-
دخول

عرض كامل الموضوع : (( الليبراليون الجدد (!) و طموح الوقت الضائع ..!! ))


جنتل
06/10/2006, 01:55
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..



(( الليبراليون الجدد (!) و طموح الوقت الضائع ..!! ))




من يراقب الحراك الليبرالي الغربي في الكثير من الدول الغربية أو المستغربة (!) سيجد أن القيم الليبرالية كــ ( الحرية المطلقة !) أو (الديمقراطية بمفهومها الغربي الصرف) بالإضافة إلى (المجتمع المدني) ـ و هو الأرضية اللازم توفرها أو البنية التحتية لليبرالية (!) ـ سيجد أن كل هذه القيم و المبادئ في حالة انكماش و ليست في حالة تمدد ..!! ، و سيعجب كثيراً من هذا الحراك الليبرالي الجديد في الدول العربية و خاصة الخليج و السعودية على وجه التحديد ..!! ، إذ أن هذه المبادئ التي ينادي بها الليبراليون الجدد ـ سواء كانوا مؤدلجين أو لم يكونوا ـ قد بات من الواضح أن الغرب بدأ يتخلى عنها شيئاً فشيئاً لضرورات المرحلة و الظرف ..!! ، و بدأ يقلص من مستوى الحريات لحساب الأمن ..!! ، و بدأ يقوم بسن قوانين تصادر تلك الحريات و تخلو تماماً من العدالة أو المساواة ..!!



و من الواضح أن العالم في ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بات مختلفاً ..!! ، و برغم ذلك فإن العالم لا يزال الى الآن في حالة من السيولة و عدم الاستقرار ..!! ، و لا تزال أمواج التداعيات تضرب جميع الشواطئ الفكرية و العقدية ..!! ، و تتسبب في نشر الإسلام بشكل لم يسبق له مثيل في تأريخ الدعوة المعاصر ..!! ، إذ أن الإسلام ينتشر في الأوساط الثقافية و طبقات المجتمع العليا أكثر بكثير مما ينتشر لدى العامة و الفقراء ..!! ، لأن الأحداث دعت الكثير من المثقفين و المفكرين للقراءة حول الإسلام ..!! ، و من الواضح كذلك أن التصرفات التي أعقبت تلك الأحداث كشفت الكثير من الملامح الحقيقية للقيم الليبرالية (!) و نزعت النقاب عن الوجه الحقيقي للضعف الأيديولوجي لليبراليين ، إذ أن بوش عندما أراد أن يحشد الغرب معه في حربه على أفغانستان لم يستدع القيم الليبرالية إلا بموازاة القيم الدينية الصليبية ..!!



و حتى عندما ألقت الولايات المتحدة القبض على بعض الأفغان و بعض الأفغان العرب (!) و بعض العرب الذين لا علاقة لهم لا بقاعدة بن لادن و لا بطالبان الملا عمر ..!! ، فإنها لم تقدمهم للمحاكمة على الأسس الليبرالية ..!! ، بل قامت بمعاملتهم خارج القانون و الدستور الأمريكي ..!! ، و أنشأت لهم ( أقفاصاً ) كأقفاص الحيوانات ـ أجلكم الله ـ في غوانتانامو ..!! ، و قامت بتعذيبهم (!) و تفسيخهم (!) و امتهان المقدسات الإسلامية أمامهم (!) للضغط عليهم و انتزاع الاعترافات منهم أو لكسر الروح الإسلامية فيهم ..!! ، و كذلك فعلت في باقرام و أبو غريب و الكثير من السجون السرية التي في أوروبا أو تلك التي على ظهور البارجات الأمريكية ..!! ، بالإضافة إلى أن أمريكا استعانت ببعض الخبرات العربية في سلخ و تعذيب و تقطيع أوصال أولئك المشتبه بهم ..!! ، فأين هي حقوق الإنسان يا بني لبرال ..؟؟



كما أن أمريكا و الأنظمة الغربية و الأنظمة العربية المستغربة (!) لم تتعامل مع ( حماس ) التي وصلت إلى سدة الحكم ديمقراطياً على أسس الليبرالية المزعومة ..!! ، و برغم أن الديمقراطية أحدى أهم القيم الليبرالية إلا أن ما قام به الغرب و بعض أذنابهم من العرب هو محاصرة هذه الحكومة الإسلامية التي أختارها الشعب وفق القيم الليبرالية الديمقراطية ..!! ، كما أن هذه الأنظمة الغربية الليبرالية كانت و لازالت تدعم و تمكن الدول الديكتاتورية المستبدة في بلداننا ..!! ، فأين هي قيم الليبرالية و الحرية و الديمقراطية (؟) ، أين هي العدالة و المساواة يا بني لبرال ..؟؟



