-
دخول

عرض كامل الموضوع : وماذا إذا كانت لديهم عقيدة الشهداء ؟


dot
02/10/2006, 17:36
بقلم: رؤوبين فدهستور*

خلال اربعة عقود من الحرب الباردة لم تقع اي عملية تدمير بشري ضخمة بسبب الردع المتبادل بين الدولتين العظميين.واستند الاستقرار الاستراتيجي الى توازن رعب والى ما كان يدعى بـ "التدمير المتبادل الاكيد" Mutual Assured Destruction –M A D. لقد كان واضحاً لكلا الطرفين انه اذا نجح في مفاجأة الخصم ومهاجمته بكل الاسلحة النووية التي يملكها سيبقى لدى الطرف الذي تعرض للهجوم قنابل تستطيع ان تتسبب بتدمير كامل.
مرت نظرية الردع النووي التي وضعها أكاديميون أميركيون بتغييرات كثيرة منذ منتصف الاربعينات الى ان جرت بلورة MAD منتصف الستينات على يد وزير الدفاع روبرت مكنمارا. ومنذ نجاح مكنمارا في اقناع القيادة السوفياتية ان استعداد الطرفين للتعرض للتدمير المطلق بواسطة الخصم هو السبيل الوحيد للردع الثابت تحولت هذه النظرية حجر الاساس في الردع النووي وضمنت تالياً استمرار هذا العالم.
ولم يؤدّ انضمام دول جديدة الى نادي الدول النووية الى تغيير في النظرية. فلم تتحدّ بريطانيا ولا فرنسا ولا الصين وجهة النظر هذه، وكان واضحاً ان الخوف من التدمير الشامل من جانب الاتحاد السوفياتي (خوف بريطانيا وفرنسا) او خوف الصين من التعرض للتدمير على يد الولايات المتحدة، ردع هذه الدول عن استخدام اسلحتها النووية.
ادت التجارب النووية التي اجرتها الهند وباكستان في ايار 1998 الى الخوف من فشل نموذج الردع المتبادل بين الدولتين. وجرى الكلام على الاختلاف الثقافي بينهما وعلى التركيبة الدينية ومواقف زعمائهما والتطرف الباكستاني. بعد سنة من هذا التاريخ نشبت بين الهند وباكستان ازمة "كرجيل" التي كادت تؤدي الى حرب. وتبين ان السلاح النووي الذي تملكه الدولتان هو الذي كبح جماح زعامتيهما. فالخوف من تدهور الازمة الى حرب نووية هو الذي منع التصعيد.
لقد اثبتت ازمة "كرجيل" وجهة النظر القائلة ان زعماء الدول التي تملك السلاح النووي سيمتنعون عن استخدامه في مواجهة دولة نووية. ولا يغير في شيء ما هو دين هؤلاء الزعماء او ما هي مواقفهم النظرية. فالخوف من انهيار دولتهم وموت مواطنيهم يردعهم. فالقائد لا يمكن ان ينتحر مع دولته، ولا مصلحة لأي دولة في مثل هذه التهديدات التي قد تبرر الدمار والخسائر التي قد ينزلها بها خصمها النووي.
