dot
22/10/2006, 16:32
بقلم: حسان عمر القالش
بعد أن تتهادى ضوضاء الشوارع,ويبتلع البحر شمس النهار, وتنهي فرق العجّيان – الأولاد – مبارياتها في ميادين الحارات بين السيارات المركونة وجمهورها المجبرين من الجيران القاضين ليلهم على البرندات, وبعد أن يكش الأهل أطفالهم الى النوم كما تكش الدجاجات "بيت بيت", تبدأ حياة ثانية في طرطوس..عالم آخر مختلف, روّاده هم الأجيال المراهقة والشابة, الى جانب فئات عمرية أخرى وقعت أسيرة سطوة الليل.
يكونوا قد أفاقوا قبل ساعات قليلة من نومهم النهاري! فليلهم نهار ونهارهم ليل, وكأن الشمس المبصرة ضنّت عليهم ولاتريد أن تنير دروبهم, فاحتضنهم الليل بظلامه وتستيره عيوب الخلق وجبر خواطر الناس.
يستيقظ قيس في ساعات الغروب, مرتديا وجها عليه ملامح النكد والعبوس كسلاح يحميه من "تنقير" أبويه واخوته, لا يلحق تناول طعام الغداء معهم, ويكتفي بفنجان قهوة مع سيكارتين أو ثلاث, لعل مزيج النيكوتين والكافيين يعوضانه عن زقزقة عصافير الفجر وأشعة شمس الصباح المنعشة. عند الثامنة مساء تدخل والدة فادي ومعها طعام العشاء وتحيي ابنها مازجة سخريتها بمرارة وحرقة قلبها عليه: صباح الخير "جار" هادا الفطور..
تبدأ تجمعاتهم عادة على شكل ثنائيات, كل يذهب الى بيت الأقرب ليشرب "المتة"، وهذه هي متة اليوم الأولى, ومن استطاع منهم اللحاق بأحد من خارج عالمهم ليزوره زيارة واجب بروتوكولية – كما في السياسة – أو لحاجة له عنده فيفعل على عجل.
ما الذي يجمعهم؟ "أكيد أنه ليس هناك شغل وعمل تمتهنه", يقول فادي مستهجنا سخافة السؤال, يوافقه عزام وقيس ويضيفا:" لا شغل, ومنحب السهر". عندما اضطر قيس الى السفر مع والدته صباح أحد الأيام الى "الشام" لم ينم باكرا, بل نام ساعتين فقط قبل موعد السفر ومع ذلك "عندما عدت الى طرطوس لم أفوّت الليل وقضيته ساهرا حتى الصباح".ماهر المسرّح حديثا من خدمة العلم قال:"أنا أسهر على شي فاضي,أدور حول نفسي أفكر وأفكر ولاأصل لنتيجة, وليست البطالة التي تجمعني بأصدقائي, هناك شي تاني,المحبة, النقاشات, التأثر ببعض وتبادل الخبرات" يتدخل فادي: "مع أنني أعمل في النهارالا أني أسهر كما ترى لأرى أصحابي اللذين لايعملون"..يصادر عزام الكلام: "حتى لوكان عندي شغل فصعب ألا أسهر, مشكلتي مع السهر ليس لها علاقة بالعمل لكنها تتعلق بـ(الأدرينالين) تبعي". لكن أين الصباح في حياتهم؟ شقشقة الضوء وتثاؤب السماء, يقاطع عزام من جديد: "الصبح خلق للعمل"..فيحاول قيس تصويب الصورة: "أحيانا كثيرة نسهر ونبقى صاحين حتى ساعات الصباح الأولى لنتمتع بها", فيختم عزام جملة قيس بـ:" لو فينا ما ننام". ليس مستغربا وهم كادوا أن ينسوا في غمار لياليهم شكل الدنيا والحياة في الصباح والنهار, وأنهم باتوا في شوق للعالم الآخر الذي يعيشونه نياما.
