dot
27/09/2006, 23:40
بقلم: الهام منصور
كنا خلال الأسبوع الماضي ننتظر خطابين مهمين، خطاب نصر وخطاب ذكرى شهداء. يوم الجمعة في الثاني والعشرين من أيلول أطل سيد المقاومة على الجمهور الذي تقاطر الى الضاحية الجنوبية من كل أنحاء لبنان احتفالاً بعيد النصر،
ليقول إن المدخل الى التوافق الذي أصبح ضرورة بعد النصر، هو قيام حكومة وحدة وطنية، مركزاً على الشراكة الحقيقية في قيام الدولة العادلة والقوية والقادرة، وانه بعد قيام هذه الدولة يصبح الكلام على سلاح المقاومة سهلاً ومسهّلاً، وذلك انطلاقاً من ان معالجة النتائج لا تنجح إلا بمعالجة الأسباب. كلام السيد دعا الى المشاركة، أي انه اعترف بالآخر كآخر مختلف وهذه هي الديموقراطية، وهذه هي اللغة التي يصفونها بالشمولية والخشبية. أتى خطابه سلسلة من الحلقات المبنية على المنطق، إذ إنه انطلق من مقدمات، ووفقاً لآلية عقلانية ولو ان النصر إلهي ووصل الى النتائج المتوقعة من تلك المقدمات الأولية. هذا من حيث المضمون، أما من حيث الشكل فقد كان خطاب السيد تجلياً لكل مقومات «الكاريزما» التي يتمتع بها والتي هي مزيج من معطيات متعددة تمنح القائد القدرة على الاتصال والتواصل مع نبض الجمهور فيتحول الى عازف بارع ولكنه صادق، على أوتار أوجاعهم وتطلعاتهم وطموحاتهم وأحلامهم و.. ببناء دولة عادلة ونظيفة وقادرة على حمايتهم من الكيان الصهيوني العدو.
وأتى يوم الأحد في الرابع والعشرين من أيلول وأطل الحكيم على جمهوره الذي تجمع في باحة كنيسة السيدة في حريصا، وكنا ننتظره كما انتظرنا السيد من قبله على شاشة التلفزيون، لكن كنا ننتظره لنستمع الى اللغة الحريرية (المقابلة للغة الخشبية) اللاشمولية. أطل الحكيم، حيّا الناس الذين كانوا يهتفون له وبدأ الكلام. تابعنا كلامه بكل جدية، فماذا وجدنا؟ وجدنا سلسلة لا تنتهي من «يقولون» و«نقول»، يقولون أبيض ونقول أسود أو يقولون أسود ونقول أبيض، وفي النهاية تبين لنا انه لم يقل شيئاً من عندياته، وهذا ما دفع البعض الى التساؤل عما كان سيقوله لو لم يسبقه السيد الى القول. هنا تذكرت نفسي في الصفوف الابتدائية، والأستاذ يكتب على اللوح: ضع النص التالي بصيغة النفي وتساءلت، من هو الأستاذ الذي قدّم للحكيم نص السيد تحت العبارة السابقة؟ لكن الحكيم ولأنه حكيم أدرك أن عملية النفي تلك ألغته كإنّية أو كذات لها قولها الخاص وأن نفي قول الآخر لا ينتج قولاً مستقلاً، فالـ«لا» والـ«لن» والـ«لم» أدوات النفي للحاضر وللمستقبل وللماضي لا تولّد سوى الغياب وهو ما لا يريده لنفسه، لم يأت الى جمهوره ليعلن إلغاء ذاته معه، وبسرعة استحضر كل أدوات الإثبات التي تمتد على الماضي والحاضر والمستقبل معاً، وقال بنبرة عالية وبتأكيد من إصبع اليد المرفوع «نحن آباء المقاومة وأولادها وأحفادها». صفق الجمهور وهتف بحياة القائد الذي استعاد كل كاريزميته في تلك اللحظة. لكن هل انغلقت على الحكيم، الذي أدرك مفاعيل نفي قول الآخر، مفاعيل الاثبات الثلاثي الذي صاح به بأعلى صوته؟ ألم يدرك أنه، بإثباته هذا، قد حوّل نفي كلام الآخر الى إلغاء كامل لهذا الآخر؟ أهذه هي اللغة التي يتهموننا بعدم معرفة استعمالها؟ أهذه هي اللغة المطلوبة لإنقاذ البلد؟
ألم يدرك الحكيم أن ردة الفعل هذه بإلغاء الآخر بعد إلغاء الذات السابق هي ردة فعل شمشونية؟ فبعد سماعي لخطاب الحكيم وبخاصة حين قام بعملية الإلغاء شعرت بأن الفضاء قد امتلأ بصيحة شمشون في الهيكل: «عليّ وعلى أعدائي يا رب». وقلت لنفسي: «يا رب استر!!».
أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية
كنا خلال الأسبوع الماضي ننتظر خطابين مهمين، خطاب نصر وخطاب ذكرى شهداء. يوم الجمعة في الثاني والعشرين من أيلول أطل سيد المقاومة على الجمهور الذي تقاطر الى الضاحية الجنوبية من كل أنحاء لبنان احتفالاً بعيد النصر،
ليقول إن المدخل الى التوافق الذي أصبح ضرورة بعد النصر، هو قيام حكومة وحدة وطنية، مركزاً على الشراكة الحقيقية في قيام الدولة العادلة والقوية والقادرة، وانه بعد قيام هذه الدولة يصبح الكلام على سلاح المقاومة سهلاً ومسهّلاً، وذلك انطلاقاً من ان معالجة النتائج لا تنجح إلا بمعالجة الأسباب. كلام السيد دعا الى المشاركة، أي انه اعترف بالآخر كآخر مختلف وهذه هي الديموقراطية، وهذه هي اللغة التي يصفونها بالشمولية والخشبية. أتى خطابه سلسلة من الحلقات المبنية على المنطق، إذ إنه انطلق من مقدمات، ووفقاً لآلية عقلانية ولو ان النصر إلهي ووصل الى النتائج المتوقعة من تلك المقدمات الأولية. هذا من حيث المضمون، أما من حيث الشكل فقد كان خطاب السيد تجلياً لكل مقومات «الكاريزما» التي يتمتع بها والتي هي مزيج من معطيات متعددة تمنح القائد القدرة على الاتصال والتواصل مع نبض الجمهور فيتحول الى عازف بارع ولكنه صادق، على أوتار أوجاعهم وتطلعاتهم وطموحاتهم وأحلامهم و.. ببناء دولة عادلة ونظيفة وقادرة على حمايتهم من الكيان الصهيوني العدو.
وأتى يوم الأحد في الرابع والعشرين من أيلول وأطل الحكيم على جمهوره الذي تجمع في باحة كنيسة السيدة في حريصا، وكنا ننتظره كما انتظرنا السيد من قبله على شاشة التلفزيون، لكن كنا ننتظره لنستمع الى اللغة الحريرية (المقابلة للغة الخشبية) اللاشمولية. أطل الحكيم، حيّا الناس الذين كانوا يهتفون له وبدأ الكلام. تابعنا كلامه بكل جدية، فماذا وجدنا؟ وجدنا سلسلة لا تنتهي من «يقولون» و«نقول»، يقولون أبيض ونقول أسود أو يقولون أسود ونقول أبيض، وفي النهاية تبين لنا انه لم يقل شيئاً من عندياته، وهذا ما دفع البعض الى التساؤل عما كان سيقوله لو لم يسبقه السيد الى القول. هنا تذكرت نفسي في الصفوف الابتدائية، والأستاذ يكتب على اللوح: ضع النص التالي بصيغة النفي وتساءلت، من هو الأستاذ الذي قدّم للحكيم نص السيد تحت العبارة السابقة؟ لكن الحكيم ولأنه حكيم أدرك أن عملية النفي تلك ألغته كإنّية أو كذات لها قولها الخاص وأن نفي قول الآخر لا ينتج قولاً مستقلاً، فالـ«لا» والـ«لن» والـ«لم» أدوات النفي للحاضر وللمستقبل وللماضي لا تولّد سوى الغياب وهو ما لا يريده لنفسه، لم يأت الى جمهوره ليعلن إلغاء ذاته معه، وبسرعة استحضر كل أدوات الإثبات التي تمتد على الماضي والحاضر والمستقبل معاً، وقال بنبرة عالية وبتأكيد من إصبع اليد المرفوع «نحن آباء المقاومة وأولادها وأحفادها». صفق الجمهور وهتف بحياة القائد الذي استعاد كل كاريزميته في تلك اللحظة. لكن هل انغلقت على الحكيم، الذي أدرك مفاعيل نفي قول الآخر، مفاعيل الاثبات الثلاثي الذي صاح به بأعلى صوته؟ ألم يدرك أنه، بإثباته هذا، قد حوّل نفي كلام الآخر الى إلغاء كامل لهذا الآخر؟ أهذه هي اللغة التي يتهموننا بعدم معرفة استعمالها؟ أهذه هي اللغة المطلوبة لإنقاذ البلد؟
ألم يدرك الحكيم أن ردة الفعل هذه بإلغاء الآخر بعد إلغاء الذات السابق هي ردة فعل شمشونية؟ فبعد سماعي لخطاب الحكيم وبخاصة حين قام بعملية الإلغاء شعرت بأن الفضاء قد امتلأ بصيحة شمشون في الهيكل: «عليّ وعلى أعدائي يا رب». وقلت لنفسي: «يا رب استر!!».
أستاذة الفلسفة في الجامعة اللبنانية