ان هذه النظرية القائمة على كون السلاح النووي يشكل رادعاً فورياً هي التي دفعت ديفيد بن غوريون الى وضع المشروع النووي الاسرائيلي. فحينها حتى اكثر الدول العربية تطرفاً ورغبة في تدمير اسرائيل سترتدع عن تنفيذ خطتها اذا علمت ان اسرائيل تملك سلاحاً نووياً. ولقد دعمت دروس الحرب الباردة نظرية بن غوريون واثبتت انه في اللحظة الحرجة سيردع السلاح النووي الاسرائيلي كل من يتطلع الى تدمير اسرائيل.
وها هو البروفسور برنارد لويس من كبار المستشرقين في العالم لا يؤمن بصحة انطباق هذه النظرية على الشرق الاوسط. يقول لويس ما كان صحيحاً في مرحلة الحرب الباردة لا ينطبق على ايران. ففي رأيه ثمة فرق كبير بين ايران والدول الاخرى التي تملك سلاحاً نووياً. وكتب في صحيفة "وول ستريت جورنال" في 8 آب (الماضي): الفرق هو في نظرة حكام ايران الحاليين الى يوم القيامة والتي تظهر بحدة في خطاباتهم ومقالاتهم وحتى في الكتب التعليمية التي تشكل سياسة محمود احمدي نجاد... في تقدير لويس لو حصلت ايران على السلاح النووي فان زعماءها لن يلتزموا بالقيود التي التزمها زعماء الدول النووية الاخرى. وتحدث عن خوفه الكبير من ان يقوم آيات الله بقصف اسرائيل بهذا السلاح. وقال: الهجوم المباشر على الولايات المتحدة غير متوقع في المستقبل القريب. في حين تشكل اسرائيل هدفاً سهلاً ومريحاً وقد برهن احمدي نجاد عن مثل هذه النيات.
يرد لويس على الحجتين الاساسيتين اللتين يمكن ان تردعا ايران عن اللجوء الى السلاح النووي: الاولى ان الضربة التي قد تمحو اسرائيل من الخريطة ستبيد الفلسطينيين ايضاً. والثانية التخوف من ان يؤدي تعرض اسرائيل الى هجوم نووي الى رد ساحق من جهة اسرائيل التي لا بد انها اتخذت الخطوات اللازمة من اجل تسديد ضربة مضادة قاتلة.
رداً على الحجة الاولى يستشهد لويس بتفجير تنظيم "القاعدة" السفارتين الاميركيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998 واللذين اديا الى مقتل بضعة ديبلوماسيين اميركيين ومئات القتلى من المسلمين ويقول: لقد كان واضحاً لدى الارهابيين الذين ينشطون باسم الاسلام انهم لا يترددون ازاء احتمال قتل عدد كبير من اخوانهم المسلمين. وهم يستخدمون القول "بأن الله عالم بمؤمنيه" لتبرير لامبالاتهم. اي انه فيما يذهب الكفار من غير المسلمين الى جهنم فالمسلمون يذهبون الى الجنة. ومعنى ذلك ان الارهابيين يقدمون صنيعاً حسناً الى الضحايا من المسلمين.



