dot
30/09/2006, 23:59
بقلم: سيد محمود حسن
ليست مدينة جبلة في سوريا من المدن العادية التي يمكن المرور عليها دون
أن تترك في نفسك أثرا خاصة إذا كنت من عشاق المدن البحرية فالمدينة
التي تبعد عن اللاذقية حوالي20 دقيقة تجمع بين البحر والسهل والجبل
وهو أمر يعطيها ميزة خاصة لا تتوافر لبقية مدن الساحل السوري علي
المتوسط ولعل هذه الميزة تفسر كون المدينة ظلت لسنوات طويلة مصنع مبدعي
سوريا من مختلف الأجيال
جغرافيا تقع' جبلة' علي35.21 درجة من العرض الشمالي و33.37
درجة من الطول الشرقي وهي مبنية علي مرتفع صخري يصل البحر بسهل رحب يقع
في جنوب اللاذقية وإلي الغرب من الطريق الدولية دمشق- اللاذقية بـ3
كم, ويمتد هذا السهل الرائع الجميل ذو التربة الخصبة بين مصب نهر
السن جنوبا ومجري نهر الصنوبر شمالا بعرض10 كم وبطول حوالي25 كم.
وفي الحقيقة لا يمكن الوصول إلي يقين تاريخي يبرر تسمية المدينة بهذا
الاسم الذي يعتقد البعض أنه اسم' فينيقي' والمدينة احتفظت باسمها
منذ نحو أربعة آلاف سنة في الكتابات المسمارية ولعله اسم فينيقي وقد
تطور الاسم إلي جبالا تحت السيطرة اليونانية والرومانية وقد تم تعريبه
علي الأرجح في العصرالعباسي فصار الاسم/ جبلة/ ولعل تثنية الفتحات
في الاسم هو الذي حمل المؤرخ العربي شيخ الربوة الدمشقي للقول بأن
المدينة استعارت اسمها من الملك العربي الغساني جبلة بن الأيهم وهذا
رأي تفنده وقائع التاريخ فجبلة بن الايهم لم يعتنق الاسلام إلا بعد
السنة الخامسة عشرة للهجرة/636/ م وارتد عنه بعد ذلك في العام658/
م وهي السنة نفسها التي فتح فيها العرب المسلمون مدينة جبلة وبعد أن
استولي عليها الصليبيون عام/1108/ م أطلقوا عليها اسم زيبل وبقيت
تحمل هذا الاسم حتي طردهم منها وإلي الأبد السلطان المسلم قلاوون
فاستعادها العرب المسلمون واستعادت هي حريتها ومعها تسميتها القائمة
إلي الآن
الإهمال التام
ورغم قرب المدينة من اللاذقية ثاني كبري المدن السورية إلا أنها تبدو
في نظر الكثيرين من أبنائها الذين يبلغ عددهم اليوم ما يقارب المائتي
ألف نسمة' مدينة معاقبة بالإهمال' فالشاعر السوري الشهير أدونيس
المولود في قرية قصابين التابعة لجبلة' كتب كثيرا عن مرارته إزاء
وضعها الحالي فقال إن حيها القديم ساحة لاستقبال النفايات من كل
نوع!'. ورغم هذا الوضع إلا أن المدينة تقاوم الإهمال بصور مختلفة
وعبر مساهمات مدنية وأهلية بعضها يتعلق بخلق فضاءات ثقافية للمدينة
ممثلة في مهرجان جبلة هذا إلي جانب محاولة نشر الوعي الأثري في المدينة
ووقف التدهور في أحيائها وأخيرا قامت لجنة حماية وتطوير المدينة
القديمة في جبلة بوضع خطة عمل لتأهيلها سياحيا تتضمن تحديد المواقع
الأثرية ومعلومات تاريخية عنها ووضع خريطة مصغرة للمدينة القديمة كذلك
نجحت جميعة العاديات فرع جبلة وبالتعاون مع مجلس المدينة في ضمها إلي
شبكة المدن الساحلية الصغيرة علي المتوسط فيإاطار مشروع' موست'
الذي تشرف عليه' اليونسكو' كما تم إعداد دراسة تفصيلية لساحة وسط
المدينة وهي تضم مواقع مهمة جدا أبرزها جامع السلطان إبراهيم بن أدهم
وهو من أحد أهم معالم مدينة جبلة التاريخية وهو يقع في الشمال الشرقي
من المدينة القديمة وسط جبلة اليوم تبلغ مساحته حوالي400 متر مربع
وهو مبني من الحجر الرملي ويحتوي علي ست قباب متفاوتة الأحجام وأكثر
الكتابات الموجودة داخل المسجد تشير إلي استكمال بنائه في العصر
المملوكي ومن ثم في العصر العثماني وفي عهد حافظ الأسد أعيد بناء
مئذنته بعد أن هدمتها صاعقة وكذلك أعيد ترميم المسجد وأعيد ما هدم منه
أو زال وفي المدينة اساطير وحكايات كثيرة تروي عن شجرة كبيرة إلي جوار
المسجد صمدت وقاومت الصاعقة.
