-
دخول

عرض كامل الموضوع : أناشيد الإثم و البراءة


maro18
05/10/2006, 18:04
كتاب اخر للدكتور مصطفى محمود
مقالات من كتاب أناشيد الإثم والبراءة




و المحصول صفر


لا يوجد وهم يبدو كأنه حقيقة مثل الحب..

و لا حقيقة نتعامل معها و كأنها الوهم مثل الموت!! فليس هناك أمر مؤكد أكثر من الموت، و مع ذلك لا نفكر أبدا بأننا سنموت، و اذا حدث و فكرنا لا يتجاوز تفكيرنا وهما عابرا عبور النسيم.

و العكس في حالة الحب، فرغم أن الحب دائما أمر يزينه الخيال و يضخمه الوهم و يجسمه التصور و تنفخ فيه الشهوات، و رغم أن الحب يشتعل و ينطفئ و يسخن و يبرد و رغم أن أحواله و تقلباته تشهد بأنه وهم كبير، الا أننا نتعامل معه بالرهبة و التقديس و الاحترام و الخضوع.. و نظل على هذا الخلط و الاختلاط حتى نفيق على الصدمة فنصحو و نستعيد رشدنا لأيام أو شهور أو سنوات و لكن لا نلبث أن نستسلم الى اغماء جديد.

و سبب الخلط و الاختلاط هو دائما خطأ في النسبة.. فنحن دائما ننسب الجمال الذي شاهدناه و الحنان الذي تذوقناه الى صاحبته مع أنها ليست صاحبته و لا مالكته.. و لو امتلكت امرأة جمالها لدام لها.. و لكن الجمال لم يدم لأحد، لأنه منحة و اعارة من الله بأجل و ميقات و هو قرض يسترده في حينه.. فصاحبه و مالكه هو الله و ليس أي امرأة.

و كذلك كل ما نعشق من حنان و مودة و رأفة و حلم و كرم كلها خلع و منح و أوصاف مستعارة من الودود الرؤوف الحليم الكريم.. و هو مالكها بالأصالة.. و نحن نملكها عنه بالقرض و الاعارة.

و لكن العين التي تعشق الجمال تخطئ نسبته و ملكيته فتظنه لصاحبته فتعشق صاحبته و تعبد صاحبته.

و هي تظل في هذا الوهم حتى تفيق على القبح يطل من تحت المساحيق و القسوة تظهر من وراء الأهداب فتصحو على الصدمة و تعاني و تتعذب و تندم و تعتبر و تتوب ثم تعود فتنسى و تنزلق إلى وهم جديد..


و تلك هي الغفلة المستمرة التي نعيش فيها جميعا.. نفيق منها لحظات لنعود فنغرق في سباتها من جديد و لا يسلم من هذا البلاء الا نبي معصوم أو ولي عارف يحفظه ربه و يسدل عليه كنفه.. فلا يرى حيثما تولى الا وجه الله.

(فأينما تولوا فثم وجه الله)

فهو الجمال في كل جميل و هو الرأفة و الحنان و الكرم و الحلم و المودة.. فتلك أسماؤه تتجلى في أواني الطين و الخزف الشفافة التي شفها الاحساس حتى أصبحت مثل الكريستال المضيء تماما كما يرى الفلكي نور القمر فيعرف أنه ليس نوره بل نور الشمس تجلى عن وجهه.

و هكذا لا يرى هذا العارف أينما تولى الا وجه الله.. و هو دائم الهمس الله.. الله.. الله.. الله.. الله.. و هو ناظر دائما الى الظاهر و ليس الى المظاهر.. ناظر الى الله الظاهر دائما في كل شيء.. لا يطرف.. متعلق بالمعاني و ليس بالأواني.

و هو لهذا لا ينقسم و لا يتشتت و لا يضيع في التلفت، و انما هو مجذوب الفؤاد الى الله على الدوام.

و لكن أمثال هذا الرجل قليل نادر مثل الألماس و اليورانيوم و أمثاله لا يتجاوزون

أفرادا و آحادا بين ألوف الملايين من الحشد المغمى عليه

و هي غفلة عامة غالبة لا ينجي فيها علم و لا ثقافة و لا دكتوراه و لا ماجستير، فتلك أبواب غرور تزيد من الغفلة.. فنرى العالم يضع علمه في خدمة هواه، و عقله في خدمة عاطفته، و مواهبه في خدمة شهواته. فتصبح بلواه مضاعفة و صدمته قاصمة للظهر.

و يمضي العمر في سلسلة من الغفلات و الاغماءات مجموعها في الختام صفر، أو هي في الحقيقة حاصل طرح و ليست حاصل جمع. فمجموعها في النهاية بالسالب و ليس بالموجب فحياة صاحبها الى نقصان يوما بعد يوم و سنة بعد سنة.. يخرج من وهم الى وهم و من خدعة الى خدعة.. حاله مثل حال الشارب من ماء مالح، كلما ازداد شربا ازداد عطشا.. لا يحصل على سكينة و لا يبلغ اطمئنانا، و انما هو هابط دوما من قلق الى قلق، و من تمزق الى تمزق، و من تشتت الى تشتت، حتى تنتهي حياته بلا ثمرة، و ينتهي تحصيله بلا جدوى.

و تلك هي العقلية الاستمتاعية السائدة اليوم في عالم وثني، أصنامه اللذة و الغلبة و الهوى.. معبود كل واحد نفسه و كتابه رأيه و دستوره مصلحته.

و الحال في الأمم المتخلفة و النامية أسوأ مما هو في الأمم المتقدمة.. و هي أمم مجموعها أحيانا ((حاصل طرح أفرادها)) و ليس حاصل جمعهم، لأنهم منفرطون منقسمون متباعدون كالجزر التائهة في البحر.. يضرب بعضهم بعضا.. و عزمهم مستهلك.. و قوتهم لا شيء..

يتحدثون عن الوحدة.

و لا وحدة الا بالواحد.

هو وحده الواحد لا اله الا هو. الذي يخرج به كل واحد من شتات نفسه و تخرج به الأمم من تفرقها و يخرج به العالم من انقسامه.

و القضية بالدرجة الأولى قضية ايمان.

هي قضية رؤية..

كيف نرى العالم..؟

و كيف ننظر فيما حولنا..؟

و كيف نحب..؟

هل نستطيع أن نكون ذلك العارف الذي لا يرى في كل شيء الا الواحد.. و لا يبصر الا وجه ربه في كل محبوب.

هل يمكن أن نكون مصداق الآية:

(أينما تولوا فثم وجه الله).

و في هذا الاطار نحب و في هذا الاطار نكره.. فنبذل المروءة و المعروف و المودة للجميع و لا يكون لنا تعلق و لا يكون لنا حب الا الله و بالله و في الله.

ذلك هو الجهاد الصعب.

و لا اختيار..

و لا طريق آخر.

و كل واحد و عزمه.

و كل واحد و همته..

و عبرة كل حياة بختامها.. فلنسارع الى المجاهدة و لنشمر السواعد حتى لا يكون محصول حياتنا صفرا و حتى لا يمضي بنا كل يوم الى نقصان و حتى لا يصبح كل يوم من أيامنا مطروحا من الذي قبله.

انما خلق الله الغواية لامتحان القلوب و ليعرف الكبار أنفسهم و ليعرف الصغار أنفسهم من البداية..

maro18
17/10/2006, 05:30
الشجرة


المرأة كالدنيا فيها تقلبات الفصول الأربعة.


تفيء إليها ذات يوم فتجد الظل و الخضرة و العبير و الثمر و تلجأ إليها في يوم آخر فتراها تعرت عن أوراقها و جفت فيها الحياة و توقف العطاء لا ظل و لا زهر و لا ثمر.


تتداول عليها الأحوال تداول الليل و النهار و الربيع و الخريف و المطر و الجفاف و الجدب و النماء.


فإن كنت عشقت الظل و الخضرة و العبير و الثمر فذلك ليس وجه المرأة فإن للمرأة كل وجوه الدنيا و هي تشرق و تغرب مثل القمر و تطلع و تأفل مثل الشمس و تورق و تذبل مثل الورد.. فإن كان ما تنورت به عيناها ذات مساء هو ما عشقت فما عشقت وجهها بل وجه الله الذي أشرق عليها و عليك ذات مساء.


و حيثما يشرق وجه الله تتنور المظاهر و يورق الشجر و يتفتح الزهر و يجود الثمر و يبتسم الولدان و تهفو قلوب العشاق إلى من تعلقت به النعمة و تجلى فيه الجود.


