Espaniol
11/05/2005, 13:05
ماتت ... وعاش
نشأ باسم وحنان في كوخ حقير، واليتم يلف حولهما، بعد فقدان والديهما في حادث سيارة . لكن حنان( الأخت الكبرى) التي تلقنت الإيمان من أمها القديسة، لم تدع أخاها يشعر بمرارة اليتم وعوزه؛ بل كانت تجلس ائماً معه ، تردد له الآيات التي تظهر عناية الله بالمؤمن؛ وباسم هذا صاحب الأخلاق الحميدة، كان يهز برأسه مسايرة لاخته، صامتا الى حين؛ وبطريقة لبقة كان يغير الحديث عدة مرات ، مجسماً أمامهما حالتهما المؤلمة: "أني ساترك المدرسة بحثاً عن عمل، بغية العيش السعيد" . ومرة قاطعته بالقول: "لا تفكر بالبحث عن عمل يا باسم ولا تفكر بشؤون المعيشة؛ لقد أخبرني الأخ سعيد ان طلبي قُبل في الشركة عندهم". - أي طلب؟ وفي أية شركة؟ - "من مدة سالني الأخ سعيد اذا كنت أبحث عن عمل، لأن عندهم مكاناً شاغراً لموظفة. فشكرته على الفور وتقدمت بالطلب ... انني أشكر الرب جداً لأنه بيّن عنايته الأبوية بنا ؛ هيّأ لي العمل المناسب براتب حسن يكفي لدفع رسومك الجامعية ولقضاء حاجاتنا المعيشية" . وبعد مدة بدأت حنان عملها متخذة مركزها كمؤمنة، وروح الرب يحضها على بشارة الموظفين، فكانت تخبرهم عن يسوع المصلوب المقام من بين الأموات، والمخلص من الخطية ، وتحيا ما تكلمهم به . وأُعجب المدير بحياتها المسيحية الرفيعة، واخلاقها؛ حتى انه استدعاها مرة الى مكتبه ليبحث معها بأكثر تدقيق عن موضوع الخلاص . واخبرته حنان بكل فرح وفخر عن كيفية خلاصها وعن دم المسيح الذي يطهر من كل خطية.
مرت الأيام والشهور ، وحنان ما زالت في حركة دائمة. ما من مرة تقريباً تلاقت بشخص إلا وأخبرته عن يسوع المخلَّص، حتى عرف كل موظف وموظفة عن حب يسوع. ولقد اكرمها الرب بخلاص بعض زميلاتها بسبب شهادتها وسلوكها المسيحي. وهذا ما عزّى قلبها وفرّحها وشجّعها على المضي قدماً في المثابرة على البشارة.
كان من عادة حنان ان تعود في المساء الى البيت ، لتحضّر الطعام وتقوم بأمور منزلية أخرى، الى أن يعود باسم من الجامعة ليجد كل شيء حاضراً . فيتناول طعام العشاء مع اخته، ثم يجلسان لفترة من الوقت ، يتبادلان اطراف الحديث، تخبره حنان عن عمل الرب في الشركة، وهو يهزّ راسه، ساخراً في قرارة نفسه من معتقدات أخته القديمة الرجعية، ومرة قاطعها بابتسامة مصطنعة: "يا ليتك تدرسين معي في الجامعة يا حنان لتري النظريات التي تعاكس أقوال الكتاب المقدس الذي تعيشين بموجبه؛ منها ما تدحر وجود الله، ومنها ما تنفي الأبدية " . فأجابته: "أتؤمن أن لهذه النظريات شيئاً من الصحة؟ وهل من فكر يستطيع ان يقف في وجه الكتاب المقدس؟ "
"يا أختاه!! لا استطيع اليوم أن أحيا ببساطة الحياة التي كنت أحياها قبلاً. هذه النظريات منطقية ومقبولة، وما عليّ إلا ان أطلق لعقلي العنان في تصديقها. وأريدك أنت أن تصديقها".
