-
دخول

عرض كامل الموضوع : حزب العمل من شعار إسقاط السلطة إلى تداول سلمي للسلطة


حسون
17/05/2005, 22:54
عنوان عريض يتطلب منا قراءة بعض الأسباب لتغيير مواقف الحزب وشعاراته المركزية، ويأتي الموقف من النظام السوري العمود الفقري لتكتيك واستراتيجية حزب العمل الشيوعي منذ تأسيسه في 6 آب عام 1976 وحتى الآن والذي ميز الحزب عن بقية أحزاب الحركة الوطنية السورية و دفع قوى مختلفة لاتهام الحزب ولزمن طويل بشتى التهم أقلها بساري متطرف و أكثرها إيغالا في المنحى السياسي أو بالحقد بصفته مرشد سيئ في السياسة أنه حزب عميل للسلطة لم ينقذه سوى التصفية من قبل السلطة السورية والمقال ليس هدفه رصد الانتقادات السياسية للحزب وإنما قراءة سياسية في تغير الشعار المركزي لحزب العمل الذي يمثل جوهره الموقف من السلطة. والذي مر بأربع مراحل:
المرحلة الأولى ما بين عام 1976 ـ1980 وكان الشعار المركزي إسقاط السلطة في سوريا وقد مر الحزب في هذه المرحلة بمرحلتين
أـ1976ـ1979 اتسمت المرحلة بالعمل الدعاوي اتشح سياسياً بشعار إسقاط السلطة
بـ1979ـ1980 الشعار المركزي إسقاط السلطة
المرحلة الثانية ما بين عام 1980ـ1982 إسقاط الحلف الرجعي الأسود
المرحلة الثالثة 1983 ما بين ـ1992 الشعار المركزي دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية
المرحلة الثالثة الحالية شعار إلغاء احتكار السلطة وقيام نظام ديمقراطي معاصر لكل المجتمع .
والسؤال المطروح لماذا التغيير في الشعار ؟
لقد بدأ التنظيم عمله تحت أسم رابطة العمل الشيوعي متأثراً بموجة اليسار الجديد الذي بدأ بالكفاح المسلح في أمريكا اللاتينية وانتقلت الموجة إلى منطقتنا حيث تشكل حزب العمال الشيوعي المصري ورابطة العمل في سوريا وحزب العمال الشيوعي الفلسطيني إضافة إلى مجوعة أحزاب يسارية لم يكتب لها أن تعمر طويلاً .أهم ما ميز هذه الأحزاب راديكاليتها في طرح المنظومة الفكرية والسياسية النقدية مستندة إلى الشرط الموضوعي العالمي آنذاك ( وجود دول أوربا الشرقية، نهوض حركات التحرر بأمريكا اللاتينية بقيادة اليسار الجديد ) وانضوت رابطة العمل الشيوعي تحت مظلة التوجهات النظرية والسياسية لتيار اليسار الحديد فقدمت خطاً استراتيجياًـ14 كتيبـ كان الأول من نوعه في سوريا ، طرحت من خلاله رؤيتها كتنظيم لكل القضايا المطروحة عالمياً وعربياً وإقليمياً وداخلياً . كما حددت موقفها من النظام في سوريا واعتبرته نظاماً ديكتاتورياً تطل منه أحياناً بعض الممارسات الفاشية ..لا وطني بحكم طبيعته البرجوازية البيروقراطية وله سمة طائفية ..وفي بعض الأحيان وصفت النظام بالخائن وطنياً كما حدث عندما دخل الجبش السوري إلى لبنان وضرب الحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية . وبناء على تحليل بنية النظام وآلية عمله وصيرورته،صيرورة جزءاً منه (في الاندماج مع البرجوازية التقليدية والرأسمال العالمي) التي ذكرنا بعض الحيثيات السياسية والطبقية التي دفعت رابطة العمل الشيوعي إلى رفع شعار إسقاط النظام السوري منذ تأسيسها وأتخذ الشعار عدم الوضوح بحكم سيطرة المهمة العاوية للرابطة خلال السنتين الأول للتأسيس لتتخذ بعد عامين شعار إسقاط السلطة شعاراً مركزياً والذي تسبب بموجة اعتقال طالت كوادر من التنظيم الحديث النشأة.