أعتقد أن الفكر الليبرالي بات مبتذلاً و مستهلكاً ..!! ، و لولا الحراك السياسي و الفكري البطيء جداً و الممل و القديم للسلفيين في السعودية و الخليج و عدم مواكبة الأحداث و المستجدات و محاذير التطور و التقدم و التطلع التي يضعها السلفيون ..!! ، و الوصاية التي يفرضونها على عقول الناس و تصرفاتهم ..!! ، و النزعة التحريمية ..!! ، و مصادرة الاختلاف الفقهي المذهبي (!) و الترويج لنوع واحد من الفتيا و حسب ..!! ، بالإضافة إلى المعاملة السيئة التي يلاقيها بعض المواطنين من رجال الحسبة ـ هداهم الله و أيدهم ـ ..!! ، لما تشاؤم الناس مؤخراً من تصرفات (المطاوعة !) و لما فتحوا عقولهم و أذهانهم للفكر الليبرالي العميل ..!! ، و لما دارت الكثير من السجالات حول (طاش ما طاش) أو غيرها من الأعمال الفنية أو التصريحات الليبرالية (!) التي تسيء للدين الإسلامي العظيم و مقدساته و نبيه صلى الله عليه و سلم و تستهدف إخصاء الإسلام و تدجينه و قتل عوامل الحركة فيه و نزعه من صدر المجتمع الإسلامي (!) و من ثم القيام بتمدين المجتمع ليصبح صالحاً لليبرالية ..!!



يجب أن نفهم أن الليبرالية كعقيدة و أيديولوجيا باتت تحتضر و تنازع الروح (!) و ما سمح لها بالخروج من جسدها الغربي إلى الجسد الإسلامي هي تصرفاتنا نحن و طريقتنا في التقليد و عدم الانفتاح على التجارب الإيجابية لدى الآخرين (!) التي تقرها مصلحتنا و لا يعارضها ديننا الحنيف ..!! ، بالإضافة إلى غياب المراجعات الفكرية و عقدة النقد المهيمنة على عقول المسلمين عندما توجه للتيارات الإسلامية ..!! ، و لم يكن حذف المناهج العقدية و خاصة ( الولاء و البراء ) و محاصرة الجمعيات الخيرية و مراكز تحفيظ القرآن و المراكز الصيفية لتؤتي أكلها و إن وقفت خلفها الحكومة بشحمها و لحمها ..!! ، لولا أننا بالفعل نحتاج إلى تغيير أسلوبنا و طريقة تعاملنا مع الناس و الفكر و الثقافة و التطور و التكنولوجيا ..!!



طيب الله أوقاتكم .

tiger
06/10/2006, 02:18
من الصالون ....

الإصلاحي
06/10/2006, 17:51
الدين ما دان له الناس بمحض إرادتهم ، أي هو ذلك الانضباط الطوعي النابع من الإيمان والقناعة التي ترسخت في الضمير ، فالضمير يحاكم السلوك ويضبطه ويعطيه صفة الخير والشر ، وهو الذي يتكون نتيجة التجربة الحياتية ، والتربية والتعلم ، ونتيجة تبني منظومة معرفية - قيمية معينة ( عقيدة دينية ) تنظم المعارف ( فلسفة ) ثم تبني موقفاً قيمياً منها ، وتقترح نمطا سلوكياً وضوابط ومعايير يفترض بالمؤمن أن يتقيد بها , فتحكمه ويدين لها , بحيث يصبح متدينا : أي صاحب ديانة ولديه ضوابط داخلية تضبطه ومنظومة قيمية معروفة تحركه ، فالدين علاقة قائمة بين الإنسان وبين سلطة أعلى يتحكم إليها ويتصل بها عبر دواخل نفسه ، لأنها تحتجب عن عالمه المادي الفيزيائي ، لكنها موجودة في عالمه المعنوي التصوري الميتافيزيائي , وتؤثر في سلوكه وتهيج ضميره ، وما يعذبنا ضميرنا لأجله هو ديننا ومعبودنا الحقيقي ، وليس ما ندعي ونتظاهر ، فالدين هو حاكم حقيقي داخلي يسكن الضمير , وهو سلطة داخلية تعطي للأفعال والسلوك صفة الخير والشر .
في حين أن الدولة ( أي السلطة السياسية ) هي سلطة مادية قانونية خارجية تنفذها أجهزة المراقبة والمعاقبة والتي تفرض احترامها بالقوة الفيزيائية ، بغض النظر عن ضمائر وإرادة الناس وقناعاتهم .
والعلمانية تعني تحديداً فصل تلك السلطتين عن بعضهما . وليس الغاء أي منهما , لأنه هناك فرق كبير وهام بين سلطة الدين وسلطة القانون ، وعقاب الدين وعقاب الدنيا . مع العلم أنه وجد على الدوام أيضا ، أناس يحلمون في مطابقة القانون مع الضمير ، فيتحقق تنفيذ القانون بشكل طوعي ، لكن هذا الحلم كان يصطدم بحقيقة أساسية قاسية لا مهرب منها : ماذا يحدث لو رفض القلة الامتثال لصوت الضمير ونداء الحق ؟، ثم من له حق ادعاء تمثيل الضمير والنطق باسمه وتحديد قانونه ؟ أي تمثيل الضمير الذي يحاول أن يتقمص السلطة العليا التي نحتكم إليها ويتمثلها في ذاته ( أي الله : الاله الكلي الواحد المرمز في مفهوم الإله كممثل للكائن الاجتماعي في الضمير ، والمتحد مع مفهوم الرب : الرمز الممثل للقوى التي تتحكم بالطبيعة ، والتي دمجت فلسفة التوحيد بينهما أقصد بين ترميز الطبيعة وترميز المجتمع في عنصر واحد متحد ومنسجم ) ،
من يستطيع أن يكتب ذلك القانون المعبر عن سلطة الضمير ، من هو المؤهل ليصوغ القانون المطابق لإرادة الحق ( الله ) ، من هو الذي يتصل بمنبع الضمير والدين ويسأله عن الشريعة ، هل هذا المنبع يتراءى للجميع بشكل واحد ، هل هو مستقل عنهم ، أم يوجد بهم ومن خلالهم ، وهل كل الضمائر موحدة ، وهل سنة الكون هي التوحد وفق نمط واحد ، أم هي الاختلاف والتفاعل و التلاقح ، والتطور نحو المزيد من الرقي ، وهل الكون متغير ومتطور أم أنه ثابت لا يتبدل ولا يتحول ، ومن ثم هل هناك نص أو نظام قانوني متكامل حرفي واضح مطابق للسلطة العليا الإلهية على الدوام ، يجب علينا إتباعه دوماً وكما هو من دون تغيير ، أم أن كل النصوص والشرائع الدينية ، التي هي محاولات في ذلك الطريق ، هي نصوص عمومية تفهم بمقاصدها واتجاهها وليس بحرفيتها ، وأن الحكم النهائي يعود لما تقوله ضمائرنا الحرة في هدي تلك الدعوات ؟؟؟ .
طبعاً حاول السلاطين عبر العصور المزج بين سلطانهم و سلطة الدين ، ومن ثم لي عنق الدين ليضم بين ثناياه ما يرسخ تسلطهم ، و كانوا حريصين على تدبيج نصوص فقهية تشريعية تقولب الضمائر وتجبرها على قبول الانقياد الأعمى لنظام يدعي أنه ينطق باسم الحق ( الله الخالق ) لكنه في النهاية يخدم مصالح جزئية وأنانية واستبدادية ، وكانوا على الدوام يجدون الفقهاء المستعدين لأداء ذلك الواجب الشرعي ، والذين هم قادرين على أن ينتجوا الفقه المناسب لاستمرار السلطة بيد المستبدين ( حتى لو جاهروا بكفرهم ) ، وأن ينتجوا الفقه الذي يبعد الناس عن حقهم في اختيار سلطتهم ومحاسبة حاكمهم الذي ينحرف عن قانونهم الذي يرتضوه بحرية ، فتختلط العبودية لله التي تمر عبر الضمير ، في العبودية للسلطان التي تتم عبر الشرطة ، فيجبر الناس على السجود في المساجد ( لله شكلا وللسلطان فعلا او كلاهما معاً ) بما يتضمنه ذلك من شرك بالله وخضوع للطاغوت ، تحت سطوة مطوعي الحاكم وجلاديه ، الذين يجبرون الناس على الخنوع والطاعة و الرقص في الشوارع في أعياد القائد الامام ، أو البكاء والنحيب واللطم عليه في حال وفاته ..