لكن هل هم منعزلون؟ يؤكد فادي الصفة :" من جهتي..نعم, حتى أني لاأقضي الوقت الصحّي اللازم مع أفراد أسرتي". فيرد عليه عزام موبخا: "اذا بدك تقعد معهم أكتر سوف يملّون منك". ونتساءل موضحين معنى انعزاليتهم : في الأوقات التي يمضونها مع بعضهم البعض وباقي الناس نيام, ألا يخسروا فرصا كثيرة أو قليلة للتعرف على أناس ومجتمعات جدد؟ فتبدأ اجاباتهم تنحو الى العمق والابهام معا,يعنرض ماهرعلى التوصيف:"منعزلون؟ لا, بل مميزون" يجيب عزام: "الغلط ليس فينا , بل في (الآخر) الذي يمكن أن يؤذينا". ويتابع قيس:"عزلتي ليست سلبية, والناس اللذين أراهم فيها اما عاطلين عن العمل, واما ناس بيشتغلوا وليس عندهم وقت الا للتعبير عن أنفسهم أمامنا والترفع علينا. وباعادة السؤال مرة أخرى أجاب الجميع: نعم.
وهل ينظر لهم المجتمع بدونيّة وعين ناقصة؟ يجيب عزام مازحا:" منشلّوا عينو".يقاطع ماهر:"لا تهمني نظرة المجتمع, المهم نظرتنا لبعض" ويكمل قيس الاجابة الجادة: "طبعا..ينظر لنا المجتمع بدونية, لكن هذه النظرة ليست حكما مبرما, انه حكم خاطئ ومتسرع على جزء كبير منه" , ويكمل "اللي عندو مهنة يحصل منها المال ينظر الينا نظرة (ياحرام)..أعرف أحدهم بعد أن جمع أول مليون ليرة بطّل يشرب متّة – أقلع عنها –".
يقضي هؤلاء الشباب سهراتهم مجتمعين في منزل من تكون ظروفه أهون لتحمّل "الجمعة" من بينهم, ويتناقشوا حول أي فيلم سينمائي سيختارون ليسهروا عليه من ضمن المجموعة الجديدة, أفلام ينتقوها بدقة وحرفيّة متوخين فيها العمق والأسئلة الفلسفية والوجودية التي تطرحها وتعالجها, منحازين أحيانا الى مخرجين وممثلين من هوليود يعرفون عنهم أفكارهم وتاريخهم اليساري المناهض لامبريالية "العم سام",ويقضون الساعات في نقاش هذه الأفكار ساكبين من فوهات أباريق متّتهم الحارة على برودة ورتابة أحوالهم, يمجّون في سجائرهم غلّ الحياة, فتكون هذه الأفلام محرّضا ينفذ الى عقولهم ليتجادلوا ويتحاوروا حول أفكارها: المرأة والحب, الوطن, الابداع, الأديان, الحياة الأخرى..يكاد من يسمعهم ويعيش أجواءهم أن يستشرف فيهم "خامة" نقيّة من الانسان الذي نريد أن يصيره الجميع..بل وأن يدير شؤونهم.
لا شك أن هناك أنواع أخرى لتسالي السهر, وطرق "حرق" الوقت, تتماشى مع مراحل وعي وادراك أقل بكثير من شلّة قيس وعزام, من فتية يديرون أوراق اللعب "الشدّة" بينهم, وأعقاب سجائرهم عدّادات دقائق السهر الى أن يفاجأهم الصبح, فتنجلي متعتهم منقلبة الى اكتئاب يولّده احساس مرير بالذنب وقلّة الحيلة, وآخرين يقضون سهرات ان لم تكن منحرفة بأماكن ماجنة وداعرة, فهي كذلك حتى وان كانوا في بيوت أهاليهم الغافلين الغافين, تعبق في أجوائها أصداء بذاءات السّباب والخيالات الجنسية المنحرفة. والجميل و"المقلق" أن قصي وعزام ومن تلوّن بطيفهم من الشبيبة في قطيعة مع تلك الأجواء رغم محاولات بعض معارفهم جذبهم اليها, كاحدى المرات التي جهد فيها وسام و أيهم في "الوسوسة" للشباب :"تعالوا معنا الى المقصف الليلي, جو حلو على كيفكم, ننبسط ونرقص وندبك مع فتيات المقصف الغنّوجات..تغيير جو يا شباب", فرفض قيس وعزام العرض المجزي بتهذيب متوخين ألا يحس أصحاب الدعوة باحتقارهم هكذا أجواء وتفكير.
