maro18
22/11/2006, 20:10
التنويم المغناطيسى
قصة كانت فى مقالة لـ د\فوزى فهمى كتبها تاكاتشي أتودا(كاتب يابانى) وكان بيعلق عليها
اتجه الزوج عقب عودته من شهر العسل الي طبيب نفسي. راح يحكي له عن أزمة علاقته الزوجية التي يواجهها, حيث أثارت حيرته وقلقه, وبدت له لغزا عصيا علي الفهم, أجهض معني زواجه وشرعيته, فلم تكتمل حياته مع زوجته طوال أيام شهر العسل, إذ ما إن يقترب منها حتي تنفر منه, وتقصيه عنها بعنف صاعق, وكأن جسدها يرفضه بفورة كراهية ثابتة من دون تبديل. وقد تعددت محاولاته وتنوعت, لكن الخيبة دائما كانت هي النتيجة المتكررة. هكذا عرض الزوج المأزق الذي يؤكد أن زوجته تبدو في اللحظة الحميمة أنها ليست هي,
إذ تستحيل جسدا جافا مغلق المشاعر, وتصبح شخصا آخر غامضا, وغير ما كانت عليه وكأنها تواجه مجهولا لا تعرفه. سأل الزوج الطبيب عما إذا كانت زوجته تعاني عقدة نفسية ما. ولأن هذا الموقف قد يكون رد فعل لعدم الشعور بالمساندة, أو نتيجة الشعور بالمهانة, أو وليد افتقاد الشعور الدافئ الغامر الذي يتوهج ويتوافر في علاقات الحب, ولأن الحالات النفسية لا يجدي علاجها بأن تروي أعراضها وحدها بالوكالة عن أصحابها, لذا طلب الطبيب لقاء الزوجة لتشخيص الدوافع والأسباب واستكشافها.
حضرت الزوجة الي الطبيب وبدأت في تلقي العلاج, باستحضار المكبوت من حياتها الماضية, والذي يتسكع في تلافيف مخها, وإلقاء الضوء عليه, وتحديد مساره.
عاد الزوج بعد عشرة أيام الي الطبيب الذي أخبره أن سبب نفور زوجته, أنها تعاني عقدة خطيرة متجذرة في أعماقها, فقد تعرضت وهي طالبة بالمدرسة الاعدادية لتجربة جارحة, فعند مغيب أحد الأيام اعتدي عليها واغتصبها بعنف وحشي رجل غريب عنها تماما, وبينما الرجل جاثم عليها نجحت في الإمساك بحجر, وشرعت تضربه علي رأسه مرة بعد الأخري. مات الجاني, ولاذت بالفرار ولم يرها أحد, شكلت هذه الحادثة كابوسية مروعة استحوذت علي انتباهها كله.
صحيح أن الاغتصاب قد يفسد داخل المرأة شيئا حيويا بالنسبة إلي جسدها وكيانها الأخلاقي, وقد يؤدي الي اضطرابات نفسية, أو إصابات بليغة, أو يؤدي الي الموت, لكنها بذلت جهدا لإبعاد هذه الحادثة عن ذهنها بوصفها حلما, وانتصرت عليها بنسيانها علي مستوي شعورها, لكن الصحيح أيضا أن الحادثة ظلت تتصارع علي الفوز بانتباهها, إذ اللاوعي لا ينسي أبدا, فإن ذكري الحادثة تمنعها من أي اتصال, أو استجابة تستعيد ما تم في تجربتها الجارحة,
فتظل تحت تأثير التجربة الكابوسية المروعة, التي تكشف عن عريها الكبير المتمثل في اغتصابها, وأيضا في قتلها الرجل الجاني. لقد ألغي الموت شخصية الرجل المغتصب من الوجود, لكن جريمتها ما زالت باقية, واغتصابها أمسي شاخصا, فدفعها ذلك الي حالة من الدوار تقتلعها من حاضرها, وتغرسها في ظلمة التجربة المروعة, حيث يحتل الماضي حياتها, وينفي كل ما هو راهن أمامها, وهو ما يسبب كل خساراتها, ويقيم جدار الممانعة الذي يطوق قدرة صياغتها لحياتها, ويعرقل سلطة تقديرات إدراكها الواعي للأحداث المستجدة, فيربطها بالرعب الماثل في الواقعة التي مرت بها, ويثبت مشاعرها في تلك التجربة, وينفي كذلك قدرة الزوجة علي التمييز, والتفحص,فتبدو كأنها قد تم تنويمها, وعندئذ يتداعي سلوكها المتزامن مع زمن تلك الواقعة الماضية.
