Espaniol
11/05/2005, 13:12
حبه يشفيك من الوحدة والتيهان
بينما كنت أتصفح أحد الكتب، وقع بصري على صورة تشبه صورة الغلاف، استرعت انتباهي بشدة حتى أمضيت بضعة دقائق أمعن التفكير في المعنى الكامن وراء تلك الصورة. وكثيراً ما يجول في فكري معنى هذه الصورة كلما تواجدت في أماكن مزدحمة بها أعداداً كبيرة من الناس. إنها صورة ليست بعيدة عن واقع حياتنا.. صورة تتكرر كل يوم وسط زحام المدينة وانشغالات البشر.. صورة لجمع غفير من البشر من مختلف الشعوب والأجناس، من طبقات إجتماعية وثقافية مختلفة.. صورة تحكي عن أناس يذهبون ويجيئون كلٍ في طريقه.. البعض يفكر في مستقبله أو ماضيه.. والبعض يبحث عن عمل أو يسير مع الأصدقاء.. والبعض يتمايل مع أحداث الحياة المُفرح منها والمُحزن.. وتدور داخل كل واحد على حدة أفكارٌٌٌ لا يعلمها أحد سواه.
تُرى هل فكرت يوماً في نفسك أنت وفي مَنْ تكون وسط كل هذا الزحام؟ هل اعتراك يوماً شعوراً بالحيرة والتيهان وسط هذا الجمع الغفير وأنت تسأل نفسك كيف يعرف الله كل هؤلاء من مختلف البلدان في ذات الوقت؟ وهل يعرف الله كل مايدور داخل كل واحد من أفكار ومشاعر وخواطر؟ وبالأخص قد تتساءل هل يعرفني الله أنا على نحو خاص؟
أسئلة كثيرة تبدو مُحيرة يطرحها كثيرون.. لا يطرحها الكبار فحسب بل الأطفال أيضاً، فترى بعض الأطفال يتساءلون " كيف يراني الله في المدرسة ويرى ماما في نفس الوقت في البيت؟ وكيف يعرف الله كل شيء عني ويعرف كل شيء عن صديقي في نفس الوقت؟ ". وكثيراً ما استقر هذا التساؤل في أعماق الطفل بلا إجابة، حتى نما وكبر وظل يحيره هذا السؤال الذي قد يتسبب كثيراً في الشعور بعدم الأمان وغياب الضمان، وقد يؤدي أحياناً إلى الخوف من الوحدة والتيهان وسط زحام الحياة. ولكن تُرى ما هي إجابة الله على كل هذا؟
اطمئن.. هو يعرفك
يقول لك اطمئن. فأنت لم تأتِ إلى هذا العالم بمحض الصدفة أوعن طريق الخطأ. وإذا كنت وُلدت وسط ظروف قاسية أوعائلة لم تكن ترغب في ميلادك، فأنت لست صدفة في نظر الله، ولست مجرد واحداً ضمن ملايين بل وبلايين البشر. قد لا يعرفك الناس وأنت تسير بينهم، ولكن الله، الذي هو كُلي القدرة والمعرفة، والملآن بالرحمة والحب يعرفك معرفة شخصية. وهذا هو ما يُعلنه لنا الكتاب المقدس " .. دعوتك باسمك. أنت لي " ( إش 43 :1). نعم يعرفك باسمك ولا يخطىء فيك. يعرف اسمك لأنه يعرفك عن قرب. هل تعلم لماذا؟ ببساطة لأنه هو الذي صنعك وخلقك.. هو صاحب فكرة وجودك.. وهو أول من اعتنى بك وأنت لا تزال جنيناً ضعيفاً في بطن أمك.
لهذا دعونا نأخذ جولة سريعة حول بعض آيات الكتاب المقدس لكي نُدرك المزيد عن هذا المعنى الثمين. اقرأ معي بعض الآيات من مزمور 139، ذلك المزمور الماسي كما يسميه البعض، والذي يطرد الوحدة والشعور بالضياع إلى الخارج، كما يُعالج الشعور بالرفض وصغر النفس، حيث يٌعلن لنا داود النبي عن عناية الله الفائقة به وبكل واحدٍ منا.
" يارب قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد.
مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت
يارب عرفتها كلها. من خلفٍ ومن قدامٍ حاصرتني وجعلت علىّ يدك. عجيبة هـذه
المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها " ( مز139 :1-6 ).
كان داود الملك يتعجب من اهتمام الله به ومعرفته لكل تفاصيل حياته. لذا اشكر الله لأجل هذه الكلمات التي هي لك انت أيضاً. فالله يعرف كل الناس عامة ولكنه يعرفك أنت على نحو خاص. هو يستطيع أن يُميزك وسط زحام البشرمن كل بلدان العالم. هو يعرفك أكثر مما يعرفك أصدقاؤك وأهلك المقربين.. يعرف كل ما يدور داخلك.. يعرف خطوات رجليك.. يعرف جلوسك وقيامك.. يعرف فكرك من بعيد.. يعرف الطرق التي تسلكها.. يعرف إلى أين تذهب ومن أين تأتي.. عيناه تريانك حيثما تذهب.
إعلانات عديدة في مزمور واحد
يقول ذات المزمور " لأنك أنت اقتنيت (امتلكت) كُليتيّ " (عدد13). هل تعلم لماذا ذكر الوحي كلمة "كُليتيّ" بالذات؟ تأكد أن كل كلمة وردت في الكتاب المقدس لها مغزاها وأهميتها. فالكٌلى – كما كانوا يعتقدون قديماً – هي مكان المشاعر والعواطف بالمثل كما يُشار إلى القلب الآن. فالكٌلى هي مكان الرغبات والاشتياقات أي أكثر الأماكن المختبئة والدفينة داخل الإنسان. مؤكد أن هذا المعنى سيشجعك. فالله لا ينظر إليك من بعيد فحسب، بل يعرف الأفكار السرية والخواطر التي قد تطرأ على ذهنك.
تُرى هل تشعر بالوحدة وأنه لا يوجد من يفهمك؟ تُري كم مرة ظُلمت فيها من أقرب المقربين إليك وظنوا بك السوء لأنهم عجزوا عن أن يفهموك وعجزت أنت عن إقناعهم أو الدفاع عن نفسك؟ وكم مرة أويت فيها إلى فراشك والدموع تملأ عينيك محاولاً إمساكها لئلا يراك أحد؟.. إن كنت تجتاز في مشاعر مثل هذه، ثق أنه يقتني كُليتك {أي مشاعرك وأفكارك}.
في ذات يومٍ، وبعد قيامة المسيح من الأموات وقبل صعوده مباشرة، كان التلاميذ مُصابين بحالة من الخوف والإضطراب بسبب اليهود وبسبب فقدانهم لشخص الرب يسوع وموته فجأة. ولما تقابل الرب يسوع معهم بعد قيامته، عَلِمَ أفكارهم التي كانت تدور داخلهم وتزعجهم. " فقال لهم ما بالُكُم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم ( لو24: 38).َ عَرِِفَ أفكارهم حتى قبل أن يتفوهوا أمامه بكلمات. ألا يُفرحك هذا المعنى؟ إن من أسمى المشاعر التي يشعر بها الإنسان هو إحساسه بأن هناك مَنْ يفهمه حتى قبل أن يتكلم. وهذا ينطبق تماماً على شخص الرب يسوع الذي هو صديق ألزق من الأخ (أم 18 :24). يعرف مشاعرك ويُقدر الظروف التي تمر بها. أنت لست وحيداً أو تائهاً. أنت ثمين لأنه خلقك وعرفك وبالتالي يفهمك.
لنعود مرة أخرى إلى مزمور 139 حيث يقول داود النبي " نسجتني (غطيتني) في بطن أمي " (عدد 13). لقد غطى الله عظامك بالجلد، وهذا ما ورد في سفر أيوب "كسوتني جلداً ولحماً " (أي 10 :11). وكما يشير الجلد إلىالحماية أي الغطاء الذي يحمي، هكذا حَمَاك الرب واعتنى بك وأنت لا تزال جنيناً في مرحلة التكوين.. كانت عيناه عليك قبل أن يراك أحد حتى أمك التي حملتك.. وكانت عيناه تحرسك قبل أن ترى حياتك النور..
