yass
19/05/2005, 16:43
بقلم: د. فاضل فضة *
أخبار الشرق - 18 أيار 2005
مقدمة:
إن العمل لبناء وطن جديد معاصر يحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمواطن السوري مهمة صعبة جداً، خاصة أن سورية كغيرها من الدول العربية ما زالت حبيسة تاريخها العربي والإسلامي، وغير قادرة على الخروج من سلبيات عدم تطوره ومعاصرته للحياة في الدول المتقدمة، الأوروبية والأمريكية والآسيوية.
تبدأ المسألة من غياب معايير أساسية في الحياة الثقافية الاجتماعية للمواطن السوري والعربي، اهمها:
- عدم وجود مفهوم الأمانة والمصداقية في العمل العام، لكونه جزءاً من الواقع الاجتماعي والثقافي (مثال: الكذب ملح الرجال، فشل حزب البعث في تطبيق شعاراته في الحرية والاشتراكية والوحدة).
- عدم القبول بمبدأ المشاركة، وقوة النزعة الفردية (الأنا النرجسية) المترسبة في ثقافية وعقلية أفراد المجتمع السوري، مما يعبر عن ضعف وجبن داخلي أمام قبول مبدأ المساواة مع الأخر المختلف في الدين والمذهب والقومية والجنس والمنطقة الجغرافية.
- عدم قدرة القبول بتطبيق سيادة القانون على الجميع، وعدم وجود مبدأ تكافؤ الفرص لجميع أبناء الوطن.
- عدم القدرة على القبول بمبدأ العمل السياسي، كأمانة وليس كامتياز يحقق المزايا المادية والمعنوية من وجاهات وزعامات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
إنها أسباب كامنة في ثقافة العقل السوري والعربي، وهي أسباب تنحو إلى التخلف في نتائج ممارساتها؛ لأنها أضعفت المجتمع والدولة، وإن وجدت بوادر إيجابية في الحس الوطني لما بعد عهد الاستقلال، لكن العقلية الفردية المنصهرة مع مفهوم القبيلة والعشيرة الدينية والقومية والمذهبية أو المناطقية (مدينة دمشق، وغيرها من المدن السورية مقابل القرى) انتصرت أمام مشروعات التقدم. لذا تعددت الانقلابات بشعارات سياسة خلابة داعبت شعور المواطنين في فترات النضال للوصول إلى السلطة، واستخدمتهم في النهاية كأدوات وما زالت، لتؤدي بنتائجها إلى قيام دولة تحالف طائفي مذهبي واقتصادي، سلبت سورية معظم مواردها، وأفرغت المجتمع السوري من عديد من قيمه التي كان من الممكن لو استخدمت بالشكل المناسب أن تتطور لبناء وطن حقيقي للجميع.
إن الحل يكمن في مبادئ أساسية يتوجب القبول بها وبشكل مطلق من الفاعلين والناشطين في السياسية والثقافة والاقتصاد، وهي القبول بمبادئ الديمقراطية الكاملة وليس جزء منها، وحق الأخر في العيش الكريم، والقبول بالحرية الاجتماعية والاقتصادية المحددة بالقانون والممارسة العملية لهذه الحرية، لا أن تكون شعاراً فقط، أيضاً القبول بمبدأ حرية الصحافة والإعلام، والتحرر من مفهوم الفصل الاجتماعي، والقبول بالآخر السوري المختلف، بحقوقه كاملة أقلية كان أم أكثرية، والعمل ضمن مجموعة من القوانين والإجراءات الحديثة لتطوير إمكانات المجتمع السوري اقتصادياً عبر التحرر من القوانين القديمة واستحواذ عقلية القيد بدلاً من عقلية التنظيم، وبناء صورة مشرقة لوطن يحقق فيه المواطن السوري أمله بالعيش الكريم والسعادة العادية التي ينشدها كافة سكان الأرض. إننا نملك وطناً من أجمل أوطان الأرض، مناخاً وطقساً وفصولاً وإمكانات، لكننا لا نعرف أهمية ما نملك، لذا ما زلنا نعيش ظروف الصراع الداخلي من اجل الحصول على مكاسب قد تكون آنية وليست مكاسب للجميع في الحل الإستراتيجي.
