-
دخول

عرض كامل الموضوع : لتحايل على الديموقراطية في العالم العربي:لـبنـان نمـوذجاً.!!


dot
17/10/2006, 01:21
بقلم: حسن الزين*



هناك قاعدة اساسية يحتمها تطبيق مبدأي تساوي المواطنين أمام القانون وتكافؤ الفرص تنص على أنه "في ظل النظام الديموقراطي يكون هدف القانون متمثلاً في حماية حقوق المواطن وحرياته التي يكرسها الدستور" وهذا يعني ان يصبح لجوء المواطن الى القانون Recours au droit وسيلة الحماية لحقوقه وحرياته. ومن هذا المجال يطلق على الدولة لقب دولة القانون État de droit، ويقابله أو يتعاكس معه لقب دولة البوليس État de police(1).

هذه القاعدة وتلك الحماية تعرضتا لما يشبه الالغاء في ظل بعض الانظمة العربية التي تدعي الانتماء الى الديموقراطية بحسب نصوصها الدستورية ومنها لبنان، لأن قيام هذا الواقع الديموقراطي يلغي الكثير من الصلاحيات والامتيازات التي يتمتع بها الحاكمون من اصحاب النفوذ السياسي والمالي ومن ابرزها صلاحية التمييز بين المواطنين في توزيع خدمات الدولة وحمايتها!

وقد تم الانحراف عن هذه القاعدة او عن موجبات هذا الواقع الذي تفرضه ديموقراطية النظام كما يكرسه الدستور اللبناني عبر نوع من التحايل الذي ادى الى استصدار نصوص قانونية تخالف نصوص الدستور او تتناقض معها وتمنح السلطة او السلطات القائمة (الحكومة) وأعضاءها حق التمييز بين المواطنين في توزيع خدمات الدولة وحمايتها. ومن الواضح ان هذا الحق يؤدي حكماً الى جعل القانون عاجزاً عن تحقيق هدفه في حماية حقوق المواطن وحرياته التي يكرسها الدستور والنظام. وبذلك يعرض هذا التناقض بين الدستور والقانون طبيعة النظام لخطر التغيير، لأنه لا يوجد ديموقراطية بدون مساواة!

ومن هذا المنطلق ولأن القانون اللبناني يعجز عن حماية حقوق المواطن وحرياته التي يكرسها له الدستور، يطرح السؤال الذي يأخذ بعده الكبير مما يتردد على لسان الكثير من رجال الفكر والعلم وغيرهم. وكان ابرزه ما ورد على لسان احد كبار العلماء حيث يقول: "لماذا لا يمكن المواطن ان يصل الى حقه في التعليم والطبابة والتوظيف إلا من طريق الأحزاب والزعامات؟ ان على الدولة اللبنانية ان تصدق أنها دولة فتسعى الى ربط المواطن بها وبالوطن"(2).

إن الواقع المؤلم الذي يشير اليه هذا الكلام يعبر بوضوح عن الخلل القائم في النظام اللبناني والمتمثل في التناقض البارز بين النظام الديموقراطي والدستور اللبناني من جهة وبين نصوص القانون من جهة أخرى. وهي النصوص التي أقيمت على مراحل بواسطة بعض رجال الحكم والسياسة بغية التحايل على معطيات الدستور والنظام إرضاء لمصالح خاصة شخصية وظائفية وغيرها.

إن في هذا الكلام ما ينطبق ليس فقط على لبنان ودستوره ونصوصه القانونية وحكومته بل على الكثير من دول العالم العربي التي تزعم الانتماء الى الديموقراطية في دساتيرها وقوانينها ومؤسساتها. وإلا فكيف يمكن ان ينص دستور بلد ما على حرية الرأي والمعتقد وان تمتلىء سجونه بمن كانت أسباب سجنهم على صلة بحرية الرأي والمعتقد او تقتصر على هذه الصلة؟!

الدستور اللبناني المشار اليه ربما كان ولا يزال حبراً على ورق منذ عهد الاستقلال حتى يومنا هذا رغم تناوب عشرة وزراء إصلاح اداري على الحكم خلال هذه الفترة ورغم ان اياً منهم لم يتمكن من اقتراح التغيير المطلوب من اجل ردم الهوة بين نصوص الدستور ونصوص القانون اللبناني، بحيث تعدل او تلغى النصوص التي تتعارض مع احكام الدستور اللبناني وهي كثيرة وتتصل من قريب بالصلاحيات التي تسمح بالتمييز بين المواطنين في توزيع خدمات الدولة وحمايتها!

وليس أدل أو اشد تعبيراً عن هذه الاوضاع الشاذة من هذا الكلام لأحد النواب اللبنانيين السابقين حيث يقول: "من يبقى في بلد ديموقراطيته خدعة، دستوره حرف ميت وقوانينه أقنعة مساخر؟!"(3).

وهنا نكرر الاشارة الى أن هذا الكلام لا ينطبق على لبنان وحده ولكنه يشمل الكثير من البلدان العربية. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر ان الدستور الاردني يكفل حرية التعبير وينص قانون المطبوعات والنشر في مادته الثالثة على أن "الصحافة والطباعة حرتان".

غير ان المفارقة تظهر في المادتين 31 و35 من هذا القانون وهما اللتان تفرضان الرقابة المسبقة على كل مطبوعة تستورد من الخارج او تنتج في الاردن!؟

في المغرب ليست هناك رقابة مباشرة ولا قيود على حرية الطباعة ولكن ومنذ السبعينات من القرن الماضي الى حدود التسعينات صار التقليد المتبع هو الرقابة الادارية. ثم وفي بداية العهد الجديد عادت القوانين نفسها لتؤكد الثالوث المحرم (الملك والدين والوحدة) وعام 2003 صدر قانون جديد افضى الى تكثيف القيود ومثل سابقه تضمن عبارات فضفاضة مثل النظام العام والأمن العام والمصالح العليا للبلاد او تعابير غامضة مثل النظام الملكي والوحدة الترابية!

أما كيف يتم ذلك في ظل أنظمة تدّعي الديموقراطية فهذا ما لا يمكن تفسيره بغير التناقض مع طبيعة النظام الديموقراطي الذي تتمثل ابرز معطياته بالمبدأ القائل "بأن نصوص القانون يجب ان تعبر عن أحكام الدستور وتخضع لها ولا تستطيع تجاوزها"!

ونذكر على سبيل المثال ما حدث في فرنسا في هذا المجال في مطلع القرن الماضي وهو ما سمي بقضية دريفوس Aff. Dreyfus وادى الى حدوث مشكلة سياسية هزت الرأي العام الفرنسي من الاعماق لأنها أظهرت عجز القانون الفرنسي القائم عن حماية حقوق ذلك الضابط اليهودي الفرنسي الجنسية من انتهاكات السلطة حيث جرد من رتبته العسكرية ثم ظهرت براءته بعد مدة من الزمن! وهذا ما اضطر الهيئة التشريعية الى إصدار قانون جديد يعيد الاعتبار والحقوق المغتصبة الى ذلك المواطن الفرنسي!

تذكرنا هذه الواقعة بموقف السلطة التشريعية في لبنان في مواجهة ما حدث عندما سمح القانون اللبناني القائم للسلطة التنفيذية بانتهاك حق الملكية لأحد المواطنين بحرمانه من ملكية محطة تلفزيون "إن تي في" عبر إلغاء ترخيصها؟!

وفي هذا الاتجاه كان المشهد كالآتي: وجود دستور ينص على نظام حكم ديموقراطي يكرس حقوق المواطنين وحرياتهم يقابله وجود نصوص قانونية (معاكسة) تسمح للحاكم (السلطة التنفيذية) بتجاوز جميع هذه المبادىء الى اقامة نظام توتاليتاري يسمح بانتهاك الحقوق والحريات التي يكرسها الدستور اللبناني كما يسمح بتزوير الانتخابات عبر تحوير النتائج بطرق مختلفة ينص عليها القانون اللبناني رغم تناقضها مع النص الدستوري.

هذا الواقع القائم في لبنان منذ عهد الاستقلال والذي لم يلفت نظر احد من وزراء الاصلاح الاداري او التنمية الادارية الذين تعاقبوا على السلطة منذ بداية الستينات من القرن الماضي وحتى يومنا هذا، قد انعكس على جميع معطيات الحياة السياسية في لبنان وادى الى لجم جميع آليات الاصلاح.

وهنا نشير الى كلام لمعالي وزير التربية اللبناني الحالي حول "رؤيته للاصلاح التربوي ومقوماته" حيث يقول: "الاهدار والتخريب شرعتهما الممارسات السياسية والادارية الفاسدة"، ثم يتحدث عن "ضرورة تحييد المجال التربوي عن التدخلات الخارجة عن اطاره ومعاييره ابتداء من تحديد موضع لروضة الاطفال وانتهاء بالترخيص لمؤسسات التعليم العالي". كما يتحدث عن ضرورة "تحصين الادارة التربوية على كل مستوياتها من التأثيرات والتجاذبات السياسية وغيرها في تشكيلها وادائها الوظيفي"(4).

dot
17/10/2006, 01:22
لقد تناسى وزير التربية كون القانون اللبناني يبيح هذه الممارسات السياسية والادارية الفاسدة ومن ثم لا يسمح بتحييد المجال التربوي عن التدخلات الخارجة عن اطاره ومعاييره.

ان في كلام وزير التربية الوطنية ما يشير بصراحة ووضوح الى الخلل القائم في النظام اللبناني ولكنه يخطىء في تحديد السبب الذي يعود الى التناقض القائم بين نصوص الدستور ونصوص القانون اللبناني لجهة ما يتعلق بحماية حقوق المواطن وحرياته من ضمنها حرية التعليم ومبدأ تساوي المواطنين امام القانون وامام مبدأ تكافؤ الفرص.

ان التحايل على الديموقراطية قد بلغ الذروة لجهة استصدار النصوص التي تتناقض مع الدستور اللبناني كما ان اية عملية اصلاح اداري وسياسي لن تكون مجدية اذا لم تؤدّ الى تعديل او الغاء جميع النصوص القانونية التي تتعارض مع النصوص الدستورية المنوه عنها وهي المتعلقة بحقوق المواطن وحرياته.

لقد ادى كل هذا الواقع القائم الى وجود تشريعين متناقضين احدهما ينطلق من احكام الدستور التي لا تطبق والآخر ينطلق من النصوص القانونية المتراكمة منذ عهود والتي اوجدها بعض رجال الحكم والسياسة من اجل ان تبقى حامية لمصالحهم من خطر قيام "دولة القانون والمؤسسات"!

ونذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف تم التحايل على النص الذي اقيم في نظام الموظفين تطبيقا لمبدأ تساوي المواطنين امام القانون ومبدأ تكافؤ الفرص. هذا النص يقضي بفرض اللجوء الى المباراة في تعيين الموظفين، وقد صدر في عهد الرئيس فؤاد شهاب، ثم صدرت الى جانبه بعض النصوص التي ادت الى الغاء الهدف الذي سعى اليه واضعو مبدأ المباراة حيث سمحت هذه النصوص باعطاء الوزير المختص او مجلس الوزراء صلاحية الغاء نتائج المباراة، كما اكدت على حتمية الالغاء اذا انقضى عامان على صدور النتائج دون ان تعمد الادارة الى التعيين بموجبها! وهكذا يفقد الفائز في المباراة حقه بالتعيين بعمل صادر عن الغير اي عن غير المسؤول الذي يمتنع عن اعطاء الحق لصاحبه!

وخلاصة القول ان التناقض القائم بين نصوص الدستور اللبناني ونصوص القانون المتصلة بحقوق المواطن التي يكرسها الدستور، يقع في اساس ما نلمس باستمرار من تطبيق مبدأ المحاصصة وبروز ظاهرة "الازلام والمحاسيب" ومن ثم ظاهرة التمييز بين المواطنين في توزيع خدمات الدولة وحمايتها، وفي كل ذلك ما يؤلف تحايلا على الديموقراطية يؤدي الى انتهاك ابرز مبادئها التي تقوم على تكريس حقوق المواطن وحرياته.

dot
17/10/2006, 01:23
ان هذا الواقع القائم يفسر الى حد كبير اسباب فشل جميع محاولات الاصلاح الاداري التي ظهرت منذ اكثر من نصف قرن، دون ان يؤدي اي منها الى اي تغيير يذكر في هذا السياق! والسبب يتمثل في انها كانت تبتعد عن معالجة الخلل الذي تدل عليه بوضوح نتائج استمراره عبر العصور في كل مظاهر المحاصصة والاستزلام وتعيين الانصار والمحاسيب وهي المظاهر التي تنتج عن "التحايل على الديموقراطية".

ان تجاوز حالة التخلف السياسي او العودة الى الديموقراطية تحتاج الى اقدام على اعادة النظام الى جذوره الديموقراطية التي ابتعد عنها منذ عهد الاستقلال والتي لا تزال نتائجها تظهر شقاقا وانقسامات تكاد تطيح وحدة هذا الوطن ومقوماته!

وعندئذ فقط يستطيع المواطن اللبناني انتزاع حقوقه وحماية حرياته من طريق اللجوء الى القانون Recours au droit كما هي الحال في ظل جميع الانظمة الديموقراطية العريقة وليس من طريق "اللجوء الى وساطة اصحاب النفوذ السياسي"، ولكن المشكل الكبير يتمثل في ان نصوص القانون المطلوبة يجب ان تصدق من قبل "اصحاب النفوذ السياسي انفسهم" فهل يقدمون قبل فوات الاوان؟

المهم ان نظاما سياسيا تسمح قوانينه بالتمييز بين المواطنين في توزيع خدمات الدولة وحمايتها لا يمكن ان يكون نظاماً ديموقراطياً!

وهنا لا بد من تذكر هذا الكلام لأحد كبار المؤرخين الغربيين: "مسكينة هذه الديموقراطية، منذ اكثر من الفي عام كانت ولا تزال تحاول اجتياز البوسفور الى الجهة الاخرى من دون ان تتمكن من تحقيق ذلك!".



(1) موريس ديفرجيه (القانون الدستوري والمؤسسات السياسية) صفحة 49 طبعة ثامنة.

(2) جريدة "النهار"، صفحة 7، عدد 22/8/2006 في كلام لسماحة السيد علي الأمين.

(3) صحيفة النهار، عدد 12/12/2005 في كلام لأدمون رزق (نائب ووزير سابق) تحت عنوان "أتلهف لرؤية رجل".

(4) صحيفة "النهار"، عدد 29/11/2005.


* باحث في القانون