Zahi
31/10/2006, 01:35
حكاية الرفيق ابن حارتنا
كنت أغطّ في نومي داخل فراشي الدافئ، وكان الوقت باكراً من صباح يوم من أيام كوانين الصقيعيّة، عندما سمعت طرقات متتالية تهز باب شقتي، أزحت الغطاء عني بصعوبة، وقمت متثاقلاً وأنا أقول: خيراً إن شاء الله؛ من الطارق يا ترى؟، وبدأت أسير نحو باب الشقة بخطى بطيئة، وكأنني لا أريد أن أصل إلى الباب وأفتحه، حتى لا أفاجأ بخبر لا أحب سماعه، ورغم صغر شقتي لكنني استغرقت دقائق عديدة وأنا أحبو كالسلحفاة بين سريري وباب شقتي، كانت تدور خلالها أسئلة كثيرة في ذهني مثل:
- هل أصاب والدي أو والدتي أو أحداً من أهلي مكروهاً لا قدّر الله؛ وهناك من جاء ليبلغني؟
- هل من خبر عن أخي أحمد طالب الجامعة الذي اعتقل من كليته قبل أربع سنوات ولم نسمع عنه أي خبر منذ ذلك اليوم؟
- هل من خبر عن عمي الذي غادر الوطن في تلك الفترة ولم يعد أبداً، ولم نره من يومها؟
- هل هم خفافيش الليل وكوابيس الظلام جاؤوا ليعتقلوني كما اعتقلوا الكثيرين من شباب حيّنا وبلدتنا!؟
وبينما كانت هذه الأسئلة تقلقني، قلت بصوت خافت متردد خائف: من بالباب؟
فسمعت صوت أخي بسام يقول بصوت مطمئن: أنا، افتح
ففتحت الباب، وشاهدت أخي بسام وحيداً خلف الباب ويحمل في يديه خبزاً ساخناً يتصاعد منه في هذا الجو الصعيقي دخاناً كثيفاً، وتفوح منه رائحة زكية، فقلت: خيراً إن شاء الله تفضل بالدخول
فأغلق الباب ودخل وجلس على الكنب ووضع الخبز الحار على الطاولة وقال: احذِر ماذا رأيت وأنا عائد من الفرن الآن؛ بعد أن خضت معركة الحصول على الخبز هناك بنجاح؟
- وماذا رأيت؟ خيراً إن شاء الله
- رأيت دوريات المخابرات تحاصر البناية، وقد انتشرت العناصر المدججة بالسلاح في كل مكان وكانت تمنعنا من الاقتراب منها
- لا حول ولا قوة إلا بالله، وماذا بعد؟
- هل تدري من اعتقلوا؟ هل تحذِر من رأيته مكبّل اليدين؛ معصوب العينين؛ مطأطئ الرأس؛ يسحب بعنف ولؤم وحقد إلى داخل سيارة الجيب؟
- لا، فكل مواطن معرض للاعتقال في هذا البلد، الذي لا قانون فيه إلى قوانين المخابرات والاعتقالات
- حسناً، احذِر إذاً
- لا أستطيع، ف! كل أبناء هذه البناية ذات الشقق الصغيرة – كعلب الكبريت – والتي نسكن في ها منذ سنين، من الطبقة الفقيرة المسحوقة – والغير مدعومة!! – والمستباحة في دولة قوانين الطوارئ المزمنة؛ ربما ما عدا شخص واحد فقط، تعرفه كما أعرفه وكما يعرفه كل أبناء البناية والحي، هذا الشخص المخبر المريض الذي يقتات من عذابات الناس وآلامهم لاشك لدي أنه هو من وشى بالمسكين الذي جاء دوره واعتقل هذا الصباح كما وشى بالعشرات من قبل
- نعم أنه أبو باسل قالها أخي وهو يبتسم
- هذا صحيح، فكل أبناء الحي يعرفون من هو أبو باسل هذا، حتى أخوته وأهله وأبناؤه وزوجته يكرهونه، ويدارونه اتقاء شره، ولكن لماذا أنت سعيد هكذا؟ من الذي خرب أبو باسل بيته هذا الصباح؟
- لا يا أخي، لم تفهم علي بعد، لقد اعتقلوا أبا باسل نفسه
- لا تمزح
- والله العظيم، لقد رأيته بعينيّ هاتين اللتين سيأكلهما الدود، وهو يساق إلى السيارة بعنف، وبعد أن سار ركب الجنود البواسل!! المدججين بالسلاح؛ ودخلت البناية، رأيت باب شقته مفتوح وزوجته وأطفاله الصغار على الباب يبكون