المشكلة إذا هي أن يفرض على الناس إتباع دين لم يختاروه بحرية ، واتباع شيء أخر غير ضمائرهم باسم الشريعة التي أرسلها الرب وارتضاها لعباده ، عبر خدعة تقول : أنه لا يملك تأويلها إلا رجال الدين أصحاب الحق الحصري في النطق باسمه ، وتفسير نصه ، وتوجيه عباده ، ثم بالتالي فرض طاعة نظام قانوني لم يختاروه ويرتضوه بملء إرادتهم ( وكأنه شريعة الله الخالدة ) بما يتضمنه من مصالح وغايات أنانية ودنيوية تخص المتحكمين بالبشر الراغبين في استبعادهم بأبسط السبل وأعقدها . .
أي أن المسألة هي مسألة حرية ، فهل الإنسان حر أم لا ؟ هنا نتوقف عند سؤال : كيف تكون مؤمناً بالله الخالق المسير للكون الذي أرسل الرسالات بالهدى والحق ، ثم تكون حراً في اختيار ما ترى أنه ضميرك ومسؤوليتك التي لا يمكن تجييرها ولا تفويض أحد بها . وهل هذه الحرية جزئية ومشروطة بما ورد في نص ما أو تفسير ما .. أم هي محدودة فقط بأمرين هما سلطة الضمير ومشيئة الله . التي تسمح أو تمنع تنفيذ إرادتنا رغماً عنا بتحكمها بالكون ، وبالتالي نستطيع أن نعتبر كل سلطة سياسية مادية بشرية على أنها سلطة غير مقدسة مهما كانت ، بل يتوجب أن يتم التوافق والتعاقد عليها برضا الناس الأحرار ، وليس لها أي مصدر آخر للشرعية ، لا من النص ولا من الفتوى .
لم يكن صعباً حتى في باكورة انتشار الدين تدبيج نظام من الفقه والتفسير والشرح يتعامل مع شكل ومنطوق النص ، بغض النظر عن روحه ، وينتهي بدين سلبي اتكالي يبرر انسحاب العامة من ساحة السياسة , التي تركت لكل فاسد ومجرم , حيث أن الحكام لم يكونوا أبدا يتبعون ابسط قيم وأخلاق الدين , مع أنهم يقدمون أنفسهم كتجسيد للشريعة ( خلفاء لله ) ، ويلعنون كل من يعارض سلطانهم المقدس ، وقد تكرر ذلك بصور وأشكال مختلفة وبشكل يندى له الجبين ، حتى زماننا هذا .. مما استوجب التفكير الجدي في ضرورة فصل سلطة الضمير عن سلطة السياسة والشرطة ، ثم استوجب جعل سلطة الشرطة خاضعة لإرادة الناس الحرة ، التي يفترض بها أن تعكس صورة ضمائرهم لكن من دون وصاية ، وهذا هو الجوهر العميق لليبرالية والديمقراطية والعلمانية ( عدل ) ومحتوى ترابطهم وتلازمهم معاً ضمن أي نظام سياسي حقوقي يحترم إرادة الناس ، وهذا ما يوضح لماذا تكون العلمانية هي التعبير الأفضل عن قيم الدين وغاياته ، والضمانة الأرقى لعدم تشويهه وتوظيفه في مشروع تسلطي شمولي قهري ، يخالف كل قيم وأخلاق الدين باعتباره دعوة للحرية والحق والمحبة والعدالة ، وباعتباره سلطة طوعية ذاتية تكمن داخل النفس التي تتصل بالخالق وتعيش حضوره الدائم عبر الإيمان .

وفي هذا السياق لا بد أن تطرح مجموعة هامة من الأسئلة : لماذا لم تبرز مسألة العلمانية قبل العصور الحديثة ، ولماذا صارت اليوم ضرورة لكي يستمر الدين ، ولماذا لم تستطيع أوربا القفز فوقها في مسيرة تطورها ، ولماذا كانت العلمانية هي الطريق الوحيد لإنقاذ الدين من الاندثار ، ولماذا أجبر الدين على إجراء إصلاح جوهري يجعله متكيفاً مع قيم الحرية وبشكل خاص الحرية السياسية ، وهل يتوجب على الدين الإسلامي انجاز هكذا نقلة ، وما هو محتواها العقلي والفكري والفقهي ؟؟؟.. في المقالات التالية سنحاول وضع خطوط عريضة لإجابات أولية على هذه الأسئلة .


الدكتور كمال اللبواني