أبو يارا
05/11/2006, 08:20
من أجلك يا عَلَف
د. عبد الستار قاسم
من أجلك يا فلسطين تهون النفوس، ومن أجلك يا فلسطين نقدم الدماء، ومن أجلك يهون علينا ألم الاعتقال والتعذيب، من أجلك لا ننحني أمام قلع الشجر وهدم البيوت ومصادرة الأرض. من أجلك سنبقى صامدين صابرين مثابرين مرابطين مجاهدين مناضلين متحملين آلام الجوع والحرمان والاختباء في ثنايا الجبال وقيعان الوديان، ومصممين على ألا تلين لنا قناة، ألا تهزمنا النائبات وألا تفت من عضدنا المصائب والنكبات.
هذا شعر أو شعارات كانت صالحة في الوقت "الوساع"، أما عندما تضيق الأمور ويشتد خناق الأعداء على أمعدتنا، فلا بد من إجازة لكل الأكاذيب التي سقناها على المواطنين البسطاء ليصبح شعارنا "من أجلك يا علف". من أجل الفتات التي يقدمها أهل الغرب لتملأ بطوننا سحتا، نحن نريد أن نكون واقعيين، ونريد للحكومة أن تسقط لأننا أخطأنا عندما انتخبنا المجلس الذي منحها الثقة، ونريد أن نقطع أصابعنا ندما على سلوكنا الانتخابي المملوء بالكبرياء والاستقلالية، كان علينا أن نكون أنذالا فننتخب وفق رغبات الممولين والإسرائيليين. من أجل العلف تهون الكرامة وتهون الكبرياء، ومن أجله تهون الأوطان ويهون شجر الزيتون وكرم العنب وساحات فلسطين. أي صمود هذا الذي يقف في وجه العلف، وأي مستقبل ينتظرنا بأمعاء لا تمتلئ من خيرات إسرائيل وأمريكا؟ لا مستقبل بدون علف، ولا مذلة بدون علف، ولا تعهير للأجيال بدون علف، ولا تنازل عن الحقوق بدون علف. يحيا العلف حرا وتحيا أمعاء العرب موئلا له.
نحن بإمكاننا أن نشمر عن سواعدنا وننتج، وبإمكاننا أن نطور برنامج تكافل وتضامن، وبإمكاننا أن نقلص من استهلاكنا ونكتفي بالقليل. بإمكان من يحصلون على راتب الآن تقاسم الراتب مع آخرين، وبإمكاننا أن نتخلى عن كثير من البضائع الإسرائيلية ولا نشتريها، وبإمكاننا إعادة ترتيب أوضاعنا المالية، وبإمكاننا أن نشجع منتوجاتنا الوطنية، لكننا حقيقة لا نريد ذلك الآن لأن الوقت غير مناسب، ولم نستكمل استراتيجيتنا بعد. تقوم استراتيجيتنا على استنزاف الأعداء من أمريكيين وأوروبيين وإسرائيليين ماليا لكي نقلص من قدراتهم على تصنيع الأسلحة التي يحاربوننا فيها. عندما نشكل عليهم عبئا ماليا ونحن نوهمهم بأننا نقبل طروحاتهم السياسية نكون قد أضعفناهم وخدعناهم. هم الآن واهمون ولا يدركون عبقريتنا في البحث عن علف من جيوبهم، لكننا ستفقرهم وسنهدم ميزانياتهم وسيعلنون إفلاسهم. الآن وبعد أن نكون قد أنجزنا مهماتنا، نكشر عن أنيابنا فنغرسها بهم ونصرعهم، ونطردهم من فلسطين بخطة جهنمية لا تستهدي إليها الأباليس.
دائما نجحت خططنا ومنذ أن بدأت الثورة. أوهمنا الناس بأن التحرير قاب قوسين أو أدنى، وقلنا لهم أن الدولة الفلسطينية بقدسها الشريف ستقوم، واللاجئون سيعودون، والمستوطنات ستنهار وتغلق أبوابها، والأموال ستنهال علينا من كل حدب وصوب. صدقنا الناس وصفقوا لنا، فأخذنا وقتنا في سرقة الأموال وجمع الثروات وتثبيت أقدام إسرائيل وتمزيق المجتمع اجتماعيا وأخلاقيا، وتحويل الشعب إلى جمهور من المتسولين الذين يرون العلف أهم بكثير من إرادتهم السياسية. لقد حولنا فلسطين إلى رغيف، أو إلى كيس طحين، أو ربما علبة أسبرين. المهم أن تلك التي كنا نتغنى بها قد أخذت إجازة الآن لصالح معلبات السردين.