- غريب هذا الأمر، فقد توقعت أن يعتقلوا كل من في البناية إلا هو، هل هي تمثيلية؟ هل هو صراع بين! فروع الأمن الكثيرة في هذا البلد؟ هل تاب أبو باسل وصحا ضميره الميت بعد كل ما فعله بأهله وأبناء حيّه؟ فعلاً الأمر محيّر ولا يُصدّق، سوف أتصل بأخيه نبيل، فهو صديقي ولا يداري سراً عني
و رفعت سماعة الهاتف، وأدرت قرص الأرقام، وطلبت رقم صديق طفولتي وزميل دراستي – نبيل - منذ كنا في حيننا الشعبي القديم، الذي خضع للتنظيم وهدم، وعوضتنا دولتها المصونة!!، علب الكبريت هذه التي سكناها مكرهين، وعشنا في نكد وضيق، بعد أن كنا في بحبوبة ورخاء، وعزاؤنا الوحيد أننا بقينا متجاورين في هذه البنايات الضخمة، بل أصبحت بيوتنا أقرب إلى بعضها من قبل
وتوقعت أن يكون نبيل نائماً ويتأخر في الرد، فالوقت ما زال باكراً، لكن نبيل رد علي قبل أن تكمل رنة الهاتف الأولى نغمتها، فقلت:
- صباح الخير
- أهلاً هشام، يبدو أنك علمت بالأمر
- نعم، تعال وافطر معنا، فالخبز الساخن جاهز
- أعطني خمس دقائق، أغيّر ملابسي وأطمئن على أولاد أخي أبي باسل وآتيك
- أنا وأخي بسام في انتظارك
وأغلقت سماعة الهاتف، وقلت لبسام: أترك بضعة أرغفة لفطورنا، وخذ ال! باقي لأهلك، ولا تتأخر بالعودة، فأنا سأحضّر الفطور
وقبل أن انت هي من تحضير الفطور كان نبيل وبسام قد وصلا، فجلسنا نتناول الفطور ونتبادل الحديث:
قلت: عجباً يا نبيل، ما الذي دفعهم لاعتقال أخيك بعد كل الخدمات الحقيرة التي قدمها للمخابرات؟
نبيل: كنت أتوقع ذلك منذ فترة؟
بسام: كنت أتوقع أن يعتقلوا كل من في البناية إلا أخاك
نبيل: لقد أسرّ لي منذ شهر أنه يخشى من الاغتيال؛ وعندما سألته من سيغتالك؟ أجابني: المخابرات
قلت: ولماذا كان يخاف من الاغتيال؟ هل أصبح ورقة محروقة لا حاجة لها وأحبوا أن يتخلصوا منها؟
نبيل: ليس تماماً؛ دعوني أشرح لكم ولا تقاطعوني بأسئلتكم وتلهفكم
قلت: تفضل
نبيل: منذ حوالي الشهر؛ وبالتحديد في عيد الأضحى الأخير، قمت بواجبي نحو أخي الكبير، وزرته معايداً له بعد قطيعة دامت لسنوات، رغم معارضة والدتي وأخوتي لهذه الزيارة، فأنتم تعلمون أن والدتي قد غضبت عليه منذ أن تأسّد وتفرعن علينا جميعاً بعد وفاة والدي المرحوم، وأكل كل حقوقنا في الإرث، وجيّر محل المرحوم لحسابه الخاص، وكشر عن أنيابه في وجه والدته وأخوته وكل أهله وجيرانه، وكان يهدد الجميع بالمخابرات، و! لم يقتصر الأمر على التهديدات، وإنما قام فعلاً بكتابة التقارير الكيدية بالجميع، ولم يسلم منه أحد؛ حتى أخوته وأعمامه وأخواله، وتذكرون أنني اعتقلت بسببه قبل ثلاث سنوات، وعذبت بكل أنواع وأساليب التعذيب الوحشية، من الدولاب إلى بساط الريح إلى الكرسي الألماني، واستخدموا معي لسعات الكهرباء والجلد والصفع، وكل أساليب الترهيب التي تعرفونها والتي اشتهرت بها المخابرات في بلدنا، وعندما لم يأخذوا مني اعترافاً بأنني أنتمي لتنظيم الأخوان كما كانوا يريدون، والتي تعني نهايتي بالتأكيد، استعملوا معي أساليب جديدة، فطلبني المقدم رئيس قسم التحقيق، وأدخلوني إليه في