الأحزاب السياسية السورية:
ولدت معظم الأحزاب السورية الفاعلة في يومنا هذا في حقبة ما قبل النصف الأول من القرن الماضي، وما زالت مقيدة بأفكار تلك الحقبة التاريخية التي تجاوزتها أحزاب الدول المتقدمة، عبر نقلات نوعية في طرق التفكير والأداء من خلال مفهوم الدول الحديثة والمعاصرة.
طبيعتها:
- قومية، اشتراكية (ماركسية، مثالية)، حرية، دينية.
- تؤمن (سابقاً) بالعنف لحدوث انقلابات عسكرية (متعاقبة لاستلام السلطة).
مشاكلها:
المجتمع السوري مجتمع تتجذر به علاقات مبنية على:
- الدين والمذهب والطائفية.
- القبلية والعشائرية.
- خطاب نظري يومي سياسي وثقافي واجتماعي، مخالف عملياً للأداء، عبر تاريخ طويل لسلوك سياسي ليس مشرقاً خلال قرن مضى، إلا في حالات خاصة، لفئات دفعت ثمناً باهظاً لتضحياتها، بالموت أو الاغتيال أو القتل، أو سنوات (لا نهاية لها أحياناً) من الاعتقال السياسي التعسفي مصاحب بالتعذيب الجسدي غير المقبول في أي دولة متقدمة.
- ركود وصعوبة في قبول مفاهيم جديدة للتطور بما يتماشى ومعطيات العصر الجديد، وخاصة تجارب الدول المتقدمة في معايير عملية لمفاهيم الحرية العملية - وليس الخطابية - للمواطن السوري، تكافؤ الفرص أمام المواطنين، حق المساواة بين أبناء الشعب الواحد.
ممارسات الأحزاب السياسية:
تغلب على ممارسات الأحزاب السياسية الأهداف التكتيكية عبر:
- غياب مشروعات حقيقية لتطوير سورية اقتصادياً برؤى استراتيجية.
- عدم الاهتمام الحقيقي بمفهوم الدولة المعاصرة وأهمية البناء الاقتصادي عبر المطالبة بإجراءات وقوانين شاملة تؤدي بسورية إلى قيام نهضة حقيقية.
أزماتها:
- غارقة في ماض خطابي حالم، لا علاقة له مع معطيات العصر واقعياً.
- غير قادرة على تحليل الواقع العملي لتاريخها السلبي ودوره في إيصال سورية إلى وضع مترد، كما هي عليه اليوم.
- عدم القدرة على التعامل مع واقع العالم وقواه الكبرى، والإصرار على مشروعات الحرب والصراع معه ونظريات المؤامرة، دون مراجعة نقدية لتاريخية الفشل المتعدد في هذه الحروب.
- غياب استراتيجية واضحة لمعنى العمل السياسي في عام 2005.
نقاط صعبة النقاش:
يصعب على معظم الأحزاب السياسية السورية مناقشة المفاهيم التالية:
- الأمانة والمصداقية في العمل السياسي أو العام في المجتمع والدولة.
- الشفافية في الأداء والمحاسبة بالقانون.
- المساواة العملية عبر الدستور والقانون لكافة المواطنين السوريين.
- المشاركة.
- معالجة حقوق الأقليات بشكل متساو مع حقوق الأكثرية.
- حق العيش للجميع وتكافؤ الفرص.
ماهية الدولة التي نبحث عنها:
أمامنا المثال الكندي أو السويدي (للاختصار)، للعيش المسالم، ولتطوير إمكانية الدولة السورية بعقلية عصرية، تراعى بها مرحلة التحول من بلد عالم ثالث، إلى بلد هدفه التطوير والبناء الاقتصادي عبر منظومة تخطيطية تؤدي في نهايتها إلى التفاعل مع العالم الخارجي، كما حصل في دول مثل ماليزيا وكوريا وغيرها من دول النمور الآسيوية، واحترام خصائص مرحلة التحويل الاقتصادي بشكل لا يؤدي إلى قيام فوضى وفقر يصب في شرائح المجتمع السوري ذات الدخل المتدني، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً خصائص المجتمع السوري الاجتماعية والتاريخية، والدعوة إلى التحرر من مفهوم المواطنة على أساس مذهبي أو ديني أو قومي، لصالح، مفهوم المواطن، المتساوي مع الأخر عبر سيادة الدستور والقانون والمساواة.