ويقودنا تداعي هذا الرصد الى الحديث عن جانب حسّاس من شخصيات هؤلاء الشباب, وهو "الاحباط الجنسي" وهو مايصلح ربما لتحقيق صحفي آخر مستقل بل يستحق دراسة اجتماعية, لكنه قاسم مشترك آخر يجمعهم, والواضح أنه يفعل ذلك "بتواطؤ" أي دون أن يعلنوه جهارا وهذا ما سبّب اشكالية في الحديث معهم, فاقتضبت الاجابات بالتالي مع موافقتهم على أنه عامل جامع أيضا لكن ليس أساسي, وقد يكون السبب في اختصارهم الموضوع يعود الى عامل "الذكورة" المستحكمة فينا جميعا فصوّروا المشكلة بايجاز على أنها مجتمعية أكثر منها فردية. فادي قال :"نعم يجمعنا, وهي حالة وانتشرت عند الكل..", وأضاف عزام :"حكما يجمعنا, لكن ليس بالمطلق, وربما توجد شلل يجمعها نقيض هذه الحال".
الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها وخططها الخمسية والعشرية والأبدية, هي سبب في حالة ذبول شبابهم, فـ"قرض الزواج" هو "مسخرة كما علّق الشارع الطرطوسي عند سماعه به, وغيره من القروض هي خليط من تعجيز ومذلّة وذر للملاليم في العيون.. المواهب تضيع اذا لم تتّكئ على واسطة أو مال, لانوادي تجمعهم أو تتبناهم ولا نشاطات رسمية تحترم قيمتهم, والفجوة تزيد بين هؤلاء وبين من يدير شؤونهم وحتى من يمثّلهم من النواب الأفاضل. وكان سؤال : هل الحكومة مقصرة بحقكم وهل أنتم ناقمون عليها؟ فكان جواب قيس مزيجا التفهم والطيبة:" أنا ألوم الحكومة لكن أعترض على كلمة ناقم" أما ماهر فقال:" أنا مسافر الى السعودية لأعمل سكرتيرا في احدى الشركات فلو لم يكونوا مقصرين هل كنت لأتغرّب؟" وختم عزام:" أكيد في مشكلة بمؤسسات الدولة وهي تؤثر بشكل سلبي على وضعنا بشكل عام, لكن المشكلة تبدأ قبل ذلك بمؤسسة الأسرة والدين والرأسمالية".
المصدر : الجمل
بعد أن تتهادى ضوضاء الشوارع,ويبتلع البحر شمس النهار, وتنهي فرق العجّيان – الأولاد – مبارياتها في ميادين الحارات بين السيارات المركونة وجمهورها المجبرين من الجيران القاضين ليلهم على البرندات, وبعد أن يكش الأهل أطفالهم الى النوم كما تكش الدجاجات "بيت بيت", تبدأ حياة ثانية في طرطوس..عالم آخر مختلف, روّاده هم الأجيال المراهقة والشابة, الى جانب فئات عمرية أخرى وقعت أسيرة سطوة الليل.
يكونوا قد أفاقوا قبل ساعات قليلة من نومهم النهاري! فليلهم نهار ونهارهم ليل, وكأن الشمس المبصرة ضنّت عليهم ولاتريد أن تنير دروبهم, فاحتضنهم الليل بظلامه وتستيره عيوب الخلق وجبر خواطر الناس.
يستيقظ قيس في ساعات الغروب, مرتديا وجها عليه ملامح النكد والعبوس كسلاح يحميه من "تنقير" أبويه واخوته, لا يلحق تناول طعام الغداء معهم, ويكتفي بفنجان قهوة مع سيكارتين أو ثلاث, لعل مزيج النيكوتين والكافيين يعوضانه عن زقزقة عصافير الفجر وأشعة شمس الصباح المنعشة. عند الثامنة مساء تدخل والدة فادي ومعها طعام العشاء وتحيي ابنها مازجة سخريتها بمرارة وحرقة قلبها عليه: صباح الخير "جار" هادا الفطور..
تبدأ تجمعاتهم عادة على شكل ثنائيات, كل يذهب الى بيت الأقرب ليشرب "المتة"، وهذه هي متة اليوم الأولى, ومن استطاع منهم اللحاق بأحد من خارج عالمهم ليزوره زيارة واجب بروتوكولية – كما في السياسة – أو لحاجة له عنده فيفعل على عجل.