مكتبه، بعد أن شدوا يديّ إلى ظهري، وعصبوا عينيّ بعصابة سوداء، وبدأ بمحاورتي، عن بعض توجهاتي السياسية، وعن بعض التعليقات التي كنت أقولها في مجالسي الخاصة مع الأهل والأصدقاء، والتي كنت أطرح فيها آرائي بالأمور العامة، وبدأت أتأكد شيئاً فشيئاً، أن أخي حسن (أبو باسل) هو من وشى بي، ولكني تأكدت مئة بالمائة أنه هو، عندما خرج المقدم لبعض الوقت خارج الغرفة، وتركني واقفاً أمام مكتبه، فتجرأت ورفعت! رأسي لأرى من تحت العصابة ملفي الذي كان أمامه على المكتب، والذي كان ي قلب أوراقه وهو يحقق معي، ورأيت ورقة كتبت بخط أخي حسن الذي أعرفه جيداً، وقد ذيلت باسمه وتوقيعه الصريح، وبعد ذلك، بدأت أتشجع وأشرح للمحققين مشاكلنا العائلية، وأن أخي قد ظلمنا جميعاً، وأخذ حقوقنا كلها، ويريدنا أن نسكت، وعندما كنا نطالبه بحقوقنا التي سلبها، كان يهددنا بأن يرسلنا إلى ما وراء الشمس، وها هو قد نفذ وعده، ووشى بي عندكم كذباً وزوراً، ويبدو أن المحققين قد صدقوني، وكانوا يسمعون مني عن أفعاله الشنيعة، فيشتمونه ويلعنونه، ثم أفرجوا عني بعد خمسة أشهر رأيت فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقصصت لأمي وأخوتي ما حصل معي، فدعت عليه أن يرى أكثر مما رأيت، وغضبت عليه إلى يوم الدين وعندما ذرت أخي حسن في عيد الأضحى الأخير بعد ثلاث سنين من القطيعة التامة، وجلست ألاعب أطفاله الصغار- الذين حرمهم من زيارتنا - وعيني تدمعان، شعرت أن حسن يريد أن يصارحني بأمور كثيرة تجول في خاطره، ولكنه يتردد، فحاولت أن أطمئنه، وقلت له بلغة العتاب المصطنع:
كنت أغطّ في نومي داخل فراشي الدافئ، وكان الوقت باكراً من صباح يوم من أيام كوانين الصقيعيّة، عندما سمعت طرقات متتالية تهز باب شقتي، أزحت الغطاء عني بصعوبة، وقمت متثاقلاً وأنا أقول: خيراً إن شاء الله؛ من الطارق يا ترى؟، وبدأت أسير نحو باب الشقة بخطى بطيئة، وكأنني لا أريد أن أصل إلى الباب وأفتحه، حتى لا أفاجأ بخبر لا أحب سماعه، ورغم صغر شقتي لكنني استغرقت دقائق عديدة وأنا أحبو كالسلحفاة بين سريري وباب شقتي، كانت تدور خلالها أسئلة كثيرة في ذهني مثل:
- هل أصاب والدي أو والدتي أو أحداً من أهلي مكروهاً لا قدّر الله؛ وهناك من جاء ليبلغني؟
- هل من خبر عن أخي أحمد طالب الجامعة الذي اعتقل من كليته قبل أربع سنوات ولم نسمع عنه أي خبر منذ ذلك اليوم؟
- هل من خبر عن عمي الذي غادر الوطن في تلك الفترة ولم يعد أبداً، ولم نره من يومها؟
- هل هم خفافيش الليل وكوابيس الظلام جاؤوا ليعتقلوني كما اعتقلوا الكثيرين من شباب حيّنا وبلدتنا!؟
وبينما كانت هذه الأسئلة تقلقني، قلت بصوت خافت متردد خائف: من بالباب؟
فسمعت صوت أخي بسام يقول بصوت مطمئن: أنا، افتح
ففتحت الباب، وشاهدت أخي بسام وحيداً خلف الباب ويحمل في يديه خبزاً ساخناً يتصاعد منه في هذا الجو الصعيقي دخاناً كثيفاً، وتفوح منه رائحة زكية، فقلت: خيراً إن شاء الله تفضل بالدخول
فأغلق الباب ودخل وجلس على الكنب ووضع الخبز الحار على الطاولة وقال: احذِر ماذا رأيت وأنا عائد من الفرن الآن؛ بعد أن خضت معركة الحصول على الخبز هناك بنجاح؟