كانت كلمات باسم كالصاعقة على رأس حنان. اكفهرّ الجو أمامها، اسأذن منها باسم متوجهاً نحو مكتبه ليباشر دروسه. وقامت حنان للحال ودمعتان كبيرتان في مقلتيها، ثم جلست هي بدورها تدرس الكتاب المقدس.
مضت السنوات وحنان في حالة الصلاة الدائمة لأجل أخيها، كيما يتوب ويرجع الى الرب. لكنه توغل جداً في أفكاره الإلحادية، وها هو اليوم صاحب اختصاص في هذه الفلسفة. ليس هذا فقط ، لكنه شرع يدرّس في إحدى الثانويات هذه المادة ، ويزرع في أفكار التلاميذ البدع الإلحادية الهدامة. وهذا ما دفع حنان لأن تصلي وتصوم أكثر من قبل لأجله وتطلب من يسوع بدموع حارة ليأتي به الى قاعدة الصليب. وكانت تحضه من وقت لآخر ليتوب ويغتسل بدم الرب يسوع الذي يطهّر من كـــل خطيّة ، وتدعوه لكي يذهب معها الى الكنيسة، لكن دون جدوى، لأن عمله اغتصب منه كل وقته. ها هو اليوم يتنقل من ثانوية الى أخرى في سيارته الجديدة ؛ لكي يجمع أكبر مبلغ ممكن من المال .
كشّر الألم عن أنيابه لينهش حنان المؤمنة القديسة ، فجعلها طريحة الفراش ، تعاني ما تعانيه من مرض خبيث فتك بها. ورغم هذه الأوجاع كلها ، كانت تترنم بفرح، والسلام يملأ قلبها، ولسان حالها الدائم : " لأننا ان عشنا فللرب نعيش ، وان متنا فللرب نموت. فان عشنا وان متنا فللرب نحن". لكن باسم، الذي يكن في قلبه محبة وتقديراً لاخته لا يوصفا ، سعى وراء أشهر الأطباء ليقتنص اخته من بين مخالب المرض والألم . وفي غمرة حيرته قال مرة لأحد اصدقائه الأطباء: ان حنان أختي، هي سبب بقائي في الحياة ، لقد تفانت في خدمتى حتى اصبحت في هذا الحال . انت تعرف الكثير عن جنان المضحية المحبة . لا تتهاون بها. انا مستعد ان اضحي بكل ما عندي، حتى بنفسي لأجلها". عندما انفرد به الطبيب، قبل انصرافه قال له: "يا باسم ! شفاء اختك أمر معجز. فهي تنحل يوما تلو الآخر". كان كلام الطبيب كالصاعقة حلت على رأس باسم ، فجلس الى مكتبه يفكر في حنان المتألمة ... وبينما هو على هذه الحال، سمع صوتاً خافناً من غرفة اخته ، فأسرع متلهفاً ظاناً انها تلفظ انفاسها الأخيرة . لكنه وقف مذهولاً ساخطاً عندما رأها راكعة قرب سريرها تصلي وتناجي الرب بهذه الكلمات: " ربي يسوع لقد وعدتني انك ستخلِّص أخي باسم" وانت تعلم أنين قلبي لأجله. والآن انا متيقنة أنك ستخلِّصه . وهاأنذا أمامك يا رب، بدموعي ، ربي اذا كان موتي يأتي بأخي الى الصليب ليخلص وينال الحياة الأبدية ، خذني اليك وقرّب ذلك الحين". وما ان فتحت عينيها حتى نظرت أخاها واقفاً في الباب ، مقطب الجبين قائلاً :"لماذا نزلت من الفراش يا حنان ؟ أنتِ مريضة ، ويجب ان ترتاحي" فقاطعته بصوت متقطّع: تعال... يا أخي ... اقترب مني ، أنا لا اريد الراحة هنا ... لكني سأرتاح على ذراعي يسوع الأبديتين ... وارغب في ان ألتقي بك هناك بعد عمر طويل ... الى اللقاء ... الى اللقاء مع يسوع في السماء ... " وفارقت الحياة.