وهناك أيضاً آية رائعة في ذات المزمور " لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء.. رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كُتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحدٌ منها " (آيات 15 –16). لقد كتب كل التفاصيل التي تصورها في فكره عنك وأراد أن يخلقك عليها قبل أن تخرج إلى الحياة. أراد أن يتفنن فيك لُيُخرجك للوجود في صورة رائعة كالمهندس الماهر الذي يضع الخريطة أولاً بكل تفاصيلها بدقة قبل أن ينفذها، وكالفخاري الذي يفكر في الإناء ويتخيله قبل صناعته على أروع وجه، هكذا كتب الله عنك كل شيء في سفره قبل أن يتخيلك أحد وحتى قبل أن يوجد شيء يٌكتب عنك. رأت عيناه كل شيء.. رأت أعضائك وعظامك.. رأت الأجزاء الداخلية التي لا يراها أحد سواه.. رأت عيناه الأمور الثمينة بداخلك.. رأى الإمكانيات والمواهب والمهارت التي منحك إياها والتي لاتزال مختبئة في داخلك. فربما تكون غير راضٍ عن نفسك أو غير واثق في إمكانياتك بسبب أنك لا ترى الجمال الداخلي الذي خلقك الله عليه، ولكن الله يرى ذلك الجزء الخفي الذي مازال كامناً داخلك. ولكن كما أنك لا ترى عظامك رغم وجودها، هكذا ثق أنك تمتلك جمالاً داخلياً وثق أن الله يحبك ويٌريد أن يٌخرج تلك الإمكانيات والمواهب إلى النور.
الآن وأنت تقرأ هذا الكتيب، يدعوك الرب أن تطرح كل أكاذيب وضعها إبليس في ذهنك، وتستقبل في قلبك هذه الرسالة وكلمات الله المشجعة لك فترفض كل شعور بالوحدة والتيهان أو الخوف من المستقبل المجهول. فأنت محبوب ولست وحيداً أو نكرة.. أنت لم تأتِ إلى هذا العالم صٌدفة بل جئت حسب مقاصد الرب الإلهية والرائعة لحياتك.
ثق إنه أحبك حتى قبل أن تشعر بوجودك.. أحبك وأنت بعد جنيناً. فقبل أن تقوىعلىعمل شيء، أحياك الله وأسندك وأخرجك إلى الحياة بمعونته وبدفعة من يده لتعيش حسب مقاصده. "لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً على ثدي أمي. عليك اٌلقيت من الرحم..." ( مز22 :9).
ثق إنه لا يزال يحبك. فإن كان قد عرفك واهتم بك من قبل تكوينك، فكم بالحري يهتم بك الآن؟!. وثق أنه سيستمر يحبك ويعتني بك في كل مراحل حياتك وحتى الشيخوخة لأنك ثمين في عينيه. وهذا هو ما يوضحه لنا سفر إشعياء " وإلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأٌنجي " (إش 46 :4).
لذا دع حبه يتغلغل داخلك ويشفي أعماقك من المرارة والتيهان والمخاوف العميقة. افتح له أماكن الضعف والحرمان التي في نفسك، واستقبل محبته العجيبة. دعه يحررك ويخلصك تماماً من هذه المشاعر والأفكار المؤلمة واثقاً أن محبته تحمل شفاءً لك ".. لأن المحبة الكاملة (محبة الرب يسوع الشافية) تطرح الخوف إلى الخارج " (1يو4 :18).
ليس هذا فقط.. بل أكثر
يكشف لنا داود الملك في ذات المزمور عن جانب آخر ثمين من محبة الرب إذ يقول:
"أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدُك وٌتمسكني يمينك. فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيءحولي. الظلمة أيضاً لاتُظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور ( مز139 :7-12).
لم يٌدرك الملك داود محبة الرب واهتمامه به في تكوينه منذ أن كان جنيناً فحسب، ولكنه اكتشف محبة الرب له بطريقة فريدة من نوعها استمرت ترافقه في كل مسيرة حياته. فأحياناً، عندما كانت تساوره فكرة الهروب من الرب والابتعاد عنه بسبب أخطائه أو شعوره بالفشل والعجز وأنه غير مستحق أن يقف أمامه، سرعان ما يكتشف أن محبة الرب له قوية وثابتة وأن الرب لا يزال قريب جداً منه ويبحث عنه ولا يرفضه، بل ويحاصره دائماً من كل جانب. كان يشعر بيد الرب عليه، تلك اليد القوية الحافظة التي تحامي وتدافع عنه حيثما ذهب.. فحتى وإن صعد إلى السموات أو ذهب إلى الهاوية أو سكن في أقاصي البحر أو حاول أن يختبىء بعيداً في الظلمة بسبب عيوبه أو خطاياه، يجد الرب يحاصره دائماً بمحبته ورعايته، فيحول الظلام إلى نور والليل إلى نهار، ويُمسكه بيده ويهديه من جديد. وبالتالي كان يُدرك أنه لن يستطيع أن يهرب منه بل إنه في أشد الاحتياج أن يهرب إليه.
والآن ماذا عنك أنت؟ هل تهرب من الرب خوفاً منه أو خوفاً على حياتك؟ هل لديك أفكاراً خاطئة أو أكاذيب أتت إليك من العدو ضد الرب؟ هل تظن أنه يرفضك بسبب أخطاءك وعيوبك ويريد أن يعاقبك؟ هل تظن أنه قد نساك وأنه لا يكترث بك أو بأمورك؟ أم هل صرت بعيداً عنه تشعر أنك في الظلام أو صرت في البرية؟ وهل تشعر أنك تعيش في ليل الحياة حيث الخطية والنجاسة ملوثاً بوسخ الحياة؟
إن كنت تعاني من أمور مثل هذه، فاعلم أنك مثل داود، واعلم أنه في كل الأوضاع لا يزال الرب يبحث عنك. هذا هو المعنى الذي يملأ الإنجيل والذي ينبغي أن يمتليء به قلبك أيضاً. " الله دائماً يبحث عنك وبإصرار لأنك ثمين في عينيه ". هل تصدق هذا؟.
1- يبحث عنك كالخروف الضال الثمين
هناك قصة معروفة في (لو15: :4-7) تحكي عن خروف ضال.. خروف مفقود.. قٌطع من مكان الأمان حيث الراعي وانجذب بعيداً عن القطيع، وضل الطريق فصار تائهاً بعيداً يعاني من الوحدة والضياع. هذا الخروف يتحدث عني وعنك " لأننا كٌلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحدٍ إلى طريقه... (إش53 :6). فربما تكون قد انجذبت بعيداً عن الراعي بسبب إغراء خطيةٍ ما أو غواية من إبليس، ففقدت الطريق وتٌهت وسط الزحام مثل هذا الخروف الضال التائه.. تائهاً عن الله وتائهاًحتى عن نفسك،لاتعلم أين أنت ومَنْ أنت.. تائهاً بلا نهاية.. مُعرضاً للقلق والمخاوف بعيداً عن حماية الراعي.. وقد تريد أن ترجع إلى الراعي والمرعى الأخضر ولكنك لا تعلم كيف.
ولكن في ذات القصة نجد الراعي (الرب يسوع) هو الذي يبحث عن هذا الخروف الثمين وهو الذي يترك التسعة والتسعين خروف في مكان الأمان والحماية ويخرج هو بنفسه ليبحث بإصرار عن الخروف الضال وسط البرية والأشواك. هل تعلم لماذا؟ لأنك خروفه الخاص.. لأنه أحبك بلا مقابل رغم تركك إياه.. لم يتركك لأنك ابتعدت عنه.. لم يتخل عنك بسبب أخطاؤك ولم ينساك وسط الزحام.
ففي ذات القصة نجد الرب يسوع وكأنه يسأل تلاميذه قائلاً " ماذا تظنون؟ ماهو رأيكم؟ أحكموا أنتم بأنفسكم على هذا الأمر " أي إنسان يكون لديه خروفاً أو شيء ثمين يمتلكه ويضيع، ألا يبحث عنه؟ ألا يبذل قصارى جهده ليفتش عنه حتى يجده؟هذا شيء منطقي. فكم بالحري الرب يسوع يبحث عني وعنك لأننا أثمن من مجرد خراف.. ألا يبحث عنا؟ ألم يبذل نفسه ويضع حياته لأجلنا؟ فإن كان الشخص الطبيعي يترك التسعة والتسعين خروف ليبحث عن الواحد فقط لأنه اشتراه بثمن، فهل من المعقول ألا يفعل الرب يسوع هذا وهو قد اشترانا ليس بفضة أو بذهب بل بدم كريم.. دم ثمين؟ (1بط 1 :18- 19).
إنه يبحث ويفتش عنك حتى يجدك فيحملك على منكبيه فرحاً ويعود بك إلى القطيع والمرعى الأخضر.