وإلي جوار المسجد وسوق المدينة تلمح أطلال المسرح الروماني الذي يقع
علي حدود المدينة القديمة تقريبا من الناحية الشمالية الشرقية. شكله
دائري. يبلغ قطره حوالي(90) مترا, ويتألف من قسمين رئيسيين
متقابلين. هما المدرج من الجهة الجنوبية منه, ومنصة التمثيل في
الجهة الشمالية ويتوسطهما صحن مستدير قطره(21.5) متر. وهو يتسع
لحوالي عشرة آلاف متفرج وقد بني هذا المسرح علي ركائز وقواعد متينة
ضخمة من الحجر الكلسي ومن أعمدة الرخام الرمادي الأحمر, ومن المرمر
المعرق والمشرب ببعض الزرقة نقلت إليه من مصر ومن مدينة صور, ويحيط
به علي شكل نصف دائرة دهليز واسع يبلغ عرضه أربعة أمتار, مسقوف
بحجارة مقوسة طويلة قليلة العرض. نضدت بإحكام وإتقان مشكلة عقودا
متتالية, ومتدرجة في الميل والانحدار للأسفل مسايرة ميل وانحدار صفوف
المدرج الذي يرتكز علي هذا الدهليز ويرجح معظم الأثريين الذين زاروا
جبلة ودرسوا بعض آثارها أنه شيد في مطلع القرن الثاني الميلادي,
ويرجح بعضهم أنه أقيم في عهد متأخر عن ذلك, وينسب بناؤه للإمبراطور
جوستنيان(493-565 م) ويقال إن المسرح تحول إلي حصن في العصر الاموي
حيث يذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان بعد أن فتح مدن الساحل,
وكان بعضها قد خرب, أمر بجمع البنائين والنجارين والصناع, وأمر
ببناء حصن في جبلة خارجا من الحصن الروماني القديم. ويؤخذ من هذا
القول أن الرومان ربما حولوه إلي قلعة حربية قبل الفتوحات الإسلامية
للدفاع عن المدينة. لكن العالم الأثري( رونه دوسو) يعتقد أن
معاوية لم يبن حصنا عربيا في جبلة, لكنه حول هذا المسرح إلي حصن,
وجلبت له الحجارة والأعمدة من مدينة بلدة( عرب الملك) بعد أن كان
المسلمون قد استولوا عليها في نفس السنة التي اقتحموا فيها جبلة(17
هـ-638 م) وكانت قد خربت وهدمت ويبدو أن المسرح قد بقي حصنا أيام
البيزنطيين وفي العهود الصليبية والأيوبية في العهد المملوكي, ويدل
علي ذلك بقايا أبنية ومرافق مختلفة ظهرت في أقسامه أثناء الحفر الذي
قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف أما المؤرخون والرحالة العرب
الذين أرخوا لتلك المرحلة كالعماد الأصفهاني وابن الأثير, وابن
شداد, وغيرهم اعتبروه قلعة حربية
اللافت أن أرنست رينان العالم الفرنسي الشهير قال:' إنه أجمل الآثار
الرومانية علي الساحل الفينيقي علي الإطلاق'.