افجع كارثة حلت بباسم موت حنان أخته. حقاً ، لقد فقد الحنان والتعزية والتشجيع. ظهرت عليه بوادر الحزن. كان يجلس وهو مستغرق في صمته شارد الأفكار. ولم يستطع أحد ان يواسيه بشيء ليخفف من كربه. كان يذهب الى عمله, وعلى كتفه عبء الحزن الثقيل. تراه يتبادل وزملائه حديث الألم المغموس بمرارة اللوعة.
بعد ايام قلائل عاد باسم من عمله ، وهو يحمل باقة من الزهور البيضاء متجهاً نحو ضريح أخته ليبكيها في عيدها ويزين قبرها بالزنابق البيض. ناجاها واللوعة تذيب أحشاءه وكأن شريطاً من الصور يشمل حياة اخته مرّ في مُخيّلته. حيث المنظر الأخير: حنان راكعة قرب سريرها تصلي قبل موتها بدقائق؛ وسمع صوتها الخافت: "يا رب اذا كان موتي يأتي بأخي الى الخلاص فخذني اليك الآن ". وصمت برهة ثم سأل نفسه: "لمَ لا أتوب وأحيا حياة حنان؟ " اما إلحاده فكان يرد عليه بالقول: "دعك وهذه الخرافات القديمة التي لا شيء لها من الصحة" اضطراب عنيف اعتراه. ثم قام من على القبر وهمّ بالرجوع وهو يمشي ويتعثّر. ولكن صوت حنان عاوده ثانية: "الى اللقاء ... الى اللقاء مع يسوع". فصمّ أذنيه عن هذا الصوت واستقل سيارته والتبكيت العنيف يعمل في داخله.
وما ان قطع مسافة قصيرة ، وهو في شرود عميق ، حتى قطع صمته صوت طفلة. توقف للحال ليرى ما في الأمر . واذ بصاحبة الصوت بين عجلات سيارته، فحملها بسرعة وتوجه الى اقرب مستشفى. عاينها الطبيب ، وامر الممرضة ان تضعها في سرير لأن قلبها كان تعباً. وتبع باسم الممرضة، ووقف مرتبكاً خائفاً قرب الطفلة الصغيرة، وشرع يحدّثها: ما اسمك يا حلوة ؟" – اسمي سلوى". "كم عمرك ؟ - "عشر سنوات". – لا تخافي يا سلوى، ان حالتك جيدة" . فقاطعته الطفلة للحال: " لا تخف يا عمو، "معليش" انا اذا بموت. لكن انت ... توب وسلم حياتك ليسوع، انا مؤمنة، واذا بموت بطلع لعند يسوع على السما". وكانت كلماتها هذه، وكأن احدى صخرات جبل صنين وقعت على رأسه. وقال في نفسه: "لو لم يكن يسوع يخلِّص ، لما كان لهذه الطفلة سلام حنان. حقاً ان دم يسوع يطهر من كل خطية ويخلص يريح ويمنح السلام في الأحوال الحرجة ، لمَ لا أستفيد من خلاص الله المقدم لي بواسطة موت المسيح لأجلي الآن ؟ لمَ لا أسلم حياتي له الآن وأعيش حياة الأمل هذه، لمَ لا أحقق أمنية أختي حنان، الأمنية التي ماتت في سبيلها، وهي تنتظر تحقيها الآن في البدية". وما كان منه إلا أن أجهش بالبكاء صارخاً: ارحمني ... ربي يسوع ... أنا عبدك الخاطي، ساعدني حتى أحيا حياة الإخلاص لك كما عاشت أختي حنان وكما تعيش هذه الطفلة".
انتهى من هذه الصلاة ، واذ بالسعادة تملأ قلبه. ثم ردد: الآن علمت لماذا ماتت حنان. الآن علمت لماذا حقق الله طلبتها. كل هذا لكي احضى بخلاصك المجيد يا يسوع".
