dot
13/10/2006, 20:51
بقلم: د. رغيد الصلح *
في أعقاب إعلان كوريا الشمالية انتاج قنبلتها النووية الأولى، لم يستطع بعض صناع الرأي في المنطقة العربية كتمان ترحيبهم بهذا الحدث وذلك من زاوية آثاره المحتملة وتداعياته على المنطقة العربية. فهذه المنطقة تتعرض الى ضغط أمريكي “إسرائيلي” متصاعد على نحو يهدد أمنها واستقرارها ووحدة دولها الترابية ومصالح شعوبها وحقوقها. ويخوض هذا المحور، في رأيهم، لعبة صفرية مع العرب.
فإدارة بوش و”إسرائيل” يؤيدان كل ما يضعف العرب ويعرقل نهضتهم. وما دام هذا الحال قائماً ومستمراً، فعكسه صحيح أيضاً. أي انه على العرب ان يخوضوا لعبة صفرية مع “إسرائيل” ومع الولايات المتحدة. في هذا السياق فإنه حري بأهل الرأي والقرار من العرب الا يعارضوا أمرا قد تكون من نتائجه اضعاف النفوذ الدولي الأمريكي، واستطرادا، “الإسرائيلي”.
من النتائج المحتملة التي يترقبها بعض المراقبين الدوليين قيام تفاهم صيني ياباني هدفه مجابهة تداعيات القنبلة الكورية. التفاهم الصيني الياباني سوف يسحب من الإدارة الأمريكية عذرا من الاعذار التي تتعلل بها لابقاء قواتها وأساطيلها في جنوب شرق آسيا. فهذه القوات موجودة بحجة دعم الوضع الراهن ولحماية جيران الصين وخاصة اليابان في حال تعرضهم الى نزاع مسلح مع الصين. فإذا تفاهمت الصين واليابان تحول هذا التفاهم الى ضامن للأمن والاستقرار في جنوب شرق آسيا ولا يعود من مسوغ لبقاء القوات الأمريكية فيها. وإذا خرجت من جنوب شرق آسيا، يضعف نفوذها الدولي وتضعف استطراداً قدرتها على التحكم في المنطقة العربية.
هذا ما تقضي به قواعد اللعبة الصفرية، ولكن حتى ولو لم يكن هناك مثل هذا النمط من الصراع بين العرب والمحور الأمريكي “الإسرائيلي”، فبين الطرفين صراع لا يستهان به. فاذا تعرضت واشنطن الى ضغوط في شرق آسيا، فإن الذين أعربوا عن ارتياحهم للقنبلة النووية الكورية، يرون ان هذه القنبلة كفيلة بنقل اهتمام إدارة بوش من المنطقة العربية الى شبه الجزيرة الكورية فتخف الضغوط على العرب مما يعطيهم فترة سماح لتدبر أمرهم ولاستعادة توازنهم بعد التعرض للضغط الأمريكي “الإسرائيلي” الشديد.
لا يقلل المرء من المشاعر التي تقف وراء هذا النوع من ردود الفعل على الأحداث العالمية. فالانحياز الأمريكي ضد المصالح العربية وصل في عهد جورج بوش الى مستوى غير مسبوق في السياسة الأمريكية. وافعال واشنطن في العراق وفلسطين ولبنان تجعل الكثيرين عندنا يحددون موقفهم من الاحداث الدولية بالمعيار الصفري، فكل ما يضر الإدارة الأمريكية مفيد. ولكن المعيار الذي ينبغي ان يحدد المواقف العربية هو مدى فائدة هذه الاحداث للأسرتين الدولية والعربية. بهذا المعيار نجد انه من الأرجح ان تكون للقنبلة النووية الكورية نتائج سلبية على الصعيدين معا: انها تسهم في انتشار السلاح النووي في العالم مما يزيد الأخطار على أمنه. انها قد تحسن العلاقات الصينية اليابانية على المدى القريب، ولكن هذه العلاقات سوف تتعرض الى الانتكاس عند البحث في فرض عقوبات على بيونج بيانج، إذ سوف تجنح طوكيو الى التشدد بينما تدعو بكين الى التروي في فرض العقوبات. انها سوف تطلق سباق التسلح النووي في جنوب شرق آسيا مما يمنح الأمريكيين العذر لاستمرار سياسة التدخل في شؤون المنطقة. أخيرا لا آخرا، انه ليس مؤكدا انها سوف تخفف الضغط على المنطقة العربية لأن الإدارة الأمريكية، خاصة إدارة بوش، اعتادت تعويض خسائرها في المناطق الأخرى عن طريق تشديد ضغوطها على المنطقة العربية.
تفجير القنبلة النووية الكورية الشمالية الأولى لا يخدم، بالصرورة، المصالح العربية، ومن الافضل للعرب ان يدينوه وان يكونوا ضد استمرار بيونج بيانج في مشاريعها النووية. ولكن مثل هذا الموقف سوف يكون ناقصاً وربما مضراً إذا لم يقترن بمساهمة عربية صريحة، رسمية وشعبية، في تجديد الحملة العالمية ضد التسلح النووي. فهذه الحملة النووية خسرت الكثير من زخمها بعد انتهاء الحرب الباردة اذ شعر بعض القائمين عليها بأن القوى العظمى اتجهت الى التخلص من مخزونها النووي. ولكن هذه الانطباعات تبدو غير دقيقة في ظل اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية الى تطوير أنماط معينة من الاسلحة النووية لاستخدامها في حروب ضد الدول الصغيرة والقوى المتوسطة مثل السلاح النووي ضد المخابئ.
إلى جانب ذلك، فإن انتقاد تفجير القنبلة النووية الكورية سوف يكون ناقصا إذا لم يستثمره العرب كفرصة لتجديد حملة المطالبة بتحويل الشرق الأوسط الى منطقة خالية من السلاح. في اطار هذه الحملة يمكن مضاعفة الجهود من أجل تسليط الانظار على العلاقة بين انتشار الأسلحة النووية في آسيا، من جهة، وبين القنبلة الذرية “الإسرائيلية”، من جهة أخرى. ف”إسرائيل” كانت أول بلد، خارج الدول الاعضاء الخمس في مجلس الأمن، انتج القنبلة الذرية. ومهما سعت الدول التي ساعدت “إسرائيل” على امتلاك القنبلة الذرية الى طمس الحقائق، فإن موقف الغرب من هذه القنبلة كان من الأسباب الرئيسية التي سهلت انتشار السلاح النووي وانتقاله الى الهند والباكستان ونظام الابارتايد في جنوب إفريقيا وأخيراً كوريا الشمالية. وما يثير السخط والادانة لهذه السياسة انه في الوقت الذي تستمر هذه الدول وخاصة الولايات المتحدة في معارضة انتشار السلاح النووي وهذا موقف صحيح من حيث الجوهر فإنها تمضي في امداد “إسرائيل” بما يعزز قوتها النووية. هذا ما فعلته إدارة بوش مؤخرا عبر اعطاء “الإسرائيليين” تقنيات تمكنهم من استخدام الغواصات التي اشتروها من المانيا كمنصات بحرية لإطلاق الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية في أي حرب محتملة مع العرب.
إن مصر هي البلد العربي المرشح لتجديد حملة المطالبة بتحويل الشرق الاوسط الى منطقة خالية من السلاح النووي. مصر هي البلد العربي الذي بدأ هذه الحملة والذي يملك الخبرات السياسية والعلمية المواصفات الضرورية لتجديدها. وبالفعل، قادت مصر تحركاً نشيطاً على هذا الصعيد خلال التسعينات، ولكن هذه الحملة أخذت تتراجع بعدها. وتقول بعض التحليلات في تفسير هذا التراجع انه يعود الى تفاهم مع واشنطن يقضي بأن تدعم الإدارة الأمريكية البرنامج النووي المصري لقاء ان تخفف القاهرة من حملة المطالبة بشرق أوسط خال من السلاح النووي. المسؤولون المصريون ينفون بشدة وجود مثل هذا التفاهم. الجدل الدولي القائم حول القنبلة النووية الكورية وحول البرنامج النووي الإيراني يوفر فرصة للقاهرة لكي تؤكد هذا النفي عبر تجديد حملتها من اجل انقاذ المنطقة من الشرور والاخطار النووية.
* كاتب لبناني
في أعقاب إعلان كوريا الشمالية انتاج قنبلتها النووية الأولى، لم يستطع بعض صناع الرأي في المنطقة العربية كتمان ترحيبهم بهذا الحدث وذلك من زاوية آثاره المحتملة وتداعياته على المنطقة العربية. فهذه المنطقة تتعرض الى ضغط أمريكي “إسرائيلي” متصاعد على نحو يهدد أمنها واستقرارها ووحدة دولها الترابية ومصالح شعوبها وحقوقها. ويخوض هذا المحور، في رأيهم، لعبة صفرية مع العرب.
فإدارة بوش و”إسرائيل” يؤيدان كل ما يضعف العرب ويعرقل نهضتهم. وما دام هذا الحال قائماً ومستمراً، فعكسه صحيح أيضاً. أي انه على العرب ان يخوضوا لعبة صفرية مع “إسرائيل” ومع الولايات المتحدة. في هذا السياق فإنه حري بأهل الرأي والقرار من العرب الا يعارضوا أمرا قد تكون من نتائجه اضعاف النفوذ الدولي الأمريكي، واستطرادا، “الإسرائيلي”.
من النتائج المحتملة التي يترقبها بعض المراقبين الدوليين قيام تفاهم صيني ياباني هدفه مجابهة تداعيات القنبلة الكورية. التفاهم الصيني الياباني سوف يسحب من الإدارة الأمريكية عذرا من الاعذار التي تتعلل بها لابقاء قواتها وأساطيلها في جنوب شرق آسيا. فهذه القوات موجودة بحجة دعم الوضع الراهن ولحماية جيران الصين وخاصة اليابان في حال تعرضهم الى نزاع مسلح مع الصين. فإذا تفاهمت الصين واليابان تحول هذا التفاهم الى ضامن للأمن والاستقرار في جنوب شرق آسيا ولا يعود من مسوغ لبقاء القوات الأمريكية فيها. وإذا خرجت من جنوب شرق آسيا، يضعف نفوذها الدولي وتضعف استطراداً قدرتها على التحكم في المنطقة العربية.
هذا ما تقضي به قواعد اللعبة الصفرية، ولكن حتى ولو لم يكن هناك مثل هذا النمط من الصراع بين العرب والمحور الأمريكي “الإسرائيلي”، فبين الطرفين صراع لا يستهان به. فاذا تعرضت واشنطن الى ضغوط في شرق آسيا، فإن الذين أعربوا عن ارتياحهم للقنبلة النووية الكورية، يرون ان هذه القنبلة كفيلة بنقل اهتمام إدارة بوش من المنطقة العربية الى شبه الجزيرة الكورية فتخف الضغوط على العرب مما يعطيهم فترة سماح لتدبر أمرهم ولاستعادة توازنهم بعد التعرض للضغط الأمريكي “الإسرائيلي” الشديد.
لا يقلل المرء من المشاعر التي تقف وراء هذا النوع من ردود الفعل على الأحداث العالمية. فالانحياز الأمريكي ضد المصالح العربية وصل في عهد جورج بوش الى مستوى غير مسبوق في السياسة الأمريكية. وافعال واشنطن في العراق وفلسطين ولبنان تجعل الكثيرين عندنا يحددون موقفهم من الاحداث الدولية بالمعيار الصفري، فكل ما يضر الإدارة الأمريكية مفيد. ولكن المعيار الذي ينبغي ان يحدد المواقف العربية هو مدى فائدة هذه الاحداث للأسرتين الدولية والعربية. بهذا المعيار نجد انه من الأرجح ان تكون للقنبلة النووية الكورية نتائج سلبية على الصعيدين معا: انها تسهم في انتشار السلاح النووي في العالم مما يزيد الأخطار على أمنه. انها قد تحسن العلاقات الصينية اليابانية على المدى القريب، ولكن هذه العلاقات سوف تتعرض الى الانتكاس عند البحث في فرض عقوبات على بيونج بيانج، إذ سوف تجنح طوكيو الى التشدد بينما تدعو بكين الى التروي في فرض العقوبات. انها سوف تطلق سباق التسلح النووي في جنوب شرق آسيا مما يمنح الأمريكيين العذر لاستمرار سياسة التدخل في شؤون المنطقة. أخيرا لا آخرا، انه ليس مؤكدا انها سوف تخفف الضغط على المنطقة العربية لأن الإدارة الأمريكية، خاصة إدارة بوش، اعتادت تعويض خسائرها في المناطق الأخرى عن طريق تشديد ضغوطها على المنطقة العربية.
تفجير القنبلة النووية الكورية الشمالية الأولى لا يخدم، بالصرورة، المصالح العربية، ومن الافضل للعرب ان يدينوه وان يكونوا ضد استمرار بيونج بيانج في مشاريعها النووية. ولكن مثل هذا الموقف سوف يكون ناقصاً وربما مضراً إذا لم يقترن بمساهمة عربية صريحة، رسمية وشعبية، في تجديد الحملة العالمية ضد التسلح النووي. فهذه الحملة النووية خسرت الكثير من زخمها بعد انتهاء الحرب الباردة اذ شعر بعض القائمين عليها بأن القوى العظمى اتجهت الى التخلص من مخزونها النووي. ولكن هذه الانطباعات تبدو غير دقيقة في ظل اتجاه الإدارة الأمريكية الحالية الى تطوير أنماط معينة من الاسلحة النووية لاستخدامها في حروب ضد الدول الصغيرة والقوى المتوسطة مثل السلاح النووي ضد المخابئ.
إلى جانب ذلك، فإن انتقاد تفجير القنبلة النووية الكورية سوف يكون ناقصا إذا لم يستثمره العرب كفرصة لتجديد حملة المطالبة بتحويل الشرق الأوسط الى منطقة خالية من السلاح. في اطار هذه الحملة يمكن مضاعفة الجهود من أجل تسليط الانظار على العلاقة بين انتشار الأسلحة النووية في آسيا، من جهة، وبين القنبلة الذرية “الإسرائيلية”، من جهة أخرى. ف”إسرائيل” كانت أول بلد، خارج الدول الاعضاء الخمس في مجلس الأمن، انتج القنبلة الذرية. ومهما سعت الدول التي ساعدت “إسرائيل” على امتلاك القنبلة الذرية الى طمس الحقائق، فإن موقف الغرب من هذه القنبلة كان من الأسباب الرئيسية التي سهلت انتشار السلاح النووي وانتقاله الى الهند والباكستان ونظام الابارتايد في جنوب إفريقيا وأخيراً كوريا الشمالية. وما يثير السخط والادانة لهذه السياسة انه في الوقت الذي تستمر هذه الدول وخاصة الولايات المتحدة في معارضة انتشار السلاح النووي وهذا موقف صحيح من حيث الجوهر فإنها تمضي في امداد “إسرائيل” بما يعزز قوتها النووية. هذا ما فعلته إدارة بوش مؤخرا عبر اعطاء “الإسرائيليين” تقنيات تمكنهم من استخدام الغواصات التي اشتروها من المانيا كمنصات بحرية لإطلاق الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية في أي حرب محتملة مع العرب.
إن مصر هي البلد العربي المرشح لتجديد حملة المطالبة بتحويل الشرق الاوسط الى منطقة خالية من السلاح النووي. مصر هي البلد العربي الذي بدأ هذه الحملة والذي يملك الخبرات السياسية والعلمية المواصفات الضرورية لتجديدها. وبالفعل، قادت مصر تحركاً نشيطاً على هذا الصعيد خلال التسعينات، ولكن هذه الحملة أخذت تتراجع بعدها. وتقول بعض التحليلات في تفسير هذا التراجع انه يعود الى تفاهم مع واشنطن يقضي بأن تدعم الإدارة الأمريكية البرنامج النووي المصري لقاء ان تخفف القاهرة من حملة المطالبة بشرق أوسط خال من السلاح النووي. المسؤولون المصريون ينفون بشدة وجود مثل هذا التفاهم. الجدل الدولي القائم حول القنبلة النووية الكورية وحول البرنامج النووي الإيراني يوفر فرصة للقاهرة لكي تؤكد هذا النفي عبر تجديد حملتها من اجل انقاذ المنطقة من الشرور والاخطار النووية.
* كاتب لبناني