبه من الدنيا و ما فيها، فهو يعد الساعات حتى تأتي هاتان الساعتان، و يشعر بالشفقة على أمه و على نفسه عند انتهائهما.
يودّع أمه مقبلا يدها ليذهب إلى عمله الثاني في مطعم للوجبات السريعة، و ليت الوقت هناك كان سريعا كالوجبات.
كان يعود إلى البيت عند انتصاف الليل، متمنيا ألا تكون أمه قد نامت، و قلما يحدث ذلك إلا عندما تكون في نكسة صحية، أو لقيامها بما يحتاجه البيت من تنظيف أو ترتيب؛ البيت الذي كانت أجرته تلتهم معظم الراتب الأول.
يصل إلى البيت، ثم يتناول عشاءه المتواضع مع أمه أو وحيدا، ثم يرتمي على فراشه بعد يوم طويل أمضاه واقفا، كما أمضاه الأمس و كما سيمضيه غداً.
كان مرض الأم في رئتيها، فقد كانت تعاني مشكلة في التنفس، و كانت تسكتها إسكاتا بدواء يشتريه ابنها وحيدها و نور عينها.
لم يكن هذا الدواء متوافرا في صيدليات الحكومة، لذلك فهو يضطر لشرائه من غيرها بأضعاف سعره.
اعتادت الأم أن تنتظر ابنها عندما يكون في عمله، و تعد له الطعام متلهفة لتسمع رأيه فيه، و ذلك بغض النظر عما إذا كانت هي أصلا هذا النوع من الطعام، فالمهم أن يعجب كرم.
و كانت تطير فرحا عندما يعجبه الطعام، و مرة أبدى رأيه مازحا:
إم م م ...شهي! من أرسل إلينا هذا الطعام؟
فضحكت مبدية ضحكها، و بكت مخفية بكاها، فلقد علق برأسها سؤاله عن المرسل.
(لنفسها) – من سيرسل لنا يا حسرة!؟ فالكل قد ابتعد عنا ونسينا منذ وفاة زوجي، كان ذلك قبل عشرة أعوام، حين كان كرم في الرابعة عشرة من عمره. ابتعدوا عنا لأنني ذهبت لطلب بعض المال، فالديانة كانوا يطرقون بابنا كل يوم، لكن أهل زوجي رفضوا تسديد ديون أخيهم، والتي لا أذكر سببا لها.
(يقاطع تفكيرها) - أمي...أم كرم ، أين ذهبت ؟
- لا يا حبيبي، أنا هنا، و لكنني أتساءل إن كنت سأراك عريسا قبل أن ...
(يسكتها بسرعة) - أرجوك يا أمي لا تقوليها، أسأل الله أن يكون يومي قبل يومك.
(ترد عليه و قد أجهشت بالبكاء) – لا أحياني الله يوما من غيرك يا نور عيني.
تعودت الأم أن تستيقظ قبيل أذان الفجر، تتوضأ و تصلي ركعتين، ثم تذهب لإيقاظ ابنها عند الأذان، و يكون المؤذن قد وصل إلى قول (( الصلاة خير من النوم )) .
كرم.. كرم.. اسمع يا حبيبي هذا الصوت.
(فيرد عليها) – آه، لقد سمعت، هل أعود للنوم الآن؟؟
(فتبتسم الأم و تقول) – قم إلى الصلاة يا شقي، لا أشقاك الله.
فيقوم و يصلي الفجر، و يحتسي قهوته، ثم ينطلق ليبدأ يومه المعتاد.
مضى هذا اليوم كغيره من الأيام، لكن حزنا غريبا خيم عليه، و عاد كرم آخر الليل إلى البيت و لكن سكونا مخيفا غشي المكان.
دخل فوجد أمه مستيقظة، سلم عليها و دخل ليغير ملابسه و يغتسل، و أثناء ذلك أعدت له أمه العشاء، تبلغه بهدوء، ثم قام إلى سريره، و لكن قبل أن يدخل غرفته نادته أمه و اندفعت إليه، عانقته و قالت له حابسة دمعها: - ربي لا يحرمني منك.
دخل غرفته و ارتمى على السرير و قلبه مقبوض، أخذ يفكر في هذه الدنيا، وجعل يشرق و يغرب، لكنه لم يلبث حتى دخل عليه رجل غريب، شديد البياض، يشع النور من أطرافه لدرجة أخفت ملامحه.
(قام كرم مشدوها) – من أنت..وكيف دخلت إلى هنا؟
اجلس يا بني و لا تستعجل، أنا هنا من أجل أمر مهم، أنا هنا لأسألك لا لتسألني.
ما الأمر ؟ ما بالك يا رجل؟
أريد أن أسألك السؤال التالي: إذا كان لا بد من أن يموت أحدكما أنت و أمك هذه الليلة، فمن تختار؟
(أطرق كرم مصعوقا) – يا إلهي، ما بال هذا الرجل ..هل هو في وعيه!
لم ترد عليّ، اختر بسرعة ليس هناك وقت.
(كرم لنفسه) – ما هذا السؤال، طبعا سأختار ... لا .. يا لي من أناني، كيف فكرت في ذلك، إنني خجل من نفسي.
آه، يا له من سؤال صعب، كنت دائما أقول و أدعو ربي أن يجعل يومي قبل يوم أمي، و لكن ما لي لا أقول ذلك للرجل؟ هل كانت تلك كلمات و حسب، و هل تختلف المشاعر باختلاف الظروف؟ لماذا لا أقول له إنني أختار نفسي ؟ لماذا يرتبط لساني، ما السبب؟
لكن، نعم..ربما هذا هو السبب. لقد فكر قلبي في هذا قبل عقلي، ماذا لو مت أنا؟ ما الذي سيحل بأمي؟ كيف سيكون وقع الموقف عليها ؟ أي حزن عظيم سوف يسكن قلبها، ذاك الذي لن يتحمل كل هذا.
كما و كيف ستعيش من دوني، من أين ستحصل على ثمن الدواء؟ من الذي سيأخذها للطبيب؟ من أين ستأكل، من أين ستدفع أجرة البيت؟ هل يعقل أن تطرد منه؟هل يعقل أن...
الرجل – هيا، لقد تأخرت!!
حسنا سوف أختار، سوف أختار...
ما بي؟ هل أستطيع أنا العيش دون أمي؟ هل أستطيع دخول البيت من غير أن أرى وجهها أو أسمع صوتها؟
لكنني رجل، و يمكنني التحمل.
هل معنى ذلك أنني أختار................... رأسي سينفجر..!!
" الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم "
آه، هل كنت نائما، (يأخذ نفسا عميقا)، يا له من كابوس، لكن الحمد لله أنه كان مجرد...
يسكت – تتحدق عيناه – تدمعان – يرتجف جسده – و يقشعر بدنه- يقوم راكظا مفكرا – المفروض أن تقوم أمه بإيقاظه، لم يسمع صوتها تقول له: اسمع هذا الصوت.
يدخل غرفتها، فيجدها على سجادة الصلاة، مرتمية، لا تصدر أي حراك.
يندفع إلها- يهزها بقوة – يُجلسها – يحضنها..
ردّي عليّ يا أمي – أرجوك لا تتركيني..
(يصرخ بأعلى صوته) – سامحيني يا أمي ...سامحيني
أنا الذي اخترت ذلك... أنا..
لم يكن بوسعي تخيلك تعانين..
لم يكن بمقدوري اختيار شقائك..
لم يكن بإمكاني يا أمي – فلقد اخترت راحتك..
سامحيني ............ سامحيني.........