و ساعتها تخطئ أقدامنا العنوان و تخطئ ألسنتنا الاسم الذي تسبح له.. و ننسى بارئ النعمة و ننسى أنه لا أنا و لا أنت و لا هي لنا من الأمر شيء..


و إنما كل ما حدث أن الله قال بلسان المظاهر.. ذات مساء في لحظة تجل.. أنا موجود.. أنا بديع السماوات و الأرض..


تتوقف هذه العين عند اللحظة و تتجمد عند القد و الخد و الخصر و النهد.. و تنسى مصدر الجود فينساها صاحب الفضل و يشيح عنها بوجهه الكريم.. فيذيقها الله الهجر و هي في القرب و يريها خيبة الأمل و هي في ذروة العمل و يختم لها بالخذلان و هي في غفلة الهيمان.


و تلك هي صدمة العشاق التي أفاض فيها الشعراء و أطالوا و هي في صميمها لفتة رحمة من الله يوقظ بها الذين أخلدوا الى الأرض و اتبعوا الأهواء و نسوا المعشوق و المحبوب و صاحب الفضل.. و الأصل كل الأصل.. الاسم الجامع لكل الكمالات.


و ذلك هو الأكل من الشجرة.


ثم الاهباط بعد الأكل من الشجرة.. و النزول من سماوات المعرفة الرحيبة الى سجون اللذات و زنزانة اللحظات.


تلك هي القصة التي تتكرر كل يوم منذ آدم و حواء و كلما اجتمع ابن لآدم و بنت لحواء.


تتكرر الخيبة و يتكرر الخذلان.


و لا يعتبر عاقل و لا جاهل.


و الذين أحبوا أو صدموا يعودون الى حب جديد و الى خيبة أمل جديدة و لا يشبع أهل الأمل من خيبة الأمل.


و كل مرة تزداد الغواشي على الحس و يضيق مجال الرؤية و تضيق الزنزانة على صاحبها و يغرق أهل الصبابة في بحر الصبابة.


و لا ينجو من البحر الا من عصم ربك.


انما هو بحر الظمأ الذي يجري بين ذراعي المرأة كلما شرب منه الشارب ازداد ظمأ و كلما عب منه عبا احترق احتراقا.. يظن أنه يرتوي و يبترد.. فلا يبترد أبدا و لا يرتوي أبدا.. و لا يشبع أبدا.. و لا يسكن أبدا.


انما عنده هو السكن.


و بين يديه القرار و الاستقرار.


صدق أبو العتاهية في قوله:


طلبت المستقر بكل أرض فلم أر لي بأرض مستقرا


فلا مقر لنا في هذه الأرض و لا وطن لنا فيها و انما وطننا في بيت المعاد الذي جئنا منه عند شجرة الخلد حقا و ليس عند شجرة الجوع و الظمأ التي أكل منها آدم و مازلنا نحن أولاده نأكل منها فنزداد جوعا على جوع و لا نعرف شبعا و لا راحة.


انما الحياة بجوعها.


و شجرة الأنوثة بربيعها و خريفها.


و الزهور بتفتحها و ذبولها.


و الشمس بطلوعها و أفولها.


كلها رموز تتكلم بلسان الحال..


بأنها كلها قصاصات و عينات و عبوات صغيرة تشير الى عالم آخر فيه النماذج المثلى و الكمالات و الأصول لكل هذا الذي نرى أمامنا في صندوق الدنيا.. و كأنما يضع لنا الطاهي قطرة في ملعقة و يقول لنا ذوقوا.


و الحكيم هو الذي يذوق و يقول.. الله.. ما أحلى الطهو.. يذوق فقط و لا يفكر في أن يجلس ليأكل.. لأنه يعلم أن الدنيا مناسبة للتعرف.. و عينات للتذوق.. و عبور سريع في نفق أرضي من أنفاق المترو فيه صور و معروضات.. و كل حظ الراكب لفتة هنا و لفتة هناك.


أما الجلوس للأكل و الشروع في مباشرة الحياة الحقة فذلك لن يكون الا بعد انتهاء الرحلة و الخروج من النفق الأرضي الى السطح حيث نجد في انتظارنا نعيم الخلد و الجنة التي عرضها السماوات و الأرض و الحياة الجديرة بأن نحياها حقا.. حيث أرض الكمالات و عالم المثل.. و ذلك حظ من اتقى و فهم و عرف، و كان بينه و بين الله عمار و صلة و عهد.


أما من قطع حبل الاتصال و عاش حياة الانفصال و لم يعرف لذة الوصال و انشغل عن الحقيقة بعالم الأوهام و تعلقت همته بالصغار، فذلك حظه البقاء في النفق المظلم و نصيبه الابعاد والاهباط من نفق مظلم الى نفق آخر أشد اظلاما و لا نهاية.. فليس للبعد نهاية كما أنه ليس للقرب نهاية.. و ليس لنعيم الله حدود كما أنه ليس لعذابه حدود.


ومن يتلفت حوله في الدنيا و يتأمل عجائب صنعة الله و غرائب آياته يمكن أن يتصور كم يمكن أن يكون مذهلا و مدهشا ذلك العالم الكامل.. عالم الملكوت الذي صنعه نفس الصانع و وعد به أحباءه.


ان عظمة الصنعة من عظمة الصانع.


و ليس أعظم من الله.


فكذلك نعيمه و كذلك عذابه.


و أهل القلوب لا تجف لهم دموع من تصور يوم الجمع.. و ساعة المصير.


و هم الباكون الراجفون الضارعون الداعون الراكعون الساجدون في هذا السامر من الولائم الكاذبة على مائدة الدنيا حيث يعلم كل من يأكل أنه سوف يموت.. و مع ذلك يقتل الغافلون بعضهم بعضا على اللقمة و يتنازعون على شربة الماء.


أولئك هم الصارخون في الخلوات.


إلهي.. ارزقنا.. خوفك..


ضع الموت بين أعيننا.


فلا شيء يستحق البكاء سوى الحرمان منك و لا حزن بحق الا الحزن عليك.


أنت الحق.


و أنت ما نرى من جمال حيثما تطلعت عين أو استمعت أذن أو حلق الخيال.


لاإله إلا أنت.


سبحانك.


إني كنت من الظالمين.

maro18
28/10/2006, 06:53
العذاب ليس له طبقة


الذي يسكن في أعماق الصحراء يشكو مر الشكوى لأنه لا يجد الماء الصالح للشرب.


و ساكن الزمالك الذي يجد الماء و النور و السخان و التكييف و التليفون و التليفيزيون لو استمعت إليه لوجدته يشكو مر الشكوى هو الآخر من سوء الهضم و السكر و الضغط.


و المليونير ساكن باريس الذي يجد كل ما يحلم به، يشكو الكآبة و الخوف من الأماكن المغلقة و الوسواس و الأرق و القلق.


و الذي أعطاه الله الصحة و المال و الزوجة الجميلة يشك في زوجته الجميلة و لا يعرف طعم الراحة.


و الرجل الناجح المشهور النجم الذي حالفه الحظ في كل شيء و انتصر في كل معركة لم يستطع أن ينتصر على ضعفه و خضوعه للمخدر فأدمن الكوكايين و انتهى إلى الدمار.


و الملك الذي يملك الأقدار و المصائر و الرقاب تراه عبدا لشهوته خادما لأطماعه ذليلا لنزواته.


و بطل المصارعة أصابه تضخم في القلب نتيجة تضخم في العضلات.


كلنا نخرج من الدنيا بحظوظ متقاربة برغم ما يبدو في الظاهر من بعد الفوارق.


و برغم غنى الأغنياء و فقر الفقراء فمحصولهم النهائي من السعادة و الشقاء الدنيوي متقارب.


فالله يأخذ بقدر ما يعطي و يعوض بقدر ما يحرم و ييسر بقدر ما يعسر.. و لو دخل كلمنا قلب الآخر لأشفق عليه و لرأى عدل الموازين الباطنية برغم اختلال الموازين الظاهرية.. و لما شعر بحسد و لا بحقد و لا بزهو و لا بغرور.


إنما هذه القصور و الجواهر و الحلي و اللآلئ مجرد ديكور خارجي من ورق اللعب.. و في داخل القلوب التي ترقد فيها تسكن الحسرات و الآهات الملتاعة.


و الحاسدون و الحاقدون و المغترون و الفرحون مخدوعون في الظواهر غافلون عن الحقائق.


و لو أدرك السارق هذا الإدراك لما سرق و لو أدركه القاتل لما قتل و لو عرفه الكذاب لما كذب.


و لو علمناه حق العلم لطلبنا الدنيا بعزة الأنفس و لسعينا في العيش بالضمير و لتعاشرنا بالفضيلة فلا غالب في الدنيا و لا مغلوب في الحقيقة و الحظوظ كما قلنا متقاربة في باطن الأمر و محصولنا من الشقاء و السعادة متقارب برغم الفوارق الظاهرة بين الطبقات.. فالعذاب ليس له طبقة و إنما هو قاسم مشترك بين الكل.. يتجرع منه كل واحد كأسا وافية ثم في النهاية تتساوى الكؤوس برغم اختلاف المناظر و تباين الدرجات و الهيئات.


و ليس اختلاف نفوسنا هو اختلاف سعادة و شقاء و إنما اختلاف مواقف.. فهناك نفس تعلو على شقائها و تتجاوزه و ترى فيه الحكمة و العبرة و تلك نفوس مستنيرة ترى العدل و الجمال في كل شيء و تحب الخالق في كل أفعاله.. و هناك نفوس تمضغ شقاءها و تجتره و تحوله إلى حقد أسود و حسد أكال.. و تلك هي النفوس المظلمة الكافرة بخالقها المتمردة على أفعاله.


و كل نفس تمهد بموقفها لمصيرها النهائي في العالم الآخر.. حيث يكون الشقاء الحقيقي.. أو السعادة الحقيقية.. فأهل الرضا إلى النعيم و أهل الحقد إلى الجحيم.


أما الدنيا فليس فيها نعيم و لا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل.. و الكل في تعب.


إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف.. فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها و ما تفاضلت إلا بمواقفها.


و ليس بالشقاء و النعيم اختلفت و لا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت و لا بما يبدو على الوجوه من ضحك و بكاء تنوعت.


فذلك هو المسرح الظاهر الخادع.


و تلك هي لبسة الديكور و الثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكاو الآخر صعلوكا و حيث يتفاوت أمامنا المتخم و المحروم.


أما وراء الكواليس.

أما على مسرح القلوب.

أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة.. فلا يوجد ظالم و لا مظلوم و لا متخم و لا محروم.. و إنما عدل مطلقو استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم و ينير بها ضمائر العميان و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات و يعوض الصابرين حلاوة في قلوبهم.. ثم يميل بيد القبض و الخفض فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين و يؤرق عيون الظالمين و يرهل أبدان المسرفين.. و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة التي تأتي من الجنة.. و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود.. يوم تنكشف الأستار و تهتك الحجب و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق.. يوم لا تنفع معذرة.. و لا تجدي تذكرة.


و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا في أفعاله عدلا مطلقا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن.. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم.


أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدا من الهموم و أحمالا من الخطايا و ظمأً لا يرتوي و جوعا لا يشبع.


فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت.. و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك.

سرسورة
28/10/2006, 07:05
حلو كتيير يا مارو....يسلم ايديكي..وذوقك الرفيع:D

maro18
28/10/2006, 23:57
حلو كتيير يا مارو....يسلم ايديكي..وذوقك الرفيع:D
ميرسى الك الموضوع صار احلى بمرورك

maro18
03/11/2006, 16:00
عن الانتحار

من العجيب أن التقدم الذي جاء بمزيد من وسائل الترف و الراحة و بمزيد من التسهيلات للإنسان.. قد قابله الإنسان بمزيد من الرفض و السخط و التبرم، فرأينا إحصائيات الانتحار ترتفع مع مؤشرات التقدم في كل بلد.. كلما ازداد البلد مدنيةً ازداد عدد الذين يطلقون على أنفسهم الرصاص و يلقون بأنفسهم من النوافذ و يبتلعون السم و يشربون ماء النار.. هذا غير الانتحار المستتر بالخمور و المخدرات و التدخين و المنومات و المسكنات و المنبهات.. و في مقدمة هؤلاء المنتحرين طلائع فن و فكر وثقافة تعود الناس أن يأخذوا عنهم الحكمة و العلم و التوجيه.

و وصلت الموجة إلى بلادنا فامتلأت أعمدة الصحف بأخبار ابتلاع السم و إطلاق الرصاص و الشنق و الحرق.. و قال المختصون إن نسبة الزيادة الإحصائية تجاوزت العشرين في المائة.. و هو رقم كبير.

و الازدياد متواصل سنة بعد سنة.

و السؤال.. لماذا.. و ما السر؟

و ما سبب الانتحار؟

و إذا تركنا التفاصيل جانباً و حاولنا تأصيل المشكلة وجدنا جميع أسباب الانتحار تنتهي إلى سبب واحد.. أننا أمام إنسان خابت توقعاته و لم يعد يجد في نفسه العزم أو الهمة أو الاستعداد للمصالحة مع الواقع الجديد أو الصبر على الواقع القديم.

إنها لحظة نفاد طاقة و نفاد صبر و نفاد حيلة و نفاد عزم.

لحظة إلقاء سلاح.. يأس.. ما يلبث أن ينقلب إلى اتهام و إدانة للآخرين و للدنيا ثم عداوة للنفس و للآخرين و للدنيا تظل تتصاعد و تتفاقم حتى تتحول إلى حرب من نوع مختلف يعلنها الواحد على نفسه و يشنها على باطنه، و في لحظة ذروة تلتقط يده السلاح لتقتلع المشكلة من جذورها.. و لتقتلع معها الاحساس المرير و ذلك بطمس العين التي تبصر و قطع اللسان الذي يذوق و تحطيم الدماغ الذي يفكر و تدمير اليد التي تفعل و القدم الذي يمشي.

و هو نوع من الانفراد بالرأي و الانفراد بالحل و مصادرة جميع الآراء الأخرى بل إنكار أحقية كل وجود آخر غير الذات.

و لهذا كانت لحظة الانتحار تتضمن بالضرورة الكفر بالله و إنكاره و إنكار فضله و اليأس من رحمته و اتهامه في صنعته و في عدله و رفض أياديه و رفض أحكامه و رفض تدخله.

فهي لحظة كبر و علو و غطرسة و استبداد.

و ليست لحظة ضعف و بؤس و انكسار.

و بدون هذا العلو و الكبر و الغطرسة لا يمكن أن يحدث الانتحار أبدا.

فالإنسان لا ينتحر إلا في لحظة دكتاتورية مطلقة و تعصب أعمى لا يرى فيه إلا نفسه.

و الانتحار في صميمه اعتزاز بالنفس و تأله و منازعة الله في ربوبيته.

و المنتحر يختار نفسه و يصادر كل أنواع الوجود الآخر في لحظة غل مطلق.. في لحظة جحيم..

و لهذا يقول الله أن من قتل نفسه يهوي إلى جحيم أبدي، لأنه قد اختار الغل و انتصر للغل و أخذ جانب الغل عند الاختيار النهائي للمصير.

و الانفراد المطلق في الرأي عصبية و غل و نارية إبليسية.. و النفس المتكبرة الأمارة بالسوء هي نار محضة و ظلمة..

و كل منا في داخله عدة احتمالات لنفوس متعددة.. في داخل كل منا نفس أمارة ظلمانية توسوس له بالشر و الشهوات.. و نفس لوامة نورانية تحضه على الخير ثم كل المراتب النفسية علواً و سفلاً فوق و تحت هاتين المنزلتين.

و كل نفس في حالة تذبذب مستمر بين هذه المراتب صاعدة هابطة فهي حيناً ترتفع إلى آفاق ملهمة و حيناً تهبط إلى مهاو مظلمة شهوانية.

ثم في النهاية تستقر.. فإذا استقرت على الرفض و الكبر و الغطرسة و الغل ثم اقتلعت أسنانها و لسانها و سمعها و بصرها و قطعت رقبتها في غل نهائي لا مراجعة فيه.. هي قد اختارت الجحيم بالفعل.. بل إنها في ذاتها قبضة نار لا مكان لها إلا في الجحيم.

(ناراً وقودها الناس و الحجارة)

يقول ربنا إن هذه النفوس هي وقود النار و جمراتها و مصدر الطاقة النارية فيها، و معنى هذا أنها أشد نارية من النار.

و المنتحر يتصور أنه سوف يتخلص من نفسه، و لكن لا خلاص و لا مهرب لإنسان من ذاته، فهو لن يخرج بالانتحار إلى راحة، بل هو خارج من النار الصغرى إلى النار الكبرى و من النار الزمنية إلى النار الأبدية.

و لنتجنب هذا المصير فإننا لابد أن نتجنب المشكلة أصلاً.

و المشكلة أصلاً هي التعلق.. و من ليس له تعلق بشيء لا ينتحر لشيء.

و لا يجوز عند المؤمنين تعلق إلا بالله فهو وحده جامع الكمالات، الدائم الباقي الذي لا يتغير و لا تخيب عنده التوقعات و لا تضيع الآمال.

و الله هو المحبوب وحده على وجه الأصالة و ما نحب في الآخرين إلا تجلياته و أنواره، فجمال الوجوه من نوره و حنان القلوب من حنانه فنحن لا نملك من أنفسنا شيئاً إلا بقدر ما يخلع علينا سيدنا و مولانا من أنواره و أسمائه.

فنحن لا نحب في بعضنا إلا هو.

و هو حاضر لا يغيب و لا يهجر و لا يغدر و لا يغلق بابه في وجه لاجىء و لا يطرد من رحابه ملهوف.

فالواقفون عنده مطمئنون راضون ناعمون لا يخطر لهم الانتحار على بال سعداء في جميع الأحوال.

إنما ينتحر الذي تعلق بغيره.

الذي تعلق بليلاه و معشوقته و ظن أن جمالها منها فتعلق بها لذاتها تعلق عبادة، و أصبح يتوقع منها ما يتوقع عبد من معبود و ربط نفسه بها رباط مصير. و نسى أنها ناقصة كسائر الخلق و محل للتغير و التبدل تتداول عليها الأحوال و التقلبات فتكره اليوم ما أحبته بالأمس و تزهد غداً فيما عشقته اليوم.

و نسى أن جمالها مستعار من خالقها و أنها إعارة لأجل و حينما ينتهي الأجل ستعود أقبح من القبح.

مثل هذا الرجل المحجوب الغافل إذا أفاق على الصحوة المريرة و فاجأه الغدر و التحول، يشعر شعور من فقد كل رصيده و أفلس إفلاس الموت و لم يبق له إلا الانتحار.

و لو أنه رأى جمالها من خالقها لأحب فيها إبداع صنعة الصانع و لكان من أهل التسبيح الذين يقولون عند رؤية كل زهرة.. الله.. فإذا رأوها في آخر النهار ذابلة.. قالوا حقاً لا إله إلا الله.. فحبهم لله و في الله و روابطهم روابط مودة و معروف لا مقصد لها و لا غرض و لا توقع.. فالغدر لا يفاجئهم و الهجر لا يصدمهم و شأنهم كما يقول المثل العامي.. اعمل الخير و ارمه البحر.. يبسطون أيديهم بالمعونة دون حساب لأي عائد و دون توقع لثمرة.

هؤلاء هم أهل السلامة دائماً.

و هم أهل الطمأنينة و السكينة لا تزلزلهم الزلازل و لا تحركهم النوازل.

هم أهل الطمأنينة اليوم.

و هم أهل الطمأنينة يوم الفزع الأكبر.. يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، و يوم لا ينفع مال و لا بنون.

و هؤلاء لا يتعلقون إلا بالله.

و لا يؤملون إلا في الله.

و لا يتوقعون إلا من الله.

إن المشكلة هي بالدرجة الأولى مشكلة إيمان.. فكلما وضعت التكنولوجيا في يد الإنسان قوة و ثروة و استغناء ازداد بعداً و غروراً و كبراً و تمرداً، و ازداد تعلقاً و ارتباطاً بالأصنام المادية التي خلقها، و ازداد خضوعاً للملذات التي يسرها لنفسه.. و تصور أن قوته سوف تعصمه و علمه سوف يحميه فأمعن في غروره.

و هل عصم الجبل ابن نوح من الطوفان ؟!

بل كان من المغرقين.

( فلا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ).

ضع يدك في يد الله و لا تبرح و حسبك من علاقتك بالناس أن تبذل لهم مودتك و رحمتك على غير توقع لشيء.. فذلك هو قارب النجاة في عالم اليوم.. عالم الانتحار و المنتحرين.

maro18
13/11/2006, 03:10
مسرح العرائس


أشعر بالندم يا إلهي حتى نخاع العظم من أني ذكرت سواك بالأمس و هتفت بغير اسمك و طافت بخاطري كلمات غير كلماتك.

سمحت لنفسي أن أكون مرآة للسراب و مستعمرة للأشباح.

جهلت مقامي و نزلت عن رتبتي و ترجلت عن فرسي الأصيلة لأركب توافه الأمور و لأمشي مع السوقة و أزحف على بطني مع دود الأرض.

خدعني شيطاني و استدرجني إلى مسرح العرائس الذي يديره و إلى تماثيل الطين و الزجاج و الحلي المزيفة.

استدرجني إلى بيوت القماش و قصور الورق و قدمني إلى ناس يبتسمون للمصلحة و يحبون للشهوة و يقتلون للطمع و يتزاوجون للتآمر..

رجال وجوههم ملساء مدهونة و نظراتهم خائنة و لمساتهم ثعبانية و نساء تغطيهن المساحيق فلا تبدو ألوانهن الحقيقية بشرتهن مشدوة و وجوههن مكوية و خطواتهن حربائية و أيديهن تتسلل إلى القلوب يسرقن كل شيء حتى الحقائق.

عالم جذاب كذاب يضوع بالعطور و يبرق بالكلمات.. عالم لزج معسول تغوص فيه الأرجل كما يغوص النمل في العسل حتى يختنق بحلاوته و يموت بلزوجته.

و الأصوات في هذا العالم كلها هامسة مبللة بالشهوة تتسلل إلى ما تحت الجلد و تخترق الضمائر و تأكل الإيمان من الجذور.

تذكرتك يارب و أنا أمشي في هذا العالم فشعرت بالغربة و الانفصال و لم أجد أحدا أكلمه و يكلمني و أفهمه و يفهمني.. نبذوني كلهم و رفضوني كما نبذتهم و رفضتهم.. و أحسست بنفسي وحيدا غريبا مطرودا.. ملقى على رصيف أبكي كطفل يتيم بلا أم.

و سمعت في قلبي صراخا يناديك.

كانت كل خلية في بدني تتوب و تئوب و ترجع و سمعتك تقول في حنان.. لبيك عبدي..

و رأيت يدك التي ليس كمثلها شيء تلتقطني و تخرجني من نفسي إلى نفسك.

و اختفى ديكور القماش و الورق و ذاب مسرح الخدع الضوئية.

و عاد اللا شيء إلى اللا شيء.

و عدت أنا إليك.

لا إله إلا أنت.

سبحانك

و لا موجود سواك

القرب منك يضيف.

و البعد عنك يسلب.

لأنك وحدك الإيجاب المطلق.

و كل ما سواك سلب مطلق.

علمت ذلك بالمكابدة و أدركته بالمعاناة و عرفته بالدم و العرق و الدموع و مشوار الخطايا و الذنوب و أنا أقع في الحفر و أتعثر في الفخاخ.. و كلما وقعت في حفرة شعرت بيدك تخرجني بلطف و كلما أطبق عليّ فخ رأيتك تفتح لي سبيلا للنجاة.. و كلما وضعوني في الأغلال و أحكموا عليّ الوثاق شعرت بك في الوحدة و الظلمة تفك عني أغلالي و تربت على كتفي في حنان و إلهامك يهمس في خاطري.. أما كفاك ما عانيت يا عبدي.

أما اتعظت.. أما اعتبرت.. أما جاء اليوم الذي تثبت فيه قدمك و تتقر خطاك على الطريق.

فأقول باكيا.

سبحانك يارب و هل هناك تثبيت إلا بك و هل هناك تمكين إلا بإذنك.

أنت وحدك الذي أصلحت الصالحين و ثبت الثابتين و مكنت أهل التمكين.

تعطي لحكمة و تمنع لحكمة و لا تسأل عما تفعل.

شفيعي إليك صدقي.

و عذري إليك حبي للحق.

و ذريعتي إلى عفوك رغبتي في الخير.

فمن خطيئاتي نبتت الحكمة كما تنمو أزهار الياسمين من الأرض السبخة.

و من دموع ندمي علمت الناس فصدقوني حينما كلمتهم لأنهم رأوا كلماتي مغموسة بدمي و من عثراتي و سقطاتي أضأت مصباحا هاديا يجنب الناس العثرات.

و كل من عبر طريقي قلت له كلمة صدق و دللته على السلامة.

ربنا ما أتيت الذنوب جرأة مني عليك و لا تطاولا على أمرك و إنما ضعفا و قصورا حينما غلبني ترابي و غلبتني طينتي و غشيتني ظلمتي.

إنما أتيت ما سبق في علمك و ما سطرته في كتابك و ما قضى به عدلك.

رب لا أشكو و لكن أرجو.

أرجو رحمتك التي وسعت كل شيء أن تسعني.

أنت الذي وسع كرسيك السماوات و الأرض.

Gazita
18/11/2006, 16:32
والله روعة.تسلم ايديكي احلى مارو:D :D :D :D

maro18
18/11/2006, 23:15
والله روعة.تسلم ايديكي احلى مارو:D :D :D :D
جازيتا كيفك
اشتقتلك;-)
وميرسى الك حبيبتى

maro18
18/11/2006, 23:18
لا شيء يساوي الحرية


حينما رفع النبي يوسف أكف الدعاء لربه مستنجداً من غواية النسوة قائلاً:

( رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه ).

كان يطلب حريةً و لم يكن يطلب سجناً.

و المسألة نسبية.. فما يحصل عليه من حرية في زنزانة و هو مقيد اليدين و القدمين أكثر بكثير مما يتبقى له من حرية ساعة شهوة. فحينما تجمح الشهوة لا تبقي لصاحبها حرية فهو لا يرى إلا على مرمى ساقين و لا يسمع إلا على مرمى شفتين و لا يعي حكمة و لا يبصر عاقبة و لا يحفظ عهداً و لا يرعى واجباً.. و هو أعمى أصم مقيد الذراعين و الساقين إلى حركة آلية و فعل لا معقول كل هرموناته و دمه و فكره و حسه و مواهبه في خدمة هذه اللحظة اللامعقولة من الإشباع و الفناء الذي يشبه السقوط في هوّة اللاشيء.. و ذلك هو منتهى السجن و منتهى استنفاد الطاقة و استفراغ القوة و إنهاك العزم و تبديد الهمة.. ثم لا يكون بعد ذلك إلا الخمول و البلادة و الاسترخاء و الرغبة في النوم و الرغبة في عدم التفكير في شيء.

تلك الزوبعة التي تعصف بالدم و تطيش بالعقل و تذيب المفاصل و تأسر الجسد و هي ذروة العبودية.

و لهذا قال النبي يوسف صارخاً.

ربّ السجن أحب إلي من هذا الخضوع لهؤلاء النسوة.. فالزنزانة و لا شك أرحب و أوسع من قبضة شهوة امرأة حينما تتسلل إلى النخاع و تعتصر المخ و تحجب العينين و تسدّ الأذنين و تغلق منافذ القلب فلا يعود شيء في الكون يسمع إلا لهاث أنفاسها.. فكأنما أصبحت هي المحراب و الصنم و القبلة.. و مائدة القرابين.

و السجن هنا منتهى الحرية بالنسبة لهذا القيد الشامل المطلق.. و هو أحب ألف مرة لأي رجل في كمال و عقل النبي يوسف يريد أن يصعد و يحلق إلى السماوات فلا شيء يساوي الحرية أبداً.

و أي لذة و أي مقابل فوري مادي أو حسي لا يساوي عقلاً طليقاً و خيالاً محلقاً و فؤاداً مرفرفاً و وجداناً طائراً و فكراً مهاجراً و قلباً مسافراً و أقداماً ساعية لا تحد حركتها حدود.

نعم لا شيء يساوي الحرية.

و أحسن استثمار للحرية أن تبذلها لوجه الله فتجعلها في خدمة الحق و العدل و الخير.. فالعبودية للخالق تحررك من العبودية للخلق و تخلع الحاكمية عن كل الذين حكموك فلا يعود يحكمك أحد و لا يعود يحكمك شيء.. بل تصبح أنت بحكم الخلافة عن الله حاكماً على الكل.. و تصبح لكلماتك ربانية على الجميع.. و يطيعك البر و البحر و الريح و تنقاد لك الشعوب و يستمع إليك التاريخ.

كيف تبلغ هذه الدرجة من الحرية؟

يقول سادتنا الأكابر:

منذ أن تفتح عينيك لتصحو حتى تغلقهما لتنام لا تعلق همتك بأمر من الأمور الدون.

لا تنم على غلّ و لا تصحَ على شهوة و لا تسع إلى طمع و لا تسابق إلى سلطة و إنما اجعل همك و اهتمامك في الخير و البر و الحق و الصدق، و المروءة و المعونة قاصدا وجه ربك على الدوام.

حاول أن يكون فعلك مطابقاً لقولك، و سلوكك مطابقاً لدعوتك.. فإذا غلبتك بشريتك و هزمك هواك في لحظة.. لا تيأس و إنما استنجد و استصرخ ربك.. و قل : الغوث يارب.. يقل لك لبيك عبدي و يخرجك بيده من ظلمة نفسك إلى نور حضرته.

فإنك إن كنت أحد عمّال الله في الأرض و أحد سفرائه إلى قلوب الناس.. فإنه سوف يرحمك إذا أخطأت و يغفر لك إذا أسأت و يعيدك إلى الطريق إذا انحرفت.. و سوف يرعاك و يتولاك لأنك من جنده و حاشيته و خاصته.

و لا تيأس مهما بلغت أوزارك و لا تقنط مهما بلغت خطاياك.. فما جعل الله التوبة إلا للخطاة و ما أرسل الأنبياء إلا للضالين و ما جعل المغفرة إلا للمذنبين و ما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ فيغفر.

جدد استغفارك كل لحظة تجدد معرفتك و تجدد العهد بينك و بين ربك و تصل ما انقطع بغفلتك.

و اعلم أن الله لا يمل دعاء الداعين.. و أنه يحب السائلين الطالبين الضارعين الرافعي الأكف على بابه.. و إنما يمقت الله المتكبر المستغني المختال المعجب بنفسه الذي يظن أنه استوفى الطاعة و بلغ غاية التقوى و قارب الكمال.. ذلك الذي يكلم الناس من عل و يصافحهم بأطراف الأنامل.

ثم بعد التوبة و الاستغفار و التخلي عن الذنوب و التبرؤ من الحول و الطول.. يأتي التحبب و التقرب و التخلق و التحقق.

حاول أن تتحلى بأخلاق سيدك.. فإذا كان هو الكريم الحليم الصبور الشكور العفو الغفور.. فحاول أن يكون لك من هذه الصفات نصيب.

فإذا غالبتك نفسك الأمارة.. اسجد و ابك و تضرع و توسل.. و قل بين دموعك:

يا من عطفت على الطين فنفخت فيه من جمالك و كمالك.

يا من أخرجت النور من الظلمة.

يا من تكرمت على العدم

أخرجني من كثافتي و حررني من طينتي و خلصني من ظلمتي و قوني على ضعفي و أعني على نفسي.. فلا أحد سواك يستطيع أن يفعل هذا.. أنت يا صانعي بيديك.

ثم يقول سادتنا الأكابر :

إن الجهاد يطول فلا تتعجل الثمر.. فكلما عظمت الأهداف طال الطريق.. فلا تبرح الباب.. و أطل السجود.. و أدم البكاء.. فإنك لا تطلب نيشاناً أو جائزة و إنما تطلب وجه صاحب العرش العظيم.

تطلب رب السماوات.

تطلب العزيز الذي لا يرام.

و ذلك مطلب لا يبلغه طالب إلا بعد أن يبتلى و يمتحن و يتحقق إخلاصه.. و يشهد الملائكة منزلته و يرى الملأ الأعلى بينته.

فكيف يصحب الملائكة المقربين إلا النفر الكرام الذين تخلقوا بأخلاقهم.

و كيف تصعد إلى السماوات إلا بعد أن تلقي بمتاعك الأرضي و أثقالك.. ثم تلقي بنفسك الحيوانية من حالق.. ثم تلقي بغرورك و أنانيتك و شهواتك و أطماعك.. و تتجرد من دواعي بشريتك.. و تعود كما خلقك الله نوراً من نوره.

حينئذ تبلغ الحرية حقاً.. و تشاكل الأبرار و الشهداء و القديسين و الملائكة.

و ذلك معراج يحتاج إلى عمر بطوله و إلى زاد من التقوى و المحبة و الطاعة و صبر على البلاء و لا يقدر على هذا إلا آحاد.

و لهذا خلقت الجنة.

و لهذا كانت الأكثرية ترتع في النار من الآن.

maro18
20/11/2006, 02:42
مش عارفة اية سبب نقل الكتاب لقرات لك بس على الاقل كنتوا عرفونا يعنى

maro18
20/11/2006, 02:42
الحب ما هو؟


لو سألني أحدكم.. ما هي علامات الحب و ما شواهده لقلت بلا تردد أن يكون القرب من المحبوبة أشبه بالجلوس في التكييف في يوم شديد الحرارة و أشبه باستشعار الدفء في يوم بارد.. لقلت هي الألفة و رفع الكلفة و أن تجد نفسك في غير حاجة إلى الكذب.. و أن يرفع الحرج بينكما، فترى نفسك تتصرف على طبيعتك دون أن تحاول أن تكون شيئا آخر لتعجبها.. و أن تصمتا أنتما الإثنان فيحلو الصمت، و أن يتكلم أحدكما فيحلو الإصغاء.. و أن تكون الحياة معا هي مطلب كل منكما قبل النوم معا.. و ألا يطفئ الفراش هذه الأشواق و لا يورث الملل و لا الضجر و إنما يورث الراحة و المودة و الصداقة.. و أن تخلو العلاقة من التشنج و العصبية و العناد و الكبرياء الفارغ و الغيرة السخيفة و الشك الأحمق و الرغبة في التسلط، فكل هذه الأشياء من علامات الأنانية و حب النفس و ليست من علامات حب الآخر.. و أن تكون السكينة و الأمان و الطمأنينة هي الحالة النفسية كلما التقيتما.

و ألا يطول بينكما العتاب و لا يجد أحدكما حاجة إلى اعتذار الآخر عند الخطأ، و إنما تكون السماحة و العفو و حسن الفهم هي القاعدة.. و ألا تشبع أيكما قبلة أو عناق أو أي مزاولة جنسية و لا تعود لكما راحة إلا في الحياة معا و المسيرة معا و كفاح العمر معا.

ذلك هو الحب حقا.

و لو سألتم.. أهو موجود ذلك الحب.. و كيف نعثر عليه؟ لقلت نعم موجود و لكن نادر.. و هو ثمرة توفيق إلهي و ليس ثمرة اجتهاد شخصي.

و هو نتيجة انسجام طبائع يكمل بعضها البعض الآخر و نفوس متآلفة متراحمة بالفطرة.

و شرط حدوثه أن تكون النفوس خيرة أصلا جميلة أصلا.

و الجمال النفسي و الخير هو المشكاة التي يخرج منها هذا الحب.

و إذا لم تكن النفوس خيرة فإنها لا تستطيع أن تعطي فهي أصلا فقيرة مظلمة ليس عندها ما تعطيه.

و لا يجتمع الحب والجريمة إلا في الأفلام العربية السخيفة المفتعلة.. و ما يسمونه الحب في تلك الأفلام هو في حقيقته شهوات و رغبات حيوانية و نفوس مجرمة تتستر بالحب لتصل إلى أغراضها.

أما الحب فهو قرين السلام و الأمان و السكينة و هو ريح من الجنة، أما الذي نراه في الأفلام فهو نفث الجحيم.

و إذا لم يكن هذا الحب قد صادفكم و إذا لم يصادفكم منه شيء في حياتكم فالسبب أنكم لستم خيرين أصلا فالطيور على أشكالها تقع و المجرم يتداعى حوله المجرمون و الخير الفاضل يقع على شاكلته..

و عدل الله لا يتخلف فلا تلوموا النصيب و القدر و الحظ و إنما لوموا أنفسكم.

و قد يمتحن الله الرجال الأبرار بالنساء الشريرات أو العكس و ذلك باب آخر له حكمته و أسراره.

و قد سلط الله المجرمين و القتلة على أنبيائه و امتحن بالمرض أيوب و بالفتنة يوسف و بالفراعين الغلاظ موسى و بالزوجات الخائنات نوحا و لوطا.

و أسرار الفشل و التوفيق عند الله.. و ليس كل فشل نقمة من الله.

و قد قطع الملك هيرودوس رأس النبي يوحنا المعمدان و قدمها مهرا لبغي عاهرة.

و لم يكن هذا انتقاصا من قدر يوحنا عند الله.. و إنما هو البلاء.

فنرجو أن يكون فشلنا و فشلكم هو فشل كريم من هذا النوع من البلاء الذي يمتحن النفوس و يفجر فيها الخير و الحكمة و النور و ليس فشل النفوس المظلمة التي لا حظ لها و لا قدرة على حب أو عطاء.

و نفوسنا قد تخفي أشياء تغيب عنا نحن أصحابها. و قد لا تنسجم امرأة و رجل لأن نفسيهما مثل الماء و الزيت متنافرتان بالطبيعة، و لو كانا مثل الماء و السكر لذابا و امتزجا و لو كانا مثل العطر و الزيت لذابا و امتزجا.. و المشكلة أن يصادف الرجل المناسب المرأة المناسبة.

و ذلك هو الحب في كلمة واحدة: التناسب. تناسب النفوس و الطبائع قبل تناسب الأجسام و الأعمار و الثقافات.

و قد يطغى عامل الخير حتى على عامل التناسب فنرى الرسول محمدا عليه الصلاة و السلام يتزوج بمن تكبره بخمسة و عشرين عاما و يتزوج بمن تصغره بأربعين عاما فتحبه الإثنتان خديجة و عائشة كل الحب و لا تناسب في العمر و لا في الثقافة بينهما فهو النبي الذي يوحى إليه و هما من عامة الناس.

و نراه يتزوج باليهودية صفية صبيحة اليوم الذي قتل فيه جيشه زوجها و أباها و أخاها و شباب قومها و زهرة رجالهم واحدا واحدا على النطع في خيبر.. يتزوجها بعد هذه المذبحة فنراها تأوي إلى بيته و تسلم له قلبها مشغوفة مؤمنة و لم تكد دماء قومها تجف.. فكيف حدث هذا و لا تناسب و إنما أحقاد و أضغان و ثارات..

إنه الخير و الخلق الأسمى في نفس الرسول الكريم - صلى الله عليه و سلم- هو الذي قهر الظلمة و هو الذي حقق المعجزة دون شروط..

إنه النور الذي خرج من مشكاة هذا القلب المعجز فصنع السحر و أسر القلوب و طوع النفوس حتى مع الفوارق الظاهرة و عدم التناسب و مع الأضغان و الأحقاد و الثارات..

إنما نتكلم نحن العاديون عن التناسب..

أما في مستوى الأنبياء فذلك مستوى الخوارق و المعجزات..

و ما زالت القلوب الخيرة و النفوس الكاملة التي لها حظ من هذا المستوى قادرة على بلوغ الحب و تحقيق الانسجام في بيوتها برغم الفروق الظاهرة في السن و الثقافة..

ذلك أن الحب الذي هو تناسب و انسجام بالنسبة لنا نحن العاديين.. هو في المستوى الأعلى من البشر نفحة إلهية..

و من ذا الذي يستطيع أن يقيد على الله نفحاته أو يشترط عليه في هباته..

و إذا شاء الله أن يرحم أحدا فمن ذا الذي يستطيع أن يمنع رحمته..

و الحب سر من أعمق أسرار رحمته..

و لا ينتهي في الحب كلام..

Gazita
20/11/2006, 20:12
جازيتا كيفك
اشتقتلك;-)
وميرسى الك حبيبتى
اشتقتلك كتير احلى مارو.انا منيحة الحمد لله انشا الله انتي كمان.

maro18
23/11/2006, 03:46
اشتقتلك كتير احلى مارو.انا منيحة الحمد لله انشا الله انتي كمان.
انا بخير يا عسل
اتمنى تتابعى الموضوع دايما

maro18
23/11/2006, 03:50
الابتهال



إلهي.. يا منبع جميع الأنوار

ترى من نحب حينما ننظر إلى بعضنا البعض..؟!

و هل نحب إلا نورك أنت و أثر يديك على الصلصال

و هل يسكرنا إلا نفخة روحك التي نفختها فينا

و هل نطالع في كل جميل إلا وجهك

و هل كل يد شافية و كل قبلة رحيمة إلا ترجمان رحمتك

فكيف يا إلهي تضل بنا الأودية و تتفرق بنا السكك و نخرج من اسمك إلى أسمائنا فنسجن أنفسنا في هذا الصدر أو نتوه في ذلك العنق أو نهاجر في تلكما العينين و تتسكع أيدينا على نحاس الأضرحة فنلثم الشفاه و يخيل إلينا أننا نذوق خمرك و ما نذوق إلا زجاج الكؤوس التي أودعت فيها ذلك الرحيق الخفي الذي هو سر أسرارك.

و يخيل إلينا أننا بلغنا المنتهى و ما بلغنا إلا لمس الغلاف و تحسس المحارة أما اللؤلؤ داخل المحارة.. و النور المغيب في شغاف القلوب و السر المودع في العيون فليس لنا منه إلا حظ القرب و المطالعة و الاستشراف من بعد حيث لا وصال و لا اتصال و لا انفصال و لا نوال.. و إنما في الذروة من الاحساس.. يأتي ذلك الإغماء.. و تلك الغيبوبة الصاحية.. و تلك النشوة الغامرة.. حينما نوشك أن نكون قاب قوسين أو أدنى من لقاء السر بالسر.

و لا سر إلا سرك و إن تعددت الأسماء و تنوعت المفاتن و اختلفت الوجوه.

إنما هو أنت وحدك المحبوب أينما توجه قلب محب.. و أنت وحدك المعبود أينما توجهت نظرات عابد.

و أنت وحدك الرزاق و إن تعددت الأيدي التي تعطي.

إنما تستمد جميع المصابيح نورها من نورك.

كل مصباح يأخذ منك على حسب استعداده. و يعطي من نورك على حسب شفافيته.

و لكن العطاء في الأصل منك و الجمال منك و النور منك.

سبحانك لا شريك لك.

سبحانك و الحمد لك.

سبحانك والحب لك.

يارب.. سألتك باسمك الرحمن الرحيم أن تنقذني من عيني فلا تريني الأشياء إلا بعينك أنت و تنقذني من يدي فلا تأخذني بيدي بل بيدك أنت تجمعني بها على من أحب عند موقع رضاك.. فهناك الحب الحق.. و هناك أستطيع أن أقول.. لقد اخترت.. لأنك أنت الذي اخترت.. و أنت الوحيد الذي توثق جميع الاختيارات و تبارك كل الحريات.. أنت الحرية و منك الحرية و بك الحرية و أنت الحب و منك الحب و بك الحب.

أنت الحق و الحقيقة.

و ما عدا ذلك أضرحة و نحاس و خشب و صلصال و حجارة و أهداب و عيون و محاجر و أوثان تسجد لأوثان.

لا تدعني يا إلهي في الظلمة ألثم الحجارة و أعانق الصلصال و أعبد الوثن.

بشفة الشيطان لثمت هذه الأشياء و ظننت أنها شفتي و بذراعي الشيطان عانقت و ظننت أنهما ذراعاي.

استحلفتك بضعفي و قوتك

و أقسمت عليك بعجزي و اقتدارك

إلا جعلت لي مخرجا من ظلمتي إلى نوري و من نوري إلى نورك

سبحانك...

لا إله إلا أنت

لا إله إلا الله.

maro18
24/11/2006, 06:04
أراد أن يرحمها


هي صاحبة مال و جمال و دلال.

في أناملها الرقيقة المرصعة من خواتم الماس و الزمرد ما يكفي لبناء جامعة.

و على كتفيها معطف أنيق من فراء الفيزون النادر يكفي للإنفاق على مستشفى.

و في جراج بابا ثلاث عربات مرسيدس أمد الله في عمره و هو لا يرد لها طلبا.. و كلما رفض لها عريسا زادها في أصابعها خاتما.

و هي بعد أن امتلكت الدنيا لا تعرف ماذا تريد بالضبط.

و هي و إن كانت لا تعرف ماذا تريد فإنها تعرف تماما ماذا ترفض.

و هي ترفض كل ما يطرق عليها الباب.

حتى الطقس ترفضه.. فهو دائما حار أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.. أو غائم أكثر من اللازم أو صحو أكثر من اللازم أو رطب أكثر من اللازم.

كما أن الطعام دسم أكثر من اللازم أو مملح أكثر من اللازم أو مسكر أكثر من اللازم أو ساخن أكثر من اللازم أو بارد أكثر من اللازم.

و لابد أن ترى في كل شيء عيبا.

نوع من الدلع و سوء التربية.

عقدة الترف و الوفرة.

و أف من هذا.

و أف من ذاك.

بردانة.. حرانة.. متضايقة.. قلقانة.. زهقانة.. يرن تليفونها كل ثلاث دقائق.

تبكي بلا سبب.

من الضجر أحيانا..

أو من عبء حرية لا تعرف فيما تنفقها و لا كيف تنفقها.

أو من أثقال ثروة لا تعرف كيف تبددها.

أو من وطأة زمن لا معقول يجرجر وراءه العقم و اللاجدوى.. و العبث الفارغ.

رأيتها تدور كالفراشة حول غرفة نوم في معرض موبيليا.. و تحملق في الأثاث المترف بعيون نائمة.. على السرير بطاقة بالثمن 26 ألف جنيه.

و من خلال أهدابها المطلية بالماسكارا تتأمل وسائد ريش النعام و الدولاب المكسو بالشاموا و الازرار الإلكترونية في متناول اليد التي تطفئ و تدير و تغير قنوات التليفزيون المثبت في أقصى السرير و تشغل الستريو و البيك آب و الكاسيت.

و سمعتها تمط شفتيها و تهمس في نبرة لا مبالية.. موش بطال.

لا شك أنها سوف تحدث صاحبها في التليفون بعد دقائق في شأن هذه الغرفة.

و لا شك بعد ذلك أنها سوف تنسى الموضوع.

ثم إنها لن تفاجأ كثيرا حينما تطرق بابها عربة الأثاث تحمل إليها غرفة النوم الأنيقة.

و لا شك أنها سوف تتمدد عليها كقطة. و لا شك أنها سوف تتثاءب في ملل بعد دقائق.. ثم ما تلبث أن تفقد الشعور بجمالها و طرافتها.

فإنها كالعادة.. كل شيء تملكه ما تلبث أن تزهده.

ثم يعود كابوس الملل و الضجر.. و الزمن الثقيل الذي يجرجر قطار اللاجدوى يضغط على أعصابها.

لا تحتقروها يا سادة.

و لكن أشفقوا عليها.

فإن الله لم يحتقر شيئا حين خلقه.

و لو أنه احتقر شأنها لما خلقها من البداية. و لكن كل ما في الأمر.. أنها امرأة مدللة لم تجد الأب الذي يؤدبها و لا الأم التي تنهرها و لا الدنيا التي تقهرها.

و لكن الله لا يهمل أحدا..

و قد كتب على نفسه في أزله الرحمة للجميع.

و قال عن نفسه أنه الرب لا رب سواه.. و قد اقتضت رحمته أن يقسو أحيانا على بعض خلقه ليصلحهم..

فإنه لا يرضى أن تكون لنا عيون و لا نبصر و تكون لنا آذان و لا نسمع.

و قد شق اللحم ليفتح عيون الأجنة في الأرحام كما شق الرءوس ليفتح مجاري الآذان.

و قد شاء ربنا عناية منه بهذه المرأة أن يرحمها.

فصحت الجميلة ذات صباح لتكتشف أنها مسلوبة نعمة البصر.

انطبقت الظلمة على عينيها تماما فلم تعد تبصر شيئا.

و صرخت و بكت و ارتعدت رعبا.

و اجتمع على رأس فراشها طب الأمريكان و الإنجليز و الفرنسيين و الأسبان.

و تداول علماء الشرق و الغرب و انفضوا و هم يقلبون الأكف يأسا و عجزا.

و لا شفاء..

و لا حل..

و لا أمل في حل..

و في الظلمة المطبقة المطلقة.. كانت تتحسس وجه حبيبها و تبكي في حرقة و تهمس.

هل تصدق أني لم أرى وجهك.. حينما كانت لي عينان و حينما كان لي بصر لم أكن أراك.

لم أكن أرى سوى رغباتي.

لم أكن أشعر إلا بنفسي.

لم أكن أرى أحدا.

كان العالم كله مجموعة من المرايا لا أرى فيها إلا وجهي أنا.. و جمالي أنا.. و رغباتي أنا..

اليوم فقط أحاول أن أستشف ملامحك بأناملي و أحاول أن أتعرف عليك.. و أحاول أن أقترب منك.

يا حبيبي كم أتمنى أن أراك.. و أن أعاشر وجهك بعيني.

و بكت و غسلت يديه بدموعها.

صدقوها يا سادة.

فهذه أول مرة تطلب شيئا بحق و تتمنى شيئا بحق.. و تشعر على وجه اليقين أن هناك شيئا يسعدها.

صدقوها... و اسألوا لها الشفاء.

فاليوم ولدت إنسانيتها.. بفعل من أفعال الرحمة الإلهية.. و بسر من أسرار الله الذي يخفي رحمته في عذابه.

maro18
02/12/2006, 18:19
المقال الاخير فى الكتاب واسفة على التأخير
ان شاء الله فى كتب تانى بنفس الطريقة




دعاء العبد الخطاء


إلهي ..

إنك ترى نفسي و لا يراها سواك .

تراها كالبيت الكبير الذي تصدعت منه الجدران و تهاوت السقوف و انكفأت الموائد .


بيتاً مهجوراً يتعاوى فيه الذئاب و يلهو فيه القردة و تغرد العصافير .

ساعةً تتلألأ فيه الأنوار و تموج فيه أشعة القمر .

و ساعةً أخرى مظلماً مطموساً محطم المصابيح تسرح فيه العناكب .

مرةً تحنو عليه يد الربيع فتتفتح الزهور على نوافذه و تصدح البلابل و تغزل الديدان الحرير و تفرز النحلات الطنانة العسل.

و مرةً أخرى يأتي عليه الزلزال فلا يكاد يخلف جداراً قائماً لولا ذلك الحبل الممدود الذي ينزل بالنجدة من سماوات رحمتك .

حبل لا إله إلا أنت سبحانك .

أنت الفاعل سبحانك و أنت مجري الأقدار و الأحكام .. و أنت الذي امتحنت و قويت و أضعفت و سترت و كشفت .. و ما أنا إلا السلب و العدم .. و كل توفيق لي كان منك و كل هداية لي كانت بفضلك و كل نور كان من نورك .. ما أنا إلا العين و المحل و كل ما جرى علي من استحقاقي و كل ما أظهرت فيّ كان بعدلك و رحمتك .. ما كان لي من الأمر شيء .

و هل لنا من الأمر شيء !؟

مولاي .. يقولون إن أكبر الخطايا هي خطايا العارفين .. و لكني أسألك يارب أين العارف أو الجاهل الذي استطاع أن يسلم من الفتنة دون رحمة منك .. و أنت الذي سويت نفوسنا و خلقتها و وصفتها بأنها

( لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي ) .

و أين من له الحول و القوة بدونك .. و هذا جبريل يقول لنبيك لا حول من معصية إلا بعصمة الله و لا قوة على طاعة الله إلا بتمكين الله .

و هل استعصم الذين استعصموا إلا بعصمتك و هل تاب الذين تابوا إلا بتوبتك .. و هل استغفروا إلا بمغفرتك .

إلهي .. لقد تنفست أول ما تنفست بك و نطقت بك و سمعت بك و أبصرت بك و مشيت بك و اهتديت بك .. و ضللت عندما خرجت عن أمرك .

سألتك يارب بعبوديتي أن ترفع عني غضبك .. فها أنا ذا و قد خلعت عن نفسي كل الدعاوي و تبرأت من كل حوْل و طوْل و لبست الذل في رحاب قدرتك .

إنك لن تضيعني و أنا عبدك .

لن تضيع عبداً ذل لربوبيتك و خشع لجلالك .

و كيف يضيع عبد عند مولىً رحيم فكيف إذا كان هذا المولى هو أرحم الراحمين .

ربّ اجذبني إليك بحبلك الممدود لأخرج من ظلمتي إلى نورك و من عدميتي إلى وجودك و من هواني إلى عزتك .. فأنت العزيز حقاً الذي لن تضرك ذنوبي و لن تنفعك حسناتي .

إن كل ذنوبنا يارب لن تنقص من ملكك .

و كل حسناتنا لن تزيد من سلطانك .

فأنت أنت المتعال على كل ما خلقت المستغني عن كل ما صنعت .

و أنت القائل :

هؤلاء في الجنة و لا أبالي و هؤلاء في النار و لا أبالي .

و أنت القائل على لسان نبيك :

( ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم )

فها أنا أدعوك فلا أكف عن الدعاء .. فأنا المحتاج.. أنا المشكلة .. و أنا المسألة .

أنا العدم و أنت الوجود فلا تضيعني .

عاوني يارب على أن اتخطى نفسي إلى نفسي .. أتخطى نفسي الأمارة الطامعة في حيازة الدنيا إلى نفسي الطامعة فيك في جوارك و رحمتك و نورك و وجهك .

لقد جربت حيازة كل شيء فما ازددت إلا فقراً و كلما طاوعت رغائبي ازدادت جوعاً و إلحاحاً و تنوعاً .

حينما طاوعت شهوتي إلى المال ازددت بالغنى طمعاً و حرصاً و حينما طاوعت شهوتي إلى النساء ازددت بالإشباع عطشاً و تطلعاً إلى التلوين و التغيير .. و كأنما أشرب من ماء مالح فأزداد على الشرب ظمأً على ظمأ .

و ما حسبته حرية كان عبودية و خضوعاً للحيوان المختفي تحت جلدي ثم هبوطاً إلى درك الآلية المادية و إلى سجن الضرورات و ظلمة الحشوة الطينية و غلظتها .

كنت أسقط و أنا أحسب أني أحلق و أرفرف .

و خدعني شيطاني حينما غلف هذه الرغبات بالشعر و زوقها بالخيال الكاذب و زينها بالعطور و زفها في أبهة الكلمات و بخور العواطف ، و لكن صحوة الندم كانت توقظني المرة بعد المرة على اللاشيء و الخواء .

إلهي .. لم تعد الدنيا و لا نفسي الطامعة في الدنيا و لا العلوم التي تسخر لي هذه الدنيا و لا الكلمات التي احتال بها على هذه الدنيا .. مرادي و لا بضاعتي .

و إنما أنت وحدك مرادي و مقصودي و مطلوبي فعاوني بك عليك و خلصني بك من سواك و أخرجني بنورك من عبوديتي لغيرك فكل طلب لغيرك خسار .

أنت أنت وحدك .. و ما أرتضي مشوار هذه الدنيا إلا لدلالة هذا المشوار عليك و ما يبهرني الجمال إلا لصدوره عنك و ما أقصد الخير و لا العدل و الحرية و لا الحق إلا لأنها تجليات و أحكام أسمائك الحسنى يامن تسميت بأنك الحق .

و لكن تلك هجرة لا أقدر عليها بدونك و نظرة لا أقوى عليها بغير معونتك .. فعاوني و اشدد أزري .. فحسبي النية و المبادرة فذلك جهد الفقير .. فليس أفقر مني .. و هل بعد العدم فقر .. و قد جئت إلى الدنيا معدماً و أخرج منها معدماً و أجوزها معدماً .. زادي منك و قوتي منك و رؤيتي منك و نوري منك .

و اليوم جاءت الهجرة الكبرى التي أعبر فيها بحار الدنيا دون أن أبتل و أخوض نارها دون أن أحترق .. فكيف السبيل إلى ذلك دون يدك مضمومة إلى يدي .

و هل يدي إلا من صنع يدك ؟ .. و هل يدي إلا من يدك ؟!

و هل هناك إلا يد واحدة ؟

لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين .

سبحانك لا أرى لي يداً .

سبحانك لا أرى سواك .

لا إله إلا الله .

لا إله إلا الله حقاً و صدقاً .

و ذاتك هي واحدة الحسن .

الحسن كله منها .

و الحب كله لها .

و يدك هي واحدة المشيئة .

الفعل كله منها و القوة كلها بها و إن تعددت الأيدي في الظاهر و ظن الظانون تعدد المشيئات .. و إن تعدد المحبون و تعددت المحبوبات .. ما يركع الكل إلا على بابك و ما يلثم الكل إلا أعتابك .. مؤمنون و كفرة .. و إن ظن الكافر أنه يلثم ديناراً أو يقبل خداً فإنما هي أيادي رحمتك أو أيادي لعنتك هي ما يلثم و يقبل دون أن يدري .

و إنما هي أسماء و أفعال و أوصاف .

و المسمى واحد .

و الفاعل واحد .

و الموصوف واحد .

لا إله إلا هو .

لا إله إلا الله .

الحمد له في الأول و الآخر .

رفعت الأقلام و طويت الصحف و انتهت الكلمات .