-
دخول

عرض كامل الموضوع : نهاية دول المخابرات


Tarek007
26/05/2005, 05:59
نهاية دول المخابرات


خالص جلبي : الاتحاد 25/5/2005
قالت لي السيدة التركمانية التي تحمل الجنسية التركية، إنها تحب أن تزور سوريا في طريقها إلى تركيا، وكانت في طريقها من دولة خليجية بسيارتها مع زوجها، قلت لها ستكون رحلة جميلة ولا شك.
كانت العائلة العراقية أثناء هذه الرحلة الميمونة قد ارتاحت للناس، وتحدثت معهم بلهجة عراقية تركمانية محببة، وظنت ـ غفلة منها ـ أن اللسان العربي ينفع ولا يضر؟
التفت الموظف إليهم وقال عليكم مراجعة الفرع رقم 273 للأجانب؟ صعق الزوجان فلم يصدقا أنهما خلصا من قبضة صدام بعد أن تركا أملاكهما وراء ظهريهما في كركوك قبل ثلاثة عقود وأصبحا أتراكاً لا علاقة لهما بالعرب بنسب وأرض. فقد تبين أن اللهجة العراقية غير محببة وأنها لعنة... ولكن يا جماعة: نحن أتراك ونحن نمر مرور الكرام أفهذه معاملة الضيوف؟
أجاب الموظف بوجه رمادي: هي التعليمات وثقوا أنكم ستتلقون معاملة تليق بكم؟ وكان الفرع المذكور في دمشق وعليهم العودة مسافة 400 كيلومتر إلى الخلف؟
استسلم الرجل وقال: لقد سقطنا في الفخ؟ ولكن الزوجة كانت أكثر ذكاء فلم تنهرْ؛ بل هداها تفكيرها إلى مراجعة القنصلية التركية في حلب، فإن أسلمتهم دولتهم إلى مصيرهم فسيكونون مثل الجرذ الذي استأجر لنفسه مصيدة؟ ولعنوا الساعة التي دخلوا فيها البلد. وفي القنصلية هتف الموظف التركي: لن نسلمكم لهم بحال ولن تراجعوا هذه الأفرع السرية من رقم 273 و224 و559 و889, انها مثل أبواب جهنم السبعة. ولسوف نلقن السوريين درسا؟ ثم التفت إلى المراجعين السوريين من أجل تأشيرات الدخول إلى تركيا... فطردهم.
وخلال يومين قام الرجل باتصالاته مع الحكومة التركية حتى خرجت العائلة وهي تقسم بالذي فطر السموات, أن لا تطأ بعدها بلدا عربيا.
وطرافة هذه القصة تأتي من طرافة القانون الذي أصدرته القيادة القطرية لحزب البعث في سوريا بتاريخ 12 مايو 2005 تعميماً لجميع فروع الأمن والمخابرات حددت فيه نحو 67 حالة لا تستدعي الحصول المسبق على الموافقة الأمنية. ومن يطالع هذه المهن المحظورة يظن أنه في بلد "أليس للعجائب" وليس مكاناً في الكرة الأرضية؟ وهي تذكر بقصة العائلة التركمانية؟
جاء في القرار القراقوشي أن ذراع المخابرات البطاشة رفعت عن حالات مثل: عبور أراضي القطر للرعايا العرب, ونقل جثمان متوفى, مزاولة مهنة الطب والتدريس وإقامة ندوات طبية, ومنح ترخيص فتح مطعم ومهنة جزار, والترخيص ببيع أجهزة الخليوي، وصالة بلياردو، أو بينج بونج، أو صالة أفراح، أو فندق، أو ألعاب كمبيوتر، أو سيرك، أو استديو تصوير, أو نقل أثاث وتعيين مخاتير أو إقامة أعراس جماعية وعمال وسائقين للحج والعمرة, أو طباعة النايلون والترخيص لمكتب سياحة وسفر، أو مكتب عقاري، أو بيع وشراء وتأجير سيارات أو الترخيص لكشك، أو بقالة، أو مخبز، أو محل لبيع الصفيحة والمعجنات أو صالون حلاقة، أو مطعم، أو مسبح، وتأجير الدراجات النارية, أو مدرسة تعليم وقيادة السيارات وجليسات الأطفال. وباختصار فقبضة المخابرات تمتد إلى المواطن المسكين من المهد إلى اللحد، ومن اليقظة إلى المنام، وفي الأحلام، عن اليمين والشمال رقيب ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد. فهم يحصون الأنفاس، ولا تأخذهم سنة ولا نوم، ويعرفون دبيب كل نملة وطنين كل نحلة، في وطن لا يعمل فيه شيء إلا نظام المخابرات بأفضل من وكالة "ناسا" لارتياد الفضاء، أو ا! لكمبيوتر الكوانتي.
ومن يطالع هذه المهن المحظورة تخطر في باله ثلاثة أمور: ظنه أنها مزحة ثقيلة، لولا أنها كانت تبكي الناس. ويفهم لماذا تأخرت سوريا عن العالم قرنا في الوقت الذي يدخل العالم حفلة القرن الحادي والعشرين، بعد أن لم يبق أمان لطير وقطة. ويفهم ثالثا, أن النظام الشمولي بدأ ينازع، والحزب القائد أصبح من مخلفات التاريخ، وظهرت عليه علائم التشيخ، فهو في سكرات الموت، و"الملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم".
ولكن ما لا يفهم أو لا ينتبه إليه هو السؤال التالي: إذا كانت سبعون مهنة قد خففت قبضة المخابرات عنها، فهل هناك سبعمائة مهنة عفت عنها قوانين سرية لا يعرفها إلا الله والراسخون في علم المخابرات؟