دور الأحزاب السياسية السورية الحالية والمستقبلية، في السلطة والمعارضة:
يتوجب على الأحزاب السياسية التقليدية التحرر من أيديولوجيات القرن الماضي، في القومية والمذهبية والعشائرية تدريجياً، وإبدال الشعارات الخلابة ببرامج عمل حقيقة لتطوير حياة وأمن المواطن السوري، تكتب من قبل اقتصاديين واختصاصيين في الداخل والخارج.
- التوجه العملي وإيجاد معايير للعمل السياسي السوري بشكل معاصر، وتطوير إمكانية التنحي عن المسؤولية في حالة الفشل.
- الدعوة إلى القبول بالديمقراطية ومبادئها كاملة عبر الشعار والأداء:
- الديمقراطية هي القبول برأي الأكثرية في الانتخابات.
- واجب الأكثرية في الديمقراطية الحقيقية؛ الحفاظ على مصالح وحقوق الأقليات، بشكل متساو وكامل لحقوق الأكثرية، وذلل عبر بنود واضحة لا لبس فيها في الدستور والقانون، وعبر التطبيق العملي لهذا الدستور أو القانون.
- لا يسمح في الديمقراطيات للجيش والأجهزة الأمنية أن تمارس العمل السياسي، طالما هي فاعلة في الخدمة، ويسمح لأفرادها في العمل السياسي بعد تركها الخدمة، قبل أو بعد سن التقاعد.
- حرية الصحافة ووسائل الإعلام، بشكل يحقق التوازن بين مصلحة الوطن وعدم استخدام الوسائل الإعلامية بما يتعارض ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومصلحة المواطنين من أقليات وأكثرية.
- الشفافية في الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وكافة المؤسسات الأهلية الفاعلة، عبر منافذ للحصول على المعلومات الخاصة بإجراءات عملها ومناقشتها للقضايا التي تهم أمور الوطن والمواطن.
- تحدد صلاحيات المسؤولين السياسيين ورجال الدولة بشكل واضح، لا يحق لأي منهم تجاوزه.
- الديمقراطية تعني التنحي عن المسؤولية في حال الفشل في الحصول على ثقة الناخبين بما يتحدد بالدستور والقانون.
دور المؤسسات التعليمية:
يجب التحرر من الخطاب العاطفي المدمر لأبناء الجيل الجديد، والنحو إلى خطاب واقعي وعملي للاندماج في مجتمع جديد يحقق الأمن والسلامة الاقتصادية والاجتماعية لكافة أبناء الوطن السوري وذلك عبر:
- الدعوة إلى البناء والمشاركة وأهمية احترام القانون كرادع أخلاقي.
- إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية لتتناسب مع المؤسسات التعليمية المعاصرة، وتطوير إمكاناتها البحثية والعملية، وأهمية تطبيق ذلك على الواقع السوري، للمؤسسات الخاصة والعامة.
- التركيز على أهمية المواطنة السورية، وليس "الانتماء الديني أو المذهبي أو القومي أو العشائري، أو المناطقي".
- العمل على إنشاء برامج تعليمية لتطوير مفاهيم الديمقراطية ومبادئها بشكل كامل غير منقوص من خلال الدروس النظرية والعملية.
دور المؤسسات الإعلامية:
- السماح بتعدد المؤسسات الإعلامية الخاصة.
- على المؤسسات الإعلامية القيام بدور المراقب الأمين لصالح المواطن والقانون في أداء المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة.
- تمنع المؤسسات الإعلامية الداعية إلى تشجيع التفرقة والكراهية بين أبناء الوطن على أساس الدين والمذهب والقومية والعرق والجنس.
دور المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة:
تحدد مؤسسات الدولة بما يتناسب وحاجة المجتمع الاقتصادية، بحيث تؤدي هذه المؤسسات دورها في دعم وتشجيع المؤسسات الخاصة لإيجاد فرص العمل للمواطنين.
- دعوة مؤسسات القطاع الخاص إلى العمل في مشروعات استثمارية طويلة الأمد، لبناء اقتصاد سوري منافس على المستوى العالمي.
