dot
20/10/2006, 13:31
بقلم:جميل مطر
ألحت عليّ منذ أكثر من عامين فكرة القيام بزيارة لأمريكا اللاتينية، وكان سبب الإلحاح معرفتي أنه في أمريكا اللاتينية يجرون تجارب جديدة وتوقعي أن بعضنا في العالم العربي سيحاول الغوص في التجارب ذاتها إن آجلاً وإن عاجلاً، هكذا علمتنا خبرة القرن الماضي. ولحسن حظي حانت فرصة واغتنمتها حين قمت بزيارة استطلاعية خاطفة حملت معي فيها بعض الأسئلة وعدت في رحلة الإياب أحمل أسئلة أكثر مما حملت في رحلة الذهاب.
تصادف قبل زيارتي أن نقلت الفضائيات والصحف تصريحات لأكثر من زعيم سياسي في أمريكا اللاتينية يعيد فيها إلى الأذهان بعض تجارب السياسة والتنمية والصراع في الشرق الأوسط في سنوات الخمسينات، وكان بعضها من الأسباب المباشرة التي تعللت بها القوى الاستعمارية في ذلك الوقت لشن عدوان عسكري على مصر.
كان واضحاً خلال زيارتي أن الخطاب السياسي “اليساري الشعبوي الجديد” في أمريكا اللاتينية يستعين ببعض مفاهيم السياسات الوطنية أو القومية التي استقرت في ذلك العهد في مصر. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، أولاً مبادئ وممارسات استعادة الأصول والثروات الوطنية التي استولى عليها الأجانب في فترة أو أخرى في عهود ما قبل الاستقلال، ثانياً مبادئ وممارسات التمرد على النفوذ السياسي الأجنبي. هنا تلتقي من جديد، كما التقت وإن نادراً من قبل، إرادتان: إرادة النخبة السياسية الحاكمة الواقعة تحت ضغوط الاستعمار والنفوذ الأجنبي وإرادة الشعوب الحالمة بالاستقلال، والساعية إليه. ثالثاً أفكار وممارسات السعي لتحقيق حلم قيام كتلة إقليمية تستند إلى تجربة تاريخية أو أسطورة قومية أو اجتهادات توحد حولها خبراء الأمن أو التكامل في صياغاته الوطنية أو القومية أو الإقليمية.
سمعت في أمريكا اللاتينية كثيراً من مفاهيم وعبارات مستقاة من تجربة ذلك العهد تتردد وبكثرة بين النخب الأكاديمية والسياسية المهتمة بتطورات التحول نحو اليسار، سمعتها عندما استفسرت عن مشاريع الوحدة البوليفارية التي يدعو لها شافيز ويتحمس ضدها أو معها زعماء آخرون في هذا الجزء من القارة ومعهم قوى أجنبية. وسمعتها تتردد بكثرة وإلحاح في أوساط النخب المهتمة بموجة تسعى لتأميم الشركات الأجنبية التي احتكرت لعقود طويلة استخراج الموارد الطبيعية وتسويقها وتهريب أرباحها غير مخلفة لأهل البلاد إلا الفتات في شكل ضرائب أو حصص، قيل مثلاً إن شركات النفط والغاز العاملة في بوليفيا كانت تحصل على 88% من العائد وتترك لبوليفيا صاحبة الثروة 12%. تتردد أيضاً عبارات وطنية في اتحادات الطلبة والدوائر الأكاديمية والبحثية والنقابية والحزبية معلنة التمرد على سياسات الولايات المتحدة الخارجية وتدخلها الدائم في شؤون أمريكا اللاتينية. والجدير بالذكر أن هذه الدوائر والنخب جميعاً تكتسب كل يوم شعبية جديدة، وبفضل هذه الشعبية تتغير الصورة في بعض مجتمعات القارة اللاتينية.
لا تقل أهمية التطور الحادث هنا عن التطور الحادث هناك، وقد تابعت عن كثب اللغة التي يستعملها بعض السياسيين من الحكام العرب وبعض قيادات فصائل التيار الإسلامي في الإقليم ولاحظت أن هؤلاء يستخدمون مفاهيم ويدعون لممارسات ويرفعون شعارات ومبادئ، هي في الأصل من تراث ذلك العهد.
لفت اهتمامي بصفة خاصة التركيز على جانبين لهما مدلولات كثيرة لا تسمح المساحة بالتفصيل فيهما، ففي مواجهة القضية المفتعلة حول ولاء المسلمين الشيعة لأوطانهم والدور الإيراني الإقليمي المتعاظم، لجأ مسؤولون في دول إسلامية إلى تمجيد شعار العروبة والحديث صراحة عن الانتماء إلى “القومية العربية” وهي عبارة كانت من العبارات التي حرمتها معظم حكومات المنطقة العربية. وكان هذا التحريم واضحاً على امتداد سنوات طويلة وبخاصة منذ نشوب الحرب الأيديولوجية بين الإسلام السياسي والقومية العربية في النصف الثاني من عقد الستينات. هذا من جانب بعض الحكومات العربية، ومن جانب آخر يبدو أن فصائل إسلامية وجدت أن شعبيتها تعمقت عندما صاغت بعض فقرات خطابها السياسي في سياق “عروبي”، وأظن أن خطاب حزب الله على امتداد السنوات الأخيرة كان الأقوى تعبيراً عن هذا الاتجاه، وكذلك كتابات حديثة لبعض المفكرين الإسلاميين.
