Godfather
14/05/2005, 21:24
لم يكن الطفل "مصطفى" يعرف أن تلك اللعبة ستكون الأخيرة، لأنه أعتقد نفسه مثل كل باقي الأطفال ممن يعيشون في بيوت كبيرة و راقية فيها حديقة و ألعاب. فارق مصطفى الحياة منذ ثلاثة أيام فقط، تاركا لأبيه و امه أخواته البنات الأربع، بينما كان يلعب بـ " نشافة" لها مقبض حديدي على سطح منزله، عندما سحبته أسلاك كهرباء التوتر العالي القريبة من سطح المنزل الواقع في حي تشرين بدمشق.
حين وصولنا إلى المكان كان صوت الكهرباء أشبه بصوت المطر الغزير، هذا الصوت رغم أنه مخيف و غير عادي كان طبيعيا عند "شادي البوشي" الشاب الذي يسكن في المكان ذاته:" لقد تعودنا على هذا الصوت، و أذكر عندما كنت صغيرا كان والدي ينهرني و يصرخ بي إذا ما أبديت أي خوف من الكهرباء القريبة من سطحنا" هكذا بدء شادي يشرح كيفية تغلبه على الخوف من المكان.
و أضاف:" عندما أشترى والدي المنزل، لم يجد أمامه خيارا و خاصة أن كل ثمنه كان قد جمع عن طريق الجمعيات الشهرية و الأستدانه، و كان سعر البيت الموجود تحت أسلاك كهرباء التوتر العالي أرخص من البيت البعيد عن تلك الأسلاك ، السبب الذي أجبرنا على السكن هو الفقر أولا و أخيرا، و مثلنا مثل كل العائلات هنا".
حي تشرين مثله مثل جميع الأحياء التي سميت بمناطق السكن العشوائي التي أحاطت بدمشق ، و إذا ما ابتعدنا عن الأسباب البعيدة لتشكل هذا الحي بظروفه الحالية نجد أن ثمة صفة مشتركة لعائلات مناطق المخالفات او السكن العشوائي هي الفقر و عدم القدرة على شراء منزل يتمتع بظروف صحية في العاصمة، عدا عن غلاء العقارات بشكل عام.
ففي أمتداد هذا الحي نجد أسلاك الكهرباء متداخلة تماما مع خراطيم المياه غير النظامية، و كذلك نجد أسلاك كهرباء التوتر المتوسط قريبة تماما لا بل ملاصقة لشرفات بعض البيوت و أسطحها مما يشكل خطرا حقيقيا على الحياة.
و بينما أختلف الرجال ممن تجمعوا حولنا على طبيعة التوتر الذي قتل مصطفى أكان متوسطا أم عاليا تدخل " أبو ثائر" و هو صاحب منزل قريب من المكان قائلا: " في نهاية الأمر الطفل مات، و لا يوجد حل لهذا الموضوع، فمنذ عامين فقط سحب التوتر المتوسط طفل في الثامنة من عمره في حي البعلة ( حي قريب من حي تشرين و من شركة كهرباء القابون) و كاد أن يقتله لولا أن تدخل أحد الجيران و ضرب الطفل بقطعة خشبية كبيرة حتى أفلته، و أدى ذلك إلى حروق مختلفة في جسده، رغم كل ذلك ما زالت أسلاك الكهرباء تمر فوق منزل هذا الطفل لا بل قد لا تبعد عن سطح منزله سوى نصف متر، و هي موجودة الآن، و لم تحرك شركة الكهرباء ساكن، لتحل هذا الموضوع".
رافقنا "أبو ثائر" إلى تلك البيوت التي تحمل اسطحها أسلاك كهرباء التوتر المتوسط، ووصلنا إلى بيت الطفل الذي نجا من الموت و أخبرنا والده حين سألناه عن الطرق التي حاولوا من خلالها إبعاد هذا الخطر عنهم قائلا: " أتبعنا كل الطرق التي تتخيلونها، و لم نستطع أن نزيل تلك الأسلاك، و آخر ما أخبرنا به أن شركة كهرباء ريف دمشق عندها الاستعداد لنقل الأسلاك ، و لكن على نفقتنا الخاصة، و ربما يقدمون لنا بعض المعونات مثل العمال و الآليات، و رغم ذلك لم نستطع جميع أي مبلغ، لأن الأغلبية في هذا المكان فقراء حقيقيون، لا يملكون إلا رواتبهم الشهرية المتواضعة، و بقي كل شي مثل ما كان".
