x52
04/12/2006, 12:22
}{ تلك الخطوات الخمس }{
استيقظت في حوالي السابعة صباحاً لأجلس في شرفة منزلنا الجديد وغايتي هي أن أبدد غيوم الإرهاق التي ماانفكت تلاحقني منذ فترة طويلة . فأغلقت عيناي لبرهة وأخذت نفساً عميقاً وأنا أمسك بإحدى الكتب القديمة, وما أن فتحتهما حتى استوقفتني روعة الحديقة الخضراء الواسعة التي يطل عليها المنزل , فبقيت أتابع امتداد الأشجار إلى أن وصلت إلى خط الأفق وأنا أحس بأني أضعت الكثير من الأيام في الماضي لأني لم أمتع نفسي بهكذا صفاء من قبل..
وبينما كنت أفتح الكتاب استرعى انتباهي سيدة وطفل صغير وامرأة مسنة تحمل بيدها عكازاً وجميعهم يقفون على الرصيف المقابل للحديقة وما هي إلا لحظات حتى بدؤوا سيرهم وأنا أراقب المرأة العجوز التي ما كانت تبدأ خمس خطوات حتى تتوقف قليلا لترتاح وتعاود بخمس خطوات جديدة ثم تتوقف , وأخذت تكرر ذلك إلى أن وصلت إلى منتصف الشارع.
وفجأة أخذت تلك السيدة تشد المرأة العجوز من يدها محاولة الإسراع بإبعادها عن السيارات التي كانت كأسود تعدو محاولة الانقضاض على الفرائس البريئة لكن العجوز لم تستطع حتى رفع رجلها. وبأعجوبة مرت السيارات دون أن يصاب أحد من الثلاثة بأي أذى , ورغم الخطوات المتثاقلة إلا أن الجميع وصلوا بسلام إلى رصيف الحديقة وتوقفوا بعد أن كاد قلبي أن يتوقف هو الآخر . لقد كان الرعب واضحاً عليهم والهلع قد استحوذهم , فوقفت السيدة والطفل جانباً , وجلست المرأة العجوز على طرف الرصيف وقد اقترب منهم رجل في متوسط العمر وبيده عصا أعطاها لتلك المرأة العجوز بعد أن تحدث إليهم لبرهة قصيرة ومن ثم أمسك بيد السيدة وسار الثلاثة مبتعدين بظلالهم عن العجوز والعصا القديمة وقد ضنّوا عليها بالذهاب معهم وكأنها عبءٌ ثقيل لا يستطيعون تحمله طيلة الوقت . لم تتوقف خطاهم كذلك نظرات العجوز عن ملاحقتهم حتى بدوا نقاطاً بعيدة في زمن أبعد . فحملت عصاها وبدأت بالخطوات الخمس ثم التوقف وإلى ذلك حتى دخلت الحديقة . وبقيت أتابعها وعيناي ممتلأتين بالدموع .
لاشك أن تلك العصا التي لا تحمل روحاً كانت أحنّ عليها من أولئك البشر . وهذه الحديقة أجمل منزل لمن لا منزل لهم غير جدران من حجر تسكن بينها قلوب لم تعرف الخفقان يوماً .
~*~ طـــــوق ا لياســــــمين ~*~
كان لا يزال ينظر إلى تلك الشجرة ذات الأزهار البيضاء الصغيرة وهو يقول: ((هل ترين هذه الشجرة يا ابنتي؟ إنها الياسمينة التي زرعتها من أجل ياسمين. ((ياسمين)) كم تردد هذا الاسم في ذاكرتي وكم بكيت لأجله. هذا كله لأني ظننت في يوم من الأيام بأنها لم تعط ابتسامتها وقلبها لأحد غيري.
فزرعت هذه الياسمينة كي أصنع طوقاً من أزهارها لياسمين. كنت أسقيها كل يوم وأنتظر نموها بفارغ الصبر, وعندما تفتحت أول زهرة بها قطفتها وقدمتها لها فوعدتني أن تحتفظ بها لكنها للأسف لم تفِ بوعدها. وبعد سنوات قليلة أصبحت الياسمينة كبيرة وتدلت أزهارها العطرة فقطفت أجملها وأمضيت نهاري كلّه في صنع طوق يزين جيدها الطويل , وكم كنت ساذجاً حينها بأفكاري تلك..