لكننا من أجل راحة الشعب وطمأنينته، سنطالب بأن يكون لكل مواطن مِدْوَد. (المكان الذي يوضع فيه العلف للدواب) لا يلذ العلف ولا يطيب إلا بمدود، ولا يحلو أكله إلا على أربع.
خزاكم الله أيها الأنذال الذين لا ترون لقمة الخبز إلا من جيوب أعداء الله ورسوله، وأعداء أمة العرب والمسلمين والفلسطينيين. الشعوب العظيمة تبحث عن حلول ذاتية خلاقة لكي ترتقي عظمتها فتحافظ على كرامتها وعزتها، وتورث الأجيال الإباء وعزة النفس، وتبقى أبدا مضرب الأمثال بين الأمم الخالدة. الشعوب المهترئة هي التي يطيب لها النوم والتواكل والتوسل والتسول، وهي التي لا تأكل من عرق جبينها، ولا تشمر عن سواعدها، ولا تصبر على جوع من أجل دفع الظلم والضيم. أنتم تهوون بالشعب الفلسطيني إلى القاع، إلى الحضيض الذي تضيع في أوحاله التضحيات والدماء الزكية والنفوس الطاهرة والدموع الدافئة والأنات الغالية التي صدحت في معارج السماء.
أيها الناس، دعونا نفكر في كيف نساعد أنفسنا للخروج من مآزقنا. لا تظنوا أن سقوط الحكومة أو استقالتها أو غيابها سيأتي علينا بغير الويلات المصاحبة للتنازل عن إرادتنا السياسية. أيها الناس، لا ينفعنا الاعتماد على الآخرين الأعداء لأنهم الآن قد عرفوا أننا نركع، بل نسجد، بل ننهار، أمام المال.
لا حل لمشاكلنا إلى بالجلوس معا لنفكر ماذا علينا أن نصنع من أجل أن نشل الحصار ونخيّب الأعداء، ونردهم على أعقابهم خاسرين. إذا كنا شعبا عظيما فلا حل إلا أن ينظر كبيرنا إلى صغيرنا وثرينا إلى فقيرنا وقوينا إلى ضعيفنا. أما الحكومة فعليها أن تتصرف كحكومة تقدم المبادرات والبرامج والأفكار، وعليها أن تحشد الناس جميعا بدل أن تبقى متقوقعة لاهثة وراء من لا يقدرون معنى الوحدة ولا يعرفون معنى الاعتماد على الذات.
نحن بإمكاننا أن نجتاز الامتحان فقط إذا قررنا أن نكون مع أنفسنا.
د. عبد الستار قاسم
من أجلك يا فلسطين تهون النفوس، ومن أجلك يا فلسطين نقدم الدماء، ومن أجلك يهون علينا ألم الاعتقال والتعذيب، من أجلك لا ننحني أمام قلع الشجر وهدم البيوت ومصادرة الأرض. من أجلك سنبقى صامدين صابرين مثابرين مرابطين مجاهدين مناضلين متحملين آلام الجوع والحرمان والاختباء في ثنايا الجبال وقيعان الوديان، ومصممين على ألا تلين لنا قناة، ألا تهزمنا النائبات وألا تفت من عضدنا المصائب والنكبات.
هذا شعر أو شعارات كانت صالحة في الوقت "الوساع"، أما عندما تضيق الأمور ويشتد خناق الأعداء على أمعدتنا، فلا بد من إجازة لكل الأكاذيب التي سقناها على المواطنين البسطاء ليصبح شعارنا "من أجلك يا علف". من أجل الفتات التي يقدمها أهل الغرب لتملأ بطوننا سحتا، نحن نريد أن نكون واقعيين، ونريد للحكومة أن تسقط لأننا أخطأنا عندما انتخبنا المجلس الذي منحها الثقة، ونريد أن نقطع أصابعنا ندما على سلوكنا الانتخابي المملوء بالكبرياء والاستقلالية، كان علينا أن نكون أنذالا فننتخب وفق رغبات الممولين والإسرائيليين. من أجل العلف تهون الكرامة وتهون الكبرياء، ومن أجله تهون الأوطان ويهون شجر الزيتون وكرم العنب وساحات فلسطين. أي صمود هذا الذي يقف في وجه العلف، وأي مستقبل ينتظرنا بأمعاء لا تمتلئ من خيرات إسرائيل وأمريكا؟ لا مستقبل بدون علف، ولا مذلة بدون علف، ولا تعهير للأجيال بدون علف، ولا تنازل عن الحقوق بدون علف. يحيا العلف حرا وتحيا أمعاء العرب موئلا له.
