الإصلاحي
29/10/2006, 22:39
مايحدث على امتداد الوطن العربي منذ اغتيال الصحافيين سمير قصير وجبران تويني ومحاولة اغتيال مي شدياق في لبنان، وقتل الصحافي ضيف الغزال بعد خطفه في ليبيا، والتمثيل بجثة المراسلة التلفزيونية أطوار بهجت واغتيال صحافيين وأصحاب رأي آخرين في العراق، وصولاً إلى ذبح الصحافي السوداني محمد طه محمد أحمد، واحالة الصحافيين المصريين ابراهيم عيسى ووائل الأبراشي ومصطفى بكري إلى القضاء لمحاكمتهم تمهيداً لحبسهم، واعتقال الكاتب السوري ميشيل كيلو وزملائه لمجرد توقيع بيان، يعني أنه لم يعد هناك مكان للرأي الآخر على الأرض العربية، وأن القوى صاحبة النفوذ على الأرض سواء كانت سلطات دنيوية حاكمة (يمينية أو يسارية.. ثورية أم رجعية)، أو تنظيمات دينية طامحة للحكم، ورغم اختلافها في الأهداف والغايات والوسائل والمبادئ والشعارات، متفقة على أمر وحيد هو معاقبة الحرية، وتحويل أي مدافع عنها أو حالم بها أو طامح لها إلى أحد اثنين: ميت أو سجين!
فتحت اسم وشعارات الدين والوطن تجري حملة تكفير وتخوين لم يشهدها العالم العربي حتى في أشد عصور ظلامه، ففتاوى التكفير اليوم أصبحت تطلق على الشبهة، ولم يعد العقاب عليها بالقتل أو الذبح يحتاج إلى إثبات أو دليل أو شهود، أو الشق عن القلب لمعرفة النوايا، ولم تعد مقتصرة على الذين يجاهرون بالشرك بالله أو بإعلان الردة عن الاسلام، بل أصبحت تطال كل من يبدي رأياً في حادثة تاريخية أو يقدم اجتهاداً في تفصيل فقهي، بما في ذلك رجال الدين أنفسهم، بحيث لم يعد يمر شهر دون أن نسمع بأحدهم يكفّر شيخاً أو مذهباً أو تنظيماً، كما لو كان يصدر لمريديه أمر عمليات بقتله.
ومثلها دعاوى خيانة الأوطان لم تعد بحاجة إلى محاكمات وأدلة وإثبات أيضاً، فأي مقال رأي ينتقد سلطة أو حزباً في العالم العربي، قد يفقد كاتبه مواطنيته ويحوله إلى خائن، وأي بيان يدعو إلى الديمقراطية في بلد عربي، قد يودي بموقعيه إلى السجون وتلفق لهم تهم تبدأ بالارتباط بالسفارات الأجنبية ولاتنتهي عند حد العمالة للدول الاستعمارية، بحيث أصبح كل كاتب عربي مجبراً أن يضع ثوابته القومية والوطنية في بداية كل مقال يكتبه حتى لو كان موضوعه فقدان مادة استهلاكية من أسواق بلده، خوفاً من تخوينه، ويعيد التذكير في كل مقطع جديد ينتقل إليه في مقاله على أنه ضد السياسة الأمريكية ومعادٍ لاسرائيل ومؤيد للوحدة العربية ومناصر لتحرير فلسطين ومهتم بجلاء القوات الأمريكية عن العراق، ليستطيع أن يتحدث عن فقدان أعواد الثقاب في بلده!
وفي ظل هذه التدريب الانكشاري على تنميط الرأي العربي وقولبته، وإلغاء العقل وتعطيل التفكير صار من المستحيل كتابة أي مقال ينتقد قضايا مثل مشكلة الحريات العامة وحقوق الانسان في سورية، وقضايا التوريث الرئاسي في مصر، والحكم الفردي عبر أكثر نماذجه وضوحاً في ليبيا، وإدارة حكومة حماس للأزمة الفلسطينية الداخلية، وسياسة حزب الله في الداخل اللبناني، من دون أن يوصم كاتبه بالخيانة العظمى، وبخدمة المشاريع الاستعمارية، ويعامل باعتباره عدواً داخلياً يشكل رأس حربة للعدو الخارجي، وكأن هذه الجهات تحتكر الوطنية وقد نزهها الله عن الأخطاء، في حين أن من يبدي رأياً أو يعترض على سلوك غارق في الخيانة والخطايا.