وفي المساء ذهبت إلى بيتها كي أعطيها الطوق مع أن أهلى حاولوا منعي يومها, ولم أدر لم؟ إذ لم يقل لي أحدهم أن ياسمين ترتدي فستاناً جميلاً وزينة كثيرة.. ثم جاء شخص غريب وطوق عنقها بطوق من الماس بينما كان خاتم ماسي آخر يلمع في إصبعها الأيمن, ثم تقدم ذلك الغريب منها أكثر وقبلها. عندها لم أدر ما أفعل فقد أحسست بأن جسمي كله مخدّر عدا عيني اللتين ذرفتا دمعاً كثيراً...
ولم أتصور أن ياسمين جميلة القرية تفضل طوق الماس على طوق الياسمين فجررت نفسي متهالكاً والخزي يملأ وجهي وعلى مقربة من مكان الخطبة استوقفتني زهرة الياسمين التي أهديتها إياها وقد تمزقت أوراقها من كثرة الدعسات التي مرت فوقها رغم صغرها فانحنيت وأخذتها وعندما وصلت إلى البيت حرقتها مع طوق الياسمين, وبكل ما أوتيت من قوة اقتلعت الياسمينة لكن جذورها بقيت في الأرض ربما لأنها تريد الحياة.
وفي تلك الليلة لم أنم ولملمت ثيابي منذ الصباح الباكر وغادرت القرية إلى بلاد بعيدة علني أنسى ياسمين لكنها ظلت تلاحقني بجرحها الذي صنعته في قلبي فترة طويلة. وهاأنذا الآن تزوجت وأنجبت وأصبحت جداً. ومعي من المال ما يكفي لشراء ألف طوق ماس. لكن أكثر ما فاجأني عند عودتي هي الياسمينة التي لم تمت بل أصبحت أجمل من ذي قبل وأكثر إشراقاً وعطراًً.. أما ياسمين فقد رأيتها تحمل أحفادها وقد بلغ الشيب منها مبلغه.
هل ترين يا ابنتي: (( الياسمينة كانت أوفى من ياسمين )).
جزاء الخائن
يروى انه في قديم الزمان ، كانت هناك مملكة عظيمة ، وكان يحكم هذه المملكة ملكا عادلا وحكيما ، حيث كان قصره مفتوحا لكل ابناء الشعب ليقدموا مشورتهم واقتراحاتهم ، وذلك لمصلحة المملكة وتقدمها ، وكان الملك يستمع للجميع ويأخذ بآرائهم ، فكان حقا مثالا للحاكم المنفتح والنزيه ، وكان الشعب يحبه ويجله ويحتفي به كل سنه ، ومن عادة هذه الأحتفالات كان على مواطن واحد ان يهديه هدية متواضعة في عيد ميلاده ، كل في دوره . ويقال بأنه في احدى السنوات جاء الدور على شخص ، وكان هذا الشخص فلاحا بسيطا يعيش في احدى القرى ، حيث كان يعيش على ما تنتجه ارضه ومن الصيد ، وعندما جاء عليه الدور اراد ان يهدي للملك اغلى ما عنده ، فجائته فكرى بان يهدي للملك طائر /الققوونو/ الذي كان يملكه ، وكان يستعمل هذا الطائر كطعم اثناء الصيد .
فذهب هذا الفلاح الى قصر الملك ، واخذ معه طائر الققوونو ، وبعد ان حيا الملك قال : يا جلالة الملك المعظم انني اهدي اليك هذه الهدية المتواضعة ، وهي اثمن مااملك ،واعطى طائر الققوونو للملك .
فقال الملك : وما هي مميزات هذا الطائر .
فرد الفلاح : ان هذا الطائر هو عجيب ، فأنا استعمله كطعم في الصيد ، حيث انصب الفخاخ واضع هذا الطائر بالقرب منها ، فيقوم بدوره بالتغريد ويصيح وينادي ابناء فصيلته من الطيور ، وعندما يأتون اليه يقعون في الفخ .