الحياة المفتقدة
بعد جولة في المسرح الروماني في المدينة تخرج محملا بأرث من الحزن لا
حدود له ولا مجال للتعبير عن أسبابه أكثر من الشعور بالأسي لأن هناك من
يصر علي أن يعامل هذا الأثر الفريد كطلل لا مجال للتعاطي معه الا
باستدعاء الذكري ويهمل أفكارا مهمة قدمها شباب المدينة لترميمه
واستغلاله بصورة ثقافية جمالية لا تختلف عن صور استغلال' جرش'
أو' قرطاج' وبسبب إهمال هذه الأفكار بحجج بيروقراطية يبدو المسرح
من بعيد كديكور في مدينة شبحية لا حياة فيها يزيد من هذا الإحساس قلة
عدد زواره من السوريين والأجانب نتيجة عدم إدراج هذه المعلم علي خطة
وزارة السياحة في سوريا وهو أمر يعرض المدينة لظلم كبير فهي مدينة حياة
لا مجال للموت فيها وخطوات قليلة في سوقها القديم تقدم أكثر من دليل
علي تفتح مظاهر الحياة خاصة في الحارات المجاورة للحمام الشعبي حيث
يمكن أن تشم رائحة' الكنافة النابلسية' التي تمتزج برائحة البيوت
فتضفي علي المكان جلالا خاصا أو في السوق المجاور لمنطقة السرايا التي
اتخذت في الماضي كمقر لقوات الاحتلال الفرنسي وجري استغلالها ك....جن
مركزي للمدينة أما اليوم فالسجن يتحول إلي متحف' لآثار المدينة ليذيل
كل ما ارتبط بها من ذكريات سيئة. وعلي كورنيش المدينة عليك أن تتذكر
مجد مدننا البحرية في مصر مجد رأس البر وبورسعيد ومرسي مطروح فكورنيش
جبلة أقرب ما يكون إلي كورنيش هذه المدن التي عانت مثلها من التجاهل
لكنها لم تجد شاعرا بحجم أدونيس يناصرها في حملتها لمقاومة الإهمال فهو
يصف كورنيش جبلة بأنه' جميل خصوصا أنه لا يزال قريبا إلي الطبيعة
إضافة إلي غناه التاريخي بمآثر الأسلاف وبقاياهم المحفورة في الصخر.'
المؤسف أن الكورنيش الحافل بالمطاعم والمقاهي التي تعيد بعث الحياة
للشاطيء في الليل يفتقد إلي' بلاجات' أو مساحات حرة للتعاطي مع
الحياة بالنهار وهو أمر يفقد المدينة العوائد المالية فضلا عن افتقاد
البهجة الناتجة من حركة المصطافين المحاصرين في الفضاءات التقليدية
للمدينة التي تحتاج إلي معجزة توقظها من النوم في أحضان التاريخ
والأسطورة.
ليست مدينة جبلة في سوريا من المدن العادية التي يمكن المرور عليها دون
أن تترك في نفسك أثرا خاصة إذا كنت من عشاق المدن البحرية فالمدينة
التي تبعد عن اللاذقية حوالي20 دقيقة تجمع بين البحر والسهل والجبل
وهو أمر يعطيها ميزة خاصة لا تتوافر لبقية مدن الساحل السوري علي
المتوسط ولعل هذه الميزة تفسر كون المدينة ظلت لسنوات طويلة مصنع مبدعي
سوريا من مختلف الأجيال
جغرافيا تقع' جبلة' علي35.21 درجة من العرض الشمالي و33.37
درجة من الطول الشرقي وهي مبنية علي مرتفع صخري يصل البحر بسهل رحب يقع
في جنوب اللاذقية وإلي الغرب من الطريق الدولية دمشق- اللاذقية بـ3
كم, ويمتد هذا السهل الرائع الجميل ذو التربة الخصبة بين مصب نهر
السن جنوبا ومجري نهر الصنوبر شمالا بعرض10 كم وبطول حوالي25 كم.