ما أبأس العالم العربي اليوم حين ينظر إلى قادة رأيه ومثقفيه وكتابه وصحفييه كخونة محتملين أو ككفرة مؤجلين، تكفي أي صاحب قوة أو نفوذ على الأرض العربية (سلطةً أو حزباً أو تنظيماً) كلمة واحدة ليحولهم إلى موتى أو سجناء!
حكم البابا
فتحت اسم وشعارات الدين والوطن تجري حملة تكفير وتخوين لم يشهدها العالم العربي حتى في أشد عصور ظلامه، ففتاوى التكفير اليوم أصبحت تطلق على الشبهة، ولم يعد العقاب عليها بالقتل أو الذبح يحتاج إلى إثبات أو دليل أو شهود، أو الشق عن القلب لمعرفة النوايا، ولم تعد مقتصرة على الذين يجاهرون بالشرك بالله أو بإعلان الردة عن الاسلام، بل أصبحت تطال كل من يبدي رأياً في حادثة تاريخية أو يقدم اجتهاداً في تفصيل فقهي، بما في ذلك رجال الدين أنفسهم، بحيث لم يعد يمر شهر دون أن نسمع بأحدهم يكفّر شيخاً أو مذهباً أو تنظيماً، كما لو كان يصدر لمريديه أمر عمليات بقتله.
ومثلها دعاوى خيانة الأوطان لم تعد بحاجة إلى محاكمات وأدلة وإثبات أيضاً، فأي مقال رأي ينتقد سلطة أو حزباً في العالم العربي، قد يفقد كاتبه مواطنيته ويحوله إلى خائن، وأي بيان يدعو إلى الديمقراطية في بلد عربي، قد يودي بموقعيه إلى السجون وتلفق لهم تهم تبدأ بالارتباط بالسفارات الأجنبية ولاتنتهي عند حد العمالة للدول الاستعمارية، بحيث أصبح كل كاتب عربي مجبراً أن يضع ثوابته القومية والوطنية في بداية كل مقال يكتبه حتى لو كان موضوعه فقدان مادة استهلاكية من أسواق بلده، خوفاً من تخوينه، ويعيد التذكير في كل مقطع جديد ينتقل إليه في مقاله على أنه ضد السياسة الأمريكية ومعادٍ لاسرائيل ومؤيد للوحدة العربية ومناصر لتحرير فلسطين ومهتم بجلاء القوات الأمريكية عن العراق، ليستطيع أن يتحدث عن فقدان أعواد الثقاب في بلده!
وفي ظل هذه التدريب الانكشاري على تنميط الرأي العربي وقولبته، وإلغاء العقل وتعطيل التفكير صار من المستحيل كتابة أي مقال ينتقد قضايا مثل مشكلة الحريات العامة وحقوق الانسان في سورية، وقضايا التوريث الرئاسي في مصر، والحكم الفردي عبر أكثر نماذجه وضوحاً في ليبيا، وإدارة حكومة حماس للأزمة الفلسطينية الداخلية، وسياسة حزب الله في الداخل اللبناني، من دون أن يوصم كاتبه بالخيانة العظمى، وبخدمة المشاريع الاستعمارية، ويعامل باعتباره عدواً داخلياً يشكل رأس حربة للعدو الخارجي، وكأن هذه الجهات تحتكر الوطنية وقد نزهها الله عن الأخطاء، في حين أن من يبدي رأياً أو يعترض على سلوك غارق في الخيانة والخطايا.
ما أبأس العالم العربي اليوم حين ينظر إلى قادة رأيه ومثقفيه وكتابه وصحفييه كخونة محتملين أو ككفرة مؤجلين، تكفي أي صاحب قوة أو نفوذ على الأرض العربية (سلطةً أو حزباً أو تنظيماً) كلمة واحدة ليحولهم إلى موتى أو سجناء!
حكم البابا