ما الذي يجمعهم؟ "أكيد أنه ليس هناك شغل وعمل تمتهنه", يقول فادي مستهجنا سخافة السؤال, يوافقه عزام وقيس ويضيفا:" لا شغل, ومنحب السهر". عندما اضطر قيس الى السفر مع والدته صباح أحد الأيام الى "الشام" لم ينم باكرا, بل نام ساعتين فقط قبل موعد السفر ومع ذلك "عندما عدت الى طرطوس لم أفوّت الليل وقضيته ساهرا حتى الصباح".ماهر المسرّح حديثا من خدمة العلم قال:"أنا أسهر على شي فاضي,أدور حول نفسي أفكر وأفكر ولاأصل لنتيجة, وليست البطالة التي تجمعني بأصدقائي, هناك شي تاني,المحبة, النقاشات, التأثر ببعض وتبادل الخبرات" يتدخل فادي: "مع أنني أعمل في النهارالا أني أسهر كما ترى لأرى أصحابي اللذين لايعملون"..يصادر عزام الكلام: "حتى لوكان عندي شغل فصعب ألا أسهر, مشكلتي مع السهر ليس لها علاقة بالعمل لكنها تتعلق بـ(الأدرينالين) تبعي". لكن أين الصباح في حياتهم؟ شقشقة الضوء وتثاؤب السماء, يقاطع عزام من جديد: "الصبح خلق للعمل"..فيحاول قيس تصويب الصورة: "أحيانا كثيرة نسهر ونبقى صاحين حتى ساعات الصباح الأولى لنتمتع بها", فيختم عزام جملة قيس بـ:" لو فينا ما ننام". ليس مستغربا وهم كادوا أن ينسوا في غمار لياليهم شكل الدنيا والحياة في الصباح والنهار, وأنهم باتوا في شوق للعالم الآخر الذي يعيشونه نياما.
لكن هل هم منعزلون؟ يؤكد فادي الصفة :" من جهتي..نعم, حتى أني لاأقضي الوقت الصحّي اللازم مع أفراد أسرتي". فيرد عليه عزام موبخا: "اذا بدك تقعد معهم أكتر سوف يملّون منك". ونتساءل موضحين معنى انعزاليتهم : في الأوقات التي يمضونها مع بعضهم البعض وباقي الناس نيام, ألا يخسروا فرصا كثيرة أو قليلة للتعرف على أناس ومجتمعات جدد؟ فتبدأ اجاباتهم تنحو الى العمق والابهام معا,يعنرض ماهرعلى التوصيف:"منعزلون؟ لا, بل مميزون" يجيب عزام: "الغلط ليس فينا , بل في (الآخر) الذي يمكن أن يؤذينا". ويتابع قيس:"عزلتي ليست سلبية, والناس اللذين أراهم فيها اما عاطلين عن العمل, واما ناس بيشتغلوا وليس عندهم وقت الا للتعبير عن أنفسهم أمامنا والترفع علينا. وباعادة السؤال مرة أخرى أجاب الجميع: نعم.
وهل ينظر لهم المجتمع بدونيّة وعين ناقصة؟ يجيب عزام مازحا:" منشلّوا عينو".يقاطع ماهر:"لا تهمني نظرة المجتمع, المهم نظرتنا لبعض" ويكمل قيس الاجابة الجادة: "طبعا..ينظر لنا المجتمع بدونية, لكن هذه النظرة ليست حكما مبرما, انه حكم خاطئ ومتسرع على جزء كبير منه" , ويكمل "اللي عندو مهنة يحصل منها المال ينظر الينا نظرة (ياحرام)..أعرف أحدهم بعد أن جمع أول مليون ليرة بطّل يشرب متّة – أقلع عنها –".
يقضي هؤلاء الشباب سهراتهم مجتمعين في منزل من تكون ظروفه أهون لتحمّل "الجمعة" من بينهم, ويتناقشوا حول أي فيلم سينمائي سيختارون ليسهروا عليه من ضمن المجموعة الجديدة, أفلام ينتقوها بدقة وحرفيّة متوخين فيها العمق والأسئلة الفلسفية والوجودية التي تطرحها وتعالجها, منحازين أحيانا الى مخرجين وممثلين من هوليود يعرفون عنهم أفكارهم وتاريخهم اليساري المناهض لامبريالية "العم سام",ويقضون الساعات في نقاش هذه الأفكار ساكبين من فوهات أباريق متّتهم الحارة على برودة ورتابة أحوالهم, يمجّون في سجائرهم غلّ الحياة, فتكون هذه الأفلام محرّضا ينفذ الى عقولهم ليتجادلوا ويتحاوروا حول أفكارها: المرأة والحب, الوطن, الابداع, الأديان, الحياة الأخرى..يكاد من يسمعهم ويعيش أجواءهم أن يستشرف فيهم "خامة" نقيّة من الانسان الذي نريد أن يصيره الجميع..بل وأن يدير شؤونهم.
لا شك أن هناك أنواع أخرى لتسالي السهر, وطرق "حرق" الوقت, تتماشى مع مراحل وعي وادراك أقل بكثير من شلّة قيس وعزام, من فتية يديرون أوراق اللعب "الشدّة" بينهم, وأعقاب سجائرهم عدّادات دقائق السهر الى أن يفاجأهم الصبح, فتنجلي متعتهم منقلبة الى اكتئاب يولّده احساس مرير بالذنب وقلّة الحيلة, وآخرين يقضون سهرات ان لم تكن منحرفة بأماكن ماجنة وداعرة, فهي كذلك حتى وان كانوا في بيوت أهاليهم الغافلين الغافين, تعبق في أجوائها أصداء بذاءات السّباب والخيالات الجنسية المنحرفة. والجميل و"المقلق" أن قصي وعزام ومن تلوّن بطيفهم من الشبيبة في قطيعة مع تلك الأجواء رغم محاولات بعض معارفهم جذبهم اليها, كاحدى المرات التي جهد فيها وسام و أيهم في "الوسوسة" للشباب :"تعالوا معنا الى المقصف الليلي, جو حلو على كيفكم, ننبسط ونرقص وندبك مع فتيات المقصف الغنّوجات..تغيير جو يا شباب", فرفض قيس وعزام العرض المجزي بتهذيب متوخين ألا يحس أصحاب الدعوة باحتقارهم هكذا أجواء وتفكير.
ويقودنا تداعي هذا الرصد الى الحديث عن جانب حسّاس من شخصيات هؤلاء الشباب, وهو "الاحباط الجنسي" وهو مايصلح ربما لتحقيق صحفي آخر مستقل بل يستحق دراسة اجتماعية, لكنه قاسم مشترك آخر يجمعهم, والواضح أنه يفعل ذلك "بتواطؤ" أي دون أن يعلنوه جهارا وهذا ما سبّب اشكالية في الحديث معهم, فاقتضبت الاجابات بالتالي مع موافقتهم على أنه عامل جامع أيضا لكن ليس أساسي, وقد يكون السبب في اختصارهم الموضوع يعود الى عامل "الذكورة" المستحكمة فينا جميعا فصوّروا المشكلة بايجاز على أنها مجتمعية أكثر منها فردية. فادي قال :"نعم يجمعنا, وهي حالة وانتشرت عند الكل..", وأضاف عزام :"حكما يجمعنا, لكن ليس بالمطلق, وربما توجد شلل يجمعها نقيض هذه الحال".
الحكومة بوزاراتها ومؤسساتها وخططها الخمسية والعشرية والأبدية, هي سبب في حالة ذبول شبابهم, فـ"قرض الزواج" هو "مسخرة كما علّق الشارع الطرطوسي عند سماعه به, وغيره من القروض هي خليط من تعجيز ومذلّة وذر للملاليم في العيون.. المواهب تضيع اذا لم تتّكئ على واسطة أو مال, لانوادي تجمعهم أو تتبناهم ولا نشاطات رسمية تحترم قيمتهم, والفجوة تزيد بين هؤلاء وبين من يدير شؤونهم وحتى من يمثّلهم من النواب الأفاضل. وكان سؤال : هل الحكومة مقصرة بحقكم وهل أنتم ناقمون عليها؟ فكان جواب قيس مزيجا التفهم والطيبة:" أنا ألوم الحكومة لكن أعترض على كلمة ناقم" أما ماهر فقال:" أنا مسافر الى السعودية لأعمل سكرتيرا في احدى الشركات فلو لم يكونوا مقصرين هل كنت لأتغرّب؟" وختم عزام:" أكيد في مشكلة بمؤسسات الدولة وهي تؤثر بشكل سلبي على وضعنا بشكل عام, لكن المشكلة تبدأ قبل ذلك بمؤسسة الأسرة والدين والرأسمالية".
المصدر : الجمل