ألحت عليّ منذ أكثر من عامين فكرة القيام بزيارة لأمريكا اللاتينية، وكان سبب الإلحاح معرفتي أنه في أمريكا اللاتينية يجرون تجارب جديدة وتوقعي أن بعضنا في العالم العربي سيحاول الغوص في التجارب ذاتها إن آجلاً وإن عاجلاً، هكذا علمتنا خبرة القرن الماضي. ولحسن حظي حانت فرصة واغتنمتها حين قمت بزيارة استطلاعية خاطفة حملت معي فيها بعض الأسئلة وعدت في رحلة الإياب أحمل أسئلة أكثر مما حملت في رحلة الذهاب.
تصادف قبل زيارتي أن نقلت الفضائيات والصحف تصريحات لأكثر من زعيم سياسي في أمريكا اللاتينية يعيد فيها إلى الأذهان بعض تجارب السياسة والتنمية والصراع في الشرق الأوسط في سنوات الخمسينات، وكان بعضها من الأسباب المباشرة التي تعللت بها القوى الاستعمارية في ذلك الوقت لشن عدوان عسكري على مصر.
كان واضحاً خلال زيارتي أن الخطاب السياسي “اليساري الشعبوي الجديد” في أمريكا اللاتينية يستعين ببعض مفاهيم السياسات الوطنية أو القومية التي استقرت في ذلك العهد في مصر. ومنها على سبيل المثال وليس الحصر، أولاً مبادئ وممارسات استعادة الأصول والثروات الوطنية التي استولى عليها الأجانب في فترة أو أخرى في عهود ما قبل الاستقلال، ثانياً مبادئ وممارسات التمرد على النفوذ السياسي الأجنبي. هنا تلتقي من جديد، كما التقت وإن نادراً من قبل، إرادتان: إرادة النخبة السياسية الحاكمة الواقعة تحت ضغوط الاستعمار والنفوذ الأجنبي وإرادة الشعوب الحالمة بالاستقلال، والساعية إليه. ثالثاً أفكار وممارسات السعي لتحقيق حلم قيام كتلة إقليمية تستند إلى تجربة تاريخية أو أسطورة قومية أو اجتهادات توحد حولها خبراء الأمن أو التكامل في صياغاته الوطنية أو القومية أو الإقليمية.
سمعت في أمريكا اللاتينية كثيراً من مفاهيم وعبارات مستقاة من تجربة ذلك العهد تتردد وبكثرة بين النخب الأكاديمية والسياسية المهتمة بتطورات التحول نحو اليسار، سمعتها عندما استفسرت عن مشاريع الوحدة البوليفارية التي يدعو لها شافيز ويتحمس ضدها أو معها زعماء آخرون في هذا الجزء من القارة ومعهم قوى أجنبية. وسمعتها تتردد بكثرة وإلحاح في أوساط النخب المهتمة بموجة تسعى لتأميم الشركات الأجنبية التي احتكرت لعقود طويلة استخراج الموارد الطبيعية وتسويقها وتهريب أرباحها غير مخلفة لأهل البلاد إلا الفتات في شكل ضرائب أو حصص، قيل مثلاً إن شركات النفط والغاز العاملة في بوليفيا كانت تحصل على 88% من العائد وتترك لبوليفيا صاحبة الثروة 12%. تتردد أيضاً عبارات وطنية في اتحادات الطلبة والدوائر الأكاديمية والبحثية والنقابية والحزبية معلنة التمرد على سياسات الولايات المتحدة الخارجية وتدخلها الدائم في شؤون أمريكا اللاتينية. والجدير بالذكر أن هذه الدوائر والنخب جميعاً تكتسب كل يوم شعبية جديدة، وبفضل هذه الشعبية تتغير الصورة في بعض مجتمعات القارة اللاتينية.
لا تقل أهمية التطور الحادث هنا عن التطور الحادث هناك، وقد تابعت عن كثب اللغة التي يستعملها بعض السياسيين من الحكام العرب وبعض قيادات فصائل التيار الإسلامي في الإقليم ولاحظت أن هؤلاء يستخدمون مفاهيم ويدعون لممارسات ويرفعون شعارات ومبادئ، هي في الأصل من تراث ذلك العهد.
لفت اهتمامي بصفة خاصة التركيز على جانبين لهما مدلولات كثيرة لا تسمح المساحة بالتفصيل فيهما، ففي مواجهة القضية المفتعلة حول ولاء المسلمين الشيعة لأوطانهم والدور الإيراني الإقليمي المتعاظم، لجأ مسؤولون في دول إسلامية إلى تمجيد شعار العروبة والحديث صراحة عن الانتماء إلى “القومية العربية” وهي عبارة كانت من العبارات التي حرمتها معظم حكومات المنطقة العربية. وكان هذا التحريم واضحاً على امتداد سنوات طويلة وبخاصة منذ نشوب الحرب الأيديولوجية بين الإسلام السياسي والقومية العربية في النصف الثاني من عقد الستينات. هذا من جانب بعض الحكومات العربية، ومن جانب آخر يبدو أن فصائل إسلامية وجدت أن شعبيتها تعمقت عندما صاغت بعض فقرات خطابها السياسي في سياق “عروبي”، وأظن أن خطاب حزب الله على امتداد السنوات الأخيرة كان الأقوى تعبيراً عن هذا الاتجاه، وكذلك كتابات حديثة لبعض المفكرين الإسلاميين.