-
دخول

عرض كامل الموضوع : أقرب إلى اللبلاب


jalal 2010
23/09/2006, 19:04
بالأمس, لا اعرف إن كان بعيداً أم قريباً, فهذا لا يهم, المــهم أن ســــنوات العمر تقصفت تحت ثقل الظلم, وأن نهر الحقد فرّق بين قلبين أخضرين.
قلبان يحملان الحب وشاحاً, ويرتديان اللوعة شالاً, كانا يلتقيان بين المروج, أو بجانب النهر المسافر إلى البعيد, وفي بعض الأحيان عندما تكون العيون الحاســـــدة التي تسرق البسمة من الشفاه متفتحة, كانا يحتميان في الوادي, خلف صخرة كبيرة تحمل أول حرف من اســـــميهما, ويتمتعان بالدفء المتولد من عشرة أصابع تعصر عشرة أصابع, بينما أربعة عيون مبدعة, لا تتعب من الغزل, تطيّر ملايين العصافير المشــــتاقة, وتغزل من خيوط شمس الأصيل كباكيب ملونة بألوان قزحية, ثم تحولها إلى ثوبين مطرزين بالمرح.
لا هو ولا هــي, كانا يظنان أن السدود العالية ســـترتفع من حــــولهما, وتتركهما في بحيرة سوداء.
رأتهما بعض العيون الشـــرسة وهما في وضـــــــــع يتمناه كل ولهان, وآن انتشر الكلام, تقدم من أوسع الأبواب بمشروع ســـــــلام, بنده الأول والاهم طلب يدها, وبنده الأخير نســــــــيان الماضي بكل آلامه وعودة الصفاء إلى القلوب المتخاصمة منذ سـنوات طويلة, لكن مشروعه انهار قبل أن يقدم كل بنوده, حتى أن أكثرهم من الطرفين, سخروا منه بشـــــدة وهددوه بالقتل إن رآها أو حلم بها مرة أخرى.
يا لهم من حمقى, انهم يصادرون الأحـــلام وكأنهم أصــــــحابها يوزعونها على من يريدون.
تحدث إليهم بلغة الطيبة فلم يفهـموها, تحدث بلغة التهديد ففهـــموها وبادلوه بمثلها, لكنه غيّر رأيه وانتظر معجزة تطل برأسـها وتحول الجمر إلى مرج اخضر يتسع للكل.
تأخرت المعجزة كثيراً, فأرســـل حمامة وحملها غصن زيتون, غير انهم ومثل كائنات ممهورة بالهمجية, أعادوها إليه بوجه كئيب وغصن مكسور.
خــرج من غرفة العناية المشـــــددة, فأبحــر نحــــوهم بقارب من ســـلام وبمجدافين من أمل, وفي منتصف الطريق المفروشة بالبارود, كســــــــروا القارب على صخور العناد وزرعوا المسافات بأسلاك شائكة.
حاصروها بالخــراب وأهانوها, ومن ثم حبســـــــوها بين أربعة جدران لا تعرف ما هي الشمس, أما هو فصادروا حريته, طوقــــــوه بمئات الأشباح, والقوا به في أحضان الاضطراب الأرعن.
ماذا عليه أن يفعل كي يراها, إنه يحن إلى النور الأخضـــــــر الطالع من عينيها, إنها مثل اللبلاب تعرش في وجدانه فكيف يبتعد عنــــها, أو يتركها, لمن يتركها, ولماذا يتركها؟
الأبواب كلها مغلقة بمزاليج من نار, وها ســـبعة أشهر وعشرة أيام قد مرت, أرسل لها مع عصفور رسالة مكتوبة بحبر اللوعة, بدايتها تصــــميم على الصمود, ونهايتها رغبة قوية بالهرب ســــــوياً إلى عالم ليس فيه غير الحب والرحمة.
ـ كيف تطلب من حمامة ليس لها أجنحة أن تطير؟
ردها أشعل الحرائق في داخله, فتوسل إلى أمه أن تتوســـط وتمده بشي من الراحة المفقودة, لكن صواعق اللامبالاة والتوبيخ أصابته وشــــّوشته لأيام طويلة.
آه من الأيام,حـــولته إلى مغلوب ومنكســــر, ولكي لا يجـــري نهــــر الدم المسفوح بلا ســـــبب كما قال أحدهم, خلع ثوب الأمل وارتدى ثوب الحداد, وهاجر إلى الشمال البعيد.
قال لها مرة عند باب الليل الذي غار من شعرها الطويل:
ـ سأفعل المستحيل لكي يكون هذا الشعر لي.
طأطأت برأسها وانكسرت تعابيرها:
ـ أي ذنب ارتكبناه حتى نعاقب بهذه الطريقة المؤلمة؟
ـ لا تخافي يا (أفين) مهما حاولوا فلن يفرقوا بيننا.
تقلبت شهور الغربة وارتحلـــت, أخـــــــذت منه الكثير , وبالمــقابل عبأت جســده الباحث عن الدفء والحنان بالوهم والأنين, وحولته إلى غريـــب لا ينتمي إلى الزمن الذي هو فيه.
ذات صباح دافئ, تزينه حبات مطـــر ناعمـــة, فتح نافذة غرفته في الطابق الثالث, وأمام النافذة تذكر مرابع طفولته, فأرسل نظراته في الاتجاه المؤدي إلى بلده, شاهد عصفورا يرفرف وحيدا ويذهب في الاتجاه نفسه, شـعر بأن العصفور حزين ووحيد مثله, ظل ينظر إليه وحبات بلورية تســـــــــقط من عينيه, وفجأة صاح بصوت أشبه إلى الهمس:
اذهب أيها العصـــفور الحزين, قل لأفين الطهارة والصـــفاء, أفين الجمال وبيارات الحنان, أفين التفاح المغمس بالعسل, أفين اللوز وعطر الربيع, قل لها يا بتولة, اسمك سيظل مكتوبا على قرص الشمــس, ولك وحدك الانتماء وهذا الحب الكلي.
اذهب أيها العصـــفور الحزين, قل لابناء عشــــيرتي الميامين, يا قلوباً بلا صفاء, يا أجساداً بلا أحاســــيس, يا رؤوساً فارغة وبلا أفكار, لماذا أطفأتم الشمس في عينيه؟ والى متى ســــــــتبقون في صدفة الحقد خالدين مخلدين؟
اذهب أيها العصفور الحزين, قل لجحافل الشــــر, كنتم ســــــــــعداء وانتم تحبســــــونها وتمنعون عنها الطعام, كنتم أغبياء وأنتم تعتقدون أنه ذهـــب بلا قلب وبلا عودة, فأنتم لا تعرفون أنه ترك لها قلبه وأخـــــــذ قلبها, وأنها دائما معه, لا تفارقه, شــــعرها ينســــــــدل على كتفيه, يلعب به في الليالي الطويلة ويتسلى به, صدرها في النهار يمنحه الدفء, وفي الليل يتـحول إلى سرير وثير, ينام فيه ولا يصحو إلا لينام من جــــديد, شفاهها نبع ماء بارد, يشرب منه ولا يرتوي أبدا, أصابعها لا تفارق أصـــابعه, يداعبها باستمرار ويحكي حكايات حبه التي لا تنتهي.
اذهب أيها العصفور الحزين, قل للجميع, الصغار قبل الكبار, اخــــرجوا من دوائركم السوداء, جربوا الحب مرة واحدة, عندها ســــــتعرفون كم من قلوب عذبتم, كم من أحلام قتلتم, وكم من حقد زرعتم.
اذهب أيها العصــــفور الحزين, قل لكل المحبين, لا تتركوا قلوبكم تعيـــش مع قلوب لا تعرفها, وإذا فعلتم غير ذلك, ستندمون على العمر الضائع حتى الصـــــمت الأخير, وستقول لكم قلوبكم لماذا امتهنتم الخيانة وحولتمونا إلى مظلومين في الحياة, ولا تنســـــــى أيها العصـــــفور الحزين, أن تقول لكل العاشقين, لكم المجد وإياكم والاستسلام.
اختفى سفيره فعاد مع حزنه وتناول طعامه بصمت.
بعد ثلاثة أيام, استيقظ في ليلة باردة من نومه مذعورا, فقد رآها أثناء نومه تغرق في بحر أسود متلاطم الأمواج وتناديه باسمه مرات ومرات, كم تألم وكم شعر بالحزن لأنه كان واقفا على الشاطئ ينظر ولا يتحرك حتى اختفت.
ترك الحلم انفصالاً عسيراً يدب في كيانه, شرب حسوة ماء وحاول النوم من جديد, ولكن كيف يأتيه النوم والوسن طار دون أجنحة, وتركه مع الهموم والأوهام, ظل السهد يعاشـــــــره بوقاحة, وهرباً من جنون يراوده , ارتدى ثيابه وخرج دون أن تكون له وجهة محددة, على الدرج ســمع صوتاً من داخله يقول:" الجو بارد جداً فأين ستذهب الآن؟" لم يســـــتمع إليه وانما راح يسير في الشارع الخالي من المارة وهو يحرك يديه باتجاهــات مختلفة ويتحدث بصوت مسموع, أكل البرد دفء جسده كله فعاد مثل عصـــــــفور منتوف الريش, أشعل المدفأة, الصق جسده بها إلى أن عادت إليه الحرارة, وبتفكير لم يدم اكثر من دقائق, وفرارا من الضياع, حزم حقائبه وكان قلــبه يفيض شوقاً للصباح.
حين وصل لم يسأل عن غيرها, فقالوا وهم يبتسمون:
ـ إنها ترقد في سلام.
تخشب جسده من هول المفاجـــأة, زفت خلاياه إلى الهذيان, وســــرعان ما وقع مغشيا عليه, وحين نهض, دار من حــوله كأنه يبحث عنها بينهم, تطلع إلى بعض الوجوه, ثم استدار وسار إلى حيث ترقد بســـــــــــلام, صعد التل المفروش بالأشواك وبعض الأزهار اليابســــــة, اقترب منها بخطـــــــوات مرتعشة, خائفة, باكية, مجنونة, وقف إلى جوارها:
ـ صباح الخير يا افين الطــهارة, ها قد جئت إليك رغما عنهـــم ولن يفرقوا بيننــ ..
لم يستطع أن يكمل, انهار فيه شيء ما, رأى الدنيا كلها بيضاء صـــــافية, ولم ير بعدها أي شيء, وكان الآخرون بعضهم يبكي وبعضهم يبتسم.

Kakabouda
24/09/2006, 21:30
جلال أولاً شكراً .
بس أخي الملاحظة الأولى : الخط كتير صغير
تاني شي : طويلة جداً على أنو تكون خاطرة ...
حاول تقلّص بالمرة القادمة ..
تحياتي و أتمنى لك الدوام :D