لا خلاف أن الشفاء من التجارب السلبية لا يتحقق إلا بترسيخ إدارك إيجابي جديد لمشاعر مغايرة, تقاوم تلك التهديدات, وتسد مسارب استرجاعها, وتمنع تسيدها الدائم, وتفك سجن المشاعر, وتطلق تثبيتها من سياق التجربة الجارحة, وهو ما لا يتم إلا بضرورة إدارك الزوجة العيش في الحاضر, والوعي بمستجداته, وشحذ الانتباه لطبيعة الراهن, بوصفة ضوءا كاشفا لقطيعة السيطرة لتجربة ولت ظروفها, ومواجها لتسرب الماضي الي الحاضر يجعل من صورة أقرب الناس إليها صورة عدوها الجاني. عندئذ تتحرر نفسها من عبوديتها, وتدرك أنها لا لوم عليها فيما حدث, وكذلك هي أيضا علي حق فيما فعلته, لحظتها ستستعيد المشاعر الأصيلة بمذاقها وعمقها وتنشيط استجاباتها. طلب الطبيب الي الزوج أن يستبقي الزوجة لمواصلة العلاج بالتنويم المغناطيسي,
الذي سوف يحقق لها الشفاء. وبالفعل لم تغادر الزوجة مشفاها إلا بعد مرور ثلاثة أشهر لتبدأ شهر العسل من جديد. ومضت الليلة الأولي من الزواج بنجاح, بعدها استغرق الزوج في نوم هادئ عميق, لكن الزوجة كانت مستيقظة, يغمرها شعور بالانتعاش والتجدد, وتتألق علي وجهها ابتسامة المنتصر, وراحت تقول لنفسها: كنت علي حق فيما فعلته. لم يكن هناك خطأ, وكان الزوج لا يزال مستلقيا في الفراش, وعيناه مغمضتان, وقد تحول وجهه إلي قناع دموي, وشطرت جمجمته الي نصفين.
إن الكاتب الياباني تاكاتشي أتودا, في قصته القصيرة العلاج بالتنويم المغناطيسي, يعلق في متن القصة علي تلك النهاية المأساوية, ساخرا مما حدث, وذلك في عبارة لافتة قائلا: ليس هناك من شك في أن العلاج بالتنويم المغناطيسي قد تكلل بالنجاح, فقد عرفت الآن كيف تنتقم لنفسها من الرجل الذي كللها بالعار. لا شك أن سخريته جاءت بمثابة إشارة تؤكد فضح المفارقة, فحقيقة ما حدث يخالف عبارته الساخرة, إذ من المعروف أن التنويم, والدخول في غيبوبة يمتنع خلالها الشعور بالعالم المحيط والوعي به, لا يعد علاجا, وإنما العلاج في تلك النصائح والارشادات التي تصدر عن المعالج للمريض لتحسين سلوكه في عالمه الحاضر. لكن يبدو أن الزوجة رفضت الانصياع والاستماع الي معالجها, ولم تفق من غيبوبتها, أو تتخط موقفها,
بل استمرت لا تدرك حاضرها, وظلت تغفل عمن حولها, فقتلت أقرب الناس إليها, زوجها الذي أصبح ضحية مقاومتها الوعي بحاضرها, والانتباه لمن حولها. صحيح أن القصة انتهت بجريمتها, لكن السؤال الافتراضي المطروح هو: تري لو أدركت أنها قتلت زوجها, هل ستعترف بالخطأ أمام هول ما حدث؟
قصة كانت فى مقالة لـ د\فوزى فهمى كتبها تاكاتشي أتودا(كاتب يابانى) وكان بيعلق عليها