أثناء حديثنا مع والد الطفل خرج ابنه و فتح كفه ليرينا التشوه الذي أصابه من الكهرباء.
يعيش في مناطق السكن العشوائي نحو 36 % من سكان دمشق و بحسب دراسة قامت بها المحافظة بلغ عدد تلك المناطق 43 تجمعا مخالفا .
في حي تشرين و بعيدا عن تلك البيوت التي تمر فوقها اسلاك التوتر العالي بدت لنا بيوت لا يدخلها الهواء، رطبة، بنيت ما بين ليلة و ضحاها بعيدا عن رقابة المحافظة أو بطريقة (المساومة) . فنرى غرفة فوق غرفة من دون منشر للغسيل أو منافع أو " مشتركة" عبارات كثيرة نسمعها في الدكاكين التي كتب على أبوابها للوافدين الجدد " توجد لدينا غرف للإجار". و عندما نسأل معظم الذين يقطنون في تلك المناطق عن أعمالهم و مهنهم يقولون:"أعمال حرة" ، و يحدثون عن مهن عجيبة لا تخطر على بال أنتجتها الحاجة و الفقر .أما القسم الآخر فغالبيتهم من الموظفين الذين يروون بدورهم قصصا و غرائب يتناولون فيها كيفية سكنهم و تواريخ مدونة عن إيصال الماء أو الكهرباء لهم، أو نسمع تلك الطرق التي أتبعوها لإبعاد أسلاك الكهرباء عن منازلهم، و كذلك قصصهم مع الموت.
يخبرنا " أحمد السعيد" عن تلك الحادثة التي شهدها حي تشرين منذ سنوات عندما سحب التوتر العالي شابا في مقتبل العمر أمام أعين الناس جميعا أحترق الشاب و رماه التوتر على شرفة قريبة من منزله، و عن الحل قال أحمد: " نطلب من الحكومة أن تختار لنا طريقة في الموت غير الكهرباء و نكون لها من الشاكرين".
ورغم اختلاف الزمن يبدو أن حي تشرين مع عائلاته و أطفاله أحد "المنجزات" الصغيرة التي نسينا أن نلمعها و نتغنى بها في احتفالاتنا الوطنية،و ربما فارق الطفل مصطفى الحياة ليوفر علينا عناء المحاولة..محاولة حديثنا عن تلك المنجزات "المباركة".
حين وصولنا إلى المكان كان صوت الكهرباء أشبه بصوت المطر الغزير، هذا الصوت رغم أنه مخيف و غير عادي كان طبيعيا عند "شادي البوشي" الشاب الذي يسكن في المكان ذاته:" لقد تعودنا على هذا الصوت، و أذكر عندما كنت صغيرا كان والدي ينهرني و يصرخ بي إذا ما أبديت أي خوف من الكهرباء القريبة من سطحنا" هكذا بدء شادي يشرح كيفية تغلبه على الخوف من المكان.
و أضاف:" عندما أشترى والدي المنزل، لم يجد أمامه خيارا و خاصة أن كل ثمنه كان قد جمع عن طريق الجمعيات الشهرية و الأستدانه، و كان سعر البيت الموجود تحت أسلاك كهرباء التوتر العالي أرخص من البيت البعيد عن تلك الأسلاك ، السبب الذي أجبرنا على السكن هو الفقر أولا و أخيرا، و مثلنا مثل كل العائلات هنا".
حي تشرين مثله مثل جميع الأحياء التي سميت بمناطق السكن العشوائي التي أحاطت بدمشق ، و إذا ما ابتعدنا عن الأسباب البعيدة لتشكل هذا الحي بظروفه الحالية نجد أن ثمة صفة مشتركة لعائلات مناطق المخالفات او السكن العشوائي هي الفقر و عدم القدرة على شراء منزل يتمتع بظروف صحية في العاصمة، عدا عن غلاء العقارات بشكل عام.
ففي أمتداد هذا الحي نجد أسلاك الكهرباء متداخلة تماما مع خراطيم المياه غير النظامية، و كذلك نجد أسلاك كهرباء التوتر المتوسط قريبة تماما لا بل ملاصقة لشرفات بعض البيوت و أسطحها مما يشكل خطرا حقيقيا على الحياة.