2- يبحث عنك كالدرهم المفقود
وبعد أن وجد الراعي الخروف الضال، أكمل الرب حديثه في (لو15 :8-10) عن امرأة أضاعت درهماً كانت تمتلكه، ولكن هذه المرة لم يضع بعيداً مثل الخروف الذي تاه وسط البرية والأشواك ولكنه ضاع وفٌقد داخل المنزل نفسه. لم يكن بعيداً عنها.. كان يبدو قريباً داخل البيت ولكنه في الواقع كان مفقوداً ومختبئاً في مكانٍ ما.. تغطيه الأتربة والتراكمات. ويقودنا الرب- من خلال ذلك المثل – لنفهم جانباً آخر من الغربة والابتعاد عنه. وتوجد أمثلة مختلفة لهذا الدرهم المفقود داخل البيت:-
ربما يكون البيت هنا هو الجو الروحي والإجتماعات والكنائس. وربما تكون قريباً من كل هذا، تحضر الكنيسة بانتظام.. تواظب على الممارسات الدينية ولكنك رغم هذا تشعر في داخلك بالغربة عن رأس البيت الذي هوالرب يسوع.. لا تشعر بوجوده ولهذا لا تزال تشعر بالفراغ.. لك شكل التدين ولكنك لا تختبر قوة الحياة الروحية أو حلاوتها.. تحيا حياة دينية روتينية شكلية محاولاً مسايرة الآخرين ولكنك تجد نفسك ضائعاً لا تستطيع أن تتمتع بما يتمتعون هم به.. تحاول أن تبذل قصارى جهدك وتحيا الحياة الروحية بمجهودك؛ فتارة تصوم أو تعطي تقدمات، وتارة أخرى تلتزم بخدمةٍ ما في الكنيسة محاولاً إرضاء ضميرك، وتارة أخرى تحاول أن تتوقف عن عادات سيئة تسيطر عليك.. وبعد كل هذا لا تزال تشعر بالتيهان.
وقد تكون مثل هذا الدرهم موجوداً داخل جدران المنزل إلا أنك تشعر بالغربة وسط أهلك.. لا تشعر بالأمان مع أقرب المقربين إليك.. تسبب الآخرين في ضياعك.. تٌهت في الحياة بسبب أخطاء مَنْ حولك ولا ذنب لك في هذا. رٌبما نٌسيت من أمك أو أبيك.. أهملت.. لم يعرفوا قيمتك.. تركوك جانباً بسبب انشغالات الحياة. ربما كانوا يعملون كثيراً خارج البيت ليدبروا لك حياة أفضل بينما كنت أنت تشعر بعدم الأمان بسبب غيابهم عنك.. وربما أهانوك أو ضربوك فشعرت بأنك شيء مٌهمل ليس له قيمة. والنتيجة أنك صرت معزولاً عن الآخرين وتأخذ جنباً في المنزل وتشعر وكأنك تختبىء من كل مَنْ حولك وإذا بالتراب والغبار يغطي حياتك.
والحقيقة الهامة هي أن الرب يسوع يعرف أن هناك مفقودون داخل البيت (العائلة أو الكنيسة). لهذا هو يضيء السٌرج ليبحث عنك باجتهاد حيثما اختبأت، ويفتش عنك بإصرار ولا يهدأ ولا يسكت حتى يجدك. ويدعو كل الجيران ليفرحوا معه لأنه وجد الدرهم الذي ضاع. لهذا هو يريد أن:-
- يوقد السُرج فيضيء بنوره عليك.. يُشرق بنوره على حياتك فلا تحيا بعد في الظلام بل ترى حياتك النور.. يأتي بإشراقة نوره عليك لينتشلك من الظلمة والإحباط قائلاً لك " قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك " ( أش 60 :1).
- يكنس البيت لكي يزيل الأتربة التي أتت على حياتك وغطتها، سواء بالمشاعر السلبية أو بالحياة الشكلية الروتينية، فتلمع من جديد وترجع إلى العلاقات السليمة مع الرب يسوع المخلص وعائلتك الروحية وأيضاً الأرضية.
رجاء لا تحاول أن تعالج أخطائك أو تأتِ للرب من خلال حلول بشرية، فلا تبرر نفسك أو تلٌقي اللوم على أخطاء الآخرين الذين أساءوا إليك، لكن فقط سلم حياتك للرب ودع نفسك تتعرض لأشعة حبه فيجدك وينتشلك من الضياع.
قصـة واقعيـة..
وإليك قصة واقعية عن حياة شخص تاه وضل بعيداً في البرية والغربة وكان أيضاً درهماً مفقوداً وسط عائلته.. لم يتركه الرب يسوع بل بحث وفتش عنه حتى وجده فحمله على منكبيه فرحاً ورده إليه وشفاه بالكامل. وها هي القصة:
"كنت أعيش مع أبي وأمي وإخوتي أثناء طفولتي. وكان أخي الأصغر يعاني من مشكلة صحية في جسده مما كان يتطلب عناية بالغة من أمي به. كان أبي سكيراً وكان يضربنا بعنف فكنا نخافه، وما زالت آثار ضربه واضحة في جسدي حتىاليوم. وفي كل ليلة عندما كنت أسمعه عائداً إلى المنزل، كنت اشعر بخوف رهيب وأسرع مهرولاً لأختبئ تحت الفراش. لم تحتمل أمي كل هذه الأوضاع فتركت المنزل وأخذت معها أخي، وبقيت أنا مع أبي الذي أعتاد أن يرهقني بغضبه وضربه بلا سبب.
وعندما بلغت الخامسة من عمري، قررت أن الجأ إلى جدي وأهلي ملتمساً منهم المعونة ولكنهم رفضوني جميعاً. أصبحت الشوارع ملجأي لأربعة أعوام متتالية حيث كنت أعاني من الجوع والبرد وآكل كل ما أجده أمامي. وبعد وقت، وبعدما سئمت نفسي هذه الحياة، قررت أن أعود وأرجع إلى أبي ولكن بعد فوات الأوان! لقد مات أبي بتليف كبدي بسبب الخمر. قررت بعدها أن أقابل جدي وأقاربي ولكنهم رفضوني للمرة الثانية. رفضوا أن يهتموا بي بل أخذوني إلى ملجأ يشبه السجن. كان مكاناً بشعاً وكنت أسمع ليلاً صرخات العذاب والعنف تلتمس الرحمة مما أثقل علىّ بشدة. كنت أعاني من الأرق بسبب الخوف بالإضافة إلى أنني أغتصبت مرتين.
عندما بلغت الثالثة عشر من عمري هربت مع ثلاثة أولاد آخرين، وسرتٌ في الشوارع بلا هدف لمدة عشرين يوماً. كنت في قمة التيهان والضياع. كنت ولد صغير لكن حياتي لم تكن طبيعية مثل سائر الأولاد.. فقدت براءتي.. لم يكن لي منزلاً.. أصبحت حياتي معاناة ولم أكن علم لماذا ؟؟. وفي ذات يوم، عندما كنت أسير شارداً في أحد الأزقة المظلمة، رأيت سيدة تتجه لي.. كانت أمي!..كنت قذراً وثيابي قذرة وبالية ولم أرها منذ ثماني سنوات ولكنها عرفتني وأخذتني لأعيش معها ومع زوجها وابنتها.
وأخيراً.. أصبح لي منزلاً ولكنني بدأت أعاني من مشاكل صحية عديدة – من آثار الطفولة المعذبة – وخاصة في العمود الفقري حتى كنت أتألم كثيراً وكنت بالكاد أمشي.. أجريت لي عملية جراحية وقضيت سنة ونصف أتردد على إحدى المستشفيات نتيجة الألم المستمر. وتدريجياً، بدأت حالتي تتحسن ولكن سرعان ما انتابتني حالة يأس من الحياة. كنت أفكر باستمرار في الانتحار والموت. وبالفعل، حاولت أن أفعل هذا ثلاث مرات.
في تلك الأيام بدأت أمي وزوجها يتقابلان مع الرب يسوع وبدأت أمي تخبرني عن محبة الله. وبطريقة غير مفهومة، تحول الحب الذي كنت أشعر به تجاهها إلى كراهية " لا تحدثيني عن الحب بعدما تركتيني وحيداً كل هذه السنوات ". وبعد فترة طويلة من هذه الأحداث ومن عنادي، أخذتني أمي إلى أحد الاجتماعات الانتعاشية حيث شفاني الله تماماً من كل مشاكل العمود الفقري. وبعد سنة من هذا الحدث، تقابلت مع الرب يسوع. وحينئذ حدثت المعجزة. كيف أصف ذلك؟ شعرت أن حب الله يَغمر كل حياتي.. الماضي والحاضر معاً. بدأت تغيرات فعلية تحدث، وشعرت بأن حملاً ثقيلاً يزول عن كتفي.. أصبحت قادراً أن أغفر لأمي من كل قلبي.. استطعت أن أنظر إلى عينيها كأن شيئاً لم يحدث من قبل.. تعلمت كيف أحبها وأفهمها.. وَضَعَ الله فيّ تحدي لأزور جدي وبقية أقاربي. وبعد أن أمضيت وقتاً طويلاً في الصلاة، ذهبت لأراهم.. طلبت غفرانهم لي بسبب غضبي منهم.. كان التغيير الذي طرأ على حياتي ذا أثر قوي عليهم حتى أنهم سلموا حياتهم ليسوع..."
