-
دخول

عرض كامل الموضوع : ثقافتنا وثقافة الغرب: مشترك واحد


ابو صخر بفش اهر
26/09/2006, 09:40
قضية الحضارة أصبحت اليوم أكثر تعقيداً من ذي قبل، فلا يوجد اليوم حضارة تحمل جنسية أو أثنية. حضارة اليوم صنعها ويصنعها كل البشر، من مختلف الأصقاع والبقاع. لهذا كيف نفهم من يروج لما يُسمى صراع الحضارات.


الثقافة المشتركة بيننا والغرب ثقافة واسعة، جذورها ضاربة في العمق. والناس عادة ما يظنون أن ثقافتنا مختلفة كثيراً عن ثقافة الغرب. والسبب أن الناس يعدون المكون الديني هو لب الثقافة. وهذا غير صحيح فالثقافة وعاء واسع، يحوي مكونات كثيرة. وفي هذه الأسطر أدون بعض ما عنّ لي عن مشتركنا الثقافي مع الغرب.
بداية لابد من القول إن ثقافتنا العربية، التي بلغت سن الرشد في العصر العباسي، كانت ذات مكون يوناني. ذلك أن التراث اليوناني شكل في ذلك العصر طيفاً من الجماليات والفنون وتعميق المدرك العقلي. ثم هي أيضاً ساهمت في تأصيل العلم التطبيقي العربي. هذه حقائق لا أظن أننا نختلف عليها. ثم نأتي للمكون الروماني الذي يمكن تلمس أثره الواضح في العمارة العربية الإسلامية. وفي ميدان العسكرية، والسلاح، وفي ميدان الإدارة.
هذان المكونان هما أس الثقافة الغربية. لذا يصحح أن نقول أننا وهم نمتح من بئرين مشتركين، ثم جاءت الترجمة في العصر العباسي ومابعده، وهي ترجمة بلغت من الرقي والسمو والإبداع ما جعلها تتعدى كونها ترجمة، ونقل علوم إلى كونها مُكوّناً ثالثاً ساهم في تقريب الثقافة العربية بالثقافة الغربية. كيف تم ذلك. الجواب هو أننا عند نقلنا لعلوم ومعارف اليومنان، ومن لف لفهم من ذوي الثقافات اليونانية لم نكتف بالنقل الحرفي المجرد، بل أعدنا صياغة المنقول بدرجة جعلته وكأننا أصحاب المشروع الثقافي، لا ناقلينه فقط. وزدنا بأن حفظنا ذالك التراث الغني والمهم من الضياع. وعندما فاقت اوروبا، أعادت ترجمة تراثها المكتوب بالعربية. ولكنه تراث هجين: يوناني وعربي في الوقت نفسه. لهذا يصح أن نقول إننا نشترك مع الغرب في هذه الخاصية، وفي هذا المكون الثقافي. لا يمكن للمثقف الغربي أن ينكر أن كثيراً من تراثه القديم، نُقل اليه بثوب عربي قشيب، بل بروح عربية لصيقة بالروح اليونانية.
ومما نشترك فيه مع الغرب صفة إنسانية قديمة جديدة. وهي التراكم الحضاري. فلا يمكن أن نكون بمعزل عن الثقافة الغربية القديمة والحديثة. وهم لا يمكن أن يكونوا بمعزل عنا. لقد نتج من التلاحم والتثاقف تراكم حضاري، ومسؤولية أدبية وذهنية تجاه هذه الحضارة. علينا أن نبني مع الغرب، فوق مابنى اوائلنا. نحن مشتركون في حضارة واحدة، لهذا لا يجوز أن نصنع لأنفسنا حضارة خاصة بنا، ومن ثم نصنع لغيرنا حضارة خاصة به، ثم نعمد إلى تصادم بين الحضارتين. فكرة هننجتون فكرة تعدت اطارها النظري، هو كان يفكر في الدين عندما قال بتصادم الحضارات. أما نحن فنقول إن مشتركنا الحضاري مع الغرب هو مشترك واحد. ولو عمدنا قسراً وجزأناه إلى قسمين أو فسطاطين. فلايمكن أن يتصادم القسمان أو الفسطاطان. لأن بدايتهما ووسطهما واحد.
على أن قضية الحضارة أصبحت اليوم أكثر تعقيداً من ذي قبل، فلا يوجد اليوم حضارة تحمل جنسية أو أثنية. حضارة اليوم صنعها ويصنعها كل البشر، من مختلف الأصقاع والبقاع. لهذا كيف نفهم من يروج لما يُسمى صراع الحضارات.
ومما يجمع ثقافتنا العربية والغربية مبدأ حرية الإنسان واختياره، والتسامح وقبول الآخر. نعم لدينا في تراثنا كماً هائلاً يصب في هذا المنحى. تجده في تراثنا الديني، وتجده في علم الأخلاق العربي القديم، هذا المكون واضح في ثقافتنا العربية، والدليل أننا استطعنا أن ندمج أثنيات عديدة تربو على الثقافة العربية الإسلامية. وكان من الممكن أن نمحو الاثنيات والألوان البشرية لولا تداخل المصالح السياسية، ونزوع البشر إلى الفردية والأنانية.
أما في الثقافة الغربية فإن المكونات السابقة هي من الأسس التي قامت عليها ثقافة الغرب اليوم. ولا يمكن أن ننازع في هذا. بل يجب أن نجعل هذا المكون المشترك سبيلاً من سبل التسامح وقبول بعضنا البعض، التسامح دليل ذهني على قبول الآخر، كما هو، لا كما نريده، ونحن في عصرنا الذهبي في العصر العباسي ما كان بوسعنا أن نبني حضارة فوق الحضارات السابقة لولا هذا المكون المتجذر في ثقافتنا، فما دعاوي القوم اليوم. وما يريدون من. هل يريدون أن ننسى مكونات ثقافتنا لأسباب سياسية آنية، أو لأسباب ايدلوجية مقيتة.
ومما نشترك فيه مع الغرب النزعة المعرفية والعلمية المتأصلة في تراثنا منذ نزول آية (اقرأ). وهم لديهم هذه النزعة المتجذرة في قلوبهم وعقولهم. الفرق، إن كان ثمة فرق هنا هو: أننا أنسينا إلى حين هذه النزعة المعرفية، وركضنا إلى الدعة، بينما هم جادون، نشيطون، ومع هذا فلا مساحة في التباين الحاصل الآن، لأننا إذا عرفنا أننا نشترك مع الغرب في هذه النزعة، عندئذ يمكن أن نعمل سوياً. ويقبل بعضنا نتائج عملنا المشترك أو المفترق. آفة القضية، وسوستها هو أن نجد بيننا ونجد بين الآخر من ينزع إلى ما اسميه بالحوار الذاتي، بمعنى الانكفاء على الذات. ونسيان أن الأرض والعلم والدين والآخرة والدنيا تسع الناس كلهم. وإن الاختلاف هو شريعة وسنة كونية. بل هو الزاد المعرفي، والمحرك العلمي لتفاهم الثقافات وتواصلها، ومن ثم السعي لعالم يسوده الحب والتعاون