dot
30/09/2006, 02:58
بقلم:عوني فرسخ
منذ بداية الصراع الذي فجرته إقامة الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على التراب العربي في فلسطين كان التحدي الصهيوني العامل الأشد تأثيراً في الواقع العربي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحين تقرأ نتائج الحروب العربية الصهيونية منذ العام 1948 يتضح أن كل جولة من جولاتها المتوالية أحدثت نقلة نوعية في الواقع العربي، وبخاصة واقع أنظمة الحكم والاستجابة الشعبية للتحدي الاستعماري الصهيوني. وعندما يتبادل ساسة “إسرائيل” وجنرالاتها الاتهامات حول التقصير وافتقاد السلاح “الإسرائيلي” قوته الرادعة، يغدو مطلوباً إلقاء الضوء على النقلة النوعية المتوقعة في الوطن العربي على الصعيدين الرسمي والمقاوم التي أحدثها انتصار المقاومة اللبنانية الاستراتيجي والتاريخي.
ولا شك أن السيد حسن نصرالله أدار المعركة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً بكفاءة عالية، إلا أن أداء قيادة وكوادر حزب الله، المتميز بشهادة العديد من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين المرموقين، لم يكن وحده صانع النصر المبين، وإن كان صانعه الأول والأهم. ففي تحقيق النصر، كما في تحصينه ضد مؤامرات إجهاضه المحلية والإقليمية والدولية، لشعب لبنان دور تاريخي، خاصة أهالي الجنوب والضاحية، الذين أبدوا من شجاعة الصمود ما أفشل غاية حرب الأرض المحروقة التي استهدفت أحياءهم وقراهم، إذ لم ينتفضوا ضد حزب الله وقيادته كما كان مأمولاً أمريكياً وصهيونياً، وإنما على العكس من ذلك ازدادوا ثقة بالحزب وقيادته واستعداداً للبذل والعطاء. فضلاً عن الإسهامات التاريخية لأصحاب المواقف الوطنية، الشجاعة: الرئيسين لحود وبري والعماد عون وقيادة الجيش والعديد من قادة الأحزاب والساسة ورجال الإعلام والفكر من مختلف طوائف لبنان ونواحيه الجغرافية، الذين بتضامنهم مع المقاومة أفشلوا الضغوط و”الوساطات” الإقليمية والدولية. فيما كان لغضبة الشوارع العربية تأثيرها الملحوظ في مواقف وممارسات الأنظمة العربية. وبالتالي فالنصر الاستراتيجي والتاريخي لحزب الله إنما كان في الواقع العملي نصراً وطنياً لبنانياً وقومياً عربياً. والأمر المؤكد أن سيكون له تداعياته شديدة التأثير في الاستجابة العربية للتحدي الأمريكي الصهيوني.
وفي حكم المؤكد أن لا الإدارة الأمريكية ولا القيادة الصهيونية سوف تسلم بانتصار المقاومة اللبنانية، ناهيك عن تيار “14 آذار” الذي ينكر قادته تحقق أي انتصار لبناني. والثابت في كل الحروب العربية “الإسرائيلية” أن القيادات الصهيونية كانت تباشر الإعداد للجولة القادمة ما إن تضع الحرب الجارية أوزارها. وغالباً، إن لم يكن دائماً، كانت الإدارة الأمريكية تقر ذلك وتسهم فيه بتزويد “إسرائيل” بأحدث الأسلحة والتقنيات الحربية. ولقد توالت خلال الأيام التالية للحرب الدعوات لجولة ثانية مع حزب الله. ومع ذلك يميل معظم المحللين السياسيين إلى استبعاد إقدام التحالف الأمريكي الصهيوني على ذلك، بعد أن فرض حزب الله الهزيمة المذلة على جيش العدوان “الإسرائيلي”، وفضح زيف أساطير التفوق الصهيوني، وضاعف من مأزق إدارة المحافظين الأمريكيين الجدد. فضلاً عن أن الاحتفال الملاييني بالنصر يوم الجمعة 22/9 أوضح بجلاء تام أن الحزب خرج من حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بكامل عافيته وقدرته القتالية واستعداده للتصدي، كما بأوسع تحالف سياسي حزبي وشعبي ندر أن شهد له لبنان مثيلاً. مما يجعل مبرراً الاستنتاج بأن ما فشل في تحقيقه تيار “14 آذار” ورعاته في واشنطن وباريس قبل النصر بات مستحيل التحقق بعده.
ولأن التحالف المضاد يحسب حساب انهيار كامل مشروعه الاستعماري الاستغلالي إن هو ترك تداعيات انتصار المقاومة تأخذ مجراها، فإنه سوف يتجه لتحقيق الإنجاز المستطاع في الحلقة العربية الأضعف. وعليه فالاحتمال الأرجح التوجه لتصفية القضية الفلسطينية رداً على النكسة التاريخية في لبنان. سيما وأنه ليس هناك ما يدل على أن انتصار المقاومة اللبنانية قد أحدث تأثيره في وعي وسلوكيات الأنظمة العربية وفريق اوسلو الفلسطيني، إذ لما يزل صناع قراراتهما فاقدي إرادة المقاومة والمنعة تجاه الضغوط والمداخلات الأمريكية ، وهم يتصرفون وكأن التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية لم يصابا في الصميم، وكأن قوة الردع الصهيونية لم تتبدد، وكأن مخطط التفتيت العرقي والطائفي الأمريكي لم يفشل، وكأن إثارة الفتنة بين أهل القبلة الواحدة لم توأد في صحن المسجد الأزهر حيث ارتفعت صور السيد حسن نصرالله وأعلام حزب الله، وكأن ثقافة الهزيمة التي شاعت في أعقاب نكسة 1967 لم تزلزل قواعدها الصواريخ التي أصابت القواعد العسكرية في ضواحي بيسان وحيفا والخضيرة. وليس أدل على العجز عن الاستفادة من نتائج الانتصار اللبناني من توجه الأنظمة لمجلس الأمن متجاهلة أن الإدارة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي ل”إسرائيل”، هي المتحكمة بقراراته، وهي التي حالت دون تنفيذ قراري “الشرعية الدولية” 242 و338 كما يؤكد اريك رولو الدبلوماسي والصحافي الفرنسي المعروف فيما فريق اوسلو يستجدي العودة للمفاوضات الماراثونية ومسلسل تقديم التنازلات المجانية.
والذي لم يأخذه في حسبانهم صناع قرارات أنظمة التسوية وفريق التنازلات أنه ليس في تاريخ الاستعمار الاستيطاني العنصري حالة واحدة تمت التسوية فيها على أساس التنازلات المتبادلة، وأن الصراع لم ينته يوما إلا من خلال معركة صفرية كان يحسمها الطرف الأكثر كفاءة في إدارة الصراع. وحيث فشلت “إسرائيل” في هزيمة حزب الله، وقهر إرادة المقاومة العربية بالتبعية، كما أرادت ذلك الإدارة الأمريكية، فإنها بذلك، وبعجزها عن فرض الاستسلام على الشعب العربي الفلسطيني، تؤكد قصورها عن أداء الدور الوظيفي في خدمة قوى الاستغلال والهيمنة الكونية، وهو الدور الذي يسببه تلقي الصهاينة دعم هذه القوى ورعايتها منذ كان المشروع الصهيوني مجرد فكرة. وسوف يكون لذلك انعكاس سلبي على صورتها عند رعاتها بعد أن لم تعد رصيداً استعمارياً، وإنما تحولت إلى عبء مادي وأدبي. ولقد برهن انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله على أن “إسرائيل” ليست ممتنعة عن الهزيمة.
وفي مقدور المقاومة الفلسطينية تحقيق إنجاز تاريخي واستراتيجي إن هي استوعبت الدرس اللبناني وأعادت النظر جذرياً في ممارساتها، كما أنه مطلوب العمل على تأسيس الوحدة الوطنية على الالتزام الصادق بالثوابت القومية، والتفاعل إيجابياً مع العمق العربي الملتزم بالمقاومة والممانعة خياراً استراتيجياً وتوظيف ذلك كله في تطوير المقاومة بكل أشكالها. والأمر المؤكد أنه بمقدار ما تمنع قوى المقاومة العربية استقرار “إسرائيل” وتبقي أمن مستوطنيها مهدداً، بقدر ما تتقدم على طريق الإنجاز الحاسم.
المصدر : الخليج
منذ بداية الصراع الذي فجرته إقامة الاستعمار الاستيطاني العنصري الصهيوني على التراب العربي في فلسطين كان التحدي الصهيوني العامل الأشد تأثيراً في الواقع العربي على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وحين تقرأ نتائج الحروب العربية الصهيونية منذ العام 1948 يتضح أن كل جولة من جولاتها المتوالية أحدثت نقلة نوعية في الواقع العربي، وبخاصة واقع أنظمة الحكم والاستجابة الشعبية للتحدي الاستعماري الصهيوني. وعندما يتبادل ساسة “إسرائيل” وجنرالاتها الاتهامات حول التقصير وافتقاد السلاح “الإسرائيلي” قوته الرادعة، يغدو مطلوباً إلقاء الضوء على النقلة النوعية المتوقعة في الوطن العربي على الصعيدين الرسمي والمقاوم التي أحدثها انتصار المقاومة اللبنانية الاستراتيجي والتاريخي.
ولا شك أن السيد حسن نصرالله أدار المعركة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً بكفاءة عالية، إلا أن أداء قيادة وكوادر حزب الله، المتميز بشهادة العديد من الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين المرموقين، لم يكن وحده صانع النصر المبين، وإن كان صانعه الأول والأهم. ففي تحقيق النصر، كما في تحصينه ضد مؤامرات إجهاضه المحلية والإقليمية والدولية، لشعب لبنان دور تاريخي، خاصة أهالي الجنوب والضاحية، الذين أبدوا من شجاعة الصمود ما أفشل غاية حرب الأرض المحروقة التي استهدفت أحياءهم وقراهم، إذ لم ينتفضوا ضد حزب الله وقيادته كما كان مأمولاً أمريكياً وصهيونياً، وإنما على العكس من ذلك ازدادوا ثقة بالحزب وقيادته واستعداداً للبذل والعطاء. فضلاً عن الإسهامات التاريخية لأصحاب المواقف الوطنية، الشجاعة: الرئيسين لحود وبري والعماد عون وقيادة الجيش والعديد من قادة الأحزاب والساسة ورجال الإعلام والفكر من مختلف طوائف لبنان ونواحيه الجغرافية، الذين بتضامنهم مع المقاومة أفشلوا الضغوط و”الوساطات” الإقليمية والدولية. فيما كان لغضبة الشوارع العربية تأثيرها الملحوظ في مواقف وممارسات الأنظمة العربية. وبالتالي فالنصر الاستراتيجي والتاريخي لحزب الله إنما كان في الواقع العملي نصراً وطنياً لبنانياً وقومياً عربياً. والأمر المؤكد أن سيكون له تداعياته شديدة التأثير في الاستجابة العربية للتحدي الأمريكي الصهيوني.
وفي حكم المؤكد أن لا الإدارة الأمريكية ولا القيادة الصهيونية سوف تسلم بانتصار المقاومة اللبنانية، ناهيك عن تيار “14 آذار” الذي ينكر قادته تحقق أي انتصار لبناني. والثابت في كل الحروب العربية “الإسرائيلية” أن القيادات الصهيونية كانت تباشر الإعداد للجولة القادمة ما إن تضع الحرب الجارية أوزارها. وغالباً، إن لم يكن دائماً، كانت الإدارة الأمريكية تقر ذلك وتسهم فيه بتزويد “إسرائيل” بأحدث الأسلحة والتقنيات الحربية. ولقد توالت خلال الأيام التالية للحرب الدعوات لجولة ثانية مع حزب الله. ومع ذلك يميل معظم المحللين السياسيين إلى استبعاد إقدام التحالف الأمريكي الصهيوني على ذلك، بعد أن فرض حزب الله الهزيمة المذلة على جيش العدوان “الإسرائيلي”، وفضح زيف أساطير التفوق الصهيوني، وضاعف من مأزق إدارة المحافظين الأمريكيين الجدد. فضلاً عن أن الاحتفال الملاييني بالنصر يوم الجمعة 22/9 أوضح بجلاء تام أن الحزب خرج من حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بكامل عافيته وقدرته القتالية واستعداده للتصدي، كما بأوسع تحالف سياسي حزبي وشعبي ندر أن شهد له لبنان مثيلاً. مما يجعل مبرراً الاستنتاج بأن ما فشل في تحقيقه تيار “14 آذار” ورعاته في واشنطن وباريس قبل النصر بات مستحيل التحقق بعده.
ولأن التحالف المضاد يحسب حساب انهيار كامل مشروعه الاستعماري الاستغلالي إن هو ترك تداعيات انتصار المقاومة تأخذ مجراها، فإنه سوف يتجه لتحقيق الإنجاز المستطاع في الحلقة العربية الأضعف. وعليه فالاحتمال الأرجح التوجه لتصفية القضية الفلسطينية رداً على النكسة التاريخية في لبنان. سيما وأنه ليس هناك ما يدل على أن انتصار المقاومة اللبنانية قد أحدث تأثيره في وعي وسلوكيات الأنظمة العربية وفريق اوسلو الفلسطيني، إذ لما يزل صناع قراراتهما فاقدي إرادة المقاومة والمنعة تجاه الضغوط والمداخلات الأمريكية ، وهم يتصرفون وكأن التغول الأمريكي والعربدة الصهيونية لم يصابا في الصميم، وكأن قوة الردع الصهيونية لم تتبدد، وكأن مخطط التفتيت العرقي والطائفي الأمريكي لم يفشل، وكأن إثارة الفتنة بين أهل القبلة الواحدة لم توأد في صحن المسجد الأزهر حيث ارتفعت صور السيد حسن نصرالله وأعلام حزب الله، وكأن ثقافة الهزيمة التي شاعت في أعقاب نكسة 1967 لم تزلزل قواعدها الصواريخ التي أصابت القواعد العسكرية في ضواحي بيسان وحيفا والخضيرة. وليس أدل على العجز عن الاستفادة من نتائج الانتصار اللبناني من توجه الأنظمة لمجلس الأمن متجاهلة أن الإدارة الأمريكية، الحليف الاستراتيجي ل”إسرائيل”، هي المتحكمة بقراراته، وهي التي حالت دون تنفيذ قراري “الشرعية الدولية” 242 و338 كما يؤكد اريك رولو الدبلوماسي والصحافي الفرنسي المعروف فيما فريق اوسلو يستجدي العودة للمفاوضات الماراثونية ومسلسل تقديم التنازلات المجانية.
والذي لم يأخذه في حسبانهم صناع قرارات أنظمة التسوية وفريق التنازلات أنه ليس في تاريخ الاستعمار الاستيطاني العنصري حالة واحدة تمت التسوية فيها على أساس التنازلات المتبادلة، وأن الصراع لم ينته يوما إلا من خلال معركة صفرية كان يحسمها الطرف الأكثر كفاءة في إدارة الصراع. وحيث فشلت “إسرائيل” في هزيمة حزب الله، وقهر إرادة المقاومة العربية بالتبعية، كما أرادت ذلك الإدارة الأمريكية، فإنها بذلك، وبعجزها عن فرض الاستسلام على الشعب العربي الفلسطيني، تؤكد قصورها عن أداء الدور الوظيفي في خدمة قوى الاستغلال والهيمنة الكونية، وهو الدور الذي يسببه تلقي الصهاينة دعم هذه القوى ورعايتها منذ كان المشروع الصهيوني مجرد فكرة. وسوف يكون لذلك انعكاس سلبي على صورتها عند رعاتها بعد أن لم تعد رصيداً استعمارياً، وإنما تحولت إلى عبء مادي وأدبي. ولقد برهن انتصار المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله على أن “إسرائيل” ليست ممتنعة عن الهزيمة.
وفي مقدور المقاومة الفلسطينية تحقيق إنجاز تاريخي واستراتيجي إن هي استوعبت الدرس اللبناني وأعادت النظر جذرياً في ممارساتها، كما أنه مطلوب العمل على تأسيس الوحدة الوطنية على الالتزام الصادق بالثوابت القومية، والتفاعل إيجابياً مع العمق العربي الملتزم بالمقاومة والممانعة خياراً استراتيجياً وتوظيف ذلك كله في تطوير المقاومة بكل أشكالها. والأمر المؤكد أنه بمقدار ما تمنع قوى المقاومة العربية استقرار “إسرائيل” وتبقي أمن مستوطنيها مهدداً، بقدر ما تتقدم على طريق الإنجاز الحاسم.
المصدر : الخليج