و بينما أختلف الرجال ممن تجمعوا حولنا على طبيعة التوتر الذي قتل مصطفى أكان متوسطا أم عاليا تدخل " أبو ثائر" و هو صاحب منزل قريب من المكان قائلا: " في نهاية الأمر الطفل مات، و لا يوجد حل لهذا الموضوع، فمنذ عامين فقط سحب التوتر المتوسط طفل في الثامنة من عمره في حي البعلة ( حي قريب من حي تشرين و من شركة كهرباء القابون) و كاد أن يقتله لولا أن تدخل أحد الجيران و ضرب الطفل بقطعة خشبية كبيرة حتى أفلته، و أدى ذلك إلى حروق مختلفة في جسده، رغم كل ذلك ما زالت أسلاك الكهرباء تمر فوق منزل هذا الطفل لا بل قد لا تبعد عن سطح منزله سوى نصف متر، و هي موجودة الآن، و لم تحرك شركة الكهرباء ساكن، لتحل هذا الموضوع".
رافقنا "أبو ثائر" إلى تلك البيوت التي تحمل اسطحها أسلاك كهرباء التوتر المتوسط، ووصلنا إلى بيت الطفل الذي نجا من الموت و أخبرنا والده حين سألناه عن الطرق التي حاولوا من خلالها إبعاد هذا الخطر عنهم قائلا: " أتبعنا كل الطرق التي تتخيلونها، و لم نستطع أن نزيل تلك الأسلاك، و آخر ما أخبرنا به أن شركة كهرباء ريف دمشق عندها الاستعداد لنقل الأسلاك ، و لكن على نفقتنا الخاصة، و ربما يقدمون لنا بعض المعونات مثل العمال و الآليات، و رغم ذلك لم نستطع جميع أي مبلغ، لأن الأغلبية في هذا المكان فقراء حقيقيون، لا يملكون إلا رواتبهم الشهرية المتواضعة، و بقي كل شي مثل ما كان".
أثناء حديثنا مع والد الطفل خرج ابنه و فتح كفه ليرينا التشوه الذي أصابه من الكهرباء.
يعيش في مناطق السكن العشوائي نحو 36 % من سكان دمشق و بحسب دراسة قامت بها المحافظة بلغ عدد تلك المناطق 43 تجمعا مخالفا .
في حي تشرين و بعيدا عن تلك البيوت التي تمر فوقها اسلاك التوتر العالي بدت لنا بيوت لا يدخلها الهواء، رطبة، بنيت ما بين ليلة و ضحاها بعيدا عن رقابة المحافظة أو بطريقة (المساومة) . فنرى غرفة فوق غرفة من دون منشر للغسيل أو منافع أو " مشتركة" عبارات كثيرة نسمعها في الدكاكين التي كتب على أبوابها للوافدين الجدد " توجد لدينا غرف للإجار". و عندما نسأل معظم الذين يقطنون في تلك المناطق عن أعمالهم و مهنهم يقولون:"أعمال حرة" ، و يحدثون عن مهن عجيبة لا تخطر على بال أنتجتها الحاجة و الفقر .أما القسم الآخر فغالبيتهم من الموظفين الذين يروون بدورهم قصصا و غرائب يتناولون فيها كيفية سكنهم و تواريخ مدونة عن إيصال الماء أو الكهرباء لهم، أو نسمع تلك الطرق التي أتبعوها لإبعاد أسلاك الكهرباء عن منازلهم، و كذلك قصصهم مع الموت.
يخبرنا " أحمد السعيد" عن تلك الحادثة التي شهدها حي تشرين منذ سنوات عندما سحب التوتر العالي شابا في مقتبل العمر أمام أعين الناس جميعا أحترق الشاب و رماه التوتر على شرفة قريبة من منزله، و عن الحل قال أحمد: " نطلب من الحكومة أن تختار لنا طريقة في الموت غير الكهرباء و نكون لها من الشاكرين".
ورغم اختلاف الزمن يبدو أن حي تشرين مع عائلاته و أطفاله أحد "المنجزات" الصغيرة التي نسينا أن نلمعها و نتغنى بها في احتفالاتنا الوطنية،و ربما فارق الطفل مصطفى الحياة ليوفر علينا عناء المحاولة..محاولة حديثنا عن تلك المنجزات "المباركة".