دور البرامج في تطوير امكانات الفرد والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية:
يمكن لك مؤسسة حكومية، وزارة، أو مؤسسة، كتابة برامج لتشجيع عمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ودعمها مالياً وإدارياً بما يتناسب وحاجة المواطنين في كل مرحلة زمنية معينة.
- تشجيع رأس المال الخاص، لدعم المشروعات الفردية مالياً، والاستثمار في قدرات وإمكانات المواطنين السوريين على أي مستوى، لتحقيق نقلة نوعية في الإبداع الاقتصادي والفكري.
خلاصة:إن بناء وطن جديد يحقق السلام والأمن لمواطنيه على أي صعيد، يتطلب صراعاً ذاتياً بين "الأنا" المتوحشة، التي أدت من خلال ممارستها عبر خطاب يدعو إلى مبادئ وشعارات نبيلة كالوحدة والحرية والاشتراكية، أو الاشتراكية الماركسية وتحقيق حق الأكثرية عبر الثورة، أو الدعوة إلى مجتمع أفضل عبر تطبيق مبادئ الدين الإسلامي .. أدت في سورية، وغيرها من دول العالم، كالاتحاد السوفياتي سابقاً، أو دولة إيران، إلى دول شمولية وطبقات حاكمة متسلطة غير قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيها. لا بل أدى هذا النموذج من الحكم إلى مصائب إنسانية كبيرة وكارثية في بعض الدول، حيث ما زالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
إن بناء وطن حقيقي يحقق السعادة لجميع أبناءه بمعنى الإنسان وحقه في العيش الكريم، يبدأ العملية من الذات الفردية المشوهة ثقافياً وإرثياً بقيم يمنع التساؤل عن صحتها بعمق وموضوعية، وهي التي يتوجب العمل عليها من خلال صراع ذاتي فردي بين "الأنا" الخارجية و"الأنا" الداخلية الخبيثة والمناورة، على صعيد المفكرين والمثقفين والسياسيين بشكل جدّي وعملي لتحقيق نتائج عبر المحاور التالية:
- القبول بالأخر في المكان المناسب.
- القبول بالأخر المختلف بالدين أو المذهب أو القومية في المكان المناسب.
- التحرر من عزة النفس "الأنا القاتلة" عبر صراع يؤدي في نتائجه إلى بناء مواطن يؤمن بالوطن للجميع، وحق الجميع بالعيش المتساوي والمشترك.
- القدرة على محاكاة الخطأ السياسي والتدرب على واقعية التحليل، وليس مكاسب التكتيك في العمل السياسي (الذي يصب في معادلة "الأنا" السياسية، أو "الأنا" الفردية أو "الأنا" المذهبية أو "الأنا" الجماعية، أي الحزب أو القبيلة أو الطائفة)، إلا ضمن مصلحة الجماعة الوطن كله.
- التحرر من الخطاب النظري، المخالف للسلوك العملي في الأداء العام
- التدرب على الشفافية في الأداء لعمل النخب السياسية والاجتماعية والثقافية لضرورة أهميتها كمعايير أساسية في أي عمل وطني عام.
إن بناء الوطن السوري لكل أبناء سورية، يحتاج إلى جهود استراتيجية جذرية، ومواظبة جدية من قبل المثقفين والنخب الفكرية السياسية على صياغة مشروع جديد يحل مسألة الوطن والمواطن بشكل يتماشى ومعايير العصر ويحل مسائل "الأنا" المدمرة، ليحولها إلى "أنا" المشاركة والبناء، لتساعد على التحرر من مسألة الطائفة والقبيلة، لتحل مكان ذلك مسألة حق المواطن السوري وسيادة القانون والدستور وحق المساواة، عبر شفافية السلوك، وعبر وضوح الإجراءات والمعايير لتثبيت ذلك في أي عمل مسؤول يخص الجماعة.
__________
* كاتب سوري - كندا
-------------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////
أخبار الشرق - 18 أيار 2005
مقدمة:
إن العمل لبناء وطن جديد معاصر يحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للمواطن السوري مهمة صعبة جداً، خاصة أن سورية كغيرها من الدول العربية ما زالت حبيسة تاريخها العربي والإسلامي، وغير قادرة على الخروج من سلبيات عدم تطوره ومعاصرته للحياة في الدول المتقدمة، الأوروبية والأمريكية والآسيوية.