- وماذا رأيت؟ خيراً إن شاء الله
- رأيت دوريات المخابرات تحاصر البناية، وقد انتشرت العناصر المدججة بالسلاح في كل مكان وكانت تمنعنا من الاقتراب منها
- لا حول ولا قوة إلا بالله، وماذا بعد؟
- هل تدري من اعتقلوا؟ هل تحذِر من رأيته مكبّل اليدين؛ معصوب العينين؛ مطأطئ الرأس؛ يسحب بعنف ولؤم وحقد إلى داخل سيارة الجيب؟
- لا، فكل مواطن معرض للاعتقال في هذا البلد، الذي لا قانون فيه إلى قوانين المخابرات والاعتقالات
- حسناً، احذِر إذاً
- لا أستطيع، ف! كل أبناء هذه البناية ذات الشقق الصغيرة – كعلب الكبريت – والتي نسكن في ها منذ سنين، من الطبقة الفقيرة المسحوقة – والغير مدعومة!! – والمستباحة في دولة قوانين الطوارئ المزمنة؛ ربما ما عدا شخص واحد فقط، تعرفه كما أعرفه وكما يعرفه كل أبناء البناية والحي، هذا الشخص المخبر المريض الذي يقتات من عذابات الناس وآلامهم لاشك لدي أنه هو من وشى بالمسكين الذي جاء دوره واعتقل هذا الصباح كما وشى بالعشرات من قبل
- نعم أنه أبو باسل قالها أخي وهو يبتسم
- هذا صحيح، فكل أبناء الحي يعرفون من هو أبو باسل هذا، حتى أخوته وأهله وأبناؤه وزوجته يكرهونه، ويدارونه اتقاء شره، ولكن لماذا أنت سعيد هكذا؟ من الذي خرب أبو باسل بيته هذا الصباح؟
- لا يا أخي، لم تفهم علي بعد، لقد اعتقلوا أبا باسل نفسه
- لا تمزح
- والله العظيم، لقد رأيته بعينيّ هاتين اللتين سيأكلهما الدود، وهو يساق إلى السيارة بعنف، وبعد أن سار ركب الجنود البواسل!! المدججين بالسلاح؛ ودخلت البناية، رأيت باب شقته مفتوح وزوجته وأطفاله الصغار على الباب يبكون
- غريب هذا الأمر، فقد توقعت أن يعتقلوا كل من في البناية إلا هو، هل هي تمثيلية؟ هل هو صراع بين! فروع الأمن الكثيرة في هذا البلد؟ هل تاب أبو باسل وصحا ضميره الميت بعد كل ما فعله بأهله وأبناء حيّه؟ فعلاً الأمر محيّر ولا يُصدّق، سوف أتصل بأخيه نبيل، فهو صديقي ولا يداري سراً عني
و رفعت سماعة الهاتف، وأدرت قرص الأرقام، وطلبت رقم صديق طفولتي وزميل دراستي – نبيل - منذ كنا في حيننا الشعبي القديم، الذي خضع للتنظيم وهدم، وعوضتنا دولتها المصونة!!، علب الكبريت هذه التي سكناها مكرهين، وعشنا في نكد وضيق، بعد أن كنا في بحبوبة ورخاء، وعزاؤنا الوحيد أننا بقينا متجاورين في هذه البنايات الضخمة، بل أصبحت بيوتنا أقرب إلى بعضها من قبل
وتوقعت أن يكون نبيل نائماً ويتأخر في الرد، فالوقت ما زال باكراً، لكن نبيل رد علي قبل أن تكمل رنة الهاتف الأولى نغمتها، فقلت:
- صباح الخير
- أهلاً هشام، يبدو أنك علمت بالأمر
- نعم، تعال وافطر معنا، فالخبز الساخن جاهز
- أعطني خمس دقائق، أغيّر ملابسي وأطمئن على أولاد أخي أبي باسل وآتيك
- أنا وأخي بسام في انتظارك
وأغلقت سماعة الهاتف، وقلت لبسام: أترك بضعة أرغفة لفطورنا، وخذ ال! باقي لأهلك، ولا تتأخر بالعودة، فأنا سأحضّر الفطور
وقبل أن انت هي من تحضير الفطور كان نبيل وبسام قد وصلا، فجلسنا نتناول الفطور ونتبادل الحديث:
قلت: عجباً يا نبيل، ما الذي دفعهم لاعتقال أخيك بعد كل الخدمات الحقيرة التي قدمها للمخابرات؟