فأخذ الملك الطائر وقطع رأسه ورماه .
فقال الفلاح: ماذا فعلت يا جلالة الملك ، لماذا قتلت الطائر ؟
فقال الملك : ان كل من يخون أبناء قومه يجب ان يكون هذا مصيره .
لف ودوران
كانت افعى سامة عند ضفة احد الانهار عندما لمحت ثعلب قادم ناحيتها ، فنادته وقالت : ايها الثعلب الصديق ، هل تساعدني وتنقلني على ظهرك الى الضفة الأخرى من النهر فأنا لا استطيع السباحة ؟
فقال الثعلب : متى كنا اصدقاء ، وانتي افعى سامةوانا لا اثق بك .
فقالت الافعى : اقسم بقانون الغابة بأنني لن أؤذبك ، فكل ما سأفعلة هو انني سأركب على ظهرك وتنقلني الى الضفة الاخرى ، وسأكون لك من الشاكرين ، ولن انسى لك مساعدتك لي مدى الحياة .
فأقتنع الثعلب ، وصعدت الافعى على ظهره ، ونزل الى النهر ، والتفت الافعى حول عنق الثعلب ، وقالت : للأسف يا صديقي فأنني سألدغك .
فقال الثعلب : اهذا هو جزاء استحساني. فقالت الأفعى ـ انك تعلم اننا نحن الأفاعي مخادعين ، والآن ستدفع ثمن غبائك .
فقال الثعلب : ارجوك .. لا تلدغيني حتى نصل الى اليابسة ، فأنا لا اريد الموت في الماء . وعندما وصلوا الى الضفة الأخرى ولا زالت الأفعى ملفوفة حول رقبة الثعلب .
قال الثعلب : لي طلب أخير منك ، اريد قبلة الوداع قبل ان تلدغيني .
فقبلت الأفعى الطلب ، وعندما همت الأفعى بتقبيل الثعلب انقض عليها باسنانه وهشم رأسها . وانزل الافعى الملفوفة من حول رقبته ، ووضعها على الأرض بشكل مستقيم ، مثل المسطرة ، وقال مستطردا : هكذا تكون الصداقة ، ساوية ومستقيمة ، ليس فيها لا لف ولا دوران .
العالمان
كان في مدينة افكار القديمة عالمان ، وكان كل منهم يمقت معرفةالآخر ويحتقرها ، وكان الأول كافرا ، والثاني مؤمنا ، وحدث انهما اجتمعا مرة في ساحة المدينة وطفقا يتجادلان امام انصارهما في وجود الآلهة او عدم وجودها . وبعد حمي وطيس الجدل بينهما بضع ساعات مضى كل منهم الى سبيله . وفي ذلك المساء بعينه ذهب الكافر الى الهيكل وجثى على ركبته امام المذبح مستغفرا الآلهة عن جموح ماضيه وصار مؤمنا.
وفي تلك الساعة نفسها اخذ المؤمن كتبه المقدسة فحرقها في ساحة المدينة وصار زنديقا كافرا.
الحمار الوفي
انا حمار وفي ، اطيع سبدي واصغي اليه ، انحني له اجلال وابجله ، اسمع الكلام ولا اعترض ، يركب على ظهري ، يذلني ويضرب على قفاي وانا ابتسم ، اذهب الى زريبتي في الليل وانام بين الاقذار ، واستيقظ في الصباح مستعدا للضرب دون اعتراض ، فأنا حمار .
استحمل الاهانة والويل لي لو ابيت ان اطيع ، فعلي ان لا ابالي لو صرخ سيدي وقال ـ هش هش يا جحش يا حمار ، فأنا تعودت على الاهانة ، كما تعود سيدي على شتمي ليل نهار ، احمل الاثقال على ظهري في ايام البرد والحر ، في الجو الممطر والمثلج ، واذا ابيت مصيري وقلت لا ، وضعني سيدي في الزريبة واقفل علي دون اكل ولا ماء ، آكل بقايا من الشعير المعفن ، واغلق فمي وارضى بمصيري ، وما هو مدون ، علي السكوت والطاعة ، رغم ان سيدي ليس افضل مني ، فهو الآخر له اربعة ارجل وذيل ، فهو ايضا حمار .