نشأ باسم وحنان في كوخ حقير، واليتم يلف حولهما، بعد فقدان والديهما في حادث سيارة . لكن حنان( الأخت الكبرى) التي تلقنت الإيمان من أمها القديسة، لم تدع أخاها يشعر بمرارة اليتم وعوزه؛ بل كانت تجلس ائماً معه ، تردد له الآيات التي تظهر عناية الله بالمؤمن؛ وباسم هذا صاحب الأخلاق الحميدة، كان يهز برأسه مسايرة لاخته، صامتا الى حين؛ وبطريقة لبقة كان يغير الحديث عدة مرات ، مجسماً أمامهما حالتهما المؤلمة: "أني ساترك المدرسة بحثاً عن عمل، بغية العيش السعيد" . ومرة قاطعته بالقول: "لا تفكر بالبحث عن عمل يا باسم ولا تفكر بشؤون المعيشة؛ لقد أخبرني الأخ سعيد ان طلبي قُبل في الشركة عندهم". - أي طلب؟ وفي أية شركة؟ - "من مدة سالني الأخ سعيد اذا كنت أبحث عن عمل، لأن عندهم مكاناً شاغراً لموظفة. فشكرته على الفور وتقدمت بالطلب ... انني أشكر الرب جداً لأنه بيّن عنايته الأبوية بنا ؛ هيّأ لي العمل المناسب براتب حسن يكفي لدفع رسومك الجامعية ولقضاء حاجاتنا المعيشية" . وبعد مدة بدأت حنان عملها متخذة مركزها كمؤمنة، وروح الرب يحضها على بشارة الموظفين، فكانت تخبرهم عن يسوع المصلوب المقام من بين الأموات، والمخلص من الخطية ، وتحيا ما تكلمهم به . وأُعجب المدير بحياتها المسيحية الرفيعة، واخلاقها؛ حتى انه استدعاها مرة الى مكتبه ليبحث معها بأكثر تدقيق عن موضوع الخلاص . واخبرته حنان بكل فرح وفخر عن كيفية خلاصها وعن دم المسيح الذي يطهر من كل خطية.
مرت الأيام والشهور ، وحنان ما زالت في حركة دائمة. ما من مرة تقريباً تلاقت بشخص إلا وأخبرته عن يسوع المخلَّص، حتى عرف كل موظف وموظفة عن حب يسوع. ولقد اكرمها الرب بخلاص بعض زميلاتها بسبب شهادتها وسلوكها المسيحي. وهذا ما عزّى قلبها وفرّحها وشجّعها على المضي قدماً في المثابرة على البشارة.
كان من عادة حنان ان تعود في المساء الى البيت ، لتحضّر الطعام وتقوم بأمور منزلية أخرى، الى أن يعود باسم من الجامعة ليجد كل شيء حاضراً . فيتناول طعام العشاء مع اخته، ثم يجلسان لفترة من الوقت ، يتبادلان اطراف الحديث، تخبره حنان عن عمل الرب في الشركة، وهو يهزّ راسه، ساخراً في قرارة نفسه من معتقدات أخته القديمة الرجعية، ومرة قاطعها بابتسامة مصطنعة: "يا ليتك تدرسين معي في الجامعة يا حنان لتري النظريات التي تعاكس أقوال الكتاب المقدس الذي تعيشين بموجبه؛ منها ما تدحر وجود الله، ومنها ما تنفي الأبدية " . فأجابته: "أتؤمن أن لهذه النظريات شيئاً من الصحة؟ وهل من فكر يستطيع ان يقف في وجه الكتاب المقدس؟ "
"يا أختاه!! لا استطيع اليوم أن أحيا ببساطة الحياة التي كنت أحياها قبلاً. هذه النظريات منطقية ومقبولة، وما عليّ إلا ان أطلق لعقلي العنان في تصديقها. وأريدك أنت أن تصديقها".
كانت كلمات باسم كالصاعقة على رأس حنان. اكفهرّ الجو أمامها، اسأذن منها باسم متوجهاً نحو مكتبه ليباشر دروسه. وقامت حنان للحال ودمعتان كبيرتان في مقلتيها، ثم جلست هي بدورها تدرس الكتاب المقدس.
مضت السنوات وحنان في حالة الصلاة الدائمة لأجل أخيها، كيما يتوب ويرجع الى الرب. لكنه توغل جداً في أفكاره الإلحادية، وها هو اليوم صاحب اختصاص في هذه الفلسفة. ليس هذا فقط ، لكنه شرع يدرّس في إحدى الثانويات هذه المادة ، ويزرع في أفكار التلاميذ البدع الإلحادية الهدامة. وهذا ما دفع حنان لأن تصلي وتصوم أكثر من قبل لأجله وتطلب من يسوع بدموع حارة ليأتي به الى قاعدة الصليب. وكانت تحضه من وقت لآخر ليتوب ويغتسل بدم الرب يسوع الذي يطهّر من كـــل خطيّة ، وتدعوه لكي يذهب معها الى الكنيسة، لكن دون جدوى، لأن عمله اغتصب منه كل وقته. ها هو اليوم يتنقل من ثانوية الى أخرى في سيارته الجديدة ؛ لكي يجمع أكبر مبلغ ممكن من المال .
كشّر الألم عن أنيابه لينهش حنان المؤمنة القديسة ، فجعلها طريحة الفراش ، تعاني ما تعانيه من مرض خبيث فتك بها. ورغم هذه الأوجاع كلها ، كانت تترنم بفرح، والسلام يملأ قلبها، ولسان حالها الدائم : " لأننا ان عشنا فللرب نعيش ، وان متنا فللرب نموت. فان عشنا وان متنا فللرب نحن". لكن باسم، الذي يكن في قلبه محبة وتقديراً لاخته لا يوصفا ، سعى وراء أشهر الأطباء ليقتنص اخته من بين مخالب المرض والألم . وفي غمرة حيرته قال مرة لأحد اصدقائه الأطباء: ان حنان أختي، هي سبب بقائي في الحياة ، لقد تفانت في خدمتى حتى اصبحت في هذا الحال . انت تعرف الكثير عن جنان المضحية المحبة . لا تتهاون بها. انا مستعد ان اضحي بكل ما عندي، حتى بنفسي لأجلها". عندما انفرد به الطبيب، قبل انصرافه قال له: "يا باسم ! شفاء اختك أمر معجز. فهي تنحل يوما تلو الآخر". كان كلام الطبيب كالصاعقة حلت على رأس باسم ، فجلس الى مكتبه يفكر في حنان المتألمة ... وبينما هو على هذه الحال، سمع صوتاً خافناً من غرفة اخته ، فأسرع متلهفاً ظاناً انها تلفظ انفاسها الأخيرة . لكنه وقف مذهولاً ساخطاً عندما رأها راكعة قرب سريرها تصلي وتناجي الرب بهذه الكلمات: " ربي يسوع لقد وعدتني انك ستخلِّص أخي باسم" وانت تعلم أنين قلبي لأجله. والآن انا متيقنة أنك ستخلِّصه . وهاأنذا أمامك يا رب، بدموعي ، ربي اذا كان موتي يأتي بأخي الى الصليب ليخلص وينال الحياة الأبدية ، خذني اليك وقرّب ذلك الحين". وما ان فتحت عينيها حتى نظرت أخاها واقفاً في الباب ، مقطب الجبين قائلاً :"لماذا نزلت من الفراش يا حنان ؟ أنتِ مريضة ، ويجب ان ترتاحي" فقاطعته بصوت متقطّع: تعال... يا أخي ... اقترب مني ، أنا لا اريد الراحة هنا ... لكني سأرتاح على ذراعي يسوع الأبديتين ... وارغب في ان ألتقي بك هناك بعد عمر طويل ... الى اللقاء ... الى اللقاء مع يسوع في السماء ... " وفارقت الحياة.
افجع كارثة حلت بباسم موت حنان أخته. حقاً ، لقد فقد الحنان والتعزية والتشجيع. ظهرت عليه بوادر الحزن. كان يجلس وهو مستغرق في صمته شارد الأفكار. ولم يستطع أحد ان يواسيه بشيء ليخفف من كربه. كان يذهب الى عمله, وعلى كتفه عبء الحزن الثقيل. تراه يتبادل وزملائه حديث الألم المغموس بمرارة اللوعة.
بعد ايام قلائل عاد باسم من عمله ، وهو يحمل باقة من الزهور البيضاء متجهاً نحو ضريح أخته ليبكيها في عيدها ويزين قبرها بالزنابق البيض. ناجاها واللوعة تذيب أحشاءه وكأن شريطاً من الصور يشمل حياة اخته مرّ في مُخيّلته. حيث المنظر الأخير: حنان راكعة قرب سريرها تصلي قبل موتها بدقائق؛ وسمع صوتها الخافت: "يا رب اذا كان موتي يأتي بأخي الى الخلاص فخذني اليك الآن ". وصمت برهة ثم سأل نفسه: "لمَ لا أتوب وأحيا حياة حنان؟ " اما إلحاده فكان يرد عليه بالقول: "دعك وهذه الخرافات القديمة التي لا شيء لها من الصحة" اضطراب عنيف اعتراه. ثم قام من على القبر وهمّ بالرجوع وهو يمشي ويتعثّر. ولكن صوت حنان عاوده ثانية: "الى اللقاء ... الى اللقاء مع يسوع". فصمّ أذنيه عن هذا الصوت واستقل سيارته والتبكيت العنيف يعمل في داخله.
وما ان قطع مسافة قصيرة ، وهو في شرود عميق ، حتى قطع صمته صوت طفلة. توقف للحال ليرى ما في الأمر . واذ بصاحبة الصوت بين عجلات سيارته، فحملها بسرعة وتوجه الى اقرب مستشفى. عاينها الطبيب ، وامر الممرضة ان تضعها في سرير لأن قلبها كان تعباً. وتبع باسم الممرضة، ووقف مرتبكاً خائفاً قرب الطفلة الصغيرة، وشرع يحدّثها: ما اسمك يا حلوة ؟" – اسمي سلوى". "كم عمرك ؟ - "عشر سنوات". – لا تخافي يا سلوى، ان حالتك جيدة" . فقاطعته الطفلة للحال: " لا تخف يا عمو، "معليش" انا اذا بموت. لكن انت ... توب وسلم حياتك ليسوع، انا مؤمنة، واذا بموت بطلع لعند يسوع على السما". وكانت كلماتها هذه، وكأن احدى صخرات جبل صنين وقعت على رأسه. وقال في نفسه: "لو لم يكن يسوع يخلِّص ، لما كان لهذه الطفلة سلام حنان. حقاً ان دم يسوع يطهر من كل خطية ويخلص يريح ويمنح السلام في الأحوال الحرجة ، لمَ لا أستفيد من خلاص الله المقدم لي بواسطة موت المسيح لأجلي الآن ؟ لمَ لا أسلم حياتي له الآن وأعيش حياة الأمل هذه، لمَ لا أحقق أمنية أختي حنان، الأمنية التي ماتت في سبيلها، وهي تنتظر تحقيها الآن في البدية". وما كان منه إلا أن أجهش بالبكاء صارخاً: ارحمني ... ربي يسوع ... أنا عبدك الخاطي، ساعدني حتى أحيا حياة الإخلاص لك كما عاشت أختي حنان وكما تعيش هذه الطفلة".
انتهى من هذه الصلاة ، واذ بالسعادة تملأ قلبه. ثم ردد: الآن علمت لماذا ماتت حنان. الآن علمت لماذا حقق الله طلبتها. كل هذا لكي احضى بخلاصك المجيد يا يسوع".