اتجه الزوج عقب عودته من شهر العسل الي طبيب نفسي. راح يحكي له عن أزمة علاقته الزوجية التي يواجهها, حيث أثارت حيرته وقلقه, وبدت له لغزا عصيا علي الفهم, أجهض معني زواجه وشرعيته, فلم تكتمل حياته مع زوجته طوال أيام شهر العسل, إذ ما إن يقترب منها حتي تنفر منه, وتقصيه عنها بعنف صاعق, وكأن جسدها يرفضه بفورة كراهية ثابتة من دون تبديل. وقد تعددت محاولاته وتنوعت, لكن الخيبة دائما كانت هي النتيجة المتكررة. هكذا عرض الزوج المأزق الذي يؤكد أن زوجته تبدو في اللحظة الحميمة أنها ليست هي,
إذ تستحيل جسدا جافا مغلق المشاعر, وتصبح شخصا آخر غامضا, وغير ما كانت عليه وكأنها تواجه مجهولا لا تعرفه. سأل الزوج الطبيب عما إذا كانت زوجته تعاني عقدة نفسية ما. ولأن هذا الموقف قد يكون رد فعل لعدم الشعور بالمساندة, أو نتيجة الشعور بالمهانة, أو وليد افتقاد الشعور الدافئ الغامر الذي يتوهج ويتوافر في علاقات الحب, ولأن الحالات النفسية لا يجدي علاجها بأن تروي أعراضها وحدها بالوكالة عن أصحابها, لذا طلب الطبيب لقاء الزوجة لتشخيص الدوافع والأسباب واستكشافها.
حضرت الزوجة الي الطبيب وبدأت في تلقي العلاج, باستحضار المكبوت من حياتها الماضية, والذي يتسكع في تلافيف مخها, وإلقاء الضوء عليه, وتحديد مساره.
عاد الزوج بعد عشرة أيام الي الطبيب الذي أخبره أن سبب نفور زوجته, أنها تعاني عقدة خطيرة متجذرة في أعماقها, فقد تعرضت وهي طالبة بالمدرسة الاعدادية لتجربة جارحة, فعند مغيب أحد الأيام اعتدي عليها واغتصبها بعنف وحشي رجل غريب عنها تماما, وبينما الرجل جاثم عليها نجحت في الإمساك بحجر, وشرعت تضربه علي رأسه مرة بعد الأخري. مات الجاني, ولاذت بالفرار ولم يرها أحد, شكلت هذه الحادثة كابوسية مروعة استحوذت علي انتباهها كله.
صحيح أن الاغتصاب قد يفسد داخل المرأة شيئا حيويا بالنسبة إلي جسدها وكيانها الأخلاقي, وقد يؤدي الي اضطرابات نفسية, أو إصابات بليغة, أو يؤدي الي الموت, لكنها بذلت جهدا لإبعاد هذه الحادثة عن ذهنها بوصفها حلما, وانتصرت عليها بنسيانها علي مستوي شعورها, لكن الصحيح أيضا أن الحادثة ظلت تتصارع علي الفوز بانتباهها, إذ اللاوعي لا ينسي أبدا, فإن ذكري الحادثة تمنعها من أي اتصال, أو استجابة تستعيد ما تم في تجربتها الجارحة,
فتظل تحت تأثير التجربة الكابوسية المروعة, التي تكشف عن عريها الكبير المتمثل في اغتصابها, وأيضا في قتلها الرجل الجاني. لقد ألغي الموت شخصية الرجل المغتصب من الوجود, لكن جريمتها ما زالت باقية, واغتصابها أمسي شاخصا, فدفعها ذلك الي حالة من الدوار تقتلعها من حاضرها, وتغرسها في ظلمة التجربة المروعة, حيث يحتل الماضي حياتها, وينفي كل ما هو راهن أمامها, وهو ما يسبب كل خساراتها, ويقيم جدار الممانعة الذي يطوق قدرة صياغتها لحياتها, ويعرقل سلطة تقديرات إدراكها الواعي للأحداث المستجدة, فيربطها بالرعب الماثل في الواقعة التي مرت بها, ويثبت مشاعرها في تلك التجربة, وينفي كذلك قدرة الزوجة علي التمييز, والتفحص,فتبدو كأنها قد تم تنويمها, وعندئذ يتداعي سلوكها المتزامن مع زمن تلك الواقعة الماضية.
لا خلاف أن الشفاء من التجارب السلبية لا يتحقق إلا بترسيخ إدارك إيجابي جديد لمشاعر مغايرة, تقاوم تلك التهديدات, وتسد مسارب استرجاعها, وتمنع تسيدها الدائم, وتفك سجن المشاعر, وتطلق تثبيتها من سياق التجربة الجارحة, وهو ما لا يتم إلا بضرورة إدارك الزوجة العيش في الحاضر, والوعي بمستجداته, وشحذ الانتباه لطبيعة الراهن, بوصفة ضوءا كاشفا لقطيعة السيطرة لتجربة ولت ظروفها, ومواجها لتسرب الماضي الي الحاضر يجعل من صورة أقرب الناس إليها صورة عدوها الجاني. عندئذ تتحرر نفسها من عبوديتها, وتدرك أنها لا لوم عليها فيما حدث, وكذلك هي أيضا علي حق فيما فعلته, لحظتها ستستعيد المشاعر الأصيلة بمذاقها وعمقها وتنشيط استجاباتها. طلب الطبيب الي الزوج أن يستبقي الزوجة لمواصلة العلاج بالتنويم المغناطيسي,
الذي سوف يحقق لها الشفاء. وبالفعل لم تغادر الزوجة مشفاها إلا بعد مرور ثلاثة أشهر لتبدأ شهر العسل من جديد. ومضت الليلة الأولي من الزواج بنجاح, بعدها استغرق الزوج في نوم هادئ عميق, لكن الزوجة كانت مستيقظة, يغمرها شعور بالانتعاش والتجدد, وتتألق علي وجهها ابتسامة المنتصر, وراحت تقول لنفسها: كنت علي حق فيما فعلته. لم يكن هناك خطأ, وكان الزوج لا يزال مستلقيا في الفراش, وعيناه مغمضتان, وقد تحول وجهه إلي قناع دموي, وشطرت جمجمته الي نصفين.
إن الكاتب الياباني تاكاتشي أتودا, في قصته القصيرة العلاج بالتنويم المغناطيسي, يعلق في متن القصة علي تلك النهاية المأساوية, ساخرا مما حدث, وذلك في عبارة لافتة قائلا: ليس هناك من شك في أن العلاج بالتنويم المغناطيسي قد تكلل بالنجاح, فقد عرفت الآن كيف تنتقم لنفسها من الرجل الذي كللها بالعار. لا شك أن سخريته جاءت بمثابة إشارة تؤكد فضح المفارقة, فحقيقة ما حدث يخالف عبارته الساخرة, إذ من المعروف أن التنويم, والدخول في غيبوبة يمتنع خلالها الشعور بالعالم المحيط والوعي به, لا يعد علاجا, وإنما العلاج في تلك النصائح والارشادات التي تصدر عن المعالج للمريض لتحسين سلوكه في عالمه الحاضر. لكن يبدو أن الزوجة رفضت الانصياع والاستماع الي معالجها, ولم تفق من غيبوبتها, أو تتخط موقفها,
بل استمرت لا تدرك حاضرها, وظلت تغفل عمن حولها, فقتلت أقرب الناس إليها, زوجها الذي أصبح ضحية مقاومتها الوعي بحاضرها, والانتباه لمن حولها. صحيح أن القصة انتهت بجريمتها, لكن السؤال الافتراضي المطروح هو: تري لو أدركت أنها قتلت زوجها, هل ستعترف بالخطأ أمام هول ما حدث؟