بقي شعار إسقاط النظام سارياً حتى تقرير آب عام 1980 والذي اتُخذ فيه قرار تجميد شعار إسقاط السلطة ( تجميد مؤقت كشعار للتنفيذ الفوري والاستعاضة عنه بشعار تنفيذي يتمركز في دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية )* ورفع شعاران : الشعار المركزي إسقاط الحلف الرجعي الأسودـ الأخوان المسلمين وتحالفاتهم الداخلية والإقليمية والخارجيةـ الثاني دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية وقد جاء التغير بناءً على المتغيرات الداخلية والصراع الدامي بين النظام السوري الذي يمثل ـ البرجوازية البيروقراطيةـ وبين الأخوان المسلمين الذراع الضارب للبرجوازية التقليدية كما وصفوا من قبل الرابطة آنذاك وعندما دخل صراعهما مرحلة كسر العظم. وقد جاء في تقرير الهيئة المركزية لعام 1980 الذي استبدل شعار إسقاط النظام بشعار إسقاط الحلف الرجعي الأسود الفاشي الذي اعتبره التقرير بأنه الحلف الأخطر على كافة المستويات الداخلية والوطنية والخارجية (التفريط بالقضايا الوطنية وإقامة نظام فاشي يعتمد الأيديولوجيا الدينية ) ولذا فقد قرر التنظيم تجميد شعار إسقاط السلطة وقد رأى في طرحه البعض منذ البداية طفولة بسارية واستسهال وعلى وجه الخصوص بعد حسم النظام المعركة مع الإخوان المسلمين لصالحه. ولم يكن تغيير الشعار بالأمر السهل فقد تسبب بصراع داخل التنظيم بين مؤيد ورافض كما دفع بالبعض لترك التنظيم على أثر التقرير المعروف باسم تقرير آب.
وقد أظهر التقرير من خلال تحليله للصراع ضعف التيار الديمقراطي واليساري الذي تجلى بطريقة تعاطي التيار مع الصراع الدامي ما بين القطبين النظام والإخوان وعدم قدرته على توظيفه لصالح برنامج وطني وديمقراطي من خلال تشكيل القطب الثالث (ممثل الطبقات الشعبية ) الذي طرحته الرابطة آنذاك خصوصاً وأن الاستقطاب الطائفي لم يبلغ حداً لا رجعة عنه في ذلك الحين .
وبعد عام 1982 وانتهاء الصراع المسلح ما بين القطبين المتصارعينـ النظام والتيار الإسلامي المتطرفـ لصالح النظام .عاد شعار دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية الشعار المركزي.
شكل شعار دحر الديكتاتورية والظفر بالحريات السياسية كشعار مركزي طوال عقدين من الزمن اتسمت الساحة السورية خلالها بالاستقرار بعد انتهاء الصراع مع الإخوان المسلمين ما بين 1979ـ1982 التي أدت إلى ضرب مدينة حماة وتدمير قسماً كبيراً من أحيائها رغم استمرار العمليات المتفرقة للتيار الإسلامي التي ابتدأت عام 1977 وبقيت حتى عام 1980 خلال هذا الزمن اجتاحت إسرائيل لبنان وبدأت المقاومة ضدها والصراع ما بين النظام السوري وإسرائيل في لبنان بقوى لبنانية وفلسطينية في أغلب الأحيان. لكن المأزق السوري التسوويـ الذي كان أحد أسباب الصراع الخفية ما بين النظام والإخوانـ تجدد مع ذهاب منظمة التحرير نحو تسويتها الخاصة وتداعيات ذلك على سلوك النظام السياسي.
وخلال العقود المنصرمة تلك والمتغيرات الاقتصادية والسياسية التي وصلت إلى تفكك دولة كالاتحاد السوفيتي وسقوط دول أخرى ..وتغير في الوضع الإقليمي حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة التي جرت بعد موت حافظ الأسد وانعكاس المتغيرات تلك على بنية النظام وآلية حكمه دون أن ننسى التغير في البنية الاقتصادية والسياسية للنظام ذاته الذي أخذ يعمل باتجاه ترسيخ مؤسسات مفصلة على قياسه خاضعة له ..لكنها مؤسسات. تم خلالها الإفراج عن قسم من المعتقلين السياسيين واعتقال آخرين وإقالة قادة أمن كبار كعلي دوبا ومحمد الخولي وغيرهم ومن ثم رفع نظام حافظ الأسد شعار محاربة الفساد الذي أدى إلى إقالة محمود الزعبي وجاء الأسد الابن ليبدأ سياسة مختلفة بعض الشيء عن الأب تجسد في خطاب القسم وما تضمنه عن قبول الرأي الآخر والإصلاح وما إلى ذلك الذي عبر عن تطور مصالح السلطة بما تمثله من برجوازية بيروقراطية وتطور شريحة من هذه الطبقة اقتصادياً وسياسياً، اقتصادياً تحولها نحو اقتصاد السوقـ اللبرلةـ وانعكاس ذلك على آلية عملها السياسي التي اتسمت بالبطء في تحولها السياسي وبدأت تنخرط هذه الشريحة الطبقية التي جمعت رؤوس أمولها من نهب القطاع العام ومؤسساته وثروات البلد ا بفعالية في السوق الداخلية (سيريا تل، مدينة المعارض ، الخط الحجازي ..أريبا) وبنفس الوقت تتشارك مع بعض أطراف البرجوازية السورية..وهذه التطورات البنيوية للنظام بما يمثله طبقياً وسياسياً انعكس في آلية الحكم وتراجع حدة الديكتاتورية الفظة نحو ديكتاتورية " مقننة " وغير مفلوتة كما كانت من قبل ومن ثم تحولها بشكل تدريجي نحو سلطة أمنية..ترافق ذلك بالسماح بالعمل العلني وإصدار صحف علنية لأحزاب الجبهة والسماح بعمل معظم الأحزاب القديمة كالحزب القومي الاجتماعي السوري. وكذلك أفسح المجال لجمعيات حقوق الإنسان رغم المضايقات المتعددة الأوجه لنشاطها ونشاط الأحزاب ـ لم يجري ذلك بشكل رسمي وقانونيـ وذلك تم ضمن مسار قوننة القمع كما ذكرنا ( توقيف ..محاكمات ) هذه التحولات لبنية النظام التي تقاطعت و تتقاطع وتتأثر وتطوع بنيتها مع المتغيرات العالمية والإقليمية والضغط الخارجي بحيث أصبحت أحد العوامل التي تدفع السلطة نحو إجراء تغييرات سريعة قياساً بطريقة إجراءها للتحولات التي اتسمت كما ذكرنا بالبطء والتردد لكنها بفعل العامل الخارجيـ الذي يضغط لأسباب تتعلق بمصالحه ومشاريعه في المنطقة ـ أصبحت السلطة الآن عند مفارق طرق أحلاهما مر ..وعليها الإسراع في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية بما يضمن استمرار رأس الهرم السلطوي في الحكم وبما يستطيع من حفظ لمصالح الطبقة التي أتت به إلى السلطة وهي البرجوازية البيروقراطية أو تطويعه شريحة منها تتناغم مع اشتراطات العالم الجديد من جهة ومن جهة ثانية الحفاظ على المصالح الأمريكية .هذه التغييرات الداخلية والإقليمية والدولية تطلبت تغييراً في شعار الحزب ، من دحر الديكتاتورية ( باعتبار أن تغيراً كمياً في بنية السلطة أدى إلى تغير السلطة من الديكتاتورية السافرة إلى ديكتاتورية مقننة إلى سلطة أمنية وقد تحول خلال فترة قصيرة إلى سلطة نصف أمنية نصف قانونية أسوة بمثلها الأعلى التجربة المصرية ) إلى إلغاء الاحتكار السياسي وقيام نظام ديمقراطي انسجاماً كما ذكرنا مع تغير بنية السلطة وآلية حكمها واستجابة للمتغيرات العالمية وغياب الدعم الدولي وتبدل السياسية العالمية لكل تلك الأسباب بكان لابد للحزب من تغيير الشعار القديم إلى شعار ا إلغاء احتكار السلطة والتداول السلمي للسلطة بما يعني من تجاوز لفكر الماضي الذي يحمل ( بأحد وجوهه الانقلاب والشمولية ) ..بسبب التغير العميق في العالم ومنه الحد الأخلاقي العام والخاص الذي يشملنا .
والذي يعني التحول إلى نضال سلمي ديمقراطي يحدد مدى فعالية القوى والأحزاب من خلال صندوق الاقتراع الحر والنزيه ويؤصل لمرحلة جديدة عنوانها الديمقراطية قيمة عليا فوق الأحزاب والأيدلوجيات .
* نص التقرير المقر بأغلبية الهيئة المركزية لرابطة العمل الشيوعي 1980


جريدة الآن