ربما تجد هذه القصة قريبة منك وتشابه حياتك، أو بعيدة كل البٌعد عنك، هذا لا يهم. فتفاصيل حياة كلٍ منا تختلف اختلافاً كلياً عن الآخر ولكلٍ منا قصته، ولكن قد تتشابه معه في إحدى نقاط الحياة؛ قد تتشابه معه في مشاعر الخوف والقلق المسيطرة.. قد تتفق معه في التيهان والضياع وفقدان الهدف أو قد تشبهه في فقدان عائلتك أو تركهم إياك بشكلٍ أو بآخر.. أو تكون قد تعرضت لإيذاءات نفسية وجسدية هائلة.. أو قد تعاني من أمور أخرى خاصة بك لا يعلمها أحد.. أمور صعبة متراكمة مثل أحداث حياة هذا الشاب.
أريد أن أقول لك أن هذا الشاب لم يجد العلاج لا في الهروب بعيداً عن المنزل ولا في معونة الآخرين.. ولا في التفكير في الموت ومحاولة الانتحار.. ولا في التعبير عن كراهيته لمن أساءوا إليه ومحاولة الانتقام منهم.. ولا الاستسلام للحياة التي بلا معنى.. ولا الانغماس في الملذات.. ولا الوقوع تحت تأثير المخدرات أوالمهدئات، بل كان العلاج الفعلي هو اكتشاف الحقيقة التي أراد إبليس أن يٌخفيها عنه لسنوات طويلة ألا وهي حب الرب له، ذلك الحب الذي غَمََرَ حياته في لحظة واحدة فأنساه كل ماضيه فاستطاع أن يحب ويغفر بدلاً من أن يكره.
قال هذا الشخص في مذكراته واصفاً ما حدث له من تغيير " كل ما حاول إبليس أن يدمره في حياتي، رده الله لي مرة أخرى في رحمته ". وقد تتساءل داخلك " أين كان الرب كل هذا الوقت؟ لماذا تركه طفلاً تعيساً يعاني من كل هذا ولا ذنب لـه؟ ". أقول لك أن هذا منطق العدو وهذه أفكاره التي تثير شكوكك في شخص الرب، ولكن في الواقع لم يكن الرب صامتاً ينظر من بعيد يتلذذ بعذاب الناس، ولكنه كان يبحث عنه منتظراً اللحظة التي يسمح لـه هذا الولد لأن يتدخل ويعمل في حياته ويتلامس بالحب مع أعماق نفسه الجريحة. ففي أول فرصة ترك هذا الولد نفسه في حضور الرب، سرعان ما اكتشف الحب الحقيقي والعناية الشافية فجاء التغيير الشامل.
كيـف أجـد العـلاج؟
يالها من قصة رائعة حقيقية عن الرب يسوع الذي بحث عن هذا الشاب التائه وغيّر كل حياته بل عالج وشفي كل آثار الماضي. والآن الدعوة لك أنت أيضاً لتختبر هذا الإله العجيب الذي أحبك من الرحم وجعل لك تصورات عظيمة في قلبه. إنه يريد الآن أن يضع يده عليك أنت أيضاً فتختبر ما اختبره داود والكثيرون وهذا الشاب أيضاً عبر الزمن.
يريد أن يحول الظلمة إلى نور والليل إلى نهار. نعم الرب يسوع الملآن حباً هو علاجك الثمين وهو يمد يده إليك يدعوك إلى حياة جديدة وبداية جديدة.. ويفتح صفحة جديدة في حياتك يكتب هو فيها بيده الرحيمة كل ما تصوره ودبره لك من عظائم منذ البدء. لهذا أدعوك الآن إلى وقفة مع نفسك لتتجاوب مع الخطوات التالية:-
1- لا تهـرب منـه
ظن داود – كما ذكرنا – أنه يستطيع أن يهرب من الرب ولكنه لم يستطع إذ كان الرب يحاصره بكل الحب. نعم لقد اكتشف أن العلاج ليس هو الهروب بل المواجهة.. مواجهة الرب الذي هو قادر أن يغير كل الحياة ويشفي كل الأمراض والجراح.
انظر ماذا يقول سفر الأمثال عن الهروب والتيهان " مثل العصفور التائه من عشه هكذا الرجل التائه من مكانه " ( أم 27 :8)؛ فكما أن هناك خطراً على العصفور إن ترك عشه، والخروف إن ترك الراعي، هكذا هناك خطراً عليك إن هربت من وجه الرب ومحبته، فهذا هو مكانك الطبيعي حيث الأمان الحقيقي. أرجوك لا تبرر نفسك أو تشفق على ذاتك فتهرب، لأن هذا لن يجلب شيئاً سوى التعب والمزيد من التيه. لا تظن أنك ستجد الأمان بعيداً عن الرب ولا تظن أنك ستهرب من مخاوفك لأن هذه المخاوف ستلاحقك دائماً وأبداً إن لم تكتشف حب الرب.. ولا تظن أنه بسبب أنك غير راضٍ عن أوضاعك وظروفك أو تشعر بفراغ عميق، أن هذا مبرر لك لتظل بعيداً منشغلاً في أمور الحياة. أو تسافر بعيداً بحثاً عن عمل أو تحسين أوضاعك دون أن تتقابل مع شخص الرب وحبه. ببساطة، إنك لن تجد الراحة بعيداً عنه. فلا تهرب منه.
2- اقبـل حبـه العجيـب
رجاء تجاوب مع هذا الحب الذي يقدمه لك الرب اليوم. يقول الإنجيل في (1يو 3 :1) " انظروا أية محبة أعطانا الله... ". فرغم أن الرسول يوحنا كان ملآناً من محبة الرب، ولكنه عجز أن يصف تلك المحبة. فهو يدعو الجميع لرؤية هذا الأمر العجيب الذي يدهش العقول. يقول" انظروا " وهو يلفت الانتباه لشيء رائع وهام.. شيء عجيب لا يصدقه العالم ولا يعرفه.. نوع عجيب من المحبة. نعم إن محبة الرب تختلف عن أية محبة أخرى على وجه الأرض.. محبة لا يستطيع أحد أن يتخيل أبعادها حتى أن الرسول بولس أيضاً حاول أن يصفها ولكنه وقف عاجزاً فقال ".. ما هو العرض والطول والعمق والعلو " (أف 3 :18).. إنها محبة تفوق بكثير حب الأبوة والأمومة والأصدقاء والأهل.. إنها محبة باذلة غير مشروطة.. محبة تبحث عنك وأنت في أبعد نقطة في تيهانك.. محبة تفتش عنك ليس لأجل صلاحك أو كمالك بل لأجل عدم استحقاقك.. محبة تنتشلك من بين الأشواك وتأتي بك من طين الحمأة (مز40 :2).. محبة تأتي إليك حيثما سقطت.. تأتي إلى عنادك وتمردك لتعمل فيك.. محبة تفديك من الحفرة (مز103 :4).. من فخ الصياد (مز 91 : 3). قال أحدهم:
- عندما كان الحب كلمة تبحث عنها في القاموس لا تعرف معناها، أتى إليك ليملأك بحبه الغير مشروط..
- عندما كانت الخطية وعقد الذنب عائقاً لترفع وجهك أمام الرب، أتى وغسلك وغفر خطاياك..
-عندما كنت مقيداً ومستعبداً للإدمان، تتمخض في الطين والوحل، أتى إليك.. كسَّر قيودك وأطلقك حراً. وفي الوحل وجدك وبدأ يعمل فيك بالحب..
- عندما كانت حياتك بلا معنى، ملأ الفراغ داخلك..
- عندما كان السلام مجرد فكرة وليست واقع، اعتنى بك وأعطى راحة لنفسك..
3- سلم لـه حياتك
كان على داود أن يستسلم ويٌسلم نفسه بالكامل في يد الرب ليٌمسك به فيخرجه من الهاوية ويهديه إلى طريق الحياة. والآن يقدم لك الرب هذه الفرصة الجديدة من خلال هذا الكٌتيب لتٌسلم لـه حياتك بالكامل وتستودع حياتك في يده ليُجري كل تغيير تحتاج إليه.
لهذا تعال سلم كل حياتك لـه واقبله كالمخلص الوحيد الذي يقدر أن ينقذك؛ فهو الوحيد الذي لديه القدرة لتغيير حياتك. لذا صل معي في النهاية وقل:-
أبي السماوي في يديك أٌسلم كل حياتي الآن.. أستسلم لحبك الغامر ودمك الغافر.. امتلك قلبي الآن واجعله قلباً جديداً.. املأه بحبك العجيب وسلامك الشافي.. فتشفي كل جراحي وآثار الإيذاءات.. وتملأ قلبي فرحاً بك وحباً للجميع
كتبها شاب مصري
بينما كنت أتصفح أحد الكتب، وقع بصري على صورة تشبه صورة الغلاف، استرعت انتباهي بشدة حتى أمضيت بضعة دقائق أمعن التفكير في المعنى الكامن وراء تلك الصورة. وكثيراً ما يجول في فكري معنى هذه الصورة كلما تواجدت في أماكن مزدحمة بها أعداداً كبيرة من الناس. إنها صورة ليست بعيدة عن واقع حياتنا.. صورة تتكرر كل يوم وسط زحام المدينة وانشغالات البشر.. صورة لجمع غفير من البشر من مختلف الشعوب والأجناس، من طبقات إجتماعية وثقافية مختلفة.. صورة تحكي عن أناس يذهبون ويجيئون كلٍ في طريقه.. البعض يفكر في مستقبله أو ماضيه.. والبعض يبحث عن عمل أو يسير مع الأصدقاء.. والبعض يتمايل مع أحداث الحياة المُفرح منها والمُحزن.. وتدور داخل كل واحد على حدة أفكارٌٌٌ لا يعلمها أحد سواه.
تُرى هل فكرت يوماً في نفسك أنت وفي مَنْ تكون وسط كل هذا الزحام؟ هل اعتراك يوماً شعوراً بالحيرة والتيهان وسط هذا الجمع الغفير وأنت تسأل نفسك كيف يعرف الله كل هؤلاء من مختلف البلدان في ذات الوقت؟ وهل يعرف الله كل مايدور داخل كل واحد من أفكار ومشاعر وخواطر؟ وبالأخص قد تتساءل هل يعرفني الله أنا على نحو خاص؟
أسئلة كثيرة تبدو مُحيرة يطرحها كثيرون.. لا يطرحها الكبار فحسب بل الأطفال أيضاً، فترى بعض الأطفال يتساءلون " كيف يراني الله في المدرسة ويرى ماما في نفس الوقت في البيت؟ وكيف يعرف الله كل شيء عني ويعرف كل شيء عن صديقي في نفس الوقت؟ ". وكثيراً ما استقر هذا التساؤل في أعماق الطفل بلا إجابة، حتى نما وكبر وظل يحيره هذا السؤال الذي قد يتسبب كثيراً في الشعور بعدم الأمان وغياب الضمان، وقد يؤدي أحياناً إلى الخوف من الوحدة والتيهان وسط زحام الحياة. ولكن تُرى ما هي إجابة الله على كل هذا؟
اطمئن.. هو يعرفك
يقول لك اطمئن. فأنت لم تأتِ إلى هذا العالم بمحض الصدفة أوعن طريق الخطأ. وإذا كنت وُلدت وسط ظروف قاسية أوعائلة لم تكن ترغب في ميلادك، فأنت لست صدفة في نظر الله، ولست مجرد واحداً ضمن ملايين بل وبلايين البشر. قد لا يعرفك الناس وأنت تسير بينهم، ولكن الله، الذي هو كُلي القدرة والمعرفة، والملآن بالرحمة والحب يعرفك معرفة شخصية. وهذا هو ما يُعلنه لنا الكتاب المقدس " .. دعوتك باسمك. أنت لي " ( إش 43 :1). نعم يعرفك باسمك ولا يخطىء فيك. يعرف اسمك لأنه يعرفك عن قرب. هل تعلم لماذا؟ ببساطة لأنه هو الذي صنعك وخلقك.. هو صاحب فكرة وجودك.. وهو أول من اعتنى بك وأنت لا تزال جنيناً ضعيفاً في بطن أمك.
لهذا دعونا نأخذ جولة سريعة حول بعض آيات الكتاب المقدس لكي نُدرك المزيد عن هذا المعنى الثمين. اقرأ معي بعض الآيات من مزمور 139، ذلك المزمور الماسي كما يسميه البعض، والذي يطرد الوحدة والشعور بالضياع إلى الخارج، كما يُعالج الشعور بالرفض وصغر النفس، حيث يٌعلن لنا داود النبي عن عناية الله الفائقة به وبكل واحدٍ منا.
" يارب قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد.
مسلكي ومربضي ذريت وكل طرقي عرفت. لأنه ليس كلمة في لساني إلا وأنت
يارب عرفتها كلها. من خلفٍ ومن قدامٍ حاصرتني وجعلت علىّ يدك. عجيبة هـذه
المعرفة فوقي ارتفعت لا أستطيعها " ( مز139 :1-6 ).
كان داود الملك يتعجب من اهتمام الله به ومعرفته لكل تفاصيل حياته. لذا اشكر الله لأجل هذه الكلمات التي هي لك انت أيضاً. فالله يعرف كل الناس عامة ولكنه يعرفك أنت على نحو خاص. هو يستطيع أن يُميزك وسط زحام البشرمن كل بلدان العالم. هو يعرفك أكثر مما يعرفك أصدقاؤك وأهلك المقربين.. يعرف كل ما يدور داخلك.. يعرف خطوات رجليك.. يعرف جلوسك وقيامك.. يعرف فكرك من بعيد.. يعرف الطرق التي تسلكها.. يعرف إلى أين تذهب ومن أين تأتي.. عيناه تريانك حيثما تذهب.
إعلانات عديدة في مزمور واحد
يقول ذات المزمور " لأنك أنت اقتنيت (امتلكت) كُليتيّ " (عدد13). هل تعلم لماذا ذكر الوحي كلمة "كُليتيّ" بالذات؟ تأكد أن كل كلمة وردت في الكتاب المقدس لها مغزاها وأهميتها. فالكٌلى – كما كانوا يعتقدون قديماً – هي مكان المشاعر والعواطف بالمثل كما يُشار إلى القلب الآن. فالكٌلى هي مكان الرغبات والاشتياقات أي أكثر الأماكن المختبئة والدفينة داخل الإنسان. مؤكد أن هذا المعنى سيشجعك. فالله لا ينظر إليك من بعيد فحسب، بل يعرف الأفكار السرية والخواطر التي قد تطرأ على ذهنك.
تُرى هل تشعر بالوحدة وأنه لا يوجد من يفهمك؟ تُري كم مرة ظُلمت فيها من أقرب المقربين إليك وظنوا بك السوء لأنهم عجزوا عن أن يفهموك وعجزت أنت عن إقناعهم أو الدفاع عن نفسك؟ وكم مرة أويت فيها إلى فراشك والدموع تملأ عينيك محاولاً إمساكها لئلا يراك أحد؟.. إن كنت تجتاز في مشاعر مثل هذه، ثق أنه يقتني كُليتك {أي مشاعرك وأفكارك}.
في ذات يومٍ، وبعد قيامة المسيح من الأموات وقبل صعوده مباشرة، كان التلاميذ مُصابين بحالة من الخوف والإضطراب بسبب اليهود وبسبب فقدانهم لشخص الرب يسوع وموته فجأة. ولما تقابل الرب يسوع معهم بعد قيامته، عَلِمَ أفكارهم التي كانت تدور داخلهم وتزعجهم. " فقال لهم ما بالُكُم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم ( لو24: 38).َ عَرِِفَ أفكارهم حتى قبل أن يتفوهوا أمامه بكلمات. ألا يُفرحك هذا المعنى؟ إن من أسمى المشاعر التي يشعر بها الإنسان هو إحساسه بأن هناك مَنْ يفهمه حتى قبل أن يتكلم. وهذا ينطبق تماماً على شخص الرب يسوع الذي هو صديق ألزق من الأخ (أم 18 :24). يعرف مشاعرك ويُقدر الظروف التي تمر بها. أنت لست وحيداً أو تائهاً. أنت ثمين لأنه خلقك وعرفك وبالتالي يفهمك.
لنعود مرة أخرى إلى مزمور 139 حيث يقول داود النبي " نسجتني (غطيتني) في بطن أمي " (عدد 13). لقد غطى الله عظامك بالجلد، وهذا ما ورد في سفر أيوب "كسوتني جلداً ولحماً " (أي 10 :11). وكما يشير الجلد إلىالحماية أي الغطاء الذي يحمي، هكذا حَمَاك الرب واعتنى بك وأنت لا تزال جنيناً في مرحلة التكوين.. كانت عيناه عليك قبل أن يراك أحد حتى أمك التي حملتك.. وكانت عيناه تحرسك قبل أن ترى حياتك النور..
وهناك أيضاً آية رائعة في ذات المزمور " لم تختفِ عنك عظامي حينما صُنعت في الخفاء.. رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كُتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحدٌ منها " (آيات 15 –16). لقد كتب كل التفاصيل التي تصورها في فكره عنك وأراد أن يخلقك عليها قبل أن تخرج إلى الحياة. أراد أن يتفنن فيك لُيُخرجك للوجود في صورة رائعة كالمهندس الماهر الذي يضع الخريطة أولاً بكل تفاصيلها بدقة قبل أن ينفذها، وكالفخاري الذي يفكر في الإناء ويتخيله قبل صناعته على أروع وجه، هكذا كتب الله عنك كل شيء في سفره قبل أن يتخيلك أحد وحتى قبل أن يوجد شيء يٌكتب عنك. رأت عيناه كل شيء.. رأت أعضائك وعظامك.. رأت الأجزاء الداخلية التي لا يراها أحد سواه.. رأت عيناه الأمور الثمينة بداخلك.. رأى الإمكانيات والمواهب والمهارت التي منحك إياها والتي لاتزال مختبئة في داخلك. فربما تكون غير راضٍ عن نفسك أو غير واثق في إمكانياتك بسبب أنك لا ترى الجمال الداخلي الذي خلقك الله عليه، ولكن الله يرى ذلك الجزء الخفي الذي مازال كامناً داخلك. ولكن كما أنك لا ترى عظامك رغم وجودها، هكذا ثق أنك تمتلك جمالاً داخلياً وثق أن الله يحبك ويٌريد أن يٌخرج تلك الإمكانيات والمواهب إلى النور.
الآن وأنت تقرأ هذا الكتيب، يدعوك الرب أن تطرح كل أكاذيب وضعها إبليس في ذهنك، وتستقبل في قلبك هذه الرسالة وكلمات الله المشجعة لك فترفض كل شعور بالوحدة والتيهان أو الخوف من المستقبل المجهول. فأنت محبوب ولست وحيداً أو نكرة.. أنت لم تأتِ إلى هذا العالم صٌدفة بل جئت حسب مقاصد الرب الإلهية والرائعة لحياتك.
ثق إنه أحبك حتى قبل أن تشعر بوجودك.. أحبك وأنت بعد جنيناً. فقبل أن تقوىعلىعمل شيء، أحياك الله وأسندك وأخرجك إلى الحياة بمعونته وبدفعة من يده لتعيش حسب مقاصده. "لأنك أنت جذبتني من البطن. جعلتني مطمئناً على ثدي أمي. عليك اٌلقيت من الرحم..." ( مز22 :9).
ثق إنه لا يزال يحبك. فإن كان قد عرفك واهتم بك من قبل تكوينك، فكم بالحري يهتم بك الآن؟!. وثق أنه سيستمر يحبك ويعتني بك في كل مراحل حياتك وحتى الشيخوخة لأنك ثمين في عينيه. وهذا هو ما يوضحه لنا سفر إشعياء " وإلى الشيخوخة أنا هو وإلى الشيبة أنا أحمل. قد فعلت وأنا أرفع وأنا أحمل وأٌنجي " (إش 46 :4).
لذا دع حبه يتغلغل داخلك ويشفي أعماقك من المرارة والتيهان والمخاوف العميقة. افتح له أماكن الضعف والحرمان التي في نفسك، واستقبل محبته العجيبة. دعه يحررك ويخلصك تماماً من هذه المشاعر والأفكار المؤلمة واثقاً أن محبته تحمل شفاءً لك ".. لأن المحبة الكاملة (محبة الرب يسوع الشافية) تطرح الخوف إلى الخارج " (1يو4 :18).
ليس هذا فقط.. بل أكثر
يكشف لنا داود الملك في ذات المزمور عن جانب آخر ثمين من محبة الرب إذ يقول:
"أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السموات فأنت هناك. وإن فرشت في الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحي الصبح وسكنت في أقاصي البحر فهناك أيضاً تهديني يدُك وٌتمسكني يمينك. فقلت إنما الظلمة تغشاني. فالليل يضيءحولي. الظلمة أيضاً لاتُظلم لديك والليل مثل النهار يضيء. كالظلمة هكذا النور ( مز139 :7-12).
لم يٌدرك الملك داود محبة الرب واهتمامه به في تكوينه منذ أن كان جنيناً فحسب، ولكنه اكتشف محبة الرب له بطريقة فريدة من نوعها استمرت ترافقه في كل مسيرة حياته. فأحياناً، عندما كانت تساوره فكرة الهروب من الرب والابتعاد عنه بسبب أخطائه أو شعوره بالفشل والعجز وأنه غير مستحق أن يقف أمامه، سرعان ما يكتشف أن محبة الرب له قوية وثابتة وأن الرب لا يزال قريب جداً منه ويبحث عنه ولا يرفضه، بل ويحاصره دائماً من كل جانب. كان يشعر بيد الرب عليه، تلك اليد القوية الحافظة التي تحامي وتدافع عنه حيثما ذهب.. فحتى وإن صعد إلى السموات أو ذهب إلى الهاوية أو سكن في أقاصي البحر أو حاول أن يختبىء بعيداً في الظلمة بسبب عيوبه أو خطاياه، يجد الرب يحاصره دائماً بمحبته ورعايته، فيحول الظلام إلى نور والليل إلى نهار، ويُمسكه بيده ويهديه من جديد. وبالتالي كان يُدرك أنه لن يستطيع أن يهرب منه بل إنه في أشد الاحتياج أن يهرب إليه.
والآن ماذا عنك أنت؟ هل تهرب من الرب خوفاً منه أو خوفاً على حياتك؟ هل لديك أفكاراً خاطئة أو أكاذيب أتت إليك من العدو ضد الرب؟ هل تظن أنه يرفضك بسبب أخطاءك وعيوبك ويريد أن يعاقبك؟ هل تظن أنه قد نساك وأنه لا يكترث بك أو بأمورك؟ أم هل صرت بعيداً عنه تشعر أنك في الظلام أو صرت في البرية؟ وهل تشعر أنك تعيش في ليل الحياة حيث الخطية والنجاسة ملوثاً بوسخ الحياة؟
إن كنت تعاني من أمور مثل هذه، فاعلم أنك مثل داود، واعلم أنه في كل الأوضاع لا يزال الرب يبحث عنك. هذا هو المعنى الذي يملأ الإنجيل والذي ينبغي أن يمتليء به قلبك أيضاً. " الله دائماً يبحث عنك وبإصرار لأنك ثمين في عينيه ". هل تصدق هذا؟.
1- يبحث عنك كالخروف الضال الثمين
هناك قصة معروفة في (لو15: :4-7) تحكي عن خروف ضال.. خروف مفقود.. قٌطع من مكان الأمان حيث الراعي وانجذب بعيداً عن القطيع، وضل الطريق فصار تائهاً بعيداً يعاني من الوحدة والضياع. هذا الخروف يتحدث عني وعنك " لأننا كٌلنا كغنم ضللنا مِلنا كل واحدٍ إلى طريقه... (إش53 :6). فربما تكون قد انجذبت بعيداً عن الراعي بسبب إغراء خطيةٍ ما أو غواية من إبليس، ففقدت الطريق وتٌهت وسط الزحام مثل هذا الخروف الضال التائه.. تائهاً عن الله وتائهاًحتى عن نفسك،لاتعلم أين أنت ومَنْ أنت.. تائهاً بلا نهاية.. مُعرضاً للقلق والمخاوف بعيداً عن حماية الراعي.. وقد تريد أن ترجع إلى الراعي والمرعى الأخضر ولكنك لا تعلم كيف.
ولكن في ذات القصة نجد الراعي (الرب يسوع) هو الذي يبحث عن هذا الخروف الثمين وهو الذي يترك التسعة والتسعين خروف في مكان الأمان والحماية ويخرج هو بنفسه ليبحث بإصرار عن الخروف الضال وسط البرية والأشواك. هل تعلم لماذا؟ لأنك خروفه الخاص.. لأنه أحبك بلا مقابل رغم تركك إياه.. لم يتركك لأنك ابتعدت عنه.. لم يتخل عنك بسبب أخطاؤك ولم ينساك وسط الزحام.
ففي ذات القصة نجد الرب يسوع وكأنه يسأل تلاميذه قائلاً " ماذا تظنون؟ ماهو رأيكم؟ أحكموا أنتم بأنفسكم على هذا الأمر " أي إنسان يكون لديه خروفاً أو شيء ثمين يمتلكه ويضيع، ألا يبحث عنه؟ ألا يبذل قصارى جهده ليفتش عنه حتى يجده؟هذا شيء منطقي. فكم بالحري الرب يسوع يبحث عني وعنك لأننا أثمن من مجرد خراف.. ألا يبحث عنا؟ ألم يبذل نفسه ويضع حياته لأجلنا؟ فإن كان الشخص الطبيعي يترك التسعة والتسعين خروف ليبحث عن الواحد فقط لأنه اشتراه بثمن، فهل من المعقول ألا يفعل الرب يسوع هذا وهو قد اشترانا ليس بفضة أو بذهب بل بدم كريم.. دم ثمين؟ (1بط 1 :18- 19).
إنه يبحث ويفتش عنك حتى يجدك فيحملك على منكبيه فرحاً ويعود بك إلى القطيع والمرعى الأخضر.
2- يبحث عنك كالدرهم المفقود
وبعد أن وجد الراعي الخروف الضال، أكمل الرب حديثه في (لو15 :8-10) عن امرأة أضاعت درهماً كانت تمتلكه، ولكن هذه المرة لم يضع بعيداً مثل الخروف الذي تاه وسط البرية والأشواك ولكنه ضاع وفٌقد داخل المنزل نفسه. لم يكن بعيداً عنها.. كان يبدو قريباً داخل البيت ولكنه في الواقع كان مفقوداً ومختبئاً في مكانٍ ما.. تغطيه الأتربة والتراكمات. ويقودنا الرب- من خلال ذلك المثل – لنفهم جانباً آخر من الغربة والابتعاد عنه. وتوجد أمثلة مختلفة لهذا الدرهم المفقود داخل البيت:-
ربما يكون البيت هنا هو الجو الروحي والإجتماعات والكنائس. وربما تكون قريباً من كل هذا، تحضر الكنيسة بانتظام.. تواظب على الممارسات الدينية ولكنك رغم هذا تشعر في داخلك بالغربة عن رأس البيت الذي هوالرب يسوع.. لا تشعر بوجوده ولهذا لا تزال تشعر بالفراغ.. لك شكل التدين ولكنك لا تختبر قوة الحياة الروحية أو حلاوتها.. تحيا حياة دينية روتينية شكلية محاولاً مسايرة الآخرين ولكنك تجد نفسك ضائعاً لا تستطيع أن تتمتع بما يتمتعون هم به.. تحاول أن تبذل قصارى جهدك وتحيا الحياة الروحية بمجهودك؛ فتارة تصوم أو تعطي تقدمات، وتارة أخرى تلتزم بخدمةٍ ما في الكنيسة محاولاً إرضاء ضميرك، وتارة أخرى تحاول أن تتوقف عن عادات سيئة تسيطر عليك.. وبعد كل هذا لا تزال تشعر بالتيهان.
وقد تكون مثل هذا الدرهم موجوداً داخل جدران المنزل إلا أنك تشعر بالغربة وسط أهلك.. لا تشعر بالأمان مع أقرب المقربين إليك.. تسبب الآخرين في ضياعك.. تٌهت في الحياة بسبب أخطاء مَنْ حولك ولا ذنب لك في هذا. رٌبما نٌسيت من أمك أو أبيك.. أهملت.. لم يعرفوا قيمتك.. تركوك جانباً بسبب انشغالات الحياة. ربما كانوا يعملون كثيراً خارج البيت ليدبروا لك حياة أفضل بينما كنت أنت تشعر بعدم الأمان بسبب غيابهم عنك.. وربما أهانوك أو ضربوك فشعرت بأنك شيء مٌهمل ليس له قيمة. والنتيجة أنك صرت معزولاً عن الآخرين وتأخذ جنباً في المنزل وتشعر وكأنك تختبىء من كل مَنْ حولك وإذا بالتراب والغبار يغطي حياتك.
والحقيقة الهامة هي أن الرب يسوع يعرف أن هناك مفقودون داخل البيت (العائلة أو الكنيسة). لهذا هو يضيء السٌرج ليبحث عنك باجتهاد حيثما اختبأت، ويفتش عنك بإصرار ولا يهدأ ولا يسكت حتى يجدك. ويدعو كل الجيران ليفرحوا معه لأنه وجد الدرهم الذي ضاع. لهذا هو يريد أن:-
- يوقد السُرج فيضيء بنوره عليك.. يُشرق بنوره على حياتك فلا تحيا بعد في الظلام بل ترى حياتك النور.. يأتي بإشراقة نوره عليك لينتشلك من الظلمة والإحباط قائلاً لك " قومي استنيري لأنه قد جاء نورك ومجد الرب أشرق عليك " ( أش 60 :1).
- يكنس البيت لكي يزيل الأتربة التي أتت على حياتك وغطتها، سواء بالمشاعر السلبية أو بالحياة الشكلية الروتينية، فتلمع من جديد وترجع إلى العلاقات السليمة مع الرب يسوع المخلص وعائلتك الروحية وأيضاً الأرضية.
رجاء لا تحاول أن تعالج أخطائك أو تأتِ للرب من خلال حلول بشرية، فلا تبرر نفسك أو تلٌقي اللوم على أخطاء الآخرين الذين أساءوا إليك، لكن فقط سلم حياتك للرب ودع نفسك تتعرض لأشعة حبه فيجدك وينتشلك من الضياع.
قصـة واقعيـة..
وإليك قصة واقعية عن حياة شخص تاه وضل بعيداً في البرية والغربة وكان أيضاً درهماً مفقوداً وسط عائلته.. لم يتركه الرب يسوع بل بحث وفتش عنه حتى وجده فحمله على منكبيه فرحاً ورده إليه وشفاه بالكامل. وها هي القصة:
"كنت أعيش مع أبي وأمي وإخوتي أثناء طفولتي. وكان أخي الأصغر يعاني من مشكلة صحية في جسده مما كان يتطلب عناية بالغة من أمي به. كان أبي سكيراً وكان يضربنا بعنف فكنا نخافه، وما زالت آثار ضربه واضحة في جسدي حتىاليوم. وفي كل ليلة عندما كنت أسمعه عائداً إلى المنزل، كنت اشعر بخوف رهيب وأسرع مهرولاً لأختبئ تحت الفراش. لم تحتمل أمي كل هذه الأوضاع فتركت المنزل وأخذت معها أخي، وبقيت أنا مع أبي الذي أعتاد أن يرهقني بغضبه وضربه بلا سبب.
وعندما بلغت الخامسة من عمري، قررت أن الجأ إلى جدي وأهلي ملتمساً منهم المعونة ولكنهم رفضوني جميعاً. أصبحت الشوارع ملجأي لأربعة أعوام متتالية حيث كنت أعاني من الجوع والبرد وآكل كل ما أجده أمامي. وبعد وقت، وبعدما سئمت نفسي هذه الحياة، قررت أن أعود وأرجع إلى أبي ولكن بعد فوات الأوان! لقد مات أبي بتليف كبدي بسبب الخمر. قررت بعدها أن أقابل جدي وأقاربي ولكنهم رفضوني للمرة الثانية. رفضوا أن يهتموا بي بل أخذوني إلى ملجأ يشبه السجن. كان مكاناً بشعاً وكنت أسمع ليلاً صرخات العذاب والعنف تلتمس الرحمة مما أثقل علىّ بشدة. كنت أعاني من الأرق بسبب الخوف بالإضافة إلى أنني أغتصبت مرتين.
عندما بلغت الثالثة عشر من عمري هربت مع ثلاثة أولاد آخرين، وسرتٌ في الشوارع بلا هدف لمدة عشرين يوماً. كنت في قمة التيهان والضياع. كنت ولد صغير لكن حياتي لم تكن طبيعية مثل سائر الأولاد.. فقدت براءتي.. لم يكن لي منزلاً.. أصبحت حياتي معاناة ولم أكن علم لماذا ؟؟. وفي ذات يوم، عندما كنت أسير شارداً في أحد الأزقة المظلمة، رأيت سيدة تتجه لي.. كانت أمي!..كنت قذراً وثيابي قذرة وبالية ولم أرها منذ ثماني سنوات ولكنها عرفتني وأخذتني لأعيش معها ومع زوجها وابنتها.
وأخيراً.. أصبح لي منزلاً ولكنني بدأت أعاني من مشاكل صحية عديدة – من آثار الطفولة المعذبة – وخاصة في العمود الفقري حتى كنت أتألم كثيراً وكنت بالكاد أمشي.. أجريت لي عملية جراحية وقضيت سنة ونصف أتردد على إحدى المستشفيات نتيجة الألم المستمر. وتدريجياً، بدأت حالتي تتحسن ولكن سرعان ما انتابتني حالة يأس من الحياة. كنت أفكر باستمرار في الانتحار والموت. وبالفعل، حاولت أن أفعل هذا ثلاث مرات.
في تلك الأيام بدأت أمي وزوجها يتقابلان مع الرب يسوع وبدأت أمي تخبرني عن محبة الله. وبطريقة غير مفهومة، تحول الحب الذي كنت أشعر به تجاهها إلى كراهية " لا تحدثيني عن الحب بعدما تركتيني وحيداً كل هذه السنوات ". وبعد فترة طويلة من هذه الأحداث ومن عنادي، أخذتني أمي إلى أحد الاجتماعات الانتعاشية حيث شفاني الله تماماً من كل مشاكل العمود الفقري. وبعد سنة من هذا الحدث، تقابلت مع الرب يسوع. وحينئذ حدثت المعجزة. كيف أصف ذلك؟ شعرت أن حب الله يَغمر كل حياتي.. الماضي والحاضر معاً. بدأت تغيرات فعلية تحدث، وشعرت بأن حملاً ثقيلاً يزول عن كتفي.. أصبحت قادراً أن أغفر لأمي من كل قلبي.. استطعت أن أنظر إلى عينيها كأن شيئاً لم يحدث من قبل.. تعلمت كيف أحبها وأفهمها.. وَضَعَ الله فيّ تحدي لأزور جدي وبقية أقاربي. وبعد أن أمضيت وقتاً طويلاً في الصلاة، ذهبت لأراهم.. طلبت غفرانهم لي بسبب غضبي منهم.. كان التغيير الذي طرأ على حياتي ذا أثر قوي عليهم حتى أنهم سلموا حياتهم ليسوع..."