استيقظت في حوالي السابعة صباحاً لأجلس في شرفة منزلنا الجديد وغايتي هي أن أبدد غيوم الإرهاق التي ماانفكت تلاحقني منذ فترة طويلة . فأغلقت عيناي لبرهة وأخذت نفساً عميقاً وأنا أمسك بإحدى الكتب القديمة, وما أن فتحتهما حتى استوقفتني روعة الحديقة الخضراء الواسعة التي يطل عليها المنزل , فبقيت أتابع امتداد الأشجار إلى أن وصلت إلى خط الأفق وأنا أحس بأني أضعت الكثير من الأيام في الماضي لأني لم أمتع نفسي بهكذا صفاء من قبل..
وبينما كنت أفتح الكتاب استرعى انتباهي سيدة وطفل صغير وامرأة مسنة تحمل بيدها عكازاً وجميعهم يقفون على الرصيف المقابل للحديقة وما هي إلا لحظات حتى بدؤوا سيرهم وأنا أراقب المرأة العجوز التي ما كانت تبدأ خمس خطوات حتى تتوقف قليلا لترتاح وتعاود بخمس خطوات جديدة ثم تتوقف , وأخذت تكرر ذلك إلى أن وصلت إلى منتصف الشارع.
وفجأة أخذت تلك السيدة تشد المرأة العجوز من يدها محاولة الإسراع بإبعادها عن السيارات التي كانت كأسود تعدو محاولة الانقضاض على الفرائس البريئة لكن العجوز لم تستطع حتى رفع رجلها. وبأعجوبة مرت السيارات دون أن يصاب أحد من الثلاثة بأي أذى , ورغم الخطوات المتثاقلة إلا أن الجميع وصلوا بسلام إلى رصيف الحديقة وتوقفوا بعد أن كاد قلبي أن يتوقف هو الآخر . لقد كان الرعب واضحاً عليهم والهلع قد استحوذهم , فوقفت السيدة والطفل جانباً , وجلست المرأة العجوز على طرف الرصيف وقد اقترب منهم رجل في متوسط العمر وبيده عصا أعطاها لتلك المرأة العجوز بعد أن تحدث إليهم لبرهة قصيرة ومن ثم أمسك بيد السيدة وسار الثلاثة مبتعدين بظلالهم عن العجوز والعصا القديمة وقد ضنّوا عليها بالذهاب معهم وكأنها عبءٌ ثقيل لا يستطيعون تحمله طيلة الوقت . لم تتوقف خطاهم كذلك نظرات العجوز عن ملاحقتهم حتى بدوا نقاطاً بعيدة في زمن أبعد . فحملت عصاها وبدأت بالخطوات الخمس ثم التوقف وإلى ذلك حتى دخلت الحديقة . وبقيت أتابعها وعيناي ممتلأتين بالدموع .
لاشك أن تلك العصا التي لا تحمل روحاً كانت أحنّ عليها من أولئك البشر . وهذه الحديقة أجمل منزل لمن لا منزل لهم غير جدران من حجر تسكن بينها قلوب لم تعرف الخفقان يوماً .
~*~ طـــــوق ا لياســــــمين ~*~
كان لا يزال ينظر إلى تلك الشجرة ذات الأزهار البيضاء الصغيرة وهو يقول: ((هل ترين هذه الشجرة يا ابنتي؟ إنها الياسمينة التي زرعتها من أجل ياسمين. ((ياسمين)) كم تردد هذا الاسم في ذاكرتي وكم بكيت لأجله. هذا كله لأني ظننت في يوم من الأيام بأنها لم تعط ابتسامتها وقلبها لأحد غيري.
فزرعت هذه الياسمينة كي أصنع طوقاً من أزهارها لياسمين. كنت أسقيها كل يوم وأنتظر نموها بفارغ الصبر, وعندما تفتحت أول زهرة بها قطفتها وقدمتها لها فوعدتني أن تحتفظ بها لكنها للأسف لم تفِ بوعدها. وبعد سنوات قليلة أصبحت الياسمينة كبيرة وتدلت أزهارها العطرة فقطفت أجملها وأمضيت نهاري كلّه في صنع طوق يزين جيدها الطويل , وكم كنت ساذجاً حينها بأفكاري تلك..
وفي المساء ذهبت إلى بيتها كي أعطيها الطوق مع أن أهلى حاولوا منعي يومها, ولم أدر لم؟ إذ لم يقل لي أحدهم أن ياسمين ترتدي فستاناً جميلاً وزينة كثيرة.. ثم جاء شخص غريب وطوق عنقها بطوق من الماس بينما كان خاتم ماسي آخر يلمع في إصبعها الأيمن, ثم تقدم ذلك الغريب منها أكثر وقبلها. عندها لم أدر ما أفعل فقد أحسست بأن جسمي كله مخدّر عدا عيني اللتين ذرفتا دمعاً كثيراً...
ولم أتصور أن ياسمين جميلة القرية تفضل طوق الماس على طوق الياسمين فجررت نفسي متهالكاً والخزي يملأ وجهي وعلى مقربة من مكان الخطبة استوقفتني زهرة الياسمين التي أهديتها إياها وقد تمزقت أوراقها من كثرة الدعسات التي مرت فوقها رغم صغرها فانحنيت وأخذتها وعندما وصلت إلى البيت حرقتها مع طوق الياسمين, وبكل ما أوتيت من قوة اقتلعت الياسمينة لكن جذورها بقيت في الأرض ربما لأنها تريد الحياة.
وفي تلك الليلة لم أنم ولملمت ثيابي منذ الصباح الباكر وغادرت القرية إلى بلاد بعيدة علني أنسى ياسمين لكنها ظلت تلاحقني بجرحها الذي صنعته في قلبي فترة طويلة. وهاأنذا الآن تزوجت وأنجبت وأصبحت جداً. ومعي من المال ما يكفي لشراء ألف طوق ماس. لكن أكثر ما فاجأني عند عودتي هي الياسمينة التي لم تمت بل أصبحت أجمل من ذي قبل وأكثر إشراقاً وعطراًً.. أما ياسمين فقد رأيتها تحمل أحفادها وقد بلغ الشيب منها مبلغه.
هل ترين يا ابنتي: (( الياسمينة كانت أوفى من ياسمين )).
جزاء الخائن
يروى انه في قديم الزمان ، كانت هناك مملكة عظيمة ، وكان يحكم هذه المملكة ملكا عادلا وحكيما ، حيث كان قصره مفتوحا لكل ابناء الشعب ليقدموا مشورتهم واقتراحاتهم ، وذلك لمصلحة المملكة وتقدمها ، وكان الملك يستمع للجميع ويأخذ بآرائهم ، فكان حقا مثالا للحاكم المنفتح والنزيه ، وكان الشعب يحبه ويجله ويحتفي به كل سنه ، ومن عادة هذه الأحتفالات كان على مواطن واحد ان يهديه هدية متواضعة في عيد ميلاده ، كل في دوره . ويقال بأنه في احدى السنوات جاء الدور على شخص ، وكان هذا الشخص فلاحا بسيطا يعيش في احدى القرى ، حيث كان يعيش على ما تنتجه ارضه ومن الصيد ، وعندما جاء عليه الدور اراد ان يهدي للملك اغلى ما عنده ، فجائته فكرى بان يهدي للملك طائر /الققوونو/ الذي كان يملكه ، وكان يستعمل هذا الطائر كطعم اثناء الصيد .
فذهب هذا الفلاح الى قصر الملك ، واخذ معه طائر الققوونو ، وبعد ان حيا الملك قال : يا جلالة الملك المعظم انني اهدي اليك هذه الهدية المتواضعة ، وهي اثمن مااملك ،واعطى طائر الققوونو للملك .
فقال الملك : وما هي مميزات هذا الطائر .
فرد الفلاح : ان هذا الطائر هو عجيب ، فأنا استعمله كطعم في الصيد ، حيث انصب الفخاخ واضع هذا الطائر بالقرب منها ، فيقوم بدوره بالتغريد ويصيح وينادي ابناء فصيلته من الطيور ، وعندما يأتون اليه يقعون في الفخ .
فأخذ الملك الطائر وقطع رأسه ورماه .
فقال الفلاح: ماذا فعلت يا جلالة الملك ، لماذا قتلت الطائر ؟
فقال الملك : ان كل من يخون أبناء قومه يجب ان يكون هذا مصيره .
لف ودوران
كانت افعى سامة عند ضفة احد الانهار عندما لمحت ثعلب قادم ناحيتها ، فنادته وقالت : ايها الثعلب الصديق ، هل تساعدني وتنقلني على ظهرك الى الضفة الأخرى من النهر فأنا لا استطيع السباحة ؟
فقال الثعلب : متى كنا اصدقاء ، وانتي افعى سامةوانا لا اثق بك .
فقالت الافعى : اقسم بقانون الغابة بأنني لن أؤذبك ، فكل ما سأفعلة هو انني سأركب على ظهرك وتنقلني الى الضفة الاخرى ، وسأكون لك من الشاكرين ، ولن انسى لك مساعدتك لي مدى الحياة .
فأقتنع الثعلب ، وصعدت الافعى على ظهره ، ونزل الى النهر ، والتفت الافعى حول عنق الثعلب ، وقالت : للأسف يا صديقي فأنني سألدغك .
فقال الثعلب : اهذا هو جزاء استحساني. فقالت الأفعى ـ انك تعلم اننا نحن الأفاعي مخادعين ، والآن ستدفع ثمن غبائك .
فقال الثعلب : ارجوك .. لا تلدغيني حتى نصل الى اليابسة ، فأنا لا اريد الموت في الماء . وعندما وصلوا الى الضفة الأخرى ولا زالت الأفعى ملفوفة حول رقبة الثعلب .
قال الثعلب : لي طلب أخير منك ، اريد قبلة الوداع قبل ان تلدغيني .
فقبلت الأفعى الطلب ، وعندما همت الأفعى بتقبيل الثعلب انقض عليها باسنانه وهشم رأسها . وانزل الافعى الملفوفة من حول رقبته ، ووضعها على الأرض بشكل مستقيم ، مثل المسطرة ، وقال مستطردا : هكذا تكون الصداقة ، ساوية ومستقيمة ، ليس فيها لا لف ولا دوران .
العالمان
كان في مدينة افكار القديمة عالمان ، وكان كل منهم يمقت معرفةالآخر ويحتقرها ، وكان الأول كافرا ، والثاني مؤمنا ، وحدث انهما اجتمعا مرة في ساحة المدينة وطفقا يتجادلان امام انصارهما في وجود الآلهة او عدم وجودها . وبعد حمي وطيس الجدل بينهما بضع ساعات مضى كل منهم الى سبيله . وفي ذلك المساء بعينه ذهب الكافر الى الهيكل وجثى على ركبته امام المذبح مستغفرا الآلهة عن جموح ماضيه وصار مؤمنا.
وفي تلك الساعة نفسها اخذ المؤمن كتبه المقدسة فحرقها في ساحة المدينة وصار زنديقا كافرا.
الحمار الوفي
انا حمار وفي ، اطيع سبدي واصغي اليه ، انحني له اجلال وابجله ، اسمع الكلام ولا اعترض ، يركب على ظهري ، يذلني ويضرب على قفاي وانا ابتسم ، اذهب الى زريبتي في الليل وانام بين الاقذار ، واستيقظ في الصباح مستعدا للضرب دون اعتراض ، فأنا حمار .
استحمل الاهانة والويل لي لو ابيت ان اطيع ، فعلي ان لا ابالي لو صرخ سيدي وقال ـ هش هش يا جحش يا حمار ، فأنا تعودت على الاهانة ، كما تعود سيدي على شتمي ليل نهار ، احمل الاثقال على ظهري في ايام البرد والحر ، في الجو الممطر والمثلج ، واذا ابيت مصيري وقلت لا ، وضعني سيدي في الزريبة واقفل علي دون اكل ولا ماء ، آكل بقايا من الشعير المعفن ، واغلق فمي وارضى بمصيري ، وما هو مدون ، علي السكوت والطاعة ، رغم ان سيدي ليس افضل مني ، فهو الآخر له اربعة ارجل وذيل ، فهو ايضا حمار .