وفي الحقيقة لا يمكن الوصول إلي يقين تاريخي يبرر تسمية المدينة بهذا
الاسم الذي يعتقد البعض أنه اسم' فينيقي' والمدينة احتفظت باسمها
منذ نحو أربعة آلاف سنة في الكتابات المسمارية ولعله اسم فينيقي وقد
تطور الاسم إلي جبالا تحت السيطرة اليونانية والرومانية وقد تم تعريبه
علي الأرجح في العصرالعباسي فصار الاسم/ جبلة/ ولعل تثنية الفتحات
في الاسم هو الذي حمل المؤرخ العربي شيخ الربوة الدمشقي للقول بأن
المدينة استعارت اسمها من الملك العربي الغساني جبلة بن الأيهم وهذا
رأي تفنده وقائع التاريخ فجبلة بن الايهم لم يعتنق الاسلام إلا بعد
السنة الخامسة عشرة للهجرة/636/ م وارتد عنه بعد ذلك في العام658/
م وهي السنة نفسها التي فتح فيها العرب المسلمون مدينة جبلة وبعد أن
استولي عليها الصليبيون عام/1108/ م أطلقوا عليها اسم زيبل وبقيت
تحمل هذا الاسم حتي طردهم منها وإلي الأبد السلطان المسلم قلاوون
فاستعادها العرب المسلمون واستعادت هي حريتها ومعها تسميتها القائمة
إلي الآن
الإهمال التام
ورغم قرب المدينة من اللاذقية ثاني كبري المدن السورية إلا أنها تبدو
في نظر الكثيرين من أبنائها الذين يبلغ عددهم اليوم ما يقارب المائتي
ألف نسمة' مدينة معاقبة بالإهمال' فالشاعر السوري الشهير أدونيس
المولود في قرية قصابين التابعة لجبلة' كتب كثيرا عن مرارته إزاء
وضعها الحالي فقال إن حيها القديم ساحة لاستقبال النفايات من كل
نوع!'. ورغم هذا الوضع إلا أن المدينة تقاوم الإهمال بصور مختلفة
وعبر مساهمات مدنية وأهلية بعضها يتعلق بخلق فضاءات ثقافية للمدينة
ممثلة في مهرجان جبلة هذا إلي جانب محاولة نشر الوعي الأثري في المدينة
ووقف التدهور في أحيائها وأخيرا قامت لجنة حماية وتطوير المدينة
القديمة في جبلة بوضع خطة عمل لتأهيلها سياحيا تتضمن تحديد المواقع
الأثرية ومعلومات تاريخية عنها ووضع خريطة مصغرة للمدينة القديمة كذلك
نجحت جميعة العاديات فرع جبلة وبالتعاون مع مجلس المدينة في ضمها إلي
شبكة المدن الساحلية الصغيرة علي المتوسط فيإاطار مشروع' موست'
الذي تشرف عليه' اليونسكو' كما تم إعداد دراسة تفصيلية لساحة وسط
المدينة وهي تضم مواقع مهمة جدا أبرزها جامع السلطان إبراهيم بن أدهم
وهو من أحد أهم معالم مدينة جبلة التاريخية وهو يقع في الشمال الشرقي
من المدينة القديمة وسط جبلة اليوم تبلغ مساحته حوالي400 متر مربع
وهو مبني من الحجر الرملي ويحتوي علي ست قباب متفاوتة الأحجام وأكثر
الكتابات الموجودة داخل المسجد تشير إلي استكمال بنائه في العصر
المملوكي ومن ثم في العصر العثماني وفي عهد حافظ الأسد أعيد بناء
مئذنته بعد أن هدمتها صاعقة وكذلك أعيد ترميم المسجد وأعيد ما هدم منه
أو زال وفي المدينة اساطير وحكايات كثيرة تروي عن شجرة كبيرة إلي جوار
المسجد صمدت وقاومت الصاعقة.
وإلي جوار المسجد وسوق المدينة تلمح أطلال المسرح الروماني الذي يقع
علي حدود المدينة القديمة تقريبا من الناحية الشمالية الشرقية. شكله
دائري. يبلغ قطره حوالي(90) مترا, ويتألف من قسمين رئيسيين
متقابلين. هما المدرج من الجهة الجنوبية منه, ومنصة التمثيل في
الجهة الشمالية ويتوسطهما صحن مستدير قطره(21.5) متر. وهو يتسع
لحوالي عشرة آلاف متفرج وقد بني هذا المسرح علي ركائز وقواعد متينة
ضخمة من الحجر الكلسي ومن أعمدة الرخام الرمادي الأحمر, ومن المرمر
المعرق والمشرب ببعض الزرقة نقلت إليه من مصر ومن مدينة صور, ويحيط
به علي شكل نصف دائرة دهليز واسع يبلغ عرضه أربعة أمتار, مسقوف
بحجارة مقوسة طويلة قليلة العرض. نضدت بإحكام وإتقان مشكلة عقودا