ربما تجد هذه القصة قريبة منك وتشابه حياتك، أو بعيدة كل البٌعد عنك، هذا لا يهم. فتفاصيل حياة كلٍ منا تختلف اختلافاً كلياً عن الآخر ولكلٍ منا قصته، ولكن قد تتشابه معه في إحدى نقاط الحياة؛ قد تتشابه معه في مشاعر الخوف والقلق المسيطرة.. قد تتفق معه في التيهان والضياع وفقدان الهدف أو قد تشبهه في فقدان عائلتك أو تركهم إياك بشكلٍ أو بآخر.. أو تكون قد تعرضت لإيذاءات نفسية وجسدية هائلة.. أو قد تعاني من أمور أخرى خاصة بك لا يعلمها أحد.. أمور صعبة متراكمة مثل أحداث حياة هذا الشاب.
أريد أن أقول لك أن هذا الشاب لم يجد العلاج لا في الهروب بعيداً عن المنزل ولا في معونة الآخرين.. ولا في التفكير في الموت ومحاولة الانتحار.. ولا في التعبير عن كراهيته لمن أساءوا إليه ومحاولة الانتقام منهم.. ولا الاستسلام للحياة التي بلا معنى.. ولا الانغماس في الملذات.. ولا الوقوع تحت تأثير المخدرات أوالمهدئات، بل كان العلاج الفعلي هو اكتشاف الحقيقة التي أراد إبليس أن يٌخفيها عنه لسنوات طويلة ألا وهي حب الرب له، ذلك الحب الذي غَمََرَ حياته في لحظة واحدة فأنساه كل ماضيه فاستطاع أن يحب ويغفر بدلاً من أن يكره.
قال هذا الشخص في مذكراته واصفاً ما حدث له من تغيير " كل ما حاول إبليس أن يدمره في حياتي، رده الله لي مرة أخرى في رحمته ". وقد تتساءل داخلك " أين كان الرب كل هذا الوقت؟ لماذا تركه طفلاً تعيساً يعاني من كل هذا ولا ذنب لـه؟ ". أقول لك أن هذا منطق العدو وهذه أفكاره التي تثير شكوكك في شخص الرب، ولكن في الواقع لم يكن الرب صامتاً ينظر من بعيد يتلذذ بعذاب الناس، ولكنه كان يبحث عنه منتظراً اللحظة التي يسمح لـه هذا الولد لأن يتدخل ويعمل في حياته ويتلامس بالحب مع أعماق نفسه الجريحة. ففي أول فرصة ترك هذا الولد نفسه في حضور الرب، سرعان ما اكتشف الحب الحقيقي والعناية الشافية فجاء التغيير الشامل.
كيـف أجـد العـلاج؟
يالها من قصة رائعة حقيقية عن الرب يسوع الذي بحث عن هذا الشاب التائه وغيّر كل حياته بل عالج وشفي كل آثار الماضي. والآن الدعوة لك أنت أيضاً لتختبر هذا الإله العجيب الذي أحبك من الرحم وجعل لك تصورات عظيمة في قلبه. إنه يريد الآن أن يضع يده عليك أنت أيضاً فتختبر ما اختبره داود والكثيرون وهذا الشاب أيضاً عبر الزمن.
يريد أن يحول الظلمة إلى نور والليل إلى نهار. نعم الرب يسوع الملآن حباً هو علاجك الثمين وهو يمد يده إليك يدعوك إلى حياة جديدة وبداية جديدة.. ويفتح صفحة جديدة في حياتك يكتب هو فيها بيده الرحيمة كل ما تصوره ودبره لك من عظائم منذ البدء. لهذا أدعوك الآن إلى وقفة مع نفسك لتتجاوب مع الخطوات التالية:-
1- لا تهـرب منـه
ظن داود – كما ذكرنا – أنه يستطيع أن يهرب من الرب ولكنه لم يستطع إذ كان الرب يحاصره بكل الحب. نعم لقد اكتشف أن العلاج ليس هو الهروب بل المواجهة.. مواجهة الرب الذي هو قادر أن يغير كل الحياة ويشفي كل الأمراض والجراح.
انظر ماذا يقول سفر الأمثال عن الهروب والتيهان " مثل العصفور التائه من عشه هكذا الرجل التائه من مكانه " ( أم 27 :8)؛ فكما أن هناك خطراً على العصفور إن ترك عشه، والخروف إن ترك الراعي، هكذا هناك خطراً عليك إن هربت من وجه الرب ومحبته، فهذا هو مكانك الطبيعي حيث الأمان الحقيقي. أرجوك لا تبرر نفسك أو تشفق على ذاتك فتهرب، لأن هذا لن يجلب شيئاً سوى التعب والمزيد من التيه. لا تظن أنك ستجد الأمان بعيداً عن الرب ولا تظن أنك ستهرب من مخاوفك لأن هذه المخاوف ستلاحقك دائماً وأبداً إن لم تكتشف حب الرب.. ولا تظن أنه بسبب أنك غير راضٍ عن أوضاعك وظروفك أو تشعر بفراغ عميق، أن هذا مبرر لك لتظل بعيداً منشغلاً في أمور الحياة. أو تسافر بعيداً بحثاً عن عمل أو تحسين أوضاعك دون أن تتقابل مع شخص الرب وحبه. ببساطة، إنك لن تجد الراحة بعيداً عنه. فلا تهرب منه.
2- اقبـل حبـه العجيـب
رجاء تجاوب مع هذا الحب الذي يقدمه لك الرب اليوم. يقول الإنجيل في (1يو 3 :1) " انظروا أية محبة أعطانا الله... ". فرغم أن الرسول يوحنا كان ملآناً من محبة الرب، ولكنه عجز أن يصف تلك المحبة. فهو يدعو الجميع لرؤية هذا الأمر العجيب الذي يدهش العقول. يقول" انظروا " وهو يلفت الانتباه لشيء رائع وهام.. شيء عجيب لا يصدقه العالم ولا يعرفه.. نوع عجيب من المحبة. نعم إن محبة الرب تختلف عن أية محبة أخرى على وجه الأرض.. محبة لا يستطيع أحد أن يتخيل أبعادها حتى أن الرسول بولس أيضاً حاول أن يصفها ولكنه وقف عاجزاً فقال ".. ما هو العرض والطول والعمق والعلو " (أف 3 :18).. إنها محبة تفوق بكثير حب الأبوة والأمومة والأصدقاء والأهل.. إنها محبة باذلة غير مشروطة.. محبة تبحث عنك وأنت في أبعد نقطة في تيهانك.. محبة تفتش عنك ليس لأجل صلاحك أو كمالك بل لأجل عدم استحقاقك.. محبة تنتشلك من بين الأشواك وتأتي بك من طين الحمأة (مز40 :2).. محبة تأتي إليك حيثما سقطت.. تأتي إلى عنادك وتمردك لتعمل فيك.. محبة تفديك من الحفرة (مز103 :4).. من فخ الصياد (مز 91 : 3). قال أحدهم:
- عندما كان الحب كلمة تبحث عنها في القاموس لا تعرف معناها، أتى إليك ليملأك بحبه الغير مشروط..
- عندما كانت الخطية وعقد الذنب عائقاً لترفع وجهك أمام الرب، أتى وغسلك وغفر خطاياك..
-عندما كنت مقيداً ومستعبداً للإدمان، تتمخض في الطين والوحل، أتى إليك.. كسَّر قيودك وأطلقك حراً. وفي الوحل وجدك وبدأ يعمل فيك بالحب..
- عندما كانت حياتك بلا معنى، ملأ الفراغ داخلك..
- عندما كان السلام مجرد فكرة وليست واقع، اعتنى بك وأعطى راحة لنفسك..
3- سلم لـه حياتك
كان على داود أن يستسلم ويٌسلم نفسه بالكامل في يد الرب ليٌمسك به فيخرجه من الهاوية ويهديه إلى طريق الحياة. والآن يقدم لك الرب هذه الفرصة الجديدة من خلال هذا الكٌتيب لتٌسلم لـه حياتك بالكامل وتستودع حياتك في يده ليُجري كل تغيير تحتاج إليه.
لهذا تعال سلم كل حياتك لـه واقبله كالمخلص الوحيد الذي يقدر أن ينقذك؛ فهو الوحيد الذي لديه القدرة لتغيير حياتك. لذا صل معي في النهاية وقل:-
أبي السماوي في يديك أٌسلم كل حياتي الآن.. أستسلم لحبك الغامر ودمك الغافر.. امتلك قلبي الآن واجعله قلباً جديداً.. املأه بحبك العجيب وسلامك الشافي.. فتشفي كل جراحي وآثار الإيذاءات.. وتملأ قلبي فرحاً بك وحباً للجميع
كتبها شاب مصري