تبدأ المسألة من غياب معايير أساسية في الحياة الثقافية الاجتماعية للمواطن السوري والعربي، اهمها:
- عدم وجود مفهوم الأمانة والمصداقية في العمل العام، لكونه جزءاً من الواقع الاجتماعي والثقافي (مثال: الكذب ملح الرجال، فشل حزب البعث في تطبيق شعاراته في الحرية والاشتراكية والوحدة).
- عدم القبول بمبدأ المشاركة، وقوة النزعة الفردية (الأنا النرجسية) المترسبة في ثقافية وعقلية أفراد المجتمع السوري، مما يعبر عن ضعف وجبن داخلي أمام قبول مبدأ المساواة مع الأخر المختلف في الدين والمذهب والقومية والجنس والمنطقة الجغرافية.
- عدم قدرة القبول بتطبيق سيادة القانون على الجميع، وعدم وجود مبدأ تكافؤ الفرص لجميع أبناء الوطن.
- عدم القدرة على القبول بمبدأ العمل السياسي، كأمانة وليس كامتياز يحقق المزايا المادية والمعنوية من وجاهات وزعامات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية.
إنها أسباب كامنة في ثقافة العقل السوري والعربي، وهي أسباب تنحو إلى التخلف في نتائج ممارساتها؛ لأنها أضعفت المجتمع والدولة، وإن وجدت بوادر إيجابية في الحس الوطني لما بعد عهد الاستقلال، لكن العقلية الفردية المنصهرة مع مفهوم القبيلة والعشيرة الدينية والقومية والمذهبية أو المناطقية (مدينة دمشق، وغيرها من المدن السورية مقابل القرى) انتصرت أمام مشروعات التقدم. لذا تعددت الانقلابات بشعارات سياسة خلابة داعبت شعور المواطنين في فترات النضال للوصول إلى السلطة، واستخدمتهم في النهاية كأدوات وما زالت، لتؤدي بنتائجها إلى قيام دولة تحالف طائفي مذهبي واقتصادي، سلبت سورية معظم مواردها، وأفرغت المجتمع السوري من عديد من قيمه التي كان من الممكن لو استخدمت بالشكل المناسب أن تتطور لبناء وطن حقيقي للجميع.
إن الحل يكمن في مبادئ أساسية يتوجب القبول بها وبشكل مطلق من الفاعلين والناشطين في السياسية والثقافة والاقتصاد، وهي القبول بمبادئ الديمقراطية الكاملة وليس جزء منها، وحق الأخر في العيش الكريم، والقبول بالحرية الاجتماعية والاقتصادية المحددة بالقانون والممارسة العملية لهذه الحرية، لا أن تكون شعاراً فقط، أيضاً القبول بمبدأ حرية الصحافة والإعلام، والتحرر من مفهوم الفصل الاجتماعي، والقبول بالآخر السوري المختلف، بحقوقه كاملة أقلية كان أم أكثرية، والعمل ضمن مجموعة من القوانين والإجراءات الحديثة لتطوير إمكانات المجتمع السوري اقتصادياً عبر التحرر من القوانين القديمة واستحواذ عقلية القيد بدلاً من عقلية التنظيم، وبناء صورة مشرقة لوطن يحقق فيه المواطن السوري أمله بالعيش الكريم والسعادة العادية التي ينشدها كافة سكان الأرض. إننا نملك وطناً من أجمل أوطان الأرض، مناخاً وطقساً وفصولاً وإمكانات، لكننا لا نعرف أهمية ما نملك، لذا ما زلنا نعيش ظروف الصراع الداخلي من اجل الحصول على مكاسب قد تكون آنية وليست مكاسب للجميع في الحل الإستراتيجي.
الأحزاب السياسية السورية:
ولدت معظم الأحزاب السورية الفاعلة في يومنا هذا في حقبة ما قبل النصف الأول من القرن الماضي، وما زالت مقيدة بأفكار تلك الحقبة التاريخية التي تجاوزتها أحزاب الدول المتقدمة، عبر نقلات نوعية في طرق التفكير والأداء من خلال مفهوم الدول الحديثة والمعاصرة.
طبيعتها:
- قومية، اشتراكية (ماركسية، مثالية)، حرية، دينية.
- تؤمن (سابقاً) بالعنف لحدوث انقلابات عسكرية (متعاقبة لاستلام السلطة).
مشاكلها:
المجتمع السوري مجتمع تتجذر به علاقات مبنية على:
- الدين والمذهب والطائفية.
- القبلية والعشائرية.
- خطاب نظري يومي سياسي وثقافي واجتماعي، مخالف عملياً للأداء، عبر تاريخ طويل لسلوك سياسي ليس مشرقاً خلال قرن مضى، إلا في حالات خاصة، لفئات دفعت ثمناً باهظاً لتضحياتها، بالموت أو الاغتيال أو القتل، أو سنوات (لا نهاية لها أحياناً) من الاعتقال السياسي التعسفي مصاحب بالتعذيب الجسدي غير المقبول في أي دولة متقدمة.
- ركود وصعوبة في قبول مفاهيم جديدة للتطور بما يتماشى ومعطيات العصر الجديد، وخاصة تجارب الدول المتقدمة في معايير عملية لمفاهيم الحرية العملية - وليس الخطابية - للمواطن السوري، تكافؤ الفرص أمام المواطنين، حق المساواة بين أبناء الشعب الواحد.
ممارسات الأحزاب السياسية:
تغلب على ممارسات الأحزاب السياسية الأهداف التكتيكية عبر:
- غياب مشروعات حقيقية لتطوير سورية اقتصادياً برؤى استراتيجية.
- عدم الاهتمام الحقيقي بمفهوم الدولة المعاصرة وأهمية البناء الاقتصادي عبر المطالبة بإجراءات وقوانين شاملة تؤدي بسورية إلى قيام نهضة حقيقية.
أزماتها:
- غارقة في ماض خطابي حالم، لا علاقة له مع معطيات العصر واقعياً.
- غير قادرة على تحليل الواقع العملي لتاريخها السلبي ودوره في إيصال سورية إلى وضع مترد، كما هي عليه اليوم.
- عدم القدرة على التعامل مع واقع العالم وقواه الكبرى، والإصرار على مشروعات الحرب والصراع معه ونظريات المؤامرة، دون مراجعة نقدية لتاريخية الفشل المتعدد في هذه الحروب.
- غياب استراتيجية واضحة لمعنى العمل السياسي في عام 2005.
نقاط صعبة النقاش:
يصعب على معظم الأحزاب السياسية السورية مناقشة المفاهيم التالية:
- الأمانة والمصداقية في العمل السياسي أو العام في المجتمع والدولة.
- الشفافية في الأداء والمحاسبة بالقانون.
- المساواة العملية عبر الدستور والقانون لكافة المواطنين السوريين.
- المشاركة.
- معالجة حقوق الأقليات بشكل متساو مع حقوق الأكثرية.
- حق العيش للجميع وتكافؤ الفرص.
ماهية الدولة التي نبحث عنها:
أمامنا المثال الكندي أو السويدي (للاختصار)، للعيش المسالم، ولتطوير إمكانية الدولة السورية بعقلية عصرية، تراعى بها مرحلة التحول من بلد عالم ثالث، إلى بلد هدفه التطوير والبناء الاقتصادي عبر منظومة تخطيطية تؤدي في نهايتها إلى التفاعل مع العالم الخارجي، كما حصل في دول مثل ماليزيا وكوريا وغيرها من دول النمور الآسيوية، واحترام خصائص مرحلة التحويل الاقتصادي بشكل لا يؤدي إلى قيام فوضى وفقر يصب في شرائح المجتمع السوري ذات الدخل المتدني، مع الأخذ بعين الاعتبار أيضاً خصائص المجتمع السوري الاجتماعية والتاريخية، والدعوة إلى التحرر من مفهوم المواطنة على أساس مذهبي أو ديني أو قومي، لصالح، مفهوم المواطن، المتساوي مع الأخر عبر سيادة الدستور والقانون والمساواة.
دور الأحزاب السياسية السورية الحالية والمستقبلية، في السلطة والمعارضة:
يتوجب على الأحزاب السياسية التقليدية التحرر من أيديولوجيات القرن الماضي، في القومية والمذهبية والعشائرية تدريجياً، وإبدال الشعارات الخلابة ببرامج عمل حقيقة لتطوير حياة وأمن المواطن السوري، تكتب من قبل اقتصاديين واختصاصيين في الداخل والخارج.
- التوجه العملي وإيجاد معايير للعمل السياسي السوري بشكل معاصر، وتطوير إمكانية التنحي عن المسؤولية في حالة الفشل.
- الدعوة إلى القبول بالديمقراطية ومبادئها كاملة عبر الشعار والأداء:
- الديمقراطية هي القبول برأي الأكثرية في الانتخابات.
- واجب الأكثرية في الديمقراطية الحقيقية؛ الحفاظ على مصالح وحقوق الأقليات، بشكل متساو وكامل لحقوق الأكثرية، وذلل عبر بنود واضحة لا لبس فيها في الدستور والقانون، وعبر التطبيق العملي لهذا الدستور أو القانون.
- لا يسمح في الديمقراطيات للجيش والأجهزة الأمنية أن تمارس العمل السياسي، طالما هي فاعلة في الخدمة، ويسمح لأفرادها في العمل السياسي بعد تركها الخدمة، قبل أو بعد سن التقاعد.
- حرية الصحافة ووسائل الإعلام، بشكل يحقق التوازن بين مصلحة الوطن وعدم استخدام الوسائل الإعلامية بما يتعارض ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان ومصلحة المواطنين من أقليات وأكثرية.
- الشفافية في الأداء الحكومي ومؤسسات الدولة وكافة المؤسسات الأهلية الفاعلة، عبر منافذ للحصول على المعلومات الخاصة بإجراءات عملها ومناقشتها للقضايا التي تهم أمور الوطن والمواطن.
- تحدد صلاحيات المسؤولين السياسيين ورجال الدولة بشكل واضح، لا يحق لأي منهم تجاوزه.
- الديمقراطية تعني التنحي عن المسؤولية في حال الفشل في الحصول على ثقة الناخبين بما يتحدد بالدستور والقانون.
دور المؤسسات التعليمية:
يجب التحرر من الخطاب العاطفي المدمر لأبناء الجيل الجديد، والنحو إلى خطاب واقعي وعملي للاندماج في مجتمع جديد يحقق الأمن والسلامة الاقتصادية والاجتماعية لكافة أبناء الوطن السوري وذلك عبر:
- الدعوة إلى البناء والمشاركة وأهمية احترام القانون كرادع أخلاقي.
- إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية لتتناسب مع المؤسسات التعليمية المعاصرة، وتطوير إمكاناتها البحثية والعملية، وأهمية تطبيق ذلك على الواقع السوري، للمؤسسات الخاصة والعامة.
- التركيز على أهمية المواطنة السورية، وليس "الانتماء الديني أو المذهبي أو القومي أو العشائري، أو المناطقي".
- العمل على إنشاء برامج تعليمية لتطوير مفاهيم الديمقراطية ومبادئها بشكل كامل غير منقوص من خلال الدروس النظرية والعملية.
دور المؤسسات الإعلامية:
- السماح بتعدد المؤسسات الإعلامية الخاصة.
- على المؤسسات الإعلامية القيام بدور المراقب الأمين لصالح المواطن والقانون في أداء المؤسسات السياسية ومؤسسات الدولة.
- تمنع المؤسسات الإعلامية الداعية إلى تشجيع التفرقة والكراهية بين أبناء الوطن على أساس الدين والمذهب والقومية والعرق والجنس.
دور المؤسسات الاقتصادية العامة والخاصة:
تحدد مؤسسات الدولة بما يتناسب وحاجة المجتمع الاقتصادية، بحيث تؤدي هذه المؤسسات دورها في دعم وتشجيع المؤسسات الخاصة لإيجاد فرص العمل للمواطنين.
- دعوة مؤسسات القطاع الخاص إلى العمل في مشروعات استثمارية طويلة الأمد، لبناء اقتصاد سوري منافس على المستوى العالمي.
دور البرامج في تطوير امكانات الفرد والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية:
يمكن لك مؤسسة حكومية، وزارة، أو مؤسسة، كتابة برامج لتشجيع عمل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، ودعمها مالياً وإدارياً بما يتناسب وحاجة المواطنين في كل مرحلة زمنية معينة.
- تشجيع رأس المال الخاص، لدعم المشروعات الفردية مالياً، والاستثمار في قدرات وإمكانات المواطنين السوريين على أي مستوى، لتحقيق نقلة نوعية في الإبداع الاقتصادي والفكري.
خلاصة:إن بناء وطن جديد يحقق السلام والأمن لمواطنيه على أي صعيد، يتطلب صراعاً ذاتياً بين "الأنا" المتوحشة، التي أدت من خلال ممارستها عبر خطاب يدعو إلى مبادئ وشعارات نبيلة كالوحدة والحرية والاشتراكية، أو الاشتراكية الماركسية وتحقيق حق الأكثرية عبر الثورة، أو الدعوة إلى مجتمع أفضل عبر تطبيق مبادئ الدين الإسلامي .. أدت في سورية، وغيرها من دول العالم، كالاتحاد السوفياتي سابقاً، أو دولة إيران، إلى دول شمولية وطبقات حاكمة متسلطة غير قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية لمواطنيها. لا بل أدى هذا النموذج من الحكم إلى مصائب إنسانية كبيرة وكارثية في بعض الدول، حيث ما زالت آثارها قائمة إلى يومنا هذا.
إن بناء وطن حقيقي يحقق السعادة لجميع أبناءه بمعنى الإنسان وحقه في العيش الكريم، يبدأ العملية من الذات الفردية المشوهة ثقافياً وإرثياً بقيم يمنع التساؤل عن صحتها بعمق وموضوعية، وهي التي يتوجب العمل عليها من خلال صراع ذاتي فردي بين "الأنا" الخارجية و"الأنا" الداخلية الخبيثة والمناورة، على صعيد المفكرين والمثقفين والسياسيين بشكل جدّي وعملي لتحقيق نتائج عبر المحاور التالية:
- القبول بالأخر في المكان المناسب.
- القبول بالأخر المختلف بالدين أو المذهب أو القومية في المكان المناسب.
- التحرر من عزة النفس "الأنا القاتلة" عبر صراع يؤدي في نتائجه إلى بناء مواطن يؤمن بالوطن للجميع، وحق الجميع بالعيش المتساوي والمشترك.
- القدرة على محاكاة الخطأ السياسي والتدرب على واقعية التحليل، وليس مكاسب التكتيك في العمل السياسي (الذي يصب في معادلة "الأنا" السياسية، أو "الأنا" الفردية أو "الأنا" المذهبية أو "الأنا" الجماعية، أي الحزب أو القبيلة أو الطائفة)، إلا ضمن مصلحة الجماعة الوطن كله.
- التحرر من الخطاب النظري، المخالف للسلوك العملي في الأداء العام
- التدرب على الشفافية في الأداء لعمل النخب السياسية والاجتماعية والثقافية لضرورة أهميتها كمعايير أساسية في أي عمل وطني عام.
إن بناء الوطن السوري لكل أبناء سورية، يحتاج إلى جهود استراتيجية جذرية، ومواظبة جدية من قبل المثقفين والنخب الفكرية السياسية على صياغة مشروع جديد يحل مسألة الوطن والمواطن بشكل يتماشى ومعايير العصر ويحل مسائل "الأنا" المدمرة، ليحولها إلى "أنا" المشاركة والبناء، لتساعد على التحرر من مسألة الطائفة والقبيلة، لتحل مكان ذلك مسألة حق المواطن السوري وسيادة القانون والدستور وحق المساواة، عبر شفافية السلوك، وعبر وضوح الإجراءات والمعايير لتثبيت ذلك في أي عمل مسؤول يخص الجماعة.
__________
* كاتب سوري - كندا
-------------------------------------------------------------------------------------
أخبار الشرق - ////////////// الروابط الي بيحطوها الأعضاء بيقدر فقط الأعضاء يشوفوها ، اذا مصرّ تشوف الرابط بك تسجل يعني تصير عضو بأخوية سوريا بالأول -///////////////