متتالية, ومتدرجة في الميل والانحدار للأسفل مسايرة ميل وانحدار صفوف
المدرج الذي يرتكز علي هذا الدهليز ويرجح معظم الأثريين الذين زاروا
جبلة ودرسوا بعض آثارها أنه شيد في مطلع القرن الثاني الميلادي,
ويرجح بعضهم أنه أقيم في عهد متأخر عن ذلك, وينسب بناؤه للإمبراطور
جوستنيان(493-565 م) ويقال إن المسرح تحول إلي حصن في العصر الاموي
حيث يذكر المؤرخون أن معاوية بن أبي سفيان بعد أن فتح مدن الساحل,
وكان بعضها قد خرب, أمر بجمع البنائين والنجارين والصناع, وأمر
ببناء حصن في جبلة خارجا من الحصن الروماني القديم. ويؤخذ من هذا
القول أن الرومان ربما حولوه إلي قلعة حربية قبل الفتوحات الإسلامية
للدفاع عن المدينة. لكن العالم الأثري( رونه دوسو) يعتقد أن
معاوية لم يبن حصنا عربيا في جبلة, لكنه حول هذا المسرح إلي حصن,
وجلبت له الحجارة والأعمدة من مدينة بلدة( عرب الملك) بعد أن كان
المسلمون قد استولوا عليها في نفس السنة التي اقتحموا فيها جبلة(17
هـ-638 م) وكانت قد خربت وهدمت ويبدو أن المسرح قد بقي حصنا أيام
البيزنطيين وفي العهود الصليبية والأيوبية في العهد المملوكي, ويدل
علي ذلك بقايا أبنية ومرافق مختلفة ظهرت في أقسامه أثناء الحفر الذي
قامت به المديرية العامة للآثار والمتاحف أما المؤرخون والرحالة العرب
الذين أرخوا لتلك المرحلة كالعماد الأصفهاني وابن الأثير, وابن
شداد, وغيرهم اعتبروه قلعة حربية
اللافت أن أرنست رينان العالم الفرنسي الشهير قال:' إنه أجمل الآثار
الرومانية علي الساحل الفينيقي علي الإطلاق'.
الحياة المفتقدة
بعد جولة في المسرح الروماني في المدينة تخرج محملا بأرث من الحزن لا
حدود له ولا مجال للتعبير عن أسبابه أكثر من الشعور بالأسي لأن هناك من
يصر علي أن يعامل هذا الأثر الفريد كطلل لا مجال للتعاطي معه الا
باستدعاء الذكري ويهمل أفكارا مهمة قدمها شباب المدينة لترميمه
واستغلاله بصورة ثقافية جمالية لا تختلف عن صور استغلال' جرش'
أو' قرطاج' وبسبب إهمال هذه الأفكار بحجج بيروقراطية يبدو المسرح
من بعيد كديكور في مدينة شبحية لا حياة فيها يزيد من هذا الإحساس قلة
عدد زواره من السوريين والأجانب نتيجة عدم إدراج هذه المعلم علي خطة
وزارة السياحة في سوريا وهو أمر يعرض المدينة لظلم كبير فهي مدينة حياة
لا مجال للموت فيها وخطوات قليلة في سوقها القديم تقدم أكثر من دليل
علي تفتح مظاهر الحياة خاصة في الحارات المجاورة للحمام الشعبي حيث
يمكن أن تشم رائحة' الكنافة النابلسية' التي تمتزج برائحة البيوت
فتضفي علي المكان جلالا خاصا أو في السوق المجاور لمنطقة السرايا التي
اتخذت في الماضي كمقر لقوات الاحتلال الفرنسي وجري استغلالها ك....جن
مركزي للمدينة أما اليوم فالسجن يتحول إلي متحف' لآثار المدينة ليذيل
كل ما ارتبط بها من ذكريات سيئة. وعلي كورنيش المدينة عليك أن تتذكر
مجد مدننا البحرية في مصر مجد رأس البر وبورسعيد ومرسي مطروح فكورنيش
جبلة أقرب ما يكون إلي كورنيش هذه المدن التي عانت مثلها من التجاهل
لكنها لم تجد شاعرا بحجم أدونيس يناصرها في حملتها لمقاومة الإهمال فهو
يصف كورنيش جبلة بأنه' جميل خصوصا أنه لا يزال قريبا إلي الطبيعة
إضافة إلي غناه التاريخي بمآثر الأسلاف وبقاياهم المحفورة في الصخر.'
المؤسف أن الكورنيش الحافل بالمطاعم والمقاهي التي تعيد بعث الحياة
للشاطيء في الليل يفتقد إلي' بلاجات' أو مساحات حرة للتعاطي مع
الحياة بالنهار وهو أمر يفقد المدينة العوائد المالية فضلا عن افتقاد
البهجة الناتجة من حركة المصطافين المحاصرين في الفضاءات التقليدية
للمدينة التي تحتاج إلي معجزة توقظها من النوم في أحضان التاريخ
والأسطورة.