نبيل: كنت أتوقع ذلك منذ فترة؟
بسام: كنت أتوقع أن يعتقلوا كل من في البناية إلا أخاك
نبيل: لقد أسرّ لي منذ شهر أنه يخشى من الاغتيال؛ وعندما سألته من سيغتالك؟ أجابني: المخابرات
قلت: ولماذا كان يخاف من الاغتيال؟ هل أصبح ورقة محروقة لا حاجة لها وأحبوا أن يتخلصوا منها؟
نبيل: ليس تماماً؛ دعوني أشرح لكم ولا تقاطعوني بأسئلتكم وتلهفكم
قلت: تفضل
نبيل: منذ حوالي الشهر؛ وبالتحديد في عيد الأضحى الأخير، قمت بواجبي نحو أخي الكبير، وزرته معايداً له بعد قطيعة دامت لسنوات، رغم معارضة والدتي وأخوتي لهذه الزيارة، فأنتم تعلمون أن والدتي قد غضبت عليه منذ أن تأسّد وتفرعن علينا جميعاً بعد وفاة والدي المرحوم، وأكل كل حقوقنا في الإرث، وجيّر محل المرحوم لحسابه الخاص، وكشر عن أنيابه في وجه والدته وأخوته وكل أهله وجيرانه، وكان يهدد الجميع بالمخابرات، و! لم يقتصر الأمر على التهديدات، وإنما قام فعلاً بكتابة التقارير الكيدية بالجميع، ولم يسلم منه أحد؛ حتى أخوته وأعمامه وأخواله، وتذكرون أنني اعتقلت بسببه قبل ثلاث سنوات، وعذبت بكل أنواع وأساليب التعذيب الوحشية، من الدولاب إلى بساط الريح إلى الكرسي الألماني، واستخدموا معي لسعات الكهرباء والجلد والصفع، وكل أساليب الترهيب التي تعرفونها والتي اشتهرت بها المخابرات في بلدنا، وعندما لم يأخذوا مني اعترافاً بأنني أنتمي لتنظيم الأخوان كما كانوا يريدون، والتي تعني نهايتي بالتأكيد، استعملوا معي أساليب جديدة، فطلبني المقدم رئيس قسم التحقيق، وأدخلوني إليه في مكتبه، بعد أن شدوا يديّ إلى ظهري، وعصبوا عينيّ بعصابة سوداء، وبدأ بمحاورتي، عن بعض توجهاتي السياسية، وعن بعض التعليقات التي كنت أقولها في مجالسي الخاصة مع الأهل والأصدقاء، والتي كنت أطرح فيها آرائي بالأمور العامة، وبدأت أتأكد شيئاً فشيئاً، أن أخي حسن (أبو باسل) هو من وشى بي، ولكني تأكدت مئة بالمائة أنه هو، عندما خرج المقدم لبعض الوقت خارج الغرفة، وتركني واقفاً أمام مكتبه، فتجرأت ورفعت! رأسي لأرى من تحت العصابة ملفي الذي كان أمامه على المكتب، والذي كان ي قلب أوراقه وهو يحقق معي، ورأيت ورقة كتبت بخط أخي حسن الذي أعرفه جيداً، وقد ذيلت باسمه وتوقيعه الصريح، وبعد ذلك، بدأت أتشجع وأشرح للمحققين مشاكلنا العائلية، وأن أخي قد ظلمنا جميعاً، وأخذ حقوقنا كلها، ويريدنا أن نسكت، وعندما كنا نطالبه بحقوقنا التي سلبها، كان يهددنا بأن يرسلنا إلى ما وراء الشمس، وها هو قد نفذ وعده، ووشى بي عندكم كذباً وزوراً، ويبدو أن المحققين قد صدقوني، وكانوا يسمعون مني عن أفعاله الشنيعة، فيشتمونه ويلعنونه، ثم أفرجوا عني بعد خمسة أشهر رأيت فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وقصصت لأمي وأخوتي ما حصل معي، فدعت عليه أن يرى أكثر مما رأيت، وغضبت عليه إلى يوم الدين وعندما ذرت أخي حسن في عيد الأضحى الأخير بعد ثلاث سنين من القطيعة التامة، وجلست ألاعب أطفاله الصغار- الذين حرمهم من زيارتنا - وعيني تدمعان، شعرت أن حسن يريد أن يصارحني بأمور كثيرة تجول في خاطره، ولكنه يتردد، فحاولت أن أطمئنه، وقلت له بلغة العتاب المصطنع: