-
دخول

عرض كامل الموضوع : الأمة السورية بين الصحوةِ الواقعيةِ والتحشيشِ الديني


R A M I
21/11/2006, 23:32
الأمة السورية بين الصحوةِ الواقعيةِ والتحشيشِ الديني

انتشرَ منذ زمنٍ ليسَ بالقصيرِ نظرةٌ إسلاميةٌ كبيرة،بنى عليها الناسُ رؤيتهم لمستقبلهم الشخصيِّ والجماعي،فحولَ هذه النظرةِ تدورُ أفكارهم،وعليها يبنونَ أحلامهم وطموحهم.

تتمثلُ تلك النظرةُ بحلمٍ إسلاميّ ٍتقومُ وفقهُ أمَّةٌ إسلامية عظيمة،تمتد بين مشارقِ الأرضِ ومغاربها،تعودُ إليها الخلافةُ الإسلامية،وتطبَّقُ الشريعةُ الإسلاميةُ ،وعندها سيسودُ العدلُ والأمنُ والسلام،وينتشرُ الخيرُ في أرجاء المعمورة...

وقد تمتدُّ تلك الرؤيةُ لتشملَ ظهورَ الأعورِ الدجال،ونهوضَ المسيح،ومايرافقُ ذلكَ من حربٍ يُحررُعلى إثرها المسجدُ الأقصى،وبعدها يتحقق الحلمُ الإسلامي الكبير...

وطبعأ يربطُ أصحابُ هذا الحلمِ أو هذه الرؤيةِ بعلاماتِ يومِ القيامةِ التي يتطلعونَ بشوقٍ لكلِّ مايجدُّ منها،باعتبارِ أنه مرافقٌ للنهوضِ الإسلامي.

وقد نجد البعضَ من هؤلاء قد اختمر عقلهُ تماماً بهذهِ الفكرة،فيصبحُ عندهُ هاجسُ "آخر وقت"الذي يسيطرُ على عقلهِ ومشاعرهِ وتصرفاته،وحتى على انتمائه ورؤيتهِ المستقبلية،فلا يرى إلا "آخر وقت" متحكماً في كافَّةِ اتجاهاته...

إذا حلَّلنا تلك النظرة المستقبلية الواهية،فسوفَ ندركُ تماماً أنها أشبهُ ما تكونُ بالسراب،وأنهم أبناء الصحراء الذينَ يرَونه ويتلذذونَ بتخيلِ أنفسهم وهم يجرعونَ الماء بنشوةٍعند الوصولِ إليه،وأنى لهم ذلك!!

كما أنَّ كلمتا "الخلافة الإسلامية" و"تطبيقَ الشريعة الإسلامية" يشوبهما الغموضُ والتشتت،إذ كيفَ سيكونُ هذا التطبيقْ؟،وماهي الهيكلية التي ستُبنى عليها تلك الخلافة؟،وهل ستصلحُ تلك الخلافةُ لإدارةِ دولةٍ عصريةٍِ تستوعبُ جميعَ مشكلاتها واتجاهاتها الصعبة؟.

لا يخفى على أحدٍ أمرُ المذاهبِ الإسلاميةِ واختلافها،وتعدد اتجاهاتها حتى العقائدية،فهل ستقومُ تلك الدولةُ الإسلامية وفق منهجٍ خياليٍ يجمعُ بينَ الطوائفِ الإسلامية الكثيرةِ في بوتقةِ دولةٍ واحدة؟

طبيعيٌ أن يقومَ أناسٌ هذا اتجاههم،وهذه رؤيتهم المستقبليةُ لأمتهم بمعارضةِ فكرة الأمة السورية،ومعارضة فكرةِ قيامِ دولةٍ علمانية، ملصقين كلمةَ الكفر في جبينِ كلِّ من يدعو إليها،على اعتبارِ أنه يخالفُ تعاليمَ الدينِ الإسلامي...

أرجو أن لايُفهمَ مقالي هذا كاعتداءٍ على الدينِ أو رجاله،أو كرؤيةٍ مناهضةٍ للانتشارِ الديني بين الناس...
فبالرغمِ من دعوتنا للدولةِ العلمانية،وفصلِ الدينِ عن الدولة،إلا أنَّ هذا لا يعني أي اعتداءٍ عليهِ كما يفهمه بعض الإسلاميين،بل هي رؤيةٌ مكمِّلةٌ للدين وانتشاره...

فمفهومنا عن الأمةِ -عزيزي القارئ -يننطلقُ من رؤيةٍ تاريخيةٍ فلسفيةٍ طويلة،ذاتِ أسسٍ ومشاعر متكاملة،تربطُ بينَ أبناءِ هذه الأمةِ بروابطَ تاريخيةٍ وعواملَ واقعيةٍ بغيةَ الوصولِ للمرتبةِ الحضاريةِ التي يسعى جميعُ أبناءِ الأمةِلتحقيقها...

لماذا تُعارضُ العلمانية؟،ولماذا تخمدُ فكرة الأمةِ السورية؟ألأنها التيارُ الذي يفنّدُ بواقعيةٍ ووضوحٍ الأفكارَ الطفوليةَ التي يركنُ إليها أمثالُ هؤلاءِ الضعفاء؟

***

إننا ندعو إلى أمةٍ عادلة،أمةٍ يملؤها والسلام،ولا نشك أن الجميعَ يريدُون الوصولَ إلى مانريدهُ أيضاً،ولكن يختلف مفهوم السلامِ بينَ دعوةٍ وأخرى في مجتمعنا المتناقضِ بشكلٍ كبير.

فبينما نجد الإسلاميين يدعونَ لقيامِ أمةٍ غامضةٍ لا ملامحَ واضحةً تحددها...أمةٍ بلا أسس مساويةٍ تهيبُ بالجميعَ لبنائها،أمَّةٍ لا تستوعبُ التياراتِ والأفكار الكثيرةِ التي يضجُّ بها المجتمع،ندعو نحن-القوميون السوريون-لبناءِ أمتنا السورية واضحة المعالمِ والتاريخِ والحضارة...

ولن أدخلَ هنا في تفاصيلِ بناءِ الأمةِ السوريةِ وكيفيته،ولكنني أكتفي بالقولِ إننا ننشدُ بوضوحٍ الحريَّةَ والمساواةَ بينَ الجميعِ في بوتقةِ الأمةِ السورية،ننشد أمةً يعيشُ فيها أبناء التياراتِ والمذاهبِ والملل تحتَ رايةِ دولةٍ علمانيةٍ واحدةٍ في محبةٍ وحريةٍ وسلام...

فعندما يكونُ المقصدُ لجميعِ أبناء أمةِ الشمس...الأمة السورية الخالدة،هو التفاني في سبيلِ رقي هذه الأمةِ وسطوعها في كل زمانٍ ومكانٍ بالنور والعطاء...عندما يتوحدُ كلُّ إنسانٍ سوريٍ مع انتمائهِ السوري المطلق،ويعيشُ تحت النورِ السوريِّ الخالدِ من أجل أن يكتبَ مع إخوته السوريين تاريخَ أمتهم بمداد الخلود،عندها تذوبُ كلُّ الانتماءاتِ العصبية والطائفية في بوتقةِ الأمَّةِ السورية، ويمارسُ كلّ سوريٍ دينَهُ الذي يختاره بحريةٍ مطلقة،على أن يظلَّ بين السوريِّ وإلهه...

ولو رجعنا إلى التاريخِ سنجدُ كيفَ عاشت الأديانُ والنحلُ في الأمةِ السورية، وكيفَ كانت لهم جميعاً الوسمةُ السوريةُّ المستقلة،فعاشت مملكةُ كنعان،ومملكةُ أوغاريتُ على ساحلِ المتوسط،وبابلُ على الفرات،وتتالتُ الممالكُ على الحضارةِ الرافدينية،وكانت لهم جميعاً سمتهم التي توحِّدهم وتجمعهم،تلك السمة الخالدةُ التي جمعتها الأمة السورية بعد أن لملمت كل الأديانِ لتقبضَ عليها بلطفٍ بين أصابعِ الحضارةِ السوريةِ الخالدة...

***

وباختصار،هذا التحشيشُ الديني،وهذه الطوباوية الدينية،هي من أخطرِ ما يهدد بناءَ أمتنا السورية الخالدة،بل من أخطرِ ما يواجهُ التقدُّمَ والتطور والنهوضَ بالواقعِ السيءِ الذي تعيشهُ المنطقةُ في أيِ مكانٍ منها.فهي علاوةً عن أنها تخمدُ أفكار الناسِ في صناعتهم للمستقبل،وتنسيهم أنهم جنودٌ وضعهم الله لتنفيذ مشاريعهِ على الأرض،وأن لهم الخيارُ في تحديدِ مستقبلهم،وفي خلعِ تلك الأفكارِ المخدرةِ من دماغهم،فهي تواجهُ بشراسةٍ أدنى فكرةٍ مطروحةٍ للنهوضِ بهذا الواقع،والدعوةِ لإحياءِ الأمةِ السورية من جديد...إنها ضد الواقع...وضد الفكر وضد الإنسانية.

وأصحابها يشبهونَ الذي يتخبطُ في غرفةٍ ضيقةٍ مظلمةٍ ومحكمةِ الإغلاق،يريدُ الخلاص ويُؤمنُ بإشراقة الفجرِ وإطلالةِ الصباح، ولكن دونَ أن يفتح النوافذ،مدَّعٍ أن النورسيدخل بقدرة الله من الجدران،وهم في أثناء تخبطهم هذا قد يصيبونَ أيَّ أحدٍ يدعو إلى اليقظةِ والوعيِ والهدوء،وإلى فتح النوافذ كي يدخلَ نورُ الصباحِ من جديد.

أوان خالد
شاعر وكاتب سوري