نحن بإمكاننا أن نشمر عن سواعدنا وننتج، وبإمكاننا أن نطور برنامج تكافل وتضامن، وبإمكاننا أن نقلص من استهلاكنا ونكتفي بالقليل. بإمكان من يحصلون على راتب الآن تقاسم الراتب مع آخرين، وبإمكاننا أن نتخلى عن كثير من البضائع الإسرائيلية ولا نشتريها، وبإمكاننا إعادة ترتيب أوضاعنا المالية، وبإمكاننا أن نشجع منتوجاتنا الوطنية، لكننا حقيقة لا نريد ذلك الآن لأن الوقت غير مناسب، ولم نستكمل استراتيجيتنا بعد. تقوم استراتيجيتنا على استنزاف الأعداء من أمريكيين وأوروبيين وإسرائيليين ماليا لكي نقلص من قدراتهم على تصنيع الأسلحة التي يحاربوننا فيها. عندما نشكل عليهم عبئا ماليا ونحن نوهمهم بأننا نقبل طروحاتهم السياسية نكون قد أضعفناهم وخدعناهم. هم الآن واهمون ولا يدركون عبقريتنا في البحث عن علف من جيوبهم، لكننا ستفقرهم وسنهدم ميزانياتهم وسيعلنون إفلاسهم. الآن وبعد أن نكون قد أنجزنا مهماتنا، نكشر عن أنيابنا فنغرسها بهم ونصرعهم، ونطردهم من فلسطين بخطة جهنمية لا تستهدي إليها الأباليس.
دائما نجحت خططنا ومنذ أن بدأت الثورة. أوهمنا الناس بأن التحرير قاب قوسين أو أدنى، وقلنا لهم أن الدولة الفلسطينية بقدسها الشريف ستقوم، واللاجئون سيعودون، والمستوطنات ستنهار وتغلق أبوابها، والأموال ستنهال علينا من كل حدب وصوب. صدقنا الناس وصفقوا لنا، فأخذنا وقتنا في سرقة الأموال وجمع الثروات وتثبيت أقدام إسرائيل وتمزيق المجتمع اجتماعيا وأخلاقيا، وتحويل الشعب إلى جمهور من المتسولين الذين يرون العلف أهم بكثير من إرادتهم السياسية. لقد حولنا فلسطين إلى رغيف، أو إلى كيس طحين، أو ربما علبة أسبرين. المهم أن تلك التي كنا نتغنى بها قد أخذت إجازة الآن لصالح معلبات السردين.
لكننا من أجل راحة الشعب وطمأنينته، سنطالب بأن يكون لكل مواطن مِدْوَد. (المكان الذي يوضع فيه العلف للدواب) لا يلذ العلف ولا يطيب إلا بمدود، ولا يحلو أكله إلا على أربع.
خزاكم الله أيها الأنذال الذين لا ترون لقمة الخبز إلا من جيوب أعداء الله ورسوله، وأعداء أمة العرب والمسلمين والفلسطينيين. الشعوب العظيمة تبحث عن حلول ذاتية خلاقة لكي ترتقي عظمتها فتحافظ على كرامتها وعزتها، وتورث الأجيال الإباء وعزة النفس، وتبقى أبدا مضرب الأمثال بين الأمم الخالدة. الشعوب المهترئة هي التي يطيب لها النوم والتواكل والتوسل والتسول، وهي التي لا تأكل من عرق جبينها، ولا تشمر عن سواعدها، ولا تصبر على جوع من أجل دفع الظلم والضيم. أنتم تهوون بالشعب الفلسطيني إلى القاع، إلى الحضيض الذي تضيع في أوحاله التضحيات والدماء الزكية والنفوس الطاهرة والدموع الدافئة والأنات الغالية التي صدحت في معارج السماء.
أيها الناس، دعونا نفكر في كيف نساعد أنفسنا للخروج من مآزقنا. لا تظنوا أن سقوط الحكومة أو استقالتها أو غيابها سيأتي علينا بغير الويلات المصاحبة للتنازل عن إرادتنا السياسية. أيها الناس، لا ينفعنا الاعتماد على الآخرين الأعداء لأنهم الآن قد عرفوا أننا نركع، بل نسجد، بل ننهار، أمام المال.
لا حل لمشاكلنا إلى بالجلوس معا لنفكر ماذا علينا أن نصنع من أجل أن نشل الحصار ونخيّب الأعداء، ونردهم على أعقابهم خاسرين. إذا كنا شعبا عظيما فلا حل إلا أن ينظر كبيرنا إلى صغيرنا وثرينا إلى فقيرنا وقوينا إلى ضعيفنا. أما الحكومة فعليها أن تتصرف كحكومة تقدم المبادرات والبرامج والأفكار، وعليها أن تحشد الناس جميعا بدل أن تبقى متقوقعة لاهثة وراء من لا يقدرون معنى الوحدة ولا يعرفون معنى الاعتماد على الذات.
نحن بإمكاننا أن نجتاز الامتحان فقط إذا قررنا أن نكون مع أنفسنا.