اما في ما يتعلق بالحجة الثانية المستندة الى الردع فيرد عليها لويس بان الخوف من رد اسرائيلي مدمر قد ضعف كثيراً بسبب عقيدة الاستشهاد المنتشرة في اجزاء كبيرة من العالم الاسلامي. هذه العقيدة عادت لتصبح مهمة جداً في ايامنا بسبب النظرة الى يوم القيامة التي يؤمن بها الايرانيون. فالشيعة من المسلمين يؤمنون بعودة الامام الغائب، المهدي المنتظر، هذه العودة ستحمل معها النصر النهائي لقوى الخير على قوى الشر. يقول لويس ان احمدي نجاد وانصاره على يقين بان الوقت قد حان الآن للصراع الشامل الذي بات في مرحلة متقدمة. من هنا يرى لويس ان نظريةMAD التي طبقت بصورة ناجحة خلال الحرب الباردة لم تعد ذات دلالة. ففي جميع الاحوال في يوم القيامة سيكون الدمار شاملاً، والمهم ما يجري بعد ذلك حين يذهب الكفار الى جهنم والمسلمون الى الجنة...
حتى الآن تبعث نظرية لويس ليوم القيامة على الخوف، ولكن لا يعني هذا انها صحيحة. تستند فرضية لويس الى قواعد الهجمات الفردية التي قام بها الانتحاريون وتطبيقها على الصعيد الوطني، وهي تتجاهل التجربة التاريخية لسلوك الزعامة الايرانية في النزاعات السابقة.
قبل بضع سنوات كانت نظريات لويس تصلح اساساً لوضع السياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ولكن بعد احداث الحادي عشر من ايلول وفي اعقاب تخلي لويس عن حذره الاكاديمي باتت افكاره موضع جدل كبير بين المستشرقين. فقد كان لويس من الاوائل الذين شجعوا الادارة الاميركية على خوض مواجهة مسلحة مع صدام حسين بعد الهجمات على مركزي التجارة. وكان له تأثيره على قرار خوض الحرب عام 2003 وعلى الاعتقاد انه بالامكان بعد الحرب اقامة نظام ديموقراطي في العراق.
ومن دون ان نخوض في جدل بين لويس ومنتقديه من الواضح ان نظرياته وتحليلاته للتطورات في منطقتنا تشكو الى حد كبير من الجمود الفكري. وعلى هذا الاساس علينا درس النظرية الايرانية ليوم القيامة. يجزم لويس ان استعداد الارهابيين المسلمين لمهاجمة اهداف غربية مع علمهم ان هذا سيؤدي الى مقتل العديد من المسلمين دليل على ان الزعماء الايرانيين لن يترددوا في مهاجمة اسرائيل رغم علمهم ان هذا سيؤدي الى موت ملايين من الفلسطينيين. ان هذا الكلام هو تطبيق ما يجري على مستوى أفراد على المستوى الوطني وهو امر غير خاطىء وغير صحيح. فما يمكن ان يقوم به استشهادي فرد لا يدل على قرار القيادة على المستوى الوطني.
تدل تجربة الماضي ان القيادة الايرانية الاكثر تطرفاً بزعامة آية الله الخميني الاكثر تشدداً تصرفت بطريقة عقلانية وواضحة في اللحظات الحرجة. هذا ما جرى خلال الحرب الايرانية - العراقية. فلقد صرح الخميني انه مستحيل ان يوقع على اتفاق وقف اطلاق النار مع الشعب العراقي الى ان يستسلم. ولكن بعد سقوط عشرات الصواريخ العراقية على طهران واصابة عدد كبير من سكانها غيّر الخميني موقفه ووقع على وقف النار مع صدام حسين. يومها كانت الصواريخ تقليدية ومن المؤكد انه عندما تهدد اسرائيل بالرد بصواريخ نووية سيمتنع القادة الايرانيون عن استخدام السلاح النووي.
لا يمكننا ان نجد مصلحة ايرانية وطنية تبرر الدمار الكامل لايران. وادعاء لويس ان نظرة الايرانيين الى يوم القيامة قد تبرر في نظرهم التعرض للدمار الشامل لا يستقيم ابداً مع الافتراض ان الايرانيين رغم كونهم مسلمين هم في نهاية الامر بشر مثل غيرهم في العالم.
على عكس كلام لويس يمكننا ان نبني مستقبلاً شبكة ردع مستقرة بين اسرائيل وايران. قد يتطلب الامر اجراء تغييرات في السياسة النووية الاسرائيلية والانتقال الى الردع النووي العلني. كما ستضطر اسرائيل الى بناء قدرتها لتوجيه ضربة ثانية مضمونة، وهذا الامر تم الى حد كبير بشراء غواصات دولفين.
سيستند الردع المتبادل على قواعد لعبة جديدة يجري وضع الخطوط الحمر لها بحيث تقف اسرائيل امام ايران. على سبيل المثال لا بد ان يكون واضحاً لايران انه في اللحظة التي يسجل فيها انطلاق صاروخ من اراضيها في اتجاه الغرب سيتم تلقائياً تشغيل الرد النووي الاسرائيلي من دون انتظار تحديد الموقع الذي سقط فيه الصاروخ وما اذا كان نووياً ام لا. الى جانب ذلك يجب ان يكون واضحاً لايران انه في حال نجحت في مفاجأة اسرائيل واطلقت عليها صواريخ لم تنجح في تحديدها بصورة مسبقة فانه سيبقى لدى اسرائيل ما يكفي من الصواريخ النووية كي تدمر ايران كلها.



المصدر:"هآرتس"



*خبير استراتيجي عسكري