-
دخول

عرض كامل الموضوع : مريم فوق السطوح


امير الاردن
12/11/2006, 12:05
خرجت، بعيدا، ليس إلى الشارع الموازي، ليس إلى المنطقة المجاوره، ركبت الأجواء (يال العناء) في طائرة ضخمة، تعلبنا داخلها، لساعات طوال، نمخر عباب السماء، نمخره مخرا جادا، نطوي خلفنا سحبا بعد سحب، بحارا بعد بحار، صحاري بعد صحاري، وجبالا بعد جبال، لنصل إلى الطرف الأبعد، الأكثر اخضرارا، وانعتاقا من الحجر الصلد والتراب.

خرجت من مدينتي الجميلة الوادعة الخاملة القشرية الضحلة في الطرف العيناوي من الأرض. إلى دندي.

دندي، مدينة جميلة وادعة خاملة ضحلة في الطرف الاسكتلندي من الأرض.

قفزت من السطح العيناوي، بحثا عن آفاق أعمق، بحثا عن لآلئ مختبئة تحت طبقات الأرض، بحثا عن حتى دودة ودوده ترقد بين التراب لآلاف السنين، بحثا عن معاني إنسانية معتقة تسكر الروح انتشاءا بالوجود الذي لا يتكرر لكل منا سوى مرة واحده, واحدة فقط. ولما لم أرد أن أفقد مرّتي فقط فوق السطوح. قفزت من السطح العيناوي، لأجد نفسي، وبعد كل ذلك السفر، فوق السطح الدندوني، المجاور جدا.

سطحية هذه الدندي، وضحله، ضحلة مثل كل القطع الأرضية المنثورة على كوكب الأرض بلا إنذار مسبق!

ضحلة بما فيها من طحالب نابتة بفعل الرطوبة والبرد، وبما استوطنها من طحالب هاربة من التراب والشمس. ضحلة مثل الوجوه التي لا تعني شيئا ولا تهم أي أحد على الإطلاق، ضحله مثل الروؤس التي تهتز بالإيجاب لكل من يفتح الباب ويعلن وصول رسالة من الوالي، القائم بأمر الله في الأرض،
مثل الرؤوس التي بقاءها على الأكتاف أو ذهابها عن الأكتاف ، لا يحدث أي فرق. أي فرق على الاطلاق،
ضحله، مثل البطيخ الذي ينبئ باللب الأحمر الشهي، وحين تكسره يفاجأك الفراغ،
ضحله، مثل النبع الذي يتراءى أمامك في صحراء قاحله، وحين تقربه يفاجأك السراب،
ضحله، مثل التلال الملتصقة بالسماء، توحي لك أنك لو ارتقيتها ستلمس السماء، فإذا بعد أن ترتقي لاهثا، نفسا يقطع نفس ، تقف على سطحها ، تمد ذراعك، تمدها أكثر، تقف على أطراف أصابعك، تشد جسدك كله،، وتجد أن السماء صارت أبعد.
ضحلة مثل كل بلاد العرب، مثل كل كتب التاريخ المحروقة صفحاتها بنيران التحيز و الحقد والعنصرية.
ضحلة وجميلة في آن، ويبدو أن الضحالة شرطا لأن تكون جميلا. لكن القضية ( وصارت قضيه) أني لم أرد أن أكون جميله. هذا اختيار، والكل حر في اختياراته. الكل "حر"، يال الدهشه!. (وكأنه سبق صحفي جديد).

واستكشف أين الخطأ، أين مصدر ألم الإرتطام: كان يجب أن أبحث حولي، فقط حولي، أنظر بزاوية موازية لمحيط نظري، ليس خارج ذلك، ليس أبعد من ذلك، ليس أعمق من ذلك. هذا تكنيك الوقاية من الصدمات: التلفت ببساطه في دائرة توازي محيط نظرك.
فكل ما حولك سطوح. مسبقا كان مهما أن أدرك، أن كل المتاح..سطوح..في سطوح. وفوق السطوح ألوان وأهوال، وهي الحياة، كل ما تتيحه، للطامحين مثلي، للطامعين مثلي، ثقافة السطوح. ثقافة السطوح، ثقافة ضحله. وليس في هذا ما يعيب. ليس في هذا ما يدعو للخجل، أو الشعور بالاهانه. الضحالة بضاعة رائجة في سوق مفتوح، ومطلب ملحّ على خشبة المسرح العالمي الحديث. الضحالة ثقافة ..ولو ضحله.
لكن المشكله،لب لب المشكله، أن الرواج السوقي لا يعنيني، والانحناء على خشبات المسارح ليس أفضل مهاراتي.

الخطأ المعتق، الذي ارتكبته وأرتكبه ، ويرتكبه معي الكثيرون، هو اتخاذ فضول العيون الطفوليه، يقين الروح البدائية، والأمل الذي تبثه بسمات مستثاره بروعة المجهول، كوسائل إرشادية في عملية البحث عن إتساع الآفاق.

والآفاق، يا إلهي، لا تتسع، إنما فقط تنكمش، فالكون سطح هائل مصقول..والناس عليه تحيا منزلقة.

ويال المشاهد المضحكة.
أجمل مافي كل الأمور السطحية، أنك تستطيع ، في ختامها، أن تضحك..ولو بمرارة.
المهم أنك تضحك،،
هذا إنجاز..معتق.

وغني يا حليم : " مقدورك أن تمضي أبدا في بحر الحظ بغير قلوع،،، وتكون حياتك طول العمر،، طول العمر،،كتاب دموع...."


ومن طنطن إلى دندن..يا قلبي لا تحزن.