-
دخول

عرض كامل الموضوع : الصرامة والقسوة


شكو زولو
29/11/2006, 21:06
الصرامة واجبة. الصرامة مع النفس أولاً. أن تضبط نفسك جيّداً لأنّ النفس لا تأمن لها إن تركتها على سجيّتها، فإنّ فيها من أسباب الخطيئة ما هو كفيل بأن يُحدرك إلى أسافل دركات الأرض. الصرامة، أكثر من ذلك، لا تناسب إلاّ نفس صاحبها. بعد ذلك، لا قبْله، ينتظم التعامل مع الغير. بعامة، ما ينجم عن الصرامة هو اللطف بالناس. ولا يكون الصارم صارماً مع سواه إلاّ إذا كان ما سواه ساقطاً في الرياء أو في التهاون. وهذا لخيره حتى يتوب، لو أمكن، أو ينشط. أما الضعفاء والمبتلون بالخطايا كَرْهاً فهؤلاء يلطف بهم ذوو الصرامة في حقّ أنفسهم حتى لا تنكسر قلوبهم ويفقدوا الرجاء. في كل حال الصارم لا يقسو ولا يعرف القسوة. فقط مَن لا يحبّ يقسو. وهو يقسو لأنّه لا يعرف نفسه أو لا يشاء أن يكون صارماً حيال نفسه. يريد أن يكون معلِّماً بالعصا وهو لا يشاء أن يتعلّم. أسوأ المعلّمين مَن علّم من غير نفسه. أما الصارم فيدرك لولبية الخطيئة. يدرك إصرارها وقسوتها لأنّه عانى ويعاني، فلا يشاء أن يقسو، من بعد، على أحد. يرأف بالجميع لأنّه بات يعرف، بالخبرة، وهَن النفس، في أعماقها، وكذا ظلامةَ الشرّير وخباثته في حقّ الناس.
الصارم، دائماً، على كِبَر لأنّه يقيس الناس على نفسه. والقاسي، دائماً، على صَغَار لأنّه يقيس الناس على القواعد والنظم واللياقات. لا يشاء الصارم أن يحمّل أحداً أكثر من وسعه لأنّه يعرف معنى التعب فيما يحمّل القاسي الناس أحمالاً قاسية ولا يشاء أن يحرّكها بإصبعه. ذاك يشفق وهذا يتذرّع بالتأديب. ليس ما يشقّ على النفس أكثر من العصا التي لا محبّة فيها. هذه هي القسوة بعينها. أن تدّعي الحبّ وهي خالية من الحبّ. هذا ما تراه فيها. ما تحسّ به في أعماق نفسك. كيف يحبّني وهو يعمل على تحطيمي إن خالفتُه؟! ينتقم منّي ما ملكت أَيمانه. يعرف أن يبتسم ويوزّع المشاعر ولا يعرف أن يحبّ. يحبّ نفسه ولا يحبّني. لذلك إن ماشيتُه كافأني بأنعامه وإن لم أماشه منع عنّي لقمة الخبز لو أمكنه، وبضمير مرتاح دون أن يرفّ له جفن!
الصرامة أن تضبط نفسك لأجل الله والقسوة أن تضغط الآخرين لأجل نفسك. الصارم يحاكم نفسه على هفوة ولو في الفكر والقاسي يحاكم الآخَرين حتى على فكر صالح لأنّه ليس صادراً منه. الصارم يطلب الحقّ والقاسي يعتبر نفسه تجسيداً للحقّ. الصارم يَبكي والقاسي يُبكي. الصارم يسامح والقاسي يحقد. ولو بعد ألف سنة لا يشاء أن يصفح لأنّك جرحت كبرياءه ذات مرّة. الصارم يريدك أن تكون على مثال الله، لذلك يبكي مع الباكين ويفرح مع الفرحين، والقاسي يريدك أن تكون على مثال تصوّراته. الصارم مستعد لأن يلغي نفسه بإزائك والقاسي مستعد لأن يلغيك، وباسم الله. الصارم إن خالفتَه بالحقّ اعترف وأصلح نفسه بفرح وتواضع قلب والقاسي إن خالفتَه في الحقّ ضمر لك الشرّ وبرّر نفسه. الصارم كلّما ارتقى سلّم المناصب استصغر نفسه والقاسي كلّما ارتقى استصغر الآخَرين. الصارم إن جرح إنساناً، بحقّ أو بغير حقّ، انوجع، والقاسي لا ينام قرير العين إلاّ بعد أن يسحق الذين أزعجوه. همّ الصارم أن تكون أنت لله، عن يده أو عن يد غيره، لا فرق. يفرح بك، في كل حال، إن سلكتَ في الحقّ والبِرّ. وهمّ القاسي أن يكون هو مركز استقطاب الناس الأوحد أو يحسبهم ضالين. وإن اجتمع إليه الناس أغدق عليهم من عواطفه وباتوا لديه محظيِّين، فيما يقبع الذين خالفوه خارجاً يموتون جوعاً. الصارم يصبر والقاسي يتحمّل. يصبر الصارم حتى يتّضع ويتحمّل القاسي حتى ينتقم. الصارم يبني الناس بحرّية أبناء الله وللقاسي الناسُ أدوات. إلى ذاك يجتمع مَن جرحتهم محبّة الله وإلى هذا المتملِّقون. الصارم ولو استوحد يبقى في حرارة العِشرة الإلهية والقاسي ولو تحلّق حوله كل خلق الله يبقى في صقيع حبّ الذات. يتأدّب الصارم بكلمة، بالتفاتة، بحركة ولا يتأدّب القاسي، إن تأدّب، إلاّ بالوجع.
أما بعد فلا آلَمَ، في الكنيسة، من أن يقسو المودَعون ألطاف لله. هؤلاء يُجدَّف على الله بسببهم. تلتمس فيهم وجه سيِّدك فتَلقى وجه عدوّه. ليس سهلاً أن تعاين بعض المؤمنين، لا سيما المقامين على المؤمنين، يجعلون بيت الآب السماوي بيت تجارة لمراميهم، ولا تتأثّر. أسباب العثرة لا شك عديدة. كأن حتمية هذا الدهر أن تبرد المحبّة من كثرة الإثم حتى لينحجب وجه يسوع عن الأكثرين. رغم ذلك أبقى السيّد سبعة آلاف لم يحنو ركبة لبعل. أصفياء النيّة يجدون طريقهم إلى القطيع الصغير. رغم ذلك عالمنا، روحياً، يتصحّر. الإيمان في الكنيسة يهن. التجربة تشتد. جمهور المؤمنين الكبير لم يعد له وجود. ثمّة واحات يلجأ إليها العطاش. والآتي قد يكون أقسى لأنّ النفوس اعتادت القسوة وليس كثيرون ثابتين في الصرامة حيال أنفسهم. الأكثرون ارتضوا سيرة الرخاوة أو اللامبالاة أو القسوة. التجربة تشتد لكن النعمة تزداد. الصرامة عزيزة والنقاوة أعزّ. حَسْبُ القلّة العزيزة أن تثبت عن نفسها وعن الآخَرين عسى الذين انكتبوا في سفر الحياة يكون لهم فيها ملاذ!

الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان
الآثوسي – دوما

shadia
18/05/2007, 21:06
الصرامة